أكاديميون وحقوقيون يتدارسون كتاب “صناعة الحرية في التجربة السجنية للإمام عبد السلام ياسين”

0 215

بمناسبة الذكرى العاشرة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله، وضمن أنشطة تخليد الذكرى الأربعين لتأسيس جماعة العدل والإحسان، نظمت مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين عصر يوم السبت 13 جمادى الثانية 1444هـ / 7 يناير 2023م ندوة علمية لتقديم كتاب “صناعة الحرية في التجربة السجنية للأستاذ عبد السلام ياسين” والذي نشرته المؤسسة مطلع السنة الماضية.

وعرفت الندوة التي انطلقت على الساعة الرابعة والنصف مساءً مشاركة مؤلف الكتاب الدكتور أحمد الفراك، وكذلك مقدم الكتاب المعتقل المغربي الشهير الأستاذ أحمد المرزوقي المعتقل السياسي السابق بسجن تزمامارت، وثلة من الباحثين والمعتقلين السياسيين، كما حضرها عدد من الفاعلين والمعتقلين السياسيين والكفاءات العلمية والحقوقية من داخل المغرب، بالإضافة إلى قيادات من جماعة العدل والإحسان وفي مقدمتهم السيد الأمين العام محمد عبادي والأستاذ عبد الكريم العلمي.

وقد استهل مدير الندوة الدكتور سمير زردة بذكر موضوع الندوة وسياقها والقصد منها، حيث قال: “نريد أن نسلط الضوء على جانب من جوانب المحن التي تعرض لها الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله”. بعد ذلك ناول المشاركين تباعا الكلمة في الندوة التقديمية للكتاب.

وقد تناول الكلمة في المداخلة الأولى مؤلف الكتاب الدكتور أحمد الفراك مذكرا بسبب تأليفه للكتاب وسياقه، حيث قال: “أثار انتباهي وجود فراغ في الكتابة في موضوع التجربة السجنية للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله”، كما بسط الأهداف التي رام تحقيقها منه، معتبرا أن الكتاب “محاولة للتذكير بمعاناة هذا الرجل المتميز، هذا الإمام الصابر، الذي قدم نموذجا ناصحا ومثالا ناصعا للعالِـم القدوة والمربي المجاهد، الذي يُذكر الأمة المعاصرة بالحاجة إلى القيادة الربانية والطليعة المتراصة التي تنجز بمثالها النموذج الأخلاقي الذي تقتدي به الأجيال”.
وأشار الدكتور الفراك إلى أن “كثير من السجناء يطوي السجن أعمارهم ويسرق منهم أوقاتهم، ويُميت فيهم تقدير الذات، ويقلب تفاؤلهم تشاؤما، ويحولهم إلى كائنات سائلة بلا معنى ولا قيمة ولا رؤية، غير أنه مِن السجناء من وجدوا في السجن خلوة لتعميق تفكيرهم في المواقف والمشاريع التي اعتُقلوا من أجلها، وبذلوا مهجهم وأوقاتهم في سبيلها”.

ثم ناول مدير الندوة الكلمة في المداخلة الثانية لمقدم الكتاب الأستاذ أحمد المرزوقي المعتقل السياسي السابق بسجن تزمامارت سيء الذكر وصاحب كتاب “الزنزانة رقم 10″، والذي وصف بتواضع الكبار شعوره بالارتباك الشديد حينما طلب منه الأستاذ الفراك تقديم كتابه عن التجربة السجنية للأستاذ عبد السلام ياسين رحمه الله. ومن أبرز ما جاء في مداخلة الأستاذ المرزوقي التي غلب عليها الطابع العفوي الجميل، أنه وصف الإمام عبد السلام ياسين بالرجل الشامخ، وذكر أنه تعرّف عليه لأول مرة ذات صباح وهو في غياهب معتقل تزممارت الرهيب.

بعد ذلك قدم الدكتور عبد القادر الدحيمني في مداخلته قراءة لمضامين الكتاب من زوايا معرفية متعددة، وخلص إلى القول بأن الكتاب “يعد بحق لَبِنَة في اتجاه العناية بالرموز الوطنية والإسلامية، وتسليط الأضواء على مسارات التحرر في هذا البلد، والتفكير في المناطق المعتمة من تاريخنا الوطني، وإعادة الاعتبار للمهمش والمقصي والمحاصر، وتصحيح الرؤية إزاء جزء أصيل من تاريخنا الذي بُذلت جهود كبيرة لتحريفه وتزييفه وإبراز الصنائع الشائهة والدمى التافهة عوض الأركان المكينة والأصول المتينة أفكارا ورجالا ونساءً وجهودا ومواقف وخطى وآثار”.

وفي مداخلة رابعة أثنى الأستاذ عبد الله لعماري على العمل والجهد الذي أعده الدكتور الفراك من خلال عرضه لسيرة “رجل من أعاظم الرجال” ومساهمته في تنوير وتسطير مآثر خالدة من حياته للأجيال، وأكد فضيلته على أن “ألف كتاب لن يكفي لاستجلاء عظمة رجل قلَّ مثله في هذا الزمان”، واصفا الإمام عبد السلام ياسين بالشمس الساطعة في السماء، فهو “رحمه الله رجل من القادة العظام في الدعوة الإسلامية ومن العلماء الربانيين، وأن هذه الخصلة الفريدة قلّ من يتّصف بها في زمن انحطاط المسلمين”.

واعتبر المتدخل الخامس الدكتور بلقاسم زقاقي المعتقل السياسي السابق والباحث في الدراسات الإسلامية، أن كتاب “صناعة الحرية، في التجربة السجنية للأستاذ عبد السلام ياسين” يعد أول محاولة للتصدي والاشتغال بجانب يكاد يكون غير مدروس من حياة الأستاذ العالم والمربي والمصلح عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى. كما أشار ضمن مداخلته إلى بعض المكاسب التي أكرم الله بها الإمام عبد السلام ياسين في محنة السجن ، ومنها:

–    عدم الانجرار إلى الوقوع في آفات السرية والعنف والاستقواء بالخارج.

–   تعميق الفكر والنظر في المشاريع والمواقف التي اعتقل من أجلها، وبذل مهجته ووقته في الكتابة الرصينة والتأليف في مختلف قضايا الإنسان والأمة والاطلاع الواسع على ما يكتبه الآخرون باختلاف عقائدهم وقناعاتهم في لغاته الأصلية أو المترجمة.

–   إعطاء نموذج العالم العامل القائم الناصح الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الذي لا يسكت على الباطل أو يبرره.

–   اكتساب الإمام رحمه الله من وراء كل تلك المحن روحانية جهاد الكلمة والحجة والتعليم والصدع بالحق. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “ما ترك قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل”، وقال عز من قائل: ولله العزة ولرسوله وللمومنين ولكن المنافقين لا يعلمون.

وفي خاتمة المداخلات أكد الأستاذ حسن هاروش المحامي بهيئة الدار البيضاء على أن “محاصرة الأستاذ عبد السلام ياسين والتضييق عليه وحرمانه من حقوقه المكفولة بموجب القوانين الوطنية والمواثيق الدولية، واعتقاله امتد منذ تاريخ توجيه رسالة “الإسلام أو الطوفان” إلى غاية وفاته رحم الله”، مشيرا إلى أن القاسم المشترك بين التجارب السجنية الثلاث التي اقتصر عليها المؤلِّفُ لدواعٍ أدبية، هو أنها تشكل “اعتقالا سياسيا لرجل كل ذنبه أنه دعا إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة في غير غلو ولا عنف”.. وختم الأستاذ حسن مداخلته القانونية والحقوقية بالإشارة إلى أن هيئة دفاع الإمام ياسين تقدمت في 22 يوليوز 1992 بدعوى الإلغاء أمام المجلس الأعلى في القرار الضمني لوزارة الداخلية المخالف للمشروعية وتضمنه للشطط في استعمال السلطة أثناء فرض الإقامة الإجبارية على الإمام رحمه الله، لكن هذا المجلس انتظر إلى 22 يونيو 2001 بعد إشعاره من طرف دفاع الإمام برفع الحصار ليصدر قراره بعدم قانونية الحصار، وفي ذلك تهرب من البت في القضية وإنكار العدالة الذي تجرمه مقتضيات الفصل 2 من قانون المسطرة المدنية.

واختتمت الندوة بتوقيع المؤلف لنسخ من كتابه للحضور، وبصورة جماعية للمشاركين في الندوة وكوكبة من المعتقلين السياسيين الذين حضروا النشاط.