ندوة الذكرى العاشرة تتدارس موضوع السلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين

0 437

إحياء للذكرى العاشرة لرحيل الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله وفي إطار فعاليات الذكرى الأربعين لتأسيسها، نظمت جماعة العدل والإحسان صباح يوم الأحد 16جمادى الأولى 1444ه، الموافق لــ 11 دجنبر 2022 ندوة علمية لمناقشة كتاب “السلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين” للأستاذ عبد الكريم العلمي، شارك فيها إلى جانب المؤلف كل من الدكتور محمد رفيع، والدكتور محمد الزاوي والأستاذة نادية بالغازي والدكتورة خديجة مسامح، أدارها الدكتور عبد الرحمن حرور.

 

استهلت الندوة بكلمة افتتاحية للمهندس الأستاذ أبو بكر بن الصديق، عضو مجلس الإرشاد والمشرف العام على الهيئة العامة للتربية والدعوة، ربط فيها موضوع الكتاب بما أثله الإمام في ميراثه عامة وفي كتاب الإحسان بشكل خاص، حيث قال: “كتاب الإحسان للإمام عبد السلام ياسين رحمه الله موسوعة تَشفي الغليل في فقه السلوك، عرض الإمام على صفحاته مشروعه في تجديد السلوك إلى الله، وملأ فرا غا كبيرا كان يعاني منه الصف المنتمي لجماعةٍ، الإحسانُ شطر اسمها وشعارِها”.

وبين المهندس ابن الصديق أن “استيعاب مفهوم “الصحبة والجماعة” وهو الخَصلة الأولى من منهاج الجماعة ودستورُها، لم يتم في الصف واضحا مكتملا إلا بعد صدور كتاب الإحسان”، وربط بين الغاية من تأليف الإمام لكتاب الإحسان، وبين الغاية من تأليف الأستاذ عبد الكريم العلمي لكتاب “السلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله”، ليؤكد بعد ذلك على اكتناز هذا السفر معلومات هامة وفوائد ودرر وتوضيحات جاء بها الكتاب وفي مقدمتها ما أشكل على البعض فهمه واستيعابه، في مسألة قَرْنِ الصحبة بالجماعة، خاصة لما بدأ الإمام في دروسه وكلماته في المجالس يتكلم عن مفهوم الصحبة في الجماعة الذي لم يسبق له استعمالُه من قبل، لا في كتاب المنهاج النبوي ولا في كتاب الإحسان ولا في غيرهما مما كتب، وهو ما تتبعه الكاتب ولم يقتصر فيه على المكتوب، بل تتبع الأمر كذلك في الأشرطة المسجلة لكلماته ودروسه ومحاضراته التي لم تنقطع واستمرت بعد انقطاعه عن الكتابة والتأليف، وأغلبها كان الأستاذ العلمي حاضرا فيها.

وذكر المهندس ابن الصديق بسياق تأليف الكتاب وما واكبه قائلا: “بعد أن خصص مجلس الإرشاد جلسة مطولة لمناقشة الصيغة ما قبل النهائية للكتاب كاملا، وقد كان ناقش في جلسات سابقة كل فصل من فصوله عند انتهاء المؤلف من كتابته، علق السيد الأمين العام الأستاذ محمد عبادي في نهاية النقاش: “الكتاب كتبه سيدي عبد الكريم بروح الصحبة، تلمس فيه المحبة من أعماق أعماق وجدانه، ولا يسع القارئ -ما لم يكن ممن لهم موقف مسبق- إلا أن يتأثر به”، ويكاد يكون انطباع السيد الأمين العام الانطباع الذي ساد المجلس”.

ثم تناول الكلمة بعد ذلك مؤلف الكتاب موضوع الندوة الأستاذ عبد الكريم العلمي، عضو مجلس الإرشاد ورئيس مجلس الشورى لجماعة العدل والإحسان الذي عزز ما ذكره المهندس أبو بكر بن الصديق أن فكرة هذا الكتاب ونيته ونواته ترجع إلى أكثر من اثنتي عشرة سنة، و“بالضبط إلى الرباط العشري المركزي الجامع الذي انعقد وقتها في العشر الأوائل من شهر رمضان عام 1431ه الموافق للعشر الأواسط من غشت 2010م، حيث تشرفتُ بإلقاء عرض حول موضوع: “معالم في تجديد السلوك عند الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين”. وكنت قُبيل ذلك في رباط النصيحة المركزي، عرضت موضوعا عن “معالم في السلوك الجهادي عند الأستاذ المرشد”.

وأوضح، في سياق عرضه لخلفيات فكرة التأليف، أنه وبعد رباط رمضان آنف الذكر تعمّق النقاش داخل مجلس الإرشاد حول مفهوم “الصحبة في الجماعة”، الذي كان الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله يذكره في مجالسه ولقاءاته ويقرنه بالصحبة والجماعة، فشرّفني، يقول رئيس مجلس الشورى، الأحبة في مجلس الإرشاد بكتابة ورقة في الموضوع، وبالفعل أُعدّت الورقة. ليكمل موضحا “وبعد نقاشها في المجلس وبعد التوجيه والتصويب عُرضت الورقة على الحبيب المرشد رحمه الله فأمضاها رحمة الله عليه رحمة واسعة مدعومة بتوجيهاته الثلاثة التي لا نمل من تكرارها والتذكير بها”، وهي:

  1. الصحبة والجماعة درجة إلى الصحبة في الجماعة”.
  2. لا نبحث عن صحبة خارج الجماعة ولا عن جماعة خارج الصحبة”.
  3. المعول على العمل”. في إشارة وعبارة منه رحمه الله إلى أن الكتابة لا تكفي بل لا تغني خاصة في موضوع من هذه الأهمية القصوى إن لم يصحبها ويسبقها ويعقبها السعي الجاد طاعة وعبادة وجهاداً.

وواصل صاحب الكتاب مبيّنا أن الرغبة في الكتابة في هذا الشأن تأكدت بعد التحاق الإمام قدس الله سره بالرفيق الأعلى، عندما كان الإخوة في مجلس الإرشاد يطوفون على مجالس المؤمنين والمؤمنات ورباطاتهم للمذاكرة مع المسؤولين والمسؤولات ومع كافة الأعضاء في هذا الأمر. إلى أن أذن الله، يقول الأستاذ العلمي، بمحض توفيقه وتيسيره لهذا الأمر أن يتم فله الحمد وله الشكر، ناسبا الفضل إلى صاحبه “وفضل الله يجريه سبحانه بأسباب يدبرها وأشخاص يصطفيهم، فأجرى سبحانه فضله علي بهذا الكتاب على يد إخوتي وأحبتي في مجلس الإرشاد صبراً وتحفيزا وتوجيها وتصويبا على مدى أزيد من خمسة عشر شهراً”.

بعد ذلك قدم المسير الدكتور عبد الرحمن حرور، الباحث في الجغرافية الحضرية، وعضو الهيئة العامة للتربية والدعوة للجماعة، ومسؤول لجنة النصيحة والتربية بها، المتدخلين المشاركين في هذه الندوة وسياقاتها، والحاجة إليها وأهميتها في طرق موضوع له من الأهمية والأولوية في المشروع الفردي والجماعي للسلوك إلى الله تعالى.

وفي بداية قراءته للمؤلف أشار الدكتور محماد رفيع، أستاذ أصول الفقه والمناظرة ومقاصد الشريعة وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، ورئيس المركز العلمي للنظر المقاصدي في القضايا المعاصرة، وعضو الهيئة العلمية للجماعة (أشار) إلى شعوره بواجب الدلالة على هذا الكتاب المرجعي المهم ومؤلفه النبيه اللبيب الحكيم، مبينا قيمة الكتاب العلمية من وجوه خمسة؛

أولها موضوع الكتاب الذي هو السلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين، والذي يمثل لب مشروعه وقضيته العظمى.

أما الوجه الثاني لقيمة الكتاب فيجليها منهجه الذي بُني على استقراء المادة العلمية من مكتوبات ومسموعات ومرئيات الإمام من جهة، ومن خلال تجربة المؤلف الشخصية من جهة أخرى، عزّزها لزوم الاستشارة عند مؤلف الكتاب، مشددا على أن المنهج روح قبل أن يكون مجرد إجراءات شكلية.

والوجه الثالث هو من جهة الحاجة للكتاب، فالحاجة قد اشتدت إلى معاني السلوك الجهادي في أوساط الحركة الإسلامية المعاصرة، وجاء الكتاب ليكشف عن قول الإمام المفصل في السلوك الجهادي، المبثوث في مختلف موارده في كتابات الإمام ومسموعاته ومرئياته ومجالسه وأحواله، وقد وفق المؤلف في تحرير مفاهيم هذا السلوك.

الوجه الرابع لقيمة المؤلَف ناطها الدكتور رفيع بالمؤلِف، لأن قيمة القول تستمد من قيمة قائله، ومؤلف الكتاب الأستاذ عبد الكريم العلمي -يقول رفيع- “رجل حلم وحكمة وحنكة وورع وعلو همة، حباه الله بطول الصحبة والملازمة للإمام، فإن تحدث عن السلوك والصحبة عند الإمام فهو أحق بها وأهلها، وحباه الله بالقدرة على البيان باللسان العربي كما يظهر ذلك في الكتاب”.

والوجه الخامس والأخير هو مرجعية الكتاب؛ وهي مرجعية غنية ومتنوعة، حيث لم يكتف بتتبع مؤلفات الإمام، وإنما رجع إلى مسموعاته ومجالسه وأحواله، فهي سابقة بحثية فيما أنجز من دراسات على متن الإمام. واستند أيضا إلى وثائق مهمة من وثائق الجماعة، كما رجع إلى المدونات التفسيرية المعتبرة في ضبط معاني الآيات، وإلى المدونات الحديثية من الجوامع والسنن والمساند والمعاجم في عزو أحاديث الكتاب، وإلى المعاجم اللغوية في ضبط الدلالات.

وختم الدكتور رفيع مداخلته بآفاق اعتبرها ملاحظات تزيد من تجويد هذه العمارة العلمية، لخصها في ملاحظتين اثنتين: أولهما لزوم التمييز بين مقامات الكتابة؛ فكتابات الإمام تأسيسية، والكتابات الناشئة عن متنه التأسيسي بيانية تفصيلية، واختلاف الوظائف والمقاصد يستلزم اختلاف المناهج، “فكنت أرجو أن يسلك المؤلف رعاه الله مقتضى مسلك البيان من حيث تجريد نصوص المادة العلمية الشاهدة من مظانها وتحليلها وتعليلها ومقارنتها بغيرها، ثم إعادة تركيبها في نواظم تنتظم الموضوع”.

أما الملاحظة الثانية؛ فهي “إعادة هيكلة الموضوع على نحو متناسب مع مقتضى عنوان الكتاب، فعلاقة عناوين الفصول يجب أن تنتظم وترتب وترتبط بالعنوان الكلي للكتاب بدل اعتماد فصول بعناوين مبهمة من قبيل الحوار الأخير والوصايا الثلاث”، منوها في ختام مداخلته بالكتاب وأهميته العلمية والعملية والقيمة المضافة التي يقدمها في بابه.

من جهتها تناولت الأستاذة نادية بلغازي، الحاصلة على ماجيستير في الفكر الإسلامي المعاصر باحثة في الفكر الإسلامي المعاصر، وعضو الهيئة العامة للعمل النسائي للجماعة، ومسؤولة لجنة البرنامج التعليمي فيها (تناولت) التجربة الشخصية لسلوك الإمام المرشد من خلال كتاب “السلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين”، من خلال محورين أساسين؛ تطرقت في المحور الأول إلى تجربة الإمام الشخصية كما عاشها قبل تأسيس الجماعة، وطرحت في الثاني تجربته رحمه الله تعالى كما بثها في الجماعة ومن خلالها في الأمة.

وقالت بلغازي أنه بعد مرور ست سنوات عامرة بالأشواق والأذواق، أعاد الإمام قراءة الكتاب والسنة بفهم جديد كانت ثمرته تحوله من السلوك الصوفي الصرف المتعارف عليه عند السادة الصوفية إلى سعة سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الجامعة الشاملة لكمال الإحسان. ثم انبرى رحمه الله إلى دعوة العاملين في الحقل الإسلامي إلى الوحدة وإلى سلوك طريق التربية بمفتاح الصحبة الدالة على الله تعالى.

وكان من سمات تجديد الإمام عبد السلام ياسين في معنى السلوك أيضا، كما وضحت بلغازي، عمله رحمه الله تعالى على إحيائه في الأمة وسعيه لبناء جماعة تعتمد في سعيها للتغيير على تلازم العدل والإحسان.

وتحدثت بلغازي في المحور الثاني عن تجربة الإمام كما بثها في الجماعة وفي الأمة، بدأت بتأسيس جماعة يشترك فيها رجال ونساء وطّنوا أنفسهم على تربيتها إحسانا، والتهمم بحال الأمة عدلا. حيث شكلت التربية على السلوك الجهادي الإحساني النبوي الكامل أس الجماعة، وعليه يقوم رجاؤُه في تجديد دين الأمة، من خلال هذا الجمع بين السلوك إلى الله وبين الجهاد بكل معانيه وأوجهه وأبوابه.

ولخصت بلغازي أهم معالم السلوك عند الإمام في التحذير من سلوك التبرك والتزهد والدروشة والقعود بدل السلوك الفاعل المقتحم للعقبات الأنفسية والفتنة الآفاقية، الملزم بمخالطة الناس وتربيتهم على الجهاد المزدوج، وفي تقديم التجربة الشخصية لأجيال الخلافة الثانية إن شاء الله على طريق السنة الكاملة علما وعملا كما كان في عصر النبوة والخلافة الراشدة.. ومعالجة الخواء الروحي عند شباب الدعوة بدلالتهم إلى رحاب معرفة الله، وفي التربية على التحصن بسياج الشريعة والتأسي الكامل بالنموذج النبوي الكريم، وإعطاء الصحبة بُعدها الجماعي كما كانت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصحابة والتابعين رضي الله عنهم، وفي التجديد في السلوك إلى الله تعالى بآلية المجتهد المستوعب لفقه الواقع، الملم بشروط الاجتهاد، القادر على تنزيل النصوص على القضايا المستجدة، والتربية على خصال الإيمان وشعبه.

كما أكدت بلغازي على أنه من معالم السلوك عند الإمام أيضا؛ التربية على الشورى بآدابها وضوابطها الشرعية، والتربية على العناية بسلامة القلوب، وعلى الذكر والدعاء والتلاوة والحفظ لكتاب الله تعالى ولزوم الطهارة ودعاء الرابطة، وعلى سمو الإرادة، و على ترك الخلاف الشاق للجماعة والأنا المؤذن بخراب الباطن، و على تخليص الصحبة وعدم الالتفات مع التقدير لكل أهل الله وأوليائه، و على العروج في مقامات الإيمان والإحسان على منهاج النبوة، و على الصدق مع الصحبة والجماعة، وعلى سمو الأخلاق، و على الحفاظ على الهوية الإحسانية، وعلى المواظبة على يوم المؤمن وليلتِه، وعلى الجمع بين حقوق الصحبة وحقوق الجماعة، و على الموازنة بين الصحبة وعمل المؤسسات، وعلى تقدير القيادة الربانية.

وختمت بلغازي مداخلتها بالتنويه بهذا الكتاب القيم مبنى ومعنى، وبتوصيات بقراءته ومدارسته وتبليغه للناس أجمعين.

وفي المداخلة والقراءة الثالثة اعتبر الدكتور محمد زاوي، الباحث في الفكر الإسلامي ومشاريع التجديد، ورئيس تحرير مجلة منار الهدى، وعضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو الهيئة العلمية لجماعة العدل والإحسان وعضو الهيئة العامة للتربية والدعوة، العدل والإحسان (اعتبر) كتاب “السلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين” كتابا مرجعيا في بابه نوعيا في منهجه، حيث فصَّل القول في قضية السلوك إلى الله عز وجل تفصيلا دقيقا رقيقا جامعا مانعا. وهو ما يعتبر “نقلة نوعية في كيفية التعامل مع مشروع الإمام فهما واستيعابا ودراسة وتبليغا للأجيال القادمة ولم لا تطويرا” ولج إليه الكاتب من “مداخل متعددة متكاملة: المدخل المفهومي، مدخل البناء المعرفي التراكمي، المدخل التطبيقي التدبيري، المدخل التاريخي”.

واستدل الدكتور زاوي للتأكيد على أهمية موضوع الكتاب بكلام للإمام في رسالة خاصة له لأحد الإخوان أوردها المؤلف، جاء فيها: “أخبرهم، أي باقي الإخوان، أن التجديد الذي وفقنا الله إليه هو أن يكون سلوكنا شبيها بسلوك الصحابة رضي الله عنهم؛ نترقى في معارج الإيمان والإحسان، ونحن وسط معارك الجهاد الشامل، لا في زاوية مجاهدة النفس. أعقبه بتعليق للأستاذ العلمي مؤلف الكتاب قال فيه: “إن الوجهة التي لا يحيد عنها رحمه الله، ولا يريد للإخوة والأخوات بوجه من الوجوه أن تميل عنها قلوبهم وعقولهم وسلوكهم {رسول الله والذين معه}؛ الذين رباهم عليه الصلاة والسلام على الجمع الأكمل بين الكمالات كلها؛ كمال القلب والروح، كمال العلم والعمل، كمال الخُلق والمعاملة وكمال الجهد والجهاد”.

ومن هذا المنطلق حاول الدكتور زاوي استجماع ما جاء في مؤلف الأستاذ العلمي من قواعد السلوك الإحساني الجهادي ملخصا إياها في عناوين دالة متلازمة، في مقدمتها تلازم واقتران العدل والإحسان، وتلازم الصحبة والجماعة وكونهما درجة ومرقاة إلى الصحبة في الجماعة، مبينا أن المؤلف خلص بعد رصد تبلور مفهوم الصحبة في الجماعة إلى وضع تعريف محدد له وهو: “الصحبة في الجماعة هي صحبة رجال أحياء تربوا وأخذوا عن إمامهم ومرشدهم مادة الإيمان والإحسان الموصولَة بالجهاد، في جماعة تُؤوي وتَحضن الوارد، حتى يسري إلى قلبه بصحبة المربين في الجماعة نورُ الإيمان والتطلعُ إلى الإحسان، منبها لمزالق الدعوى والتبرك بالأحياء والأموات وجذبة الأنوار.

كما أكد على كون الصحبة واسطة عقد السلوك الإحساني والشورى أنفس جواهر هذا العقد، وأن مجلس الإرشاد هو عنصر ثبات للحفاظ على الجماعة وهم الذيم حملهم الإمام مسؤوليتها بقوله: “الجماعة أمانة في أعناقكم”، وأن الشريعة أولا وأخيرا هي سبيل سلوك النموذج الخالد، وأن السلوك ليس قواعد علمية تحفظ وإنما حال تعاش.  “السلوك عمل لا كلام”.

ليختم الدكتور الزاوي قراءته بما ختم به المؤلف كتابه الذي رجاه “أن يكون دعوة للعمل… ولا يرغب، بل يعوذ بالله ويبرأ، أن يكون كتاب مراء وجدال، خاصة في هذا الشأن العظيم عند الله وعند الصالحين من عباده شأن السلوك إلى الله بما هو تقرب إليه وتزلّف، وتملّق وتحبب”.

وخاتمة المداخلة والقراءات تقدمت بها الدكتورة خديجة مسامح، الباحثة في أصول الفقه ومقاصد الشريعة، عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وعضو الهيئة العامة للعمل النسائي لجماعة العدل والإحسان، تساءلت فيها عن “ماذا بعد رحيل الإمام؟”

وقسّمت إجابتها إلى عناصر ستة هي حقيقة الموت ومصير الإرث، والصحبة والجماعة والصحبة في الجماعة من خلال وصية الإمام، ومجلس الإرشاد عنصر ثبات، ومن يخلف الإمام؟، والشورى وانتخاب الأمين العام بعد رحيل الإمام، قبل أن تختمها بـ محاذير ينبغي تجنبها.

حيث انطلقت في البداية من وصف الأستاذ عبد الكريم العلمي لحال الإمام رحمه الله وهو يتحدث عن الموت بيقين على أنها ليست عدما وإنما هي مجرد انتقال من حجرة إلى حجرة، ومن ثم فصلة المحبة والوفاء دائمة لا تنقطع بين الأحياء والأموات، ونقل قول الإمام في وصيته الأخيرة “لا تحبس الصلة برازخ الموت”.

فإذا مات المصحوب وانتقل إلى الرفيق الأعلى، تتساءل مسامح: ما العمل؟ هل يبقى الواحد منا وفيا لمصحوبه؟ أم يبحث عن مصحوب آخر؟ هل سنبقى نردد بأنه كان معنا سيد كان وكان؟ وكيف نعمل مع هؤلاء الأحياء؟ وذكرت على لسان الأستاذ العلمي أن مفهوم العبارة من خلال السياق يدل على القول: (تقوم مقام الصحبة المباشرة)، كما أنه كثيرا ما كان يردد رحمه الله أن مجلس النصيحة يقوم مقام الصحبة المباشرة، ويوصي بقوله: “فابقوا محافظين على جماعتكم، وابدأوا بمحبة كل من أظهر الله عليه خيرا أحبوه”.

ونقلت مسامح في مداخلتها قول الإمام رحمه الله الجماعة تنظيم وليست حزبا سياسيا (هذه مسألة ينبغي هضمها هضما)، معتبرة أن وحدة التنظيم والتربية أمر لازم، والقيادة ينبغي أن يتحقق فيها المجموع الفريد، من الذين لهم قدم السابقة الشهداء بالقسط، الجامع بينهم الاتحاد والانسجام والتسليم والمحبة.

واعتبرت مسامح أن الإمام يتمتع ببعد نظر لأنه لم يعين من يخلفه من بعده، فخرج بذلك عن الأعراف الصوفية التي تقضي في الغالب الأعم أن يعين الشيخ وارثه تعيينا مكتوبا أو مشافهة مشهودا عليه، وحتى ما كان في فصل التنظيم من المنهاج النبوي، أوصى رحمه الله بتجاوزه

وذكرت مسامح محاذير حذر منها الإمام رحمه الله تحول دون تحقيق الغاية من الصحبة والجماعة، ومنها انفصال الصحبة عن الجماعة، والتنافس المرضي والأنانية الفردية لأنها تقضي على الجماعة وعلى الروح الجماعية، ومنها أيضا الركون إلى الأحوال الجسدية والنفسية أو طغيان جدبة الأنوار كما أسماها رحمه الله تعالى، وكذلك الكبر والتكبر والتشوف إلى الرئاسة على الخلق، وأخطرها الرئاسة الروحية والمشيخة الدينية وهذا فيه خراب للآخرة”.ومنها أيضا “سوء الخلق المنافي للصحبة”، و“اعتقاد العصمة من الخطأ في القيادة وأنها منزهة عن النصح والنقد مما لا يتنافى مع التعظيم والتقدير”، و“الجمود المنافي للاجتهاد”.

وبعد نهاية المداخلات والقراءات، وفي كلمة تفاعلية مقتضبة، شكر الأستاذ العلمي المتدخلين على تتبعهم الدقيق للكتاب. عارضا بعض الأفكار المختصرة؛ منها تأكيده أنه لم يدّع تعاملا فكريا عقليا مع تراث الإمام بل تعاملا روحيا قلبيا، ومن تم فالكتاب ليس كتابا أكاديميا. شاكرا ملاحظة الدكتور رفيع المنهجية التي اعتبرها دقيقة والتي تهم العناوين.

وأشار صاحب الكتاب أيضا إلى أنه يصعب جدا أن نفصل بين الجانب النظري الفكري والتمثل والتنزيل حين نقرأ تجربة وتنظير الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله. وشكر هنا تركيز الأستاذة نادية على التجربة الشخصية الإمام، فالسلوك عمل لا كلام، منوّها إلى أنه إن خرجنا من هذه الندوة والكتاب بهذا الأمر فقط، فهو كسب عظيم ومهم.

وكشف رئيس مجلس الشورى بأن فكرة الكتاب الأولى كانت تروم الوقوف عند ما دعا إليه الإمام من التشوف إلى النموذج الخالد نموذج النبوة والصحابة الكرام، وأن نصل حاضر ومستقبل الأمة بسالف عهدها في قرن الصحابة النموذجي. فكان الهمّ تتبع الصحبة والجماعة داخل الجماعة عند الصحابة ثم التابعين وتابعيهم وهكذا، إلى أن استقر الأمر فصلا بين العدل والإحسان في القرون اللاحقة. لكن جاء الكتاب في النهاية على الشكل الذي ترونه، يقول مؤلفه، ملمحا إلى العودة تأليفا كرّة أخرى في هذا الموضوع تحديدا.

وتجدر الإشارة إلى أن كتاب “السلوك إلى الله عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله” الّذي قدّم له الأستاذ فتح الله أرسلان عضو مجلس الإرشاد، يقع في 334 صفحة، ويتوزع إلى تقديم ومقدمة وأربعة فصول وخاتمة وملاحق. ويناقش أربع قضايا مندمجة ومتكاملة ومتداخلة في شأن “السلوك إلى الله” وهي قضية السلوك الجهادي، وقضية الصحبة والجماعة والصحبة في الجماعة، وقضية السلوك الجماعي المتّزن، وقضية الجماعة والشورى، والتي استقاها المؤلف من خلال فكر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله وكتاباته ومجالسه ورَسائله وتوجيهاته الخاصةِ والعامة.