نص مداخلة الدكتور أنور الجمعاوي من تونس

0 685

إنّ العقل باعتباره قوّة إدراكيّة وطاقة ذهنيّة تمكن الإنسان من فهم الأنا والآخر، ومن تحليل الظّواهر وتمثّل الأشياء، وباعتباره وسيلة تنظيم علاقة الإنسان بنفسه وبالعالم، هو علامة مميّزة للكائن البشري وملكة فاعلة في تاريخ الإنسان على الأرض. غير أنّ تحديد ماهيّة العقل من منظور تجريديّ وضبط كيفيّات توظيفه. والتّسليم بصدقيّة أحكامه مسائل خلافيّة كانت وما فتئت موضوع نقاش وسبب اختلاف بين الباحثين والمصلحين والمفكّرين. فقد عرفت الإنسانيّة ظهور تيّارات فكريّة وعقائديّة متعدّدة تباينت مواقفها من العقل في مستوى مفهومه وسلطته ومدى حجّيته. ويمكن أن نميّز في هذا الخصوص بين ثلاثة تيّارات على الأقلّ: أوّلها تيّار يؤمن بمصداقيّة العقل، ويعتمد عليه في إدارة كلّ شيء، ويمنحه السّلطة المطلقة في تقييم الأشياء وتحليل الظّواهر، ويعتبر الإنسان كائنا عقلانيّا بامتياز، يدير العالم بعمليّات ذهنيّة فكريّة محضة. وثانيها تيّار يقف على الضفّة المقابلة تماما، ويتأسّس على إلغاء العقل والاحتكام إلى الوجدان ونداء القلب في إطار تمثّل صوفيّ/ ميتافيزيقي للعالم يُعلي من قيمة الرّوحي، ويعتبر العقل قاصرا عن إدراك كنه الكون، ولا يرى فائدة من فعل التّفكير العقلاني في العالم. ويشكّك في قدرات العقل ومنتجاته الإبداعيّة. أمّا التيّار الثالث، فيرى أنّ الإنسان كان متعدّد الأبعاد، فهي روح وعقل وجسد، ولا يمكن إلغاء بُعد على حساب آخر. بل هذه الأبعاد تتكامل وتتآلف في التّاريخ، وتساهم في تحقيق وجود الإنسان على الأرض، يستثمر ما وهبه من ملكات في فعل الخير وخدمة الصّالح العامّ. وضمن هذا التيّار تندرج مقاربة الأستاذ المصلح عبد السّلام ياسين الذي قدّم تصوّرا مميّزا لماهية العقل، ودوره في حياة الإنسان، ونبّه إلى أنّ حاجة الإنسان إلى تحكيم العقل لا تقلّ عن حاجته عن الاستماع إلى نداء الرّوح والعكس صحيح، وذلك في إطار تصوّر شامل لكينونة الإنسان، يستحضر طاقته الذهنيّة وبعده الرّوحي وحضوره الجسدي بطريقة تقوم على توظيف كلّ المواهب والطّاقات التي منحها الله للإنسان في خدمة البشريّة وتأمّل الكون، وإدراك الخالق، وتحقيق خلافة الله في الأرض.

– ما المقصود بالعقل من منظور الأستاذ عبد السّلام ياسين؟

– ما هي وظائفه وغاياته؟

– كيف استخدم ياسين العقل في نقد التّراث والواقع السّياسي للمسلمين؟

وبناء عليه فإنّنا سنُعنى في هذه الورقة بجانبين أوّلهما نظري. والثّاني تطبيقيّ، فالأوّل متعلّق بسؤال الماهيّة (المفهوم)، والثّاني دائر على كيفيّة استثمار العقل وأدواته الموضوعيّة في نقد تاريخ المسلمين ونقد الحكم المستبدّ.