نظرية المنهاج النبوي الوظيفة والمقصد من خلال كتابات عبد السلام ياسين

0 250

الكوري السالم ولد المختار الحاج / باحث في مجال الحوار الديني والثقافي في الحضارة الإسلامية

ksmaleg2006@yahoo.fr

مقدمة

حينما نتكلم عن المنهاج النبوي فإننا نتكلم عن مصطلح قرآني بامتياز “لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً“، ولو أنه اقتحم بقوة مجال التداول في العصر الحاضر باعتباره الناظم والمحدد لمجالات وطرق التفكير العقلاني،والمنهاج النبوي الذي رسم معالمه الوحي الرباني، وحدد وظائفه ومقاصده محمد صلي الله عليه وسلم باعتباره المبلغ عن الله “َمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى.” (النجم:3-4)، يتميز عن غيره من المناهج بسمات ثلاث هي:

أولا:  بمرجعيته الربانية التي هي سر شموليته وتكامله وانسجامه “وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً” (النساء: 82)

ثانيا:  تحقيقه لمصالح العباد الآجلة والعاجلة فا الله هو ولي المومنين “نحن أولياؤكم فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ” (فصلت: 31)

ثالثا:  صلاحيته لكل زمان ومكان بسبب مرونة قواعده، وشمولية مقاصده، وشرف ونبل وسائله، ويعني المنهاج النبوي ما يطلق عليه في المصطلح القرآني “الصراط المستقيم” وفي المصطلح النبوي “المحجة البيضاء”، ولئن كتب في موضوع المنهاج النبوي كثيرون وخاضوا غماره في كتبهم وأبحاثهم العلمية فإن أيا منهم لم يصل إلى ما وصل إليه الشيخ عبد السلام ياسين من عمق وتحليل، ونظرة شمولية تبرز ملامح العبقرية في هذا المنهاج، وصلاحيته لتنقية السلوك الإنساني من شوائب التعصب والتحجر، وغوائل الانفلات والتحلل. ولما تتميز به كتابات الشيخ من طرافة وجدة ورصانة وتأصيل آثرت أن أتناول موضوع “نظرية المنهاج النبوي الوظيفة والمقصد من خلال كتابات عبد السلام ياسين”، وفي هذا التقديم المقتضب سأوضح:

أولا:  موضوع البحث وفكرته القائدة

ثانيا:  القيمة العلمية للموضوع

ثالثا:  المنهج المتبع

رابعا:  المحاور الأساسية للبحث

أولا:  موضوع البحث وفكرته القائدة: موضوع البحث هو “نظرية المنهاج النبوي الوظيفة والمقصد من خلال كتابات الشيخ عبد السلام ياسين”، والمنهاج النبوي عند الشيخ عبد السلام ياسين يعني أن “نترجم الكتاب والسنة برنامجا عمليا يحيي العبد بالإيمان ويحيي الأمة المخاطبة في القرآن بـ”ياأيها الذين آمنوا” حتى تلبي هذا الخطاب، وتنفذ ما يأتي بعده في آيات الله من أوامر إلهية تريد منا الطاعة لله والإتباع لرسوله لا الانهزام أمام الطاغوت، تعدنا إن أطعنا الله واتبعنا رسوله أن نكون أئمة الأرض ؟”[1] وهذا يبين حقيقة وماهية المنهاج النبوي، وطرفا من وظيفته ومقاصده. والفكرة القائدة للبحث هي تحديد وظائف ومقاصد المنهاج النبوي من خلال كتابات الشيخ عبد السلام ياسين، وقد وضع الشيخ نصب عينيه إشكاليات محددة عالجها بمنهج تأصيلي ينطلق من النص الشرعي، والهدي والمنهاج النبوي، والأسئلة الإشكالية بينها بقوله:

“كيف أخرج من هذه الدنيا سعيدا بسعادة أهل الجنة ؟

كيف أعبر مخاضة حياة أنا فيها مكبوت مقهور ؟

بأية عقيدة ؟

لأية غاية ؟

مع أي سرب؟

بأية أخلاق ؟”[2]، جابه الشيخ هذه الإشكالات وعالجها علميا وعمليا.

ثانيا:  القيمة العلمية للموضوع: يستمد الموضوع أهميته من كونه يسعى إلى بناء رؤية متكاملة تستلهم وتستنير بنصوص الوحي في سعيها الدؤوب للنهوض بالأمة بعد كبواتها المتتالية، ولتحصينها من كل التأثيرات السلبية التي يطفح بها هذا الانفجار المعلوماتي أو”الطوفان المفاهيمي”[3] كما يسميه الشاهد البوشيخي، و”المنهاج النبوي منهاج أمل وبشرى وأذان بالخلاص للمسلم الجغرافي ولكافة أهل الأرض منهاج رحمة ورفق يزف للإنسان بسلوكه نسمة الحياة وروح الإسلام”[4] ومنهاج هذه وظيفته، وذلك مقصده، جدير بالدراسة والتحليل، قمين بالاحتذاء، فمن اتبعه نجا، ومن اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم.

ثالثا: المنهج المتبع: سيكون المنهج المتبع في هذا البحث هو المنهج الاستقرائي لأنه أنسب لتحديد وظائف المنهاج النبوي، واستكناه مقاصده وسبر أغواره، واستخلاص العبر والنتائج منه.

رابعا: المحاور الأساسية للبحث: يتأسس هذا البحث على:

مدخل استهلالي يحرر مصطلحات العنوان.

محور أول:  وظائف نظرية المنهاج النبوي

محور ثاني:  مقاصد نظرية المنهاج النبوي

خاتمة تحدد الخلاصات، وتستشرف الآفاق المستقبلية للأمة في ظل المنهاج النبوي

المدخل الاستهلالي

المنهج الطريق المنهوج أي المسلوك[5] و”النهج: الطريق الواضح، وكذلك المنهج والمنهاج. وأنهج الطريق، أي استبان وصار نهجا واضحا بينا. قال يزيد بن الخذاق العبدى:

ولقد أضاء لك الطريق وأنهجت       سبل المسالك والهدى تعدى

أي تعين وتقوى. ونهجت الطريق، إذا أبنته وأوضحته. يقال: اعمل على ما نهجته لك. ونهجت الطريق أيضا، إذا سلكته. وفلان يستنهج سبيل فلان، أي يسلك مسلكه. [6]

والمنهج والمنهاج: الطريق الواضح، ثم استعير للطريق في الدين كما استعيرت الشريعة لها.

والشرعة بمعنى المنهاج.[7]، يقول السيوطي عازيا لابن عباس في جواب نافع بن الأزرق “الشرعة الدين والمنهاج الطريق، قال وهل تعرف العرب ذلك قال نعم، أما سمعت أبا سفيان ابن الحارث بن عبد المطلب وهو يقول:

لقد نطق المأمون بالصدق والهدى        وبين لـلإسلام دين ومنهاجا “[8]

وكلمة “المنهج” أصبحت اسماً يدل على طريقة البحث ومعالم السير فيه[9]، وعرف المنهج في الاصطلاح بأنه: طائفة من القواعد العامة المصوغة من أجل الوصول إلى الحقيقة في العلم[10] أو “هو فن التنظيم الصحيح لسلسلة من الأفكار العديدة، إما من أجل الكشف عن الحقيقة، حين نكون بها جاهلين، أو من أجل البرهنة عليها للآخرين حين نكون بها عارفينْ”[11]. وانطلاقا من هذا التعريف ندرك أن للمنهج وظيفتين: أولاهما الكشف عن الحقيقة، والثانية تعليم هذه الحقيقة بعد أن تعرف وتستوعب. والمنهاج النبوي يعني طريق الرسول صلى الله عليه وسلم في إخراج الناس من ظلمات الجهل إلى نور السلام بواسطة التعليم والتهذيب والتربية والترقية والتزكية، بما يعنيه كل ذلك من حقائق ومقومات، و”وظيفة المنهاج النبوي العلم والعمل مترابطين، النداء والاستجابة متلازمين، الرحمة والحكمة متعاضدتين، أمر إلهي وطاعة، خطة وتنفيذ معا”[12]. وبهذه الثنائيات يحدد الشيخ المنهاج النبوي (العلم العمل – النداء والاستجابة- الرحمة والحكمة )، فلا فائدة من علم لا يرتبط به عمل، وقديما نعى القرآن على من حملوا التوراة ثم لم يحملوها، واصفا إياهم بأن مثلهم كمثل الحمار يحمل أسفارا، ولا يتحقق المقصد من النداء إلا بالاستجابة الصادقة والسمع والطاعة في العسر واليسر والمنشط والمكره، مع اقتران ذلك كله بصفتي الرحمة والحكمة، فذلك ما يمثل مقصد وروح النص الشرعي، فقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كما جاء في القرآن “بالمومنين رؤوف رحيم” قال تعالى “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ” (آل عمران: 159) و”يمكن أن نحدد وظيفة المنهاج بأنه وضوح وتوضيح يتبعهما سلوك على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فهو آلة للعلم، ومرشد للعمل، وهو في نفس الوقت مادة العلم وبرنامج العمل، لا ينفصل المنهاج آلة للعلم والتوضيح عن المضمون العلمي والعملي للمنهاج الطريق.أصحاب الإيديولوجيات يميزون بين المنهج”méthode”وبين المذهب”doctrine”. فالجدلية مثلا منهج الماركسية، لكن المذهب الماركسي وتعاليمه المادية والطبقية ومطلبه في الحركة والتغيير والصراع، وتحليله التاريخي الاقتصادي الذي بني عليه المذهب كله، مادة زائدة على المنهج، وإن كان المنهج الجدلي المادي يتقمصها كما تتقمص النفس الجسد. أما المنهاج النبوي فهو كل لا يتجزأ، فالسنة النبوية طريق يسلك، النداء إلى الله عز وجل والاستجابة الإيمانية له كل لا يتجزأ في قلب المؤمن وعقله وحركته.”[13]، وبهذه النظرة الكلية والرؤية الشمولية يتميز المنهاج النبوي عن غيره، ويقدم للبشرية ما تطمح إليه من مرحمة وخلاص و”لا معنى للمنهاج إلا إذا كان التغيير هدفه ومقصده وغايته، وإذا كان المنهاج يعنى بالمسلم الفرد، ويحلل عوامل لا ردة في نفسه كما يعنى بالجماعة المسلمة، فذلك لكي يكون تغيير الفرد مع تغيير الجماعة وبواسطته مسايرا له” [14]، أما المقصد الأسمى ف”هو أن يكون الدين كله لله، وأن لا تكون فتنة في الأرض، وأن يدخل الخلق جميعا في طاعة الله ليحققوا الغاية التي من أجلها وجد العالم. “وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون”. أمة واحدة تحمل رسالة للعالمين تبلغها وتجاهد عليها وتتوحد عليها وتحكم بمقتضاها.”[15] ويمكن اختزاله في تحقيق الفوز في الحياة العاجلة والآجلة” فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ “(آل عمران: 185) ولا تتم معرفة حقيقة المنهاج النبوي إلا من خلال استيعاب وظائفه ومقاصده، فما هي هذه الوظائف؟

 

المحور  الأول:  وظائف نظرية المنهاج النبوي عند عبد السلام ياسين

حينما نبحث في وظائف ومقاصد المنهاج النبوي من خلال كتابات الشيخ عبد السلام ياسين فمن البديهي أننا لن نقوم باستقصاء أو عملية حصرية فذلك ما لايستوعبه عرض بهذا الحجم، وحسبي أن أشير إلى الوظائف والمقاصد الجامعة الكبرى للهدي النبوي ، وحينما نتأمل وظائف المنهاج النبوي فإن محددات كبرى ستبرز بجلاء لنتبين من خلالها أهم وظائف ذلك المنهاج، وتستهدف هذه الوظائف في مجملها تحرير الإنسان من عبية الجاهلية وسلطان الجسد والنفس الأمارة بالسوء، ويرى الشيخ أن الوظائف الكبرى تتمثل في:

أولا: تهيئة المسلم لاقتحام العقبة قال تعالى “فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ.” (البلد:11-16) وهذا هو “نداء الله عز وجل للعباد ذكرانا وإناثا هو أن اقتحموا العقبة. واقتحامها “توسط شدة مخيفة”. اقتحامها جهاد وصعود وعر، وضبط نفس وحملها على السير. اقتحامها صبر النفس بالمعنى الذي قرأناه. والوِجهة الله تعالى ورضاه، والجائزة الغرفة والتحية والسلام. والمعيار العقل، والشرع سبيل ومنهاج.”[16] و”العقبة هي الفتنة، هي مجال الاختبار وكأن الحياة وأدوارها وأحداثها مسرح إلهي تعطى فيه حرية الإرادة للممثلين أن يتصرفوا وفق برنامج مسبق شاق يشكل عقبة. فمنهم من يتجاوز مراحل العقبة فيخرج من الفتنة ناجحا. ومنهم من يترف فيما زين به المسرح من ملذات فيفتن ويضيع.”[17]، وأفلح وفاز من اقتحم تلك العقبة واجتازها متحديا سلطان الجسد، وما تميل إليه النفس من ملذات ومتع غالبا ما تغوي من أخلد إلى الأرض واتبع هواه، واقتحمها واجتازها الذين ءامنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم، وهناك عوائق” تثبط الإنسان عن اقتحام العقبة الإيمانية، وعقبات أوْعر تعوقه عن الارتقاء في الإحسان. عقبات من تعلق نفسه بالدنيا، بالمال، بالجاه الذي يصرفه عن المرحمة، بالأنانية التي تجعله يستكبر عن الدخول في حصن الجماعة يسمع النصيحة، غافلا عن ربه، عن مخلوقيته، يحسب أن أحدا لا يراه، ناسيا أن الذي برأه وجعل له لسانا وشفتين ديَّان.”[18] وهي” عقبات النفس والشيطان والدنيا والعقل، وفطم النفس عن الشهوات، واقتحام العقبات.”[19] ورغم كل هذه العوائق يبقى المطلوب الرئيسي من المؤمن أن يزكي نفسه لا أن يدسيها، وأن يطهرها من كافة الرعونات لا أن يرديها، وينهى النفس عن هواها لا أن يتبعها إياه، وبذلك ينهض المسلم بعبء الأمانة، وينسجم مع مقتضى التكريم، فتشرق شمس نجاحه، ويسفر ليله عن صبح بهيج، بعد أن أدلج وبلغ المنزل، فحمد السرى، واستبشر بالنتيجة. ويشخص الشيخ العقبات التي تعترض السالك في أبعادها النفسية والتربوية والاجتماعية والتنظيمية، فيبين أن هناك “عقبات كثيرة أمام المؤمن وأمام جماعة الجهاد يمكن تلخيصها في ثلاث لكل منها بعد نفسي تربوي وبعد اجتماعي تنظيمي وهي:

  1. 1. الذهنية الرعوية: وهي ذهنية النفوس القاعدة التي تنتظر أن يفعل بها ولا تفعل، وأن يدبر غيرها لها وهي لا تقدر أن تدبر. أولئك قوم يحق عليهم قول رسول الله “من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من نفاق.”[20] والمنهاج النبوي في جوهره وحقيقته دعوة للخلق والإبداع، ودعوة للتميز ترفض التخاذل والإمعية قوامها ومرجعيتها “لا تكونوا إمعة تقولون إن أحسن الناس أحسنا وإن ظلموا ظلمنا ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساءوا فلا تظلموا.”[21] فالمطلوب من المسلم أن يؤثر بما يؤمن به من قيم الحق والعدل، لا أن يتأثر بما يعج به المحيط من تيارات ومؤثرات هي في حقيقتها نتاج الانحراف البشري عن مقتضى الفطرة وصراط الله الذي له ما في السماوات والأرض.
  2. 2. الأنانية المستعلية أو المتمتعة: يعوق أصحابها عن اقتحام العقبة امتلاء ما هم فيه وطلب المزيد مما هم فيه. قوم ظلموا أنفسهم وظلموا الناس. [22] ويوشك هؤلاء أن يكونوا ممن ظلموا أنفسهم فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم فأصبحوا ممن لا يعرف قلبه معروفا ولا ينكر منكرا، إلا ما أشرب من هوى مطاع، كالكوز مجخيا.[23]
  3. 3. العادة الجارفة للمجتمعات المسلمة في تيار التبعية للوضع السائد، المانعة لنا أن نعرف معروفا بميزان الشرع، أو ننكر منكرا يذمه الشرع.[24] والانجرار وراء المألوفات والموروثات الاجتماعية من العقبات التي يجب على العقل المسلم أن يتحرر منها، وقد اقتحم الرعيل الأول من المومنين العقبة حينما قالوا للرسول صلى الله عليه وسلم “اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون”.

ثانيا: تجسيد القيم الخلقية في سلوك عملي فـ”ما تغني المزايا والفضائل النفيسة والأخلاق التي يستبطنها عباد الرحمان إن لم تتحقق في عمل يتقبله الله. وهو سبحانه إنما يتقبل من المتقين. والمتقون هم جمع، رجالا ونساء، من المومنين الذين يومنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون. والذين يومنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون. أولئك على هدى من ربهم وأولئك هم المفلحون. “( البقرة: 2-4)[25]، والعقبة التي يتحدث عنها الشيخ عقبة كؤود متعددة المظاهر والأوجه، فما يعنيه الدين الإلهي الخالد من قيم ومثل جليلة لا يمثله تدين المسلمين ولا سلوكهم العملي في هذه الأعصر، فقد بعدت الشقة، واتسعت الهوة ما بين الدين والتدين، وقد تنبه لهذا الواقع عبد الله بن عمر حين قال: “لقد عشنا برهة من دهرنا وأحدنا يؤتى الإيمان قبل القرآن، وتنزل السورة على محمد صلى الله عليه وسلم فنتعلم حلالها وحرامها وآمرها وزاجرها، وما ينبغي أن يقف عنده منها كما تعلمون أنتم اليوم القرآن. ثم لقد رأيت اليوم رجالا يؤتى أحدهم القرآن قبل الإيمان، فيقرأ ما بين فاتحته إلى خاتمته ما يدرى ما آمره ولا زاجره ولا ما ينبغي أن يقف عنده منه فينثره نثر الدقل.”[26] وانطلاقا من هذا فإن تجسيد القيم الخلقية في سلوك عملي يعني بالدرجة الأولى الأوبة إلى الله والرجوع للقرآن وقراءته بتدبر وتعقل وتمعن وتفكر، فالقرآن نعى على المنحرفين عن منهاج الله أنهم “لا يتفكرون، ولا يتذكرون، ولا يتدبرون، ولا يعقلون، ولا ينظرون “، وحينما يتفكر الإنسان ويتذكر ويتدبر ويعتبر سيؤديه ذلك حتما إلى المنهاج النبوي القويم الذي يعلي من شأن الإيمان، ويحرر العقل المسلم من وهم التناقض بين العقلانية العلمية المتحررة والعقلية الغيبية، إذ الإيمان بالغيب في حد ذاته يمثل معطى خلقيا كبيرا له دوره البارز في تشكيل نسيج السلوك الخلقي للمسلمين الذين يرجون رحمة الله ويخافون عقابه. ولهذا الإشكال تنبه الشيخ حينما يقول إن “المفكر المعاصر ملحدا كان أو قوميا أو مسلما تراثيا أو سطحيا فيعمد إلى طرح جانب الغيب من معادلته ويعلم وعيا تاريخيا وضعيا لا مكان فيه للغيب، ماديا جدليا لا يحسب إلا حساب القوى المتناقضة المتصارعة.”[27] ولكن “بين طرفي إلغاء الأسباب وإلغاء الغيب من الحساب يقع صواب الإيمان بقدرة الله المطلقة والاحترام المشروط على المومنين لسنته في الكون والتاريخ، التحليل الموضوعي الوضعي والمادي لا يستطيع إدراك المعجزة التاريخية التي برزت للوجود على يد رسول الله صلى الله  عليه وسلم وأصحابه وخلفائه من بعده لأن المحللين ومعهم كلمة العصر الحاسمة:  “العلم” لا يحيون الإيمان فلا يعرفون شؤون الإيمان ومقتضياته من داخل نفوسهم الخربة.”[28] وحينما ينتفي الإيمان تختفي البصيرة النفاذة وينطمس شعاع العقل الواعي والفكر المتبصر، فيتيه الإنسان في غيابات الحيرة والجهل، ورغم ما حبى الله به هذه الأمة من كتاب واحد مصون من التحريف والتبديل، فإن ذلك لم يعصم من الانحراف، حفظ الله الكتاب من التحريف لكن الأمة لم تسلم من الانحراف، فجرفتها الإغراءات التي تتمثل أحيانا في نوازع الهوى والنفس الأمارة بالسوء. قال الله تعالى: )فأما من طغى وآثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى. وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى(.(النازعات: 37-41) وأحيانا تتمثل في إغراءات الجاه والمال وهذه الإغراءات التي تشكل التحدي الأكبر للعقل المسلم الذي يجد نفسه مدفوعا بنوازعه النفسية، وميوله الغريزية إلى ما يأباه العقل والحكمة، ومن هذا الإغراء ما يطلق عليه في المصطلح القرآني التزيين وهو المصطلح الذي نقرأه في آيات كثيرة منها:

  • ” زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ اتَّقَواْ فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاللّهُ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ” (البقرة: 212)
  • ” زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ” (آل عمران:14)
  • ” فَلَوْلا إِذْ جَاءهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُواْ وَلَـكِن قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ ” (الأنعام:)43)، فهذا التزيين الذي يجابه الإنسان في حياته يمثل جانبا من التحدي الذي يواجهه الفرد والمجتمع، ولا سبيل للتحرر من إساره إلا باحتذاء المنهاج النبوي القويم، فلا بد من الصبر والمصابرة قال تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اصْبِرُواْ وَصَابِرُواْ وَرَابِطُواْ وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ “آل عمران-200)، والفلاح هو الفوز بالجنة وهي سلعة الله الغالية “ألا وإن سلعة الله غالية، ألا وإن سلعة الله الجنة.”[29]

ثالثا: التخلق بخلق الصبر والتواصي به وبالحق فـ”المستقر والمُقام لعباد الرحمان، وهم المتقون صفتهم البارزة التي نالوا بها الجزاء السني والمقام العلي هي الصبر كما قرأنا في الآية الكريمة: )يجزون الغرفة بما صبروا(الفرقان: 75 وتحية الملائكة لهم كانت بسبب الصبر كما جاء في آية أخرى: )سلام عليكم بما صبرتم(.(الرعد: 25)”[30]، ومن الصبر المرغوب والمحمود صبر النفس مع الذين يدعون ربهم بالغداة و العشي،  والله جل جلاله أمر عباده بالصبر، وبالتواصي بالحق والتواصي بالصبر، قال تعالى:

  • “وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً” (الكهف: 28)
  • “وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ” (العصر:3). فلا بد من بعث المجتمع بتجسيد القيم في سلوك عملي بعيدا عن الاستغلال الإيديولوجي النفعي من قبيل استخدامه كمخزون نفسي لتحريك الجماهير كما هو شأن رواد مدرسة “الواقعية التراثية” كما يسميها الشيخ عبد السلام ياسين.[31]

رابعا: تحرير المسلم من عجمة اللسان والعقل والقلب لأن هذه العجمة تمنعه من استيعاب الخطاب الشرعي واستجلاء مكامن عبقريته، ومظاهره الجمالية الفريدة فلا مجال لاستيعاب النص القرآني إلا من خلال معرفة اللغة العربية، وقد استحضر الشيخ حادثة عمر بن عبيد مع أبي عمر بن العلاء، وقد نقلها البيهقي في شعب الإيمان والذهبي في ميزان الاعتدال وتاريخ الإسلام وابن القيم في كتابيه حادي الأرواح ومدارج السالكين قال:” وتناظر في هذه المسألة أبو عمرو بن العلاء وعمرو بن عبيد، فقال عمرو بن عبيد: يا أبا عمرو لا يخلف الله وعده، وقد قال ومن يقتل مؤمنا متعمدا الآية. فقال له أبو عمرو: ويحك يا عمرو من العجمة أتيت، إن العرب لا تعد إخلاف الوعيد ذما بل جودا وكرما. أما سمعت قول الشاعر:

ولا يرهب ابن العم ما عشت صولتي    ولا يختـشي من سطوة المتهدد

وإني إن أوعــدتـه أو وعـدته      لمخلف إيعادي ومنجز موعدي”[32]

فهذا القصور اللغوي في فهم دلالات الألفاظ كان وراء ظهور نزعة عقدية جديدة على الفكر الإسلامي كان لها الأثر البالغ في إحداث هوة عميقة كادت تعصف بمقومات واستقرار المجتمع المسلم، ورغم أن أوار هذه الدعوات قد خبا وأن دعاتها حجزوا في أقماع السمسم[33] إلا أن كثيرين قد اكتووا بنيرانها وعانوا مما خلفته من جراح غائرة، وما محنة الإمام أحمد بن حنبل عنا ببعيد، فـ”اللغة العربية جزء لايتجزأ من الدين إذ هي حاملته وحاضنته ومتى دخلت العجمة اللسان أو حال حائل العجمة دون فهم البيان فقد انغلق ما كان مفتوحا من أبواب الفقه وهو أعظمها، وسارعت إلى الناس الهلكة، وقد أخرج البخاري في تاريخه الكبير أن الحسن البصري رحمه الله قال “إنما أهلكتكم العجمة “.”[34] وإذا كانت عجمة اللسان تمنع من استيعاب المعاني على حقيقتها فإن عجمة العقل والقلب تمنع حتى من مجرد السماع، ولا استجابة بدون سماع “إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ” ((الأنعام:36) وإذا حالت “عجمة العقل والقلب عن النفوذ إلى أسرار اللغة فلا أمل في أن يبلغ النداء الإلهي محله النوعي، ولا أن تستشرف العقول المستعجمة المستغربة إلى مجال العلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.”[35]

ويقول الشاطبي في الموافقات: إن “الشريعة عربية، وإذا كانت عربية؛ فلا يفهمها حق الفهم إلا من فهم اللغة العربية حق الفهم؛ لأنهما سيان في النمط ما عدا وجوه الإعجاز، فإذا فرضنا مبتدئًا في فهم العربية فهو مبتدئ في فهم الشريعة، أو متوسطا؛ فهو متوسط في فهم الشريعة، والمتوسط لم يبلغ درجة النهاية، فإن انتهى إلى درجة الغاية في العربية كان كذلك في الشريعة؛ فكان فهمه فيها حجة كما كان فهم الصحابة وغيرهم من الفصحاء الذين فهموا القرآن حجة، فمن لم يبلغ شأوهم؛ فقد نقصه من فهم الشريعة بمقدار التقصير عنهم، وكل من قصر فهمه لم يعد حجة، ولا كان قوله فيها مقبولًا. فلا بد من أن يبلغ في العربية مبلغ الأئمة فيها؛ كالخليل، وسيبويه، والأخفش، والجرمي، والمازني ومن سواهم، وقد قال الجرمي “أنا منذ ثلاثين سنة أفتي الناس [في الفقه] من كتاب سيبويه”.”[36]

وأهمية ومكانة اللغة العربية يؤسس لها النص الشرعي؛ فقد ورد في القرآن أن الله أنزل هذا الكتاب ” قُرْآناً عَرَبِيّاً ” يوسف: 2 وَ” حُكْماً عَرَبِيّاً “الرعد: 37، والقرآن يسره الله بلسان النبي صلى الله عليه وسلم العربي مع أنه أرسله للناس كافة بهذا القرآن، وجعله ذكرا له ولقومه. ولا يعني ذلك إقصاء الآخر ولا انتقاصه، فلغة القرآن ضرورية حتى “يقوى الإيمان بالله ورسوله في قلوبنا، وتشتد عزائم عقولنا وإرادتنا وثقتنا وإيماننا بلغتنا، فنخدُمها الخدمة الخالصة المخلصة، إن لم نتُبْ إلى الله التوبَة الخالصة المخلصةَ فالاستعباد اللغوِيُّ، والاستعمارُ اللغويُّ قُيودٌ مُؤبَّدَة على أيدينا، وأغلال دائمة في أعناقنا، كل ما يخدُم الدين، والتوبة، والصلاة، والعبادة، والرجوع إلى الله، يخدُم اللسان العربي الذي به أنزلت رسالة الدين والتوبة والصلاة والعبادة والرجوع إلى الله، وكل ما يوهنه يوهنها. إيمانان متلازمان به وبها. أو كفْران متعانقان إلى خزي الدنيا والآخرة به وبها. نعوذ بالله من الكفر والكفْران. عقَّ ربَّهُ من عق لُغَة رسالةِ ربه. عصاه من عصاها. كفر به من كفر بها.”[37]، وهذا ما ينسجم مع ما تمثله اللغة العربية باعتبارها وعاء للرسالة الإسلامية ولغة القرآن.

خامسا: تحقيق معاني الإيمان في القلوب وشعب الإيمان في السلوك من خلال بناء المؤمن فـ” الشاهد بالقسط القائم لله، هو المؤمن القوي الأمين الثابت في رباطه لا يتزعزع عن خط سيره مهما كانت العقبات، هو المجاهد الذي لا ينكشف عن الصف إن هرب الناس، ولا يقعقع له بالشنان. هو المؤمن المسؤول. حوله تتألف الجماعة يشيع فيها بنورانية قلبه معاني الإيمان، وبلطف معشره، ولين جانبه المحبة، وبصرامة إرادته وضبطه الثقة. هو المجاهد القادر على بعث الإرادة الجهادية في الآخرين”[38]، هو الذي يتولى المومنين و”أوثق الإيمان الولاية في الله بالحب فيه، والبغض فيه يا عبد الله بن مسعود قلت: لبيك يا رسول الله ثلاث مرار قال: هل تدري أي الناس أفضل ؟ قلت: الله و رسوله أعلم قال: فإن أفضل الناس أفضلهم عملا إذا فقهوا في دينهم.”[39] وظاهر الإيمان هو الموالاة والمعاداة، وباطنه الحب والبغض، ،ولا ينفك الظاهر عن الباطن، فلا تكون الموالاة إلا عن حب، ولا تكون المعاداة إلا عن بغض، قال تعالى: “وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّه والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ”(المائدة: 83)

سادسا: تأليف جماعة المسلمين القطرية وتربية رجالها وتنظيمهم: “كان أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم تأليف جماعة المؤمنين من المهاجرين والأنصار أن آخى بينهم. عقد الأخوة الثنائية عقد خاص لصحبة خاصة داخل العقد الأخوي العام. ويمن الله تعالى على نبيه فيقول له: “هو الذي أيدك بنصره وبالمؤمنين وألف بين قلوبهم. لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم، إنه عزيز حكيم.” (الأنفال: 62-63)، لكن هذه الألفة القلبية، وهذه المحبة الأخوية، عنصر واحد من عناصر الجمع الثلاث. وما حققه الرسول صلى الله عليه وسلم وصحبه الكرام من جلائل الأعمال الجهادية ما كان ليتم لو بقي الأمر عند الألفة والمحبة، بل كان المربي المعصوم صلى الله عليه وسلم معا الصاحب المحبوب والقائد المطاع، وكان بين المحبة والطاعة مجال فسيح للتفاهم الفكري وتبادل الرأي والتشاور.”[40]، وتحت هذا الثلاثي (التآخي – المحبة – الطاعة) انضوت الجماعة المؤمنة المجاهدة المؤتلفة في بيعة صحيحة، وهمها وجهدها لإعلاء كلمة الله ونصر دين الله لاتجوز مخالفتها فمن خالفها يعتبر محالفا لجماعة المسلمين و “من خالف جماعة المسلمين شبرا فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه”[41]، ويد الله مع الجماعة وإنما يأخذ الذئب من الغنم القاصية.[42] وقد أخبرنا الصادق المصدوق أنه” “سيكون بعدي هنات وهنات، فمن رأيتموه فارق الجماعة، أو يريد أن يفرق بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأمرهم جميع، فاقتلوه كائنا من كان، فإن يد الله مع الجماعة، وإن الشيطان مع من فارق الجماعة يرتكض”[43] و”الذين ينشدون جماعة لتحل محل المجتمع إنما يتعلقون بمحال، فلكي يرقى الإنسان عن مستوى المنازعة الأنانية في طلب حقه إلى مستوى البذل والتضحية في سبيل الجماعة يجب أن يوجد لديه حافز أقوى من الحوافز التي يقترحها الفلاسفة وعلماء الاجتماع والسياسة، ويجب أن يكون عمله منضبطا بوازع أسمى من وازع السلطة والعقاب، وهذا هو الفرق الجوهري بين روح الجماعة وروح المجتمع، فالمجتمع تجمع مدني قائم على الحق والمطالبة بالحق، والجماعة بناء عضوي قائم على التساند والتضحية.”[44] ولا يتم بناء الجماعة إلا بـ”حفظ القلوب ومخالقة الإخوان وسائر من له علينا حق من العباد بالأخلاق الإيمانية ركن أساسي من أركان بناء الجماعة وبناء المجتمع الإسلامي وبناء الأمة جميعا. وقد جمعت من شعب الإيمان تحت خصلة “الصحبة والجماعة” إحدى عشرة شعبة يكون مجموعها نسيجا لأخوة في الله، ورداء يدخل في كنف رحمته القاصي والداني من الأمة. إن شاء الله. تتسلسل هذه الشعب الإيمانية التي يحافظ على حياتها تعاطف أعضاء الجماعة تحت نظر ربانية القيادة وكمالها كما يلي: محبة الله ورسوله، الحب في الله عز وجل، صحبة المؤمنين وإكرامهم، التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في خُلُقِه، التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في بيته، الإحسان إلى الوالدين وذوي الرحم والصديق، الزواج بآدابه الإسلامية وحقوقه، القِوامة والحافظية في علاقة الزوجين، إكرام الجار والضيف، رعاية حقوق المسلمين والإصلاح بين الناس، البر وحسن الخلق.”[45] وهذه الشعب في مجموعها رغم اندراجها في الكليات السالفة إلا أنها تشكل مرتكزات إيمانية وجزءا هاما من ماهية المنهاج النبوي فـ” الصحبة في الله المؤدية إلى جماعة في الله هي مبدأ الحركة ووسطها ومعادُها. وكل ذلك رزق يُلقيه الله عز وجل على المرحومين، له علائم ظاهرة، وأسباب مشروعة، وحكمة ورحمة يضعها الله في قلوب العباد.”[46] و”العضو المهاجر والنصير دعامتان في بناء الجماعة، يمنعان أن يسقط، ووتدان لخيمة الجهاد، يشدانها أن تعصف بها الرياح.”[47] وهذه الوظائف بضوابطها الجامعة وشعبها الإيمانية المتعددة جزء لا يتجزأ من بنية الهدي النبوي وحقيقة ماهيته، وترمي في مجموعها إلى بناء الإنسان الكامل، الذي يمثل الكائن الاجتماعي الراقي المنسجم مع أفراد المجتمع المتكيف مع واقع الجماعة الملتزم بأخلاقه حسبة وقربة، هذا المسلم الكامل يشكل النواة الطيبة والبذرة الصالحة لبناء جيل التمكين المؤهل لتحقيق موعود الله “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ.” (النور: 55)

سابعا: إقامة الدولة الإسلامية القطرية وبعد ذلك توحيد الأقطار الإسلامية تحت الخلافة الوارثة فـ”مراحل البناء تقتضي البدء بتأليف الجماعات الإسلامية القطرية تأليفا، إن اقتضت الحكمة أن تتخلله تعددية تنويعية، فلا ينبغي شرعا ولا سياسة أن تنغلق هذه الجماعات وتتحجر في كيانات متعادية بل يقتضيها جميعا واجب الولاية العامة أن تتعاون على البر والتقوى، وعلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى جمع الكلمة، وعلى طرح الحزازات الشخصية، وعلى دعم الدولة الإسلامية، وشد أركانها، والنصيحة لها بعد قيامها، ليكون تعدد الرأي اجتهادا خالصا لله عز وجل تمسكه التقوى عن التفلت إلى المنازعات العصبية المشتتة. فإنما هي أمة واحدة. من ابتغى لها القطيعة قطعه الله عز وجل. “[48] وبالمحافظة على التعدد والتنوع في دولة الخلافة الوارثة يتحرر الجميع من سلبيات الملك العضوض الذي صادر الحريات، وانتهك الحرمات، وسلب الحقوق، وعطل قدرات الأمة في الخلق والإبداع، وأبقاها أسيرة تستهلك ما أنتجه الآخرون، وتنفعل بما يفعل الآخرون، لا دور لها ولا تأثير. ولتحقيق هذا الهدف أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بالجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد. قال صلى الله عليه وسلم: ” آمركم بخمس كلمات أمرني الله بهن:  الجماعة والسمع والطاعة والهجرة والجهاد في سبيل الله، فمن خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام من رأسه إلا أن يرجع. “[49] فحينما تتأسس الجماعة، ويلتزم أفرادها بواجب السمع والطاعة في المعروف يبدأ الجهاد، وهو الفريضة الماضية إلى يوم القيامة رغم تثبيط المثبطين، وتقاعس المتخاذلين ف “مثل المجاهد في سبيل الله والله أعلم بمن يجاهد في سبيله كمثل الصائم القائم، وتوكل الله للمجاهد في سبيله بأن يتوفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة.[50] وقد قال أبو هريرة رضي الله عنه إن فرس المجاهد ليستن في طوله فيكتب له حسنات.[51] ونظرا لتعدد الوظائف في المنهاج النبوي وشمولها لكل مناحي السلوك البشري فإن استقصاءها وتتبعها أمر صعب المنال، وقد تناولنا طرفا من تلك الوظائف كما سطرها الشيخ عبد السلام في كتبه، محددة كما حددها ومؤصلة كما أصلها وباستعراض تلك النماذج من وظائف المنهاج النبوي كما يراها الشيخ عبد السلام يجدر بنا أن نعرف أهم مقاصد هذا المنهاج من خلال كتب الشيخ، فما هي أهم هذه المقاصد؟

 

 

المحور  الثاني:  مقاصد نظرية المنهاج النبوي عند عبد السلام ياسين

تتعدد المقاصد الشرعية في نظرية المنهاج النبوي، ويتناولها الشيخ في مجمل كتبه، وجلي أن أي مقاصد شرعية لا بد أن تتصدرها الكليات التي اتفقت عليها الشرائع وهي: حفظ “الدين، والنفس، والعقل، والعرض, والمال، المبني حفظها وجودًا في جلب المصالح وتكثيرها؛ فكل طاعة ترجع إليها، وعدمًا في درء المفاسد وتقليلها؛ فكل مخالفة خارجة عنها، وذاك في أصنافها الثلاثة: “الضروريات”، و”الحاجيات”، و” التحسينيات….وأجمع آية لها في كتاب الله -تعالى- قوله سبحانه: “إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ”. (النحل: 90)[52] ويقول الشاطبي: إن الكليات “هي: الضروريات، والحاجيات، والتحسينات، وما هو مكمل لها ومتمم لأطرافها، وهي أصول الشريعة، وقد قام البرهان القطعي على اعتبارها، وسائر الفروع مستندة إليها؛ فلا إشكال في أنها علم أصيل، راسخ الأساس، ثابت الأركان.”[53] والمقاصد الجزئية المندرجة تحت هذه الكليات وجدت ما تستحق من دراسة وتمحيص في كتب الشيخ ورسائله ومن هذه المقاصد:

  1. تعبيد الإنسان لله رب العالمين وتحريره من سيطرة النزعة المادية التي فشلت في تحقيق الأمن والطمأنينة فالمجتمع المادي يعاني الفراغ القاتل والخواء الروحي، والمقصد الأسمى للمسلم أن تكون حياته ومماته لله رب العالمين “قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ” الأنعام: 162، وبذلك يتحقق العبد بمقام العبودية “فموقف الإنسان الحر الذي وعى الغاية وعرف المنهاج ووطد العزم على سلوكه بكل ما أوتيه، صلاته ونسكه توجه قلبي لله عز وجل خالص، محياه وما في المحيا من مقومات مادية ومعنوية وعقلية وعلمية وعتادية هي من لوازم القوة كله لله رب العالمين، ومماته نصب عينيه، ولقاء ربه عز وجل مطلبه، فهو مستعد ليتقدم إلى الموت بخطى الثبات الذي يعلم إلى أين هو رائح ومن أجل أي قضية هو رائح، هذا الموقف المنهاجي لم يكن فلسفة ولا كلاما يلقى لتردده الألسن، بل كان عملا واعيا مؤثرا في التاريخ شاملا كل نشاط المجتمع، موجها له.”[54] والتحقق بمقام العبودية لا يتم إلا بمجابهة الإشكالين الجوهريين المقلقين اللذين شغلا العقل البشري وأرقا كثيرا من المتأملين وهما:

إلى أين هو رائح؟

ومن أجل أي قضية هو رائح؟

وبالهدي القرآني تجاوز العقل المسلم هذا القلق والإشكال، فالآيات الهاديات تقول “وأن إلى ربك المنتهى”، والقضية والمهمة محددة المعالم، وتتلخص في عبادة الله وحده “وما خلقت الجن والانس إلا ليعبدون”، وبهذا الهدي الرباني اختزل العقل المسلم المسافات واستغنى عن التجربة المتراكمة في اكتشاف الحقيقة، وعاش الأمن والطمأنينة في دوحة عقيدته الإسلامية التي تراعي خصائصه البشرية ومميزاته، وترتقي به إلى مصاف العزة والتكريم.

  1. تحرير العقل والإرادة فما لم يتحرر العقل من إساره لا سبيل إلى تحقيق القومة، وبناء الجماعة المسلمة المتماسكة. “يقرأ الصالحون والمتحركون من جيل القومة الإسلامية قرآن ربهم، ومنهاج نبيهم فيتمثل لهم تحرير العقل المسلم أولوية من مقدمات الأولويات. تحرير العقل المسلم من آثار الغزو المترسبة فينا، المتراكمة طبقا عن طبق على ركامنا التقليدي، المتجسدة في نخبة متفرنجة تحكم وتفرض إرادتها بالنار والحديد. وتعجز آخر الأمر عن أداء مهمتها التاريخية، وتفشل في كل ميدان.”[55] ومع كل فشل وإخفاقات هذه النخب نراها تحمل الأمة ما اجترحت من أوزار، وهذه “النخب” تمثل أبرز عوائق النهوض، وتحرير العقل “ضروري لنعلم أن تخلفنا في العلوم والصناعات والقوة وضروريات الحياة ناتج عن تخلفنا عن الإسلامي وتخلينا عن القرآن. لا العكس. لابد من تحرير العقل المسلم ليكون للمسلمين اقتصاد عصري منافس في السوق. لابد منه لإقامة الدولة القطرية على قواعد مستقرة مفتوحة على آفاق القوة والوحدة بحكم إسلاميتها. لا قرار بلا إسلام، ولا إسلام بلا وحدة. لا قرار بدون شورى، ولا وحدة بديمقراطيات قوميات متخلفات عن الإسلام، متخلفات عن ركب الحضارة المادية التي تتكتل أقوامها وتتركنا نتبع شبح الدولة القومية التي لبسها الثعبان المستعمر منذ القرن التاسع عشر بتاريخ النصارى، وهو الآن يحاول الانسلاخ عنها لنلبسها أسمالا بالية. لابد من تحرير العقل المسلم ليتحرر المسلمون من الوطنية الضيقة القومية القطرية.”[56] إلى فضاء الوحدة الجامعة في دولة عتيدة لا شرقية ولا غربية، تعيش بالإسلام وللإسلام، وما ينبغي أن يدركه ضحايا الاستلاب الحضاري هو أن “الإسلام يختلف مع الإيديولوجية من حيث أن مصدره الوحي، ثم تجيء الصيغ الشرعية العقلية تابعة خادمة.”[57] ومن يعتبرون الإسلام إيديولوجية إما أن يكون قصدهم الإساءة إلى الإسلام، وإما أن يكون هدفهم مقارنته بالمذاهب الفلسفية السياسية[58]. وهذا خطأ علمي ومنهجي كبير أن تقارن بين الرباني والإنساني فهذا سبيل من تحدث القرآن عنهم بقوله “وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ” (الزمر:67) وحينها نكون قد قارنا بين مختلفين وساوينا بين متباينين، فالإسلام ليس أفكارا بشرية “ولأمر ما تجد فلاسفة العصر من بني جلدتنا يذكرون العقل ويركزون على العقل، وعلى تحرير العقل، ونقد العقل، إصرارا على أن لا مكان في القضية للوحي والغيب. الإسلام يرسم أهدافا للأمة، أولها وأكثرها إلحاحا إقامة حكم إسلامي يوحد الأمة، وينتزعها من قبضة أعدائها الداخليين والخارجيين.”[59]، وتحرير العقل المنشود هو الذي يحرر الإنسان من النوازع الشريرة للإنسان، وينقذه مما تعج به البيئة من تيارات ومؤثرات. “ولئن أصبح للناس أصنام يعكفون عليها من مكتسبات احتكارهم لخيرات الأرض، وطغيانهم بالقوة، وبطرهم بالنعمة، وارتكاس المستضعفين في الأرض في حمأة البؤس.”[60]
  2. عمران العدل والإحسان: ينبغي أن يبسُط للأخوة التائبين المتحررين من سياق الحضارة المادية والقانون الوضعي والمعَاشِ الغابوي بِساط الرحمة. قال الله تعالى يوجه تعاملنا مع من جاء من شرك لإسلام: “فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتَوا الزكاة فإخوانكم في الدين”[61]. وذلك ما ينسجم مع الهدي والمنهاج النبوي، فدوحة العدل في الإسلام وارفة الظلال يعيش في مرحمتها المسلم وغيره بكرامة وعدل، وهي المرحمة التي جعلت عمر رضي الله يقول لما مر بشيخ من أهل الذمة يسأل على أبواب المساجد: ما أنصفناك أن كنا أخذنا منك الجزية في شيبتك، ثم ضيعناك في كبرك، ثم أجرى عليه من بيت المال ما يصلحه.[62] وجعله يقول حين أوتي بمال كثير من الجزية: إني لأظنكم قد أهلكتم الناس، قالوا: لا والله ما أخذنا إلا عفوا صفوا، قال: بلا سوط ولا نوط؟ [63] قالوا: نعم، قال: الحمد لله الذي لم يجعل ذلك على يدي، ولا في سلطاني.[64] وحينما نتملى صفحات التاريخ الإسلامي ستستوقفنا ومضات مشعة تمثل قيمة العدل أحسن تمثيل.
  3. التحرر من وصمة الجاهلية الحديثة والجاهلية وردت في القرآن الكريم مرتبطة بالعصبية والحمية، وهي مشتقة من الجهل، ولها دلالتان مختلفتان ذكرهما الشيخ هما: أولا الجهل الذي هو ضد المعرفة، فهذه الجاهلية لا تعرف الله تعالى، والجهل ضد الحلم وهو العنف، و”بهذا تكون الجاهلية مفهوما عاما لا يصف حالة الجزيرة العربية قبل الإسلام، بل حالة كل مجتمع توفرت فيه السمات الثلاث: حمية وعصبية تنافيان التحزب لله عز وجل، ثم الجهل بالله عز وجل ولو كانت المعارف الكونية غزيرة، ثم ما يترتب على تينك المقدمتين من عنف.”[65] و” من سمات الجاهلية تفضيل الرأي البشري على الوحي والزيغ عن الشرعة الإسلامية والمنهاج، إلى شرعة المصالح ومنهاج الشهوة، وابتغاء الفتنة أي الكيد والمكر لتضليل المومنين عن بعض ما أنزل الله. “[66] والمنهاج النبوي هو الذي يحرر الإنسان ويعصمه من أن يظن بالله غير الحق ظن الجاهلية، ويعصمه من حكم الجاهلية “أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ” المائدة:50، ويبعد المسلمات عن تبرج الجاهلية الأولى، ويسل سخيمة القلوب حتى تتحرر من الحمية حمية الجاهلية، وقد تحرر مجتمع الصحابة رضوان الله عليهم ومن تبعهم بإحسان من أوضار الجاهلية، ولكن نابتة نبتت بعدهم عاشت الإسلام ولم تر الجاهلية فقطعت عرى الإسلام عروة عروة، وقديما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: “قد علمتُ وربِّ الكعبة متى تَهْلِكُ العرب! إذا ساسهم مَن لم يدرك الجاهلية ولم يكن له قَدَمٌ في الإسلام”. من لم يعرِف الجاهلية وكدرَها لا يعرف كيف يسوس الناس بالعدل بعد أن هدم الإسلام موازين القِيَم الجاهلية التي لا تعرف إلا العنف.[67] والله سبحانه أناط “الإيمانَ الحق بتوفُّر شروط الإيمان والهجرة والنصرة والجهاد داخِلَ الوَلاية المتكتلة. “أولئك هم المومنون حقا”. ولا يدحض الباطلَ إلا الحقُّ. “إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير”. إلاَّ يتكتل المومنون على شروط الوَلاية وهي الإيمان والهجرة والنصرة والجهاد بالمال والنفس فسيبْقى باطل الجاهلية يركض في ساحتنا، وجيوشه تعيث فسادا في أرضنا، وعقائده الجاهلية تنسِف قواعدنا، وفلسفته تخرب عقولنا، وثقافته تُدوِّخُ نفوسنا. [68]ولا خلاص للأمة إلا بنفرة صادقة لنصرة الحق ومجابهة الجاهلية والظلم والعدوان، والله جل جلاله يقول:
  • “انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ.” (التوبة:41)
  • “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ فَانفِرُواْ ثُبَاتٍ أَوِ انفِرُواْ جَمِيعاً “(النساء:71)، فالنفرة الصادقة المخلصة حينما يقوم بها من شروا أنفسهم لله في صفقة مغرية رابحة ، لا بد أن تؤتي أكلها ولو بعد حين بإذن ربها.
  1. إخضاع واقع المجتمع المسلم لمقتضيات النص الشرعي، مع التفريق بين التحريف والانحراف: فقد أخطأ كثير من الدارسين الذين قاموا بإسقاط واقع المسيحيين ومنهج الكنيسة في التعامل مع المستجدات على واقع المسلمين، وفاتهم أن ما يعاني منه المسيحيون هو التحريف الذي أصاب النص المقدس لديهم، فافتقد بسبب ذلك قدرته على مواكبة ومسايرة الوقائع المتجددة، أما المسلمون فإنهم يعانون من الانحراف الناشئ عن الهزات العنيفة التي عركتهم بكلكلها، فعاشوا قرونا عديدة تحت رحمة ملك عضوض صادر حقوقهم وحرياتهم ولم يراع فيهم إلا ولا ذمة، ويتمتع المسلمون بكتاب موحد تتفق كل فرقهم على تقديسه ويؤمنون كلهم بمرجعيته، وما يعوزهم هو تطبيق مقتضياته بإيمان وصدق حتى يحكموه فيما شجر بينهم، ويسلموا تسليما، وأمام الانحراف الذي أصاب المجتمع المسلم “أصبح الحكم بين المسلمين ملكا وهريرا وعضا، انتحت الدعوة ورجالها، فلم تعد الدولة هي راعية الدعوة كما كان الأمر من قبل. لم يعد السيف في خدمة المصحف، افترق السلطان والقرآن، فحاول السلطان تفسير الدين لتبرير موقفه. سلطان قائم يبرر مشروعية بقائه، وحق مناهض خذله الرجال لقلة ما معهم من إيمان (الإمام الحسين عليه السلام مثلا). وباطل ثائر يلبس مسوح الدين (المختار الثقفي مثلا). والفقهاء في مواجهة مع أثل الفلسفة والإلحاد.”[69] وأمام تغول الملك العاض وتخاذل النخب المسلمة ضاع حاضر ومستقبل أمة الإسلام في أتون صراع غير متكافئ، أهدرت فيه الحقوق وعطلت القدرات بل شلت ملكات الأمة في الخلق والإبداع.

 

 

الخاتمة

بعد أن استعرضنا بعضا من وظائف ومقاصد المنهاج النبوي الشريف لا بد من دراسة معمقة، تستبطن وتستوحي المنهاج النبوي الشريف بأسسه ومرجعياته، لتخلص إلى مقاربة تستهدف بعث الأمة المسلمة، وتأهيلها للاضطلاع بدورها كاملا في تحقيق النهضة الشاملة لكل جوانب الحياة، وهي النهضة التي يستظل بدوحتها الوارفة، وينعم بفضائها الفسيح كل أفراد المجتمع الإنساني، وبطبيعة الحال لا تتحقق هذه النهضة المنشودة التي تعني التغيير الكامل حتى يغير المسلمون ما بأنفسهم، تلك هي سنة الله الكونية التي لا تتبدل ولا تتغير “إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ “(الرعد: 11)، ولكن ما هي آليات وقواعد وأسس التغيير؟ تلك أسئلة إشكالية تتطلب دراسة أعمق وأشمل، ولكن ما دمنا نسلم بأن ما لا يدرك كله لايترك كله، فلابد أن نشير إلى بعض ما تتطلبه تلك المقاربة التي تستهدف بعث الأمة، ومن أهم تلك المتطلبات:

  • إعادة بعث المنهج النبوي كما نقله الرعيل الأول من الصحابة والتابعين لهم بإحسان فقد قال الإمام مالك رحمة الله عليه: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، وقال: من قال إن في الإسلام بدعة حسنة فقد زعم أن محمداً خان الرسالة؛ لأن الله عز وجل يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ (المائدة:3)، فما لم يكن يومئذ ديناً لا يكون ديناً اليوم.[70]وقال عبد الله بن مسعود “من كان منكم مستنا فليستن بمن قد مات، فإن الحي لا تؤمن عليه الفتنة، أولئك أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم كانوا والله أفضل هذه الأمة وأبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا. قوم اختارهم الله لصحبة نبيه، وإقامة دينه فاعرفوا لهم فضلهم، واتبعوهم في آثارهم، وتمسكوا بما استطعتم من أخلاقهم ودينهم فإنهم كانوا على الهدى المستقيم[71]“، وحينما يجد المنهاج النبوي طريقه إلى عقول وقلوب المسلمين فستستعيد الأمة ألقها وريادتها، وتحقق الشهود الحضاري المنشود، ناهضة بدورها الريادي والقيادي، لإنقاذ البشرية مما يحدق بها من أخطار.
  • لم شتات هذه الأمة التي عبثت بها الأهواء واستحكمت بين أفرادها العداوات والحزازات، وانشغلت بمعاركها الجانبية وقضاياها الجزئية عن معركتها المصيرية الكبرى، وهي معركة الوجود في بعديه المادي والمعنوي، ولن يتم لم ذلك الشتات إلا من خلال تدبير الخلافات والتناقضات بحكمة، مع الاهتمام بالمشتركات وعدم التركيز على ما يفرق، فما يجمع أضعاف ما يفرق، والقرآن يقول: “إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُواْ دِينَهُمْ وَكَانُواْ شِيَعاً لَّسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ “(الأنعام: 159) ، والتحذير من الفرقة والحث على الاتفاق والائتلاف نصوصه أكثر من أن تحصر، وبواسطة تدعيم وتقوية مبدإ الولاء لله ولرسوله وللمؤمنين انسجاما مع النصوص الشرعية المؤسسة والمؤصلة للأحكام المتعلقة بالولاء والبراء تقوي اللحمة وتتوطد أواصر الدين والعقيدة، ويتحول الخلاف المستحكم إلى اختلاف تنوع لا اختلاف تضاد، تحافظ معه الأمة على صفات المرحمة والوئام، والإخلاص للجماعة المسلمة حتى تكون كما أراد لها الرسول صلى الله عليه وسلم متراحمة متوادة متعاطفة، كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.[72]
  • التعامل مع النص الشرعي بما ينسجم مع مستجدات العصر بما يكتنفه من إكراهات وضرورات، فما بعث الرسول إلا ميسرا لا منفرا ” فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين”[73]، والله جل جلاله أراد بعباده اليسر “يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ “(البقرة: 185)، فلا مجال للتضييق على عباد الله انطلاقا من شرعه، فالله أكرم هذا الإنسان، وحمله في البر والبحر، وخلقه في أحسن تقويم، ثم فضله على كثير ممن خلق تفضيلا.
  • دعم وتثمين المبادرات الطيبة التي أسهمت في تكوين وتوعية وتهذيب وتزكية الشباب المسلم من خلال التركيز على جوانبها المشرقة والسعي المخلص للاستفادة من أحسن ما تقدم، مع عدم الانجرار خلف ما تزخر به من سلبيات هي في حقيقتها نتاج التراكمات والمواريث الاجتماعية، فالجماعة المسلمة لا تخلو من نوازع خيرة وصفات حميدة، وباستثمار ما تتصف به من صفات خلقية حميدة، وتفادي ما تتصف به من سلبيات يتم وضع لبنة كبرى لتأسيس جيل الخلافة والتمكين وهو الجيل الموصوف في الآية الكريمة “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ ولَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ: “(النور: 55)، وحينها يلقي الإسلام بجرانه إلى الأرض، وينتصر الحق، ويبقي ما ينفع الناس فيمكث في الارض.

 

والله ولي التوفيق

 

لائحة المصادر والمراجع

بعد القرآن الكريم:

  • ابن القيم الجوزية محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين، مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين، تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي،  دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة الثالثة، 1416 هـ – 1996م.
  • ابن القيم الجوزية محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد شمس الدين، حادي الأرواح إلى بلاد الأفراح، مطبعة المدني، القاهرة.
  • ابن حبان، صحيح ابن حبان، مؤسسة الرسالة، بيروت، الطبعة الأولى، 1408هـ- 1988 م.
  • ابن عساكر علي بن الحسن بن هبة الله الدمشقي، تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري، دار الكتاب العربي – بيروت، الطبعة الثالثة، 1404.
  • البخاري، محمد بن إسماعيل أبو عبدالله، صحيح البخاري، تحقيق: البغا، د. مصطفى ديب، بيروت ـ لبنان، دار ابن كثير، الطبعة الثالثة 1987م.
  • البوشيخي الشاهد، نظرات في المصطلح والمنهج، سلسلة الدراسات المصطلحية (2)، الطبعة الأولى، جمادى الأولى1423/غشت2002.
  • البيهقي أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر، سنن البيهقي الكبرى، تحقيق : محمد عبد القادر عطا، مكتبة دار الباز – مكة المكرمة ، 1414 – 1994.
  • الترمذي، سنن الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وآخرون، دار إحياء التراث العربي – بيروت.
  • الجوهري إسماعيل بن حماد، تاج اللغة وصحاح العربية، تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار، دار العلم للملايين – بيروت الطبعة: الرابعة 1407ه‍ـ – 1987م.
  • الحاكم محمد بن عبدالله أبو عبد الله النيسابوري، المستدرك على الصحيحين،  تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية -بيروت، الطبعة الأولى، 1411/ 1990.
  • الذهبي أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان العراقي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، تحقيق: علي محمد عوض – عادل أحمد عبد الموجود، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1416/ 1995.
  • الذهبي شمس الدين أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز، المنتقى من منهاج الاعتدال، المحقق: محب الدين الخطيب، الرئاسة العامة لإدارة البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد – السعودية، الطبعة الثالثة 1413.
  • الذهبي شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان، تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام.دار الكتاب العربي. لبنان/ بيروت. سنة النشر: 1407هـ – 1987م.
  • الزبيدي، تاج العروس من جواهر القاموس، تحقيق مجموعة من المحققين، دار الهداية.
  • السيوطي جلال الدين، الإتقان في علوم القرآن، دار الفكر – لبنان، الطبعة الأولى 1416هـ- 1996م.
  • الشاطبي إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي، الموافقات، المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان، الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م.
  • الشاطبي إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي، الموافقات، المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، دار ابن عفان.
  • العباد عبد المحسن، شرح سنن أبي داود.
  • العسكري أبو هلال، الفروق اللغوية، مؤسسة النشر الاسلامي بقم إيران، الطبعة الأولى 1412.
  • المناوي محمد عبد الرؤوف، التوقيف على مهمات التعاريف، دار الفكر المعاصر ، دار الفكر – بيروت ، دمشق، الطبعة الأولى 1410.
  • الهندي علاء الدين المتقي، كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال، مؤسسة الرسالة – بيروت 1989م.
  • بدوي عبد الرحمن، مناهج البحث العلمي، وكالة المطبوعات الكويت الطبعة الثالثة.
  • قرارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
  • مسلم بن حجاج ، صحيح مسلم، تحقيق: نظر بن محمد الفاريابي أبو قتيبة، دار طيبة، الطبعة الأولى 1427 – 2006.
  • ياسين، عبد السلام، الإحسان، مطبوعات الأفق الدار البيضاء 1998.
  • ياسين، عبد السلام، الإحسان، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، الطبعة الأولى، 1998.
  • ياسين، عبد السلام، الإسلام بين الدعوة والدولة، الطبعة الأولى 1392.
  • ياسين، عبد السلام، الإسلام غدا، الطبعة الأولى 1973.
  • ياسين، عبد السلام، الإسلام والقومية العلمانية مصر دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية الطبعة الثانية 1995.
  • ياسين، عبد السلام، الإسلام والقومية العلمانية، هـ الناشر دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية، الطبعة الثانية 1995.
  • ياسين، عبد السلام، الرسالة العلمية، مطبوعات الهلال وجدة، الطبعة الأولى 2001.
  • ياسين، عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم، مطبوعات الأفق الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2000.
  • ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، الطبعة الثانية 1989.
  • ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، الطبعة الثانية 1989.
  • ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، مطبوعات الأفق الدارالبيضاء، الطبعة الأولى 1996.
  • ياسين، عبد السلام، حوار مع صديق أمازيغي، مطبوعات الأفق الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1997.
  • ياسين، عبد السلام، رسالة إلى كل طالب وطالبة، مصر، دار البشير للثقافة والعلوم، الطبعة الأولى 1416هـ.
  • ياسين، عبد السلام، سنة الله، مطبعة النجاح الدار البيضاء المغرب الطبعة الأولى 2006.
  • ياسين، عبد السلام، محنة العقل المسلم ، مؤسسة التغليف والطباعة والتوزيع للشمال، الرباط، الطبعة الأولى 1994.
  • ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، الطبعة الأولى 1989.
  • ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، الطبعة الأولى 1989.
  • ياسين، عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ، دار الخطابي للطباعة والنشر الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1989.

 

 

 

[1] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، الطبعة الثانية 1989، ص 4.

[2] ياسين عبد السلام، رسالة إلى كل طالب وطالبة، مصر، دار البشير للثقافة والعلوم، الطبعة الأولى 1416هـ صفحة 5

[3] البوشيخي الشاهد، نظرات في المصطلح والمنهج ص 6

[4] ياسين عبد السلام، الإسلام غدا، الطبعة الأولى 1973، ص 10

[5] محمد عبد الرؤوف المناوي التوقيف على مهمات التعاريف الناشر:  دار الفكر المعاصر ، دار الفكر – بيروت ، دمشق الطبعة الأولى، 1410(1/681)

[6] إسماعيل بن حماد الجوهري الصحاح تاج اللغة وصحاح العربية تحقيق: أحمد عبد الغفور عطار  الناشر: دار العلم للملايين – بيروت الطبعة: الرابعة 1407 ه‍ – 1987م ، (1/346)

[7] أبو هلال العسكري الفروق اللغوية مؤسسة النشر الاسلامي بقم إيران الطبعة: الاولى 1412 (1/ 298)

[8] الإتقان في علوم القرآن – (1/348)

[9] قرارات مجمع اللغة العربية بالقاهرة – (14/3)

[10] عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي، وكالة المطبوعات الكويت الطبعة الثالثة صفحة 3

[11] عبد الرحمن بدوي، مناهج البحث العلمي، ص 4

[12] ياسين عبد السلام، مقدمات في المنهاج، الطبعة الأولى 1989، صفحة 37

[13] المرجع نفسه، صفحة 36 و37

[14] ياسين عبد السلام، الإسلام غدا صفحة 8

[15] ياسين عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ، دار الخطابي للطباعة والنشر الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1989، صفحة 53

[16] ياسين عبد السلام، تنوير المؤمنات ج 1، مطبوعات الأفق الدارالبيضاء، الطبعة الأولى 1996، ص19

[17] الإسلام غدا ص 21/22

[18] ياسين عبد السلام، الإحسان، مطبوعات الأفق الدارالبيضاء 1998، ج 1، ص 94.

[19] المرجع نفسه، ج1، ص 100.

[20] الحديث أخرجه مسلم في صحيحه كِتَاب الْإِمَارَةِ، بَاب ذَمِّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ رقم الحديث 3533

[21]  الترمذي سنن الترمذي كِتَاب الْبِرِّ وَالصِّلَةِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاب مَا جَاءَ فِي الْإِحْسَانِ وَالْعَفْوِ رقم الحديث 1930

[22] المنهاج النبوي، الطبعة الثانية 1989، ص 18

[23] مجخيا معناها منكوسا، والعبارة وردت في حديث مسلم من كِتَاب الْإِيمَانِ بَاب بَيَانِ أَنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا وَسَيَعُودُ غَرِيبًا وَأَنَّهُ يَأْرِزُ بَيْنَ الْمَسْجِدَيْنِ ونص الحديث:  تعرض الفتن على القلوب كالحصير عودا عودا فأي قلب أشربها نكت فيه نكتة سوداء وأي قلب أنكرها نكت فيه نكتة بيضاء حتى تصير على قلبين على أبيض مثل الصفا فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض والآخر أسود مربادا كالكوز مجخيا لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أشرب من هواه

[24] المنهاج النبوي ص 18

[25] تنوير المومنات ص 19

[26] سنن البيهقي الكبرى أحمد بن الحسين بن علي بن موسى أبو بكر البيهقي، جماع أبواب صلاة الإمام وصفة الأئمة  باب البيان أنه إنما قيل يؤمهم أقرؤهم إن من مضى من الأئمة كانوا يسلمون كبارا فيتفقهون قبل أن يقرأوا مع القراءة رقم الحديث 5073

[27] ياسين عبد السلام، سنة الله،  مطبعة النجاح الدار البيضاء المغرب، الطبعة الأولى 2006 ص 13

[28] المرجع نفسه، ص 13

[29] محمد بن عبدالله أبو عبدالله الحاكم النيسابوري المستدرك على الصحيحين كتاب الرقاق رقم الحديث 7852

[30] تنوير المومنات ج1 ص 12

[31] ياسين عبد السلام، الإسلام والقومية العلمانية مصر دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية الطبعة الثانية 1995.  ص 35 و37

[32] شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي تاريخ الإسلام تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام.دار الكتاب العربي. لبنان/ بيروت. سنة النشر: 1407هـ 1987م. ص(9/240) وذكرت في حادي الأرواح (1/271) ومدارج السالكين (1/396) وميزان الاعتدال في نقد الرجال (5/334)

[33] يقول علي بن الحسن بن هبة الله بن عساكر الدمشقي في تبيين كذب المفتري فيما نسب إلى الإمام أبي الحسن الأشعري دار الكتاب العربي – بيروت الطبعة الثالثة، 1404 ص(1/94) ما نصه:(كانت المعتزلة قد رفعوا رؤسهم حتى أظهر الله تعالى الأشعري فحجزهم في أقماع السمسم).

[34] ياسين عبد السلام، الإسلام والقومية العلمانية ص14، ط2 سنة 1995 هـ الناشر دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية.

[35] المرجع نفسه، ص  14

[36] إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (المتوفى:  790هـ) الموافقات المحقق:  أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان، الناشر:  دار ابن عفان ص (5/53)

[37] ياسين عبد السلام، حوار مع صديق أمازيغي، مطبوعات الأفق الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1997، صفحة 89

[38] المنهاج النبوي صفحة 45

[39] المستدرك على الصحيحين، الحاكم كتاب التفسير تفسير سورة الحديد رقم الحديث 3790

[40] المنهاج النبوي ص 84

[41] المستدرك على الصحيحين كتاب العلم رقم الحديث 401

[42] صحيح ابن حبان باب فرض الجماعة والأعذار التي تبيح تركها ذكر استحواذ الشيطان على الثلاثة إذا كانوا في بدو أو قرية ولم يجمعوا الصلاة ونص الحديث (2101 ما من ثلاثة في قرية ولا بدو لاتقام فيهم الصلاة إلا استحوذ عليهم الشيطان فعليك بالجماعة فإنما يأكل الذئب القاصية”)

[43] صحيح ابن حبان كتاب السير باب طاعة الأئمة، ذكر إثبات معونة الله جل وعلا الجماعة وإعانة الشيطان من فارقها، رقم الحديث 4577

[44] الإسلام بين الدعوة والدولة ص 83

[45] ياسين عبد السلام، الإحسان ج 1 صفحة 252/253

[46] المرجع نفسه، صفحة 189

[47] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي صفحة 175

[48] المرجع نفسه، صفحة 420

[49] المستدرك على الصحيحين كتاب العلم رقم الحديث 401

[50] صحيح البخاري كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرَِ باب أَفْضَلُ النَّاسِ مُؤْمِنٌ مُجَاهِدٌ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّه رقم الحديثِ 2579

[51] صحيح البخاري كِتَاب الْجِهَادِ وَالسِّيَرَِ بَاب فَضْلِ الْجِهَادِ وَالسِّيَرِ 2577

[52] إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (المتوفى:790هـ) الموافقات الطبعة الأولى 1417هـ/1997م دار ابن عفان المحقق:  أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان- (ج1 / صفحة 1و2)

[53] الموافقات – (1/108)

[54] الإسلام والقومية العلمانية ص 79

[55] ياسين عبد السلام، محنة العقل المسلم ، مؤسسة التغليف والطباعة والتوزيع للشمال، الرباط، الطبعة الأولى 1994، صفحة 123

[56] المرجع نفسه، صفحة 123

[57] ياسين عبد السلام، مقدمات في المنهاج صفحة 29

[58] المرجع نفسه، صفحة 29

[59] المرجع نفسه، صفحة 29

[60]  ياسين عبد السلام، الرسالة العلمية، مطبوعات الهلال وجدة، الطبعة الأولى 2001، صفحة 31

[61] العدل: الإسلاميون والحكم، مطبوعات الأفق الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2000، صفحة 195

[62] كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال – (4 / 498)

[63] في تاج العروس – (1/5025) بِلا سَوْطٍ ولا نَوْطٍ أَيْ بِلا ضَرْبٍ ولا تَعْلِيقٍ. وانْتاطَ به الشَّيْءُ:  تَعَلَّقَ

[64] كنز العمال في سنن الأقوال والأفعال – (4/498)

[65] الإسلام والقومية العلمانية ص 70

[66] المرجع نفسه، ص  165

[67] ياسين عبد السلام، العدل، الإسلاميون والحكم، صفحة 602

[68] المرجع نفسه، صفحة 589

[69] ياسين عبد السلام، الإسلام والقومية العلمانية، ص 91.

[70] شرح سنن أبي داود – عبد المحسن العباد – (13/432)

[71] المنتقى من منهاج الاعتدال – (1/77)

[72] الحديث أخرجه البخاري، في كِتَاب الْأَدَبِ، بَاب رَحْمَةِ النَّاسِ وَالْبَهَائِمِ ونصه عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ كَمَثَلِ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى، ورقم الحديث 5552.

[73] البخاري كِتَاب الْوُضُوء، بَاب صَبِّ الْمَاءِ عَلَى الْبَوْلِ فِي الْمَسْجِدِ