مفاهيم: “التجديد والقومة والمرونة” في ضوء نظرية المنهاج النبوي عند الشيخ عبد السلام ياسين
مفاهيم: “التجديد والقومة والمرونة”
في ضوء نظرية المنهاج النبوي عند الشيخ عبد السلام ياسين
أ.م.د باسل خلف حمود الزبيدي/جامعة الموصل/العراق
Loading...
المقدمة
أود أن اشكر القائمين على تنظيم وإدارة هذا المؤتمر إذ أتاحوا لنا من خلال إقامة هذا المحفل العلمي الاطلاع على جهود الشيخ الفاضل المجدد عبد السلام ياسين في الدعوة والتربية والبناء والتخطيط والتنظيم منطلقا من مصادر الشريعة الإسلامية الأصيلة من أجل تأسيس عمل إسلامي منظم في العالم عموما والمغرب العربي خصوصا لتكون إحدى اللبنات التي تقوم عليها دولة الإسلام وصرحا شامخا يتم من خلاله إعادة المجد لهذه الأمة ليتسنى لها قيادة وتوجيه العالم من جديد وفق مبدأ العدل والإحسان اللذين جاء الإسلام بهما قرآنا وسنة نبوية طاهرة.
ويتضح ذلك بعد أكثر من نصف قرن من الدعوة والعمل الجادين والقائمين على الاتباع الصادق والإخلاص مع الله عز وجل إذ لولا فضله ورحمته لما نشأت وبرزت واستقامت وانتشرت هذه الحركة الإسلامية المباركة. وكان ما تعرض له الشيخ في مسيرته التأسيسية لهذا العمل وحياته الدعوية من عناء ومشقة واضطهاد وإقامة جبرية، حافزا ودافعا له ولأتباعه في التشبث والتمسك بطريق الحق الذي آمنوا به سبيلا لإقامة وبناء دولة الإسلام المعاصرة وفق مبادئ الإسلام الأصيلة والقائمة على فهم دقيق لمراحل الإعداد التي لا تتم إلا بالعمل المتواصل الجاد لتربية وتهيئة أفراد وأجيال النصر والتمكين مبنيّا بناء عقديا وفكريا وسلوكيا وثقافيا وعلميا وبدنيا ليتسنى لهم حمل هذه الأمانة التي أشفقت السماوات والأرض من حملها.
في هذه الدراسة نسلط الضوء على مجموعة من المصطلحات التي أوردها الشيخ في كتاباته وهي “التجديد، والقومة، والمرونة” وهذه المصطلحات التي ذكرها الشيخ في كتاباته مصطلحات أصيلة “و الأصالة أهم الخصائص التي تميز المشروع التجديدي للأستاذ عبد السلام ياسين، حيث حرص كل الحرص على استعمال مفاهيم أصيلة من القرآن والسنة، إيمانا منه بأن المفهوم محكوم في سياقه وروحه بالبيئة التي نبت فيها، وبالمشروع الذي ينتمي إليه، وفي حالة اضطراره لاستعمال بعض المفاهيم من غير القرآن الكريم والسنة النبوية فإنه ينبه إلى ما يوافق المشروع الإسلامي في ذلك المفهوم وما يخالفه”[1]. بيد أن مفاهيم هذه المصطلحات قد اندرست وغابت عن أذهان كثير من العاملين في ميدان الدعوة إلى الله، لذا فمن الواجب بيان وكشف دلالاتها في ضوء نظرية المنهاج النبوي واستخدام الشيخ عبد السلام ياسين لها والتي استوحاها من المصدر الأول من مصادر الشريعة الإسلامية وهو القرآن الكريم، واستهدى بما ورد في الهدي النبوي من أجل تقديم رؤية واضحة وجلية لخطوات العمل للحركة الإسلامية المعاصرة.
وتتضمن الدراسة ثلاثة مباحث، في كل مبحث درسنا مصطلحا من المصطلحات الثلاثة “التجديد، القومة، المرونة”، وفي كل مبحث خمسة مطالب: الأول دراسة مفهوم المصطلح لغة، والثاني دراسته اصطلاحا، والثالث دراسته في القرآن الكريم، والرابع دراسته في السنة النبوية، والخامس دراسة مفهومه في فكر الشيخ عبد السلام ياسين من خلال الوقوف على مواردها في كتابات الشيخ والمعاني التي استوحاها منها.
ومن أهم النتائج التي توصل إليها البحث:
1- إن حاجة الأمة إلى تجديد الدين حاجة مستمرة، معترف بها شرعا، معلن ميقاتها، مأذون في تحقيق أهدافها. وإن أهم قضية في التجديد في فكر الشيخ عبد السلام ياسين هي إحياء الربانية في الأمة من خلال توثيق الصلة الروحية والإيمانية بين العبد وخالقه، وأن لا يتغلب التجديد الفكري وإن كان مهما ومطلوبا لمواكبة العصر على التجديد الروحي، وأن التجديد يبدأ بسؤال الله سبحانه ثم بعمل القلب والجوارح لتجديد ما تعرض له القلب من ضعف، وأن التجديد في مفهومه لدى الشيخ يجب أن يقدم الإسلام بصورة شاملة تتجاوز الأخطاء المرحلية والضغوط المذهبية والاتجاهات الذاتية بعيدا عن التركيز العقلي الذي يجعل الإسلام مجرد نظرية فلسفية وبعيدا عن التركيز الفقهي الذي يجعل الإسلام مجرد قانون من القوانين وبعيدا عن التركيز الوجداني الذي يجعل الإسلام مجرد تجربة روحية بل تجديد في جميع المجالات سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم علمية أم اقتصادية أم ثقافية أم تربوية.
2- القومة مفهوم أصيل من مفاهيم الإسلام في تحقيقه يقام الدين في الأرض، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل ضمن هذا المصطلح. لذا أكد الشيخ عبد السلام ياسين في كتبه ومحاضراته كثيرا على مفهوم هذا المصطلح وضرورة تخلق وقيام الإخوة الأعضاء في الحركات الإسلامية عموما وحركة العدل والإحسان خصوصا بآليات التنفيذ الشرعية في إصلاح وتغيير وإخراج المجتمعات من التيه والبدع والضلالات واتباع المناهج المخالفة للفطرة السليمة إلى طريق الحق واتباع سبل النور والهداية، وأن القومة لدى الشيخ هي قيام بواجب الدعوة لإقامة الدين النابع من قوة الإيمان للوقوف أمام الطغيان وشهادة بالحق والعدل ورحمة وثبات وصبر واحتمال للأذى وثقة وعمل دائب وحرص على الاتفاق والاجتماع مع مراعاة الزمان والمكان لتحويل الناس بالتدريج إلى الولاء لله ورسوله وشريعته، وليست عنفا ولا قتلا ولا انقلابا وإنما تربية وتخطيط وتنظيم تسلك السلم والرفق طريقا وسبيلا إلى إحقاق الحق ونهضة للأمة في جميع الميادين تقودها طليعة مؤمنة من جند الله لفرض العدل والإحسان.
3- يتسم منهج الشيخ عبد السلام ياسين في الدعوة ونشر مبادئ الإسلام بالمرونة، وهي اتباع للهدي النبوي في العرض والإقناع والتيسير على الأمة بعيدا عن الغلو والتشدد والتنطع، والمرونة في فكر الشيخ تكيّف بين الواقع والمطلوب الشرعي بالتدريج والتقريب وإعمال وازعي القرآن والسلطان، وتسرّب بلطف إلى أجهزة دولة الجبر لإعداد الرجال لكل مناصب الدولة المنشودة ومواطن الخبرة والقيادة فيها وليست استسلاما ولا خضوعا للباطل لاسيما إذا كان التسرّب لأجهزة الدولة الجبرية على بيّنة بصيرة وبقيادة ربانية، واستثمار لبعض الأعراف والقوانين السائدة وتسخيرها لصالح الدعوة الإسلامية.
أهم المقترحات:
1- مصطلحات الشيخ عبد السلام ياسين في كتبه تمثل مفاتيح معرفية وأوعية حاضنة لمبادئ سلوكية عظيمة لابد أن يشار إليها ويفرد لها أبوابا وفصولا تدرس في كتب ومناهج الدعوة وأصولها.
2- الشيخ عبد السلام ياسين طرح كثيرا من المفاهيم تستحق الدراسة والتحليل والتقصي بما ينسجم مع واقعنا المعاصر في مؤلفاته التي مضى عليها أكثر من ثلاثين أو أربعين سنة، وهي جديرة بأن تكون مشاريع لبحوث الطلبة في مرحلتي الماجستير و الدكتوراه لاسيما في الجامعات والكليات الإسلامية فضلا عن كونها بحوثا لأساتذة متخصصين في الشريعة والفكر الإسلامي.
3- دراسة منهج الشيخ عبد السلام ياسين في كل كتاب من كتبه، وبيان طريقته في العرض والتحليل والاستنتاج وطريقة تناوله للمسائل والقضايا الشرعية والفكرية والحركية، والوقوف على أهم الآراء والمسائل التي ناقشها وعرضها في كل كتاب وطرائق ووسائل نشرها وتنفيذها.
4- إقامة الندوات والحلقات النقاشية حول فكر الشيخ عبد السلام ياسين، وبيان رؤيته في كثير من المسائل التي تمس إشكاليات واقعنا المعاصر، وتوجيه طلبة الجامعات في الكليات الإسلامية والعلوم السياسية وأقسام العلوم النفسية والتربوية للاطلاع على كتب الشيخ عبد السلام ياسين الغنية بالموضوعات التي تصلح بحوثا قيمة وأصيلة للتخرج. وتحقيقا لذلك قمت بتكليف طالبين من طلبتي في كلية العلوم الإسلامية بالكتابة عن مفهوم العدل في فكر الشيخ عبد السلام ياسين ومفهوم الإحسان في فكر الشيخ عبد السلام ياسين كبحثين للتخرج العام الدراسي 2012-2013.
5- نشر البحوث والدراسات المتعلقة بفكر الشيخ عبد السلام ياسين وحركة العدل والإحسان في الدوريات والمجلات العلمية الرصينة لتصل إلى المفكرين والعلماء والإفادة من جميع وسائل نشر المعرفة. ولكوني رئيسا لتحرير مجلة كلية العلوم الإسلامية، وهي مجلة علمية محكمة فصلية في جامعة الموصل العراقية، يمكن في كل عدد نشر بحث ودراسة تتعلق بالشيخ عبد السلام ياسين أو حركة العدل والإحسان أو الإعلان عن كتبه ومنشوراته على صفحة الإعلانات في المجلة، علما أن أسواق المشرق العربي والإسلامي -حسب علمي- تكاد تكون شبه خالية من كتب الشيخ مما دفعني كباحث أن اعتمد أنا شخصيا على المكتبة الإلكترونية (سراج) التي أتاحت لنا التعرف على التراث العلمي والفكري والحركي الحي للشيخ عبد السلام ياسين، ولولا ذلك لم أستطع المشاركة في هذا المؤتمر.
بعد الخلاصة التي ذكرناها آنفا لعملنا في هذا البحث، نستعرض المصطلحات التي تعرضنا لها بالدراسة والتقصي في فكر الشيخ عبد السلام ياسين.
المبحث الأول: مفهوم مصطلح التجديد
التجديد مسألة لابد منها للأمة كي يستقيم أمرها، ومن ثم أوضاعها في مختلف جوانب الحياة لاسيما أن الأمة لم تشهد في تاريخها كله اختلالا كما شهدته وتشهده اليوم في شتى ميادين الحياة وجوانبها، ولذا نجد الشيخ عبد السلام ياسين يقف عند مفهوم التجديد ليبين من خلاله ماهية التجديد ومن المجدد وفي أي أمر نجدد، وإن كان تجديد الدين في الأمة وإحياؤه بنظر الشيخ بتجديد الميادين والمجالات الحيوية في الدين والدنيا وفق رؤية شرعية مستلهمة أصالة هذه الأمة وجذورها الدينية، غير بعيدة عن العصر ومعطياته وقضاياه. لذا لا بد من الوقوف عند المعنى اللغوي والاصطلاحي للتجديد والاستهداء بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية للوصول إلى مفهوم التجديد في فكر الشيخ عبد السلام ياسين.
المطلب الأول: التجديد في اللغة
التجديد في أصله اللُّغوي: مأخوذ من جدَّد الشيءَ، وتجدَّد الشيءُ، إذا صيَّره جديداً أو صار جديداً. والتجديد فيه طلب واستدعاء، إذ التاء للطلب، فيكون تجديد الشيءِ يعني طلب جِدَّتِه بالسعي والتوسّل إلى ما يجعله جديداً. والجديد ([2]) نقيض الخَلِق، أي: القديم، ويُقَال: جدَّد الشيء: صيِّره جديداً، أي: جعل القديم جديداً وأعاده إلى حالته الأولى، وجدَّد الثوب أي أعاده إلى أول أمره. فالتجديد إذن في معناه اللغوي يتكوَّن من ثلاثة معانٍ متصلة، وهي:
- أن الشيء المجدَّد قد كان في أول أمره موجوداً، وللناس به عهد.
- أن هذا الشيء قد طرأ عليه ما غيره وأبلاه وصار قديماً.
- أن ذلك الشيء قد أعيد إلى مثل الحالة التي كان عليها قبل أنْ يبلى ويخلق”.[3]
المطلب الثاني: التجديد في الاصطلاح
أما التجديد في الاصطلاح الشرعي فهو: “اجتهاد في فروع الدين المتغيرة، مقيد بأصوله الثابتة”[4]، وعند علماء الحديث: “إحياء ما أندرس من معالم الدين، وانطمس من أحكام الشريعة وما ذهب من السنن، وخفي من العلوم الظاهرة والباطنة”[5] كما عرفوا المجدد الوارد في الحديث: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”[6] بأنه من: “له حنكة رد المتشابهات إلى المحكمات، وقوة استنباط الحقائق والدقائق والنظريات من نصوص الفرقان وإشاراته ودلالاته”[7]، ويقول أبو الأعلى المودودي: “المجدِّد: كل من أحيا معالم الدين بعد طموسها، وجدَّد حَبْلَه بعد انتقاضه..والتجديد في حقيقته: تنقية الإسلام من كل جزءٍ من أجزاء الجاهلية، ثم العمل على إحيائه خالصاً محضاً على قدر الإمكان”.[8] ويقول الشيخ القرضاوي: “إن التجديد لشيء ما: هو محاولة العودة به إلى ما كان عليه يوم نشأ وظهر، بحيث يبدو مع قدمه كأنه جديد، وذلك بتقوية ما وهى منه، وترميم ما بلي، ورتق ما انفتق، حتى يعود إلى أقرب ما يكون إلى صورته الأولى.. فالتجديد ليس معناه تغيير طبيعة القديم، أو الاستعاضة عنه بشيء آخر مستحدث مبتكر، فهذا ليس من التجديد في شيء”[9].
المطلب الثالث: التجديد في القرآن الكريم
وفي القرآن الكريم جاء ذكر التجديد بمعنى الإحياء والبعث والإعادة، وهي معان تتفق مع المعنى اللغوي للتجديد، كما في قوله تعالى: “أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِّنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ“ق:15، وقوله: “أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ“السجدة:1، قال الطبري: “منكرين قدرة الله على إعادتهم خلقاً جديداً بعد فنائهم وبلائهم”[10] وهذا التفسير منسجمٌ مع المعنى اللغوي للتجديد.
المطلب الرابع: التجديد في السنة النبوية
إن مفهوم التجديد في قوله صلى الله عليه وسلم: “يجدد لها دينها” أنه كلما انحرف الناس عن جادة الدين الذي أكمله الله لعباده وأتم عليهم نعمته ورضيه لهم ديناً، بعث إليهم علماء أو عالماً بصيراً بالإسلام، وداعيةً رشيداً يبصر الناس بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم الثابتة، ويجنبهم البدع ويحذرهم محدثات الأمور ويردهم عن انحرافهم إلى الصراط المستقيم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فسمى ذلك: تجديداً للأمة بالنسبة للدين الذي شرعه الله وأكمله، فإن التغير والضعف والانحراف إنما يطرأ مرة بعد مرة على الأمة، أما الإسلام نفسه فمحفوظ بحفظ كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم المبينة له، قال تعالى:”إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ“الحجر:9”.[11]
المطلب الخامس: مفهوم التجديد في فكر الشيخ عبد السلام ياسين
أكد الشيخ في مباحث كثيرة من كتبه على قضية تجديد الدين وأهميتها وأنّنا مأمورون شرعا بتجديده وحاجة الأمة في طريق نهضتها إليها لاسيما في العصر الحالي إذ يقول: “إن حاجة الأمة إلى تجديد الدين حاجة مستمرة، معترف بها شرعا، مُعْلَن ميقاتها، مأذون في السعي لتحقيق أهدافها”.[12] ويرى الشيخ أن أهم قضية في التجديد هي إحياء الربانية في الأمة ويقصد بذلك توثيق الصلة الروحية والإيمانية بين العبد وخالقه لأنها العروة الوثقى إذا تمسك بها بقيت جذوة الإيمان متوقدة في روحه وقلبه وان لا يتغلب التجديد الفكري على التجديد الروحي مما قد يسبب أثرا سلبيا، لذا فهي أهم من قضية الجهاد السياسي إذ يقول: “إن أهم قضايا التجديد هي قضية إحياء الربانية في الأمة،… ثم القضايا الكبرى الجهادية السياسية… وبديلنا عن النظام الرأسمالي، ونظريتنا وبرامجنا لبناء الدولة الإسلامية، ووسائلنا وجهودنا لتوطين العلوم والصنائع في بلاد المسلمين، وخطتنا لتوحيد الأمة وجمع شتاتها، ثم مشاكلنا الداخلية التربوية التعليميّة الناتجة عن تعددية الحركة الإسلامية؛ كل هذا يُلح على فكرنا، فنخشى أن ينقلب التجديد الفكري على المطلوب القلبي فيغُمَّه”[13].
ويعزز ذلك ما ذكره الشيخ من شروح وتعليقات لثلاثة أحاديث أوردها في كتاباته:
الحديث الأول بمعنى تجديد الإيمان بالدعاء وسؤال الله وعمل الطاعات والعبادات جميعا: “أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الإيمان يخلق (أي يبلى) في القلب كما يخلق الثوب، فجددوا إيمانكم”.[14] وفي رواية: “إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله تعالى أن يجدد الإيمان في قلوبكم”.[15] فتجديد الإيمان عند الشيخ هو بالدعاء والطلب من الله عزوجل كما يقول: “أن نبدأ أولا بسؤال الله تعالى امتثالا للأمر النبوي: اللهم جدد الإيمان في قلوبنا”[16]، وبعد ذلك بعمل القلب و الجوارح الذي يجدد ما تعرض له القلب من ضعف الإيمان إذ يضيف الشيخ قائلا: “ثم نسجل في الرواية الثانية أن الإيمان يبلَى في داخل الإنسان، في جوفه، في قلبه. والخُلقان في اللغة هي الثياب القديمة الممزقة الوسخة. فأشبه الإيمان البالي المُهمَل شراميط وسخة تظهر على لابسها، فهو هناك داخل القلب تعلوه أكداس من الوسَخ، يمكن للملاحظ أن يبصر أوساخ غيرِه الظاهرَة، يلاحظ السلوك المعوج، والمعاصي، والأخلاق الرديئة، والأقوال الفاحشة كل ذلك ينم عن مرض في القلوب، وعن عَطَلٍ في التنوير الإيماني القلبي، تلاحظ الرائية من خارج أعراضَ البِلَى الباطني في غيرها، لكن لا يحس بالداء في الأحشاء إلا المُصابة نفسُها إن كانت فيها بقية من خير، أو منّ الله عليها بتوبة ويقظة، من سكن النفاق والكفر في قلبها والعياذ بالله لا تشكو من نقص في إيمانها لأنها استَحْلَت النفاق ومردَت عليْه، أما المنتعشة بتوبة، والراجعة إلى ربها من جفوة وغربة، فإنها تحس وتشكو، وتلمس العلاج كما كان الصحابة يشكو بعضهم إلى بعض نقص الإيمان”[17].
ثم يضع الشيخ معايير محددة من القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف لقياس الإيمان في القلوب إذ يقول: “نأخذ معيارا واحدا من معايير كثيرة لنقيس بها بِلَى إيماننا وفتورَهُ واندثاره، في القرآن الكريم والحديث الشريف أوصاف لأهل الإيمان، بعضها آكد من بعض، فمعيار الأمانة مثل قوله صلى الله عليه وسلم: “لا إيمان لمن لاأمانة له”[18]، فالذي لا يحافظ على الأمانة وهي العبادات التي أمرنا الله عزوجل أن نتقرب بها إليه والمقصود بدليل قوله تعالى: “إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا“الأحزاب:72. ومثله معيار حب الرسول قوله صلى الله عليه وسلم: “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه وولده”[19]. فلا يتم إيماننا إلا بحبنا للنبي وغيرُها كثير تصلح معايير لقياس درجة الاندثار في الإيمان، ونأخذ من كتاب الله عز وجل قوله: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ“الأنفال: 2-4 ونأخذ قوله عز وجل: “إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ“.الحجرات:15
يمكن للملاحِظة أن ترى في غيرها التهاون في إقامة الصلاة، وإيتاءِ الزكاة، والبخلَ في النفقة في سبيل الله، والتخلّيَ عن الجهاد بالمال والنفس. لكنها لا تطلع على الأفئدة لتعلم هل وَجِلَ قلب هذه لذكر الله، وهل زاد إيمان تلك لما سمعت آيات الله تتلى، ولتُحس ارتياب من ارتابت، وشك من شكت، تعرف ذلك من نفسها، فإليها أهدَى رسول الله صلى الله عليه وسلم النصيحة أن تسأل الله تجديد إيمانها في القلب، وإليها أهدى المعلم النبي صلى الله عليه وسلم الوصية بتجديد الإيمان”[20].
فالإيمان إنما يتجدد بسؤال الله أولا على رأي الشيخ وكما هو ثابت في الحديث وبتحقيق الأوامر الإلهية التي أمرنا به عز وجل ورسوله الكريم لكي يبقى الإيمان متوقدا ومضيئا لقلوب وعقول جيل الإعداد والنصر والتمكين من أبناء الحركة الإسلامية.
الحديث الثاني بمعنى من يفهم الإسلام فهما شموليا: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”[21] أي من يفهم الإسلام فهما شموليا معتدلا ويستوعب الواقع وينفتح عليه مع قابليته للتجديد ومسايرة المتغيرات، والتجديد لا ينحصر في عمل أو مجال معين من مجالات الحياة، بل يكون عاماً شاملاً لكافة المجالات، لا يقتصر على السياسة أو الاقتصاد، أو العلم الشرعي وغير ذلك من مجالات الحياة ومتطلباتها، وهذا من رفق الله عز وجل بعباده الصالحين، أن كلفهم بما يستطيعون، وليبدعوا فيما يستطيعون، لأن قيمة المرء فيما يُحسن.[22] فالمجدد يجدد عنصر الدين في أي مجال من مجالات الحياة، سواءً أكانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو علمية أو ثقافية وغير ذلك. فالمجدد قد يكون حاكما حين يصلح من شأن إدارة وسياسة الدولة أو يكون عالما في العقيدة أو أصوليا أو فقيها يقول الشيخ: حين “فسد الحكم فنهض لإصلاحه العَلَم الفذ الراشد سيدنا عمر بن عبد العزيز، وأقبلت الأمة على العلم فشق لها الإمام العبْقري الشافعي أبوابه بمفتاح علم الأصول الذي أنشأه، وهجم الكفر والشك والفلسفات والملل فانبرى لدحضها أئمة علم الكلام أبرزهم الأشعري ثم الباقلاني من بعده، هذه أنواع من التجديد لدين الأمة؛ تجديد لتدينها وفهمها للدين في مجالات الحكم والعقيدة والفقه”[23] وتجديدهم هذا ليس تجديد الدين اختراعا فيه، لكنه إحياء لمواتٍ في قلوب المتدينين وعقولهم.
كما أشار الشيخ إلى مجددي القرون الخمسة الأولى ناقلا عن من سبقه: “بأنّ عمر بن عبد العزيز مجدد للقرن الأول، والشافعي مجدد على رأس القرن الثاني، و أبا الحسن الأشعري مجدد على رأس القرن الثالث، وأبا بكر الباقلاني مجدد على رأس المائة الرابعة، والغزالي على رأس المائة الخامسة”.[24] وهو بذلك يوافق علماء الأمة ثم يستكمل الحديث عن مجدد القرن الرابع عشر الهجري مرجحا كونه الإمام الشيخ حسن البنا بقوله: “ونُحيل على ذمة الأجيال المقبلة نورها الله الاعتراف بفضل أمثال حسن البنا الذي اعتبره الشيخ محمد الحامد مجدداً للقرون الخمسة الأخيرة”.[25] وفي موضع آخر يقول: “ونحن ننظر إلى القرن الرابع عشر فنرى فيه رجالا يبرز من بينهم الشيخ البنا بنورانية خاصة، وأثر في تربية هذه الأجيال الصالحة، فلا نبعد أن يكون هو رحمه الله مجدد القرن الماضي”[26]. ويضيف الشيخ سائلا الله عز وجل أن يكون من مجددي القرن الخامس عشر على اعتبار أن “من” في الحديث ربما يقصد به الجماعة وليس الفرد كما ذهب إليه جماعة من العلماء، وهو جدير بأن يكون منهم: “نحن على عتبة القرن الخامس عشر وليس هناك حديث في العالم إلا عن صحوة الإسلام ويقظته، فهذا التجديد على رأس هذا القرن يعلن عن نفسه بظهور نسأل الله أن يكون سيره حاسما، كما نرجوه جلت عظمته أن يستعملنا لنكون من هذا المن الذي يجدد الله به الدين للأمة. فرأينا أن “مَن” المذكورة في الحديث قد تعني شخصا بعينه كما تعني جماعة يتعاونون على إحقاق الحق بعد إبطال الباطل”[27].
الحديث الثالث المراد بتجديد الإيمان الذكر: “عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “جددوا إيمانكم”، قيل: “يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا؟” قال: “أكثروا من قول لا إله إلا الله”[28]. يقول الشيخ عبد السلام ياسين: “بقيت الوصفة الطبية كلمة لا إله إلا الله، قولها، الإكثار من قولها، باللسان. باللسان أولا. ألا إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوتي جوامع الحكم، فكلامه علمي دقيق، ووصفه هنا للطب المجدد للإيمان لا أوضح ولا أبسط منه: الإكثار من قول لاإله إلا الله فجند الله زادهم لا إله إلا الله، كلمة مجددة على اللسان، يكثرون منها. والإكثار لم يعين حده. ونرى أن المئات من المرات لا تكفي، يلزم حزب من لا إله إلا الله آلاف المرات بالعشي والإبكار وما بينهما، بالغدو والآصال، آناء الليل وأطراف النهار. ألا إنه طب نبوي، قول باللسان أولا، ومع الطب وبعده فجند الله برنامجهم لدحض الطاغوت وإحقاق الحق لا إله إلا الله، لا معبود إلا إياه، لا حاكم إلا هو، لا مشرع إلا هو، لا مرغوبا في رضاه ومخوفا من غضبه إلا هو. إن الله عز وجل يقول: “أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ“الرعد:28 وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “أفضل الذكر لا إله إلا الله، وأفضل الدعاء الحمد لله”.[29]“[30]
يقول الشيخ معلقا ومعقبا على هذه الأحاديث: “تحصَّل لنا من هذه الأحاديث الشريفة أن الإيمان يبلى فيجب تجديده، يضعف فتتعين تقويته، وأن الأمة تكلؤها عناية الله فيبعث سبحانه لها من يجدد لها دينها، وأن الإيمان يعالج من بلاه وضعفه بطب موصوف لا لبس في كنهه وماهيته ووسيلته. جاء في الأثر أن الإيمان قول باللسان وتصديق بالجنان (وهو القلب) وعمل بالأركان. لكن موطن الإيمان القلب، بل هو منطلق الإيمان. فإن خبت بواعث الإيمان في القلب بطل العمل ونطق اللسان نفاقا. ومتى قوي الإيمان في القلب بتجديده اشتدت بواعث العمل الصالح.”[31] ويحدد نوع التجديد الذي تحتاجه الأمة فردا بالتربية وجماعة ببواعثها بقوله: “فالتجديد المطلوب للأمة هو تجديد بواعثها لتقوم، أفرادا تجدد إيمانهم بالتربية، وجماعة تجددت قوتها بتجدد بواعث أعضائها الإيمانية، بواجب الجهاد واقتحام العقبة.”[32] والتجديد عنده ليس تغييرا للثابت وللمعلوم من الدين بالضرورة: “ليس التجديد تغييرا للثابت من شرع الله، فإن أحكام الكتاب والسنة ماضية إلى يوم القيامة”.[33] وهو بذلك يرد على دعاة العصرنة الذين يودون لو ينقص من الدين أركانه مع الإقرار بضرورة الاجتهاد لأن غلق باب الاجتهاد تجميد للنصوص الشرعية التي تصلح لكل زمان ومكان: “دعاة العصرنة يودون لو نقصنا من الإسلام هذه الصلاة المستغرقة للوقت، وهذا الصيام المرهق للعمال، وصيرناه إيديولوجية بلباس عصري، لا نرتاب أن الاجتهاد ضروري لتكييف حياة العصر مع شرع الله، فهو تسليم العصر لا عصرنة الإسلام.”[34]
ولكي يرسم خطوات الجهاد والتمكين وفق المنهج النبوي ومنضبطا بضابط الشرع لاسيما في الأصول والثوابت إذ يضيف الشيخ قائلا: “تحريا أن يكون جهادنا مستمدا من الهدي النبوي، منضبطا بالسنة النبوية، سائرا على منهاج النبوة “[35]، إن التجديد في الإسلام يجب أن يقدم الإسلام للناس بصورة شاملة تتجاوز الأخطاء المرحلية والضغوط المذهبية والاتجاهات الذاتية بعيدا عن التركيز العقلي الذي يجعل الإسلام مجرد نظرية فلسفية، بعيدا عن التركيز الفقهي الذي يجعل الإسلام مجرد قانون من القوانين، وبعيدا عن التركيز الوجداني الذي يجعل الإسلام مجرد تجربة روحية شخصية سرعان ما تحفل بالبدع والخرافات التي ما أنزل الله بها من سلطان. فللتجديد مفهوم واسع في فكر الشيخ في ضوء نظرية المنهاج النبوي في التغيير والتربية والإصلاح.
المبحث الثاني: مفهوم مصطلح القومة
مفهوم القومة من المفاهيم القرآنية الأصيلة التي أصّلها الشيخ تأصيلا شرعيا ووظفها لبيان المنهاج النبوي في التغيير والإصلاح وإقامة دولة العدل والإحسان على منهاج النبوة مستهديا بذلك بما ورد في القرآن الكريم والسنة النبوية من الأدلة والشواهد. وبالرغم من أن الأستاذ عبد السلام ياسين بيّن مفهوم القومة، وخصص له مباحث عديدة في كتاباته[36]، فإننا نلحظ من حين لآخر، عن قصد أو غير قصد، تحريفا لهذا المفهوم عن مقصوده، فهناك من يجعل لفظ “القومة” مرادفا للفظ “الثورة”، وهناك من يختزل القومة في النزول إلى الشارع والعصيان المدني مهما كانت الظروف، ومنهم من يعتبر القومة نقلة سحرية وتغييرا للأوضاع بين عشية وضحاها، وآخرون يسخرون من كل ذلك ويستهزئون بالقومة والقائمين.[37] وبسبب هذا الخلاف في زوايا النظر لمفهوم القومة ومحاولة بعضهم تحريف المعاني والدلالات للنيل من شخص الشيخ أو فكره أو الجماعة بطريقة أو بأخرى وتقزيم دورها الإصلاحي والجهادي في بناء الدولة الإسلامية، لذا نحاول قدر الإمكان تحديد معناه الدقيق الذي أراده الشيخ ولكن قبل ذلك علينا بيان المعنى اللغوي والاصطلاحي للقومة.
المطلب الأول: القومة في اللغة
تشير المعاجم اللغوية إلى أن القومة مشتقة من الفعل قَامَ يقوم قِياماَ، والقَوْمةُ المرة الواحدة، و قامَ بأمر كذا، وقامَتِ الدابة وقفت، وقامت السوق نفقت وباب الكل واحد، و قاوَمَهُ في المصارعة وغيرها و تَقاوَمُوا في الحرب أي قام بعضهم لبعض، وأقامَ بالمكان إقامةً وأقامَهُ من موضعه وأقام الشيء أي أدامه، ومنه قوله تعالى: “وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ“البقرة:3 أي يداومون على أدائها، و القِيمَةُ واحدة القِيَم، وقَوَّمَ السلعة تقويما وأهل مكة يقولون استقامَ السلعة وهما بمعنى واحد والاستِقامة ُالاعتدال يقال استقامَ له الأمر منه قوله تعالى: “فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ“فصلت:6 أي في التوجه إليه دون الآلهة، وقَوَّمَ الشيء تقويماً فهو قَوِيمٌ أي مستقيم[38]. يتضح من المعنى اللغوي أن مادة قوم تدل على القيام بالأمر أو بالمكان على الدوام من غير انقطاع أو فتور أو تكاسل قومة واحدة دائمة ومستمرة.
المطلب الثاني: القومة في الاصطلاح
نستشف من المعنى اللغوي بأنّ القومة هو القيام بأمر مكلف به الإنسان أن يؤديه على سبيل الوجوب والإلزام. عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قال: “مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلَاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنْ الْمَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ فَقَالُوا لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا. فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا.”[39] فالقائم من يؤدي العبادات ويحافظ على الواجبات التي أمره الله القيام بها لما فيه من خير وصلاح للفرد والمجتمع والأمة مهما كان الأمر صغيرا أم كبيرا، والواقع فيها من ارتكب المحذور وتجاوز الحدود واستهان بالوعود. قال الحافظ: “وهكذا إقامة الحدود يحصل بها النجاة لمن أقامها وأقيمت عليه، وإلا هلك العاصي بالمعصية والساكت بالرضا بها”.[40]
المطلب الثالث: القومة في القرآن الكريم
وردت مشتقات لفظة القومة في القرآن الكريم في سياقات متعددة ومتنوعة أشار إليها الشيخ في تنظيراته للمنهاج النبوي:
أولا بصيغة الفعل الماضي:
حينما استدل الشيخ بقول الله عز وجل: “وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً“الجن:19، وجاء في تفسير بن كثير “أن الحسن قال: لما قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا إله إلا الله ويدعو الناس إلى ربهم كادت العرب تلبد (أي تجتمع) عليه جميعا، وقال قتادة تلبدت الإنس والجن على هذا الأمر ليطفئوه، فأبى الله إلا أن ينصره ويمضيه ويظهره…”[41]
ثانيا بصيغة الفعل الأمر:
ذكر قول الله تعالى: “فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ“الروم:29. ويقول الله سبحانه وتعالى: “شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ“الشورى:11. والقومة إلى الصلاة، وإقامة الصلاة تكررت كثيرا في كتاب الله، كقوله سبحانه وتعالى: “الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ“البقرة:3. ورد في تفسير الطبري لهذه الآية “إقامتها: أداؤها بحدودها وفروضها والواجب فيها على ما فرضت عليه، كما يقال: أقام القوم سوقهم، إذا لم يعطلوها عن البيع والشراء.. إقامة الصلاة: تمام الركوع والسجود والتلاوة والخشوع”.[42] هذه الآيات التي وردت في القرآن الكريم واستشهد بها الشيخ تحدد المعاني القرآنية المتنوعة والتي يحدد السياق المعنى الراجح والدقيق لكل موضع، لكن مدار المعنى الرئيس هو القيام لله من أجل إقامة شرعه ومنهاجه وتطبيقه على خلقه في كل زمان ومكان.
المطلب الرابع: القومة في السيرة النبوية
إن قومة الرسول صلى الله عليه وسلم وجهاده للمشركين والناس جميعا جاء من أول يوم بعثه الله عز وجل وطلب منه في أوائل السور التي نزلت عليه، إذ نجد سورة المزمل يخاطب رسوله صلى الله عليه وسلم بالقيام: “يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّل قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلاً نِصْفَهُ أَوِ انقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً“المزمل:1-3. وفي مطلع سورة المدثر يأمر الله عز وجل رسوله بالقيام لإنذار الناس: “يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ…“المدثر:1-5. فقام النبي صلى الله عليه وسلم وما قعد ولا تهاون ولا استكان لا في عبادة ولا جهاد حتى أخذ الله أمانته منه، يدعو أهل مكة ويعرض دعوته للقبائل العربية التي تحج إلى مكة ثم يذهب إلى الطائف ويتعرض إلى الضرب والشتم والأذى، ثم يهيئ الله عز وجل له الأوس والخزرج فيدخلون الإسلام ثم يتخذ من المدينة المنورة مركزا لقومته ودعوته الناس إلى الإسلام فقاد الغزوات وجهز السرايا كل ذلك تحقيقا واستجابة لقوله تعالى: “قُمْ فَأَنذِرْ“. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: “السيرة النبوية العطرة هي نموذج القومة ووصفها ومدرستها، عليك في عصرك ومصرك وظروفك وحظك من الله وقوة من معك من حزب الله، قوة الإيمان قبل قوة العدد، أن تترجمها واقعا حيا تتعرض به لأمر الله”[43]. و في موضع آخر يقول: “في الإسلام نقرأ نموذج القومة النبوية فنرى كيف تحول بالتدريج ولاء المهاجرين والأنصار من العصبية القومية والسيادة والحسب إلى الولاء لله ورسوله وشريعته…”[44] كيف لا يكون سيرته منهاجا عمليا للقومة وهو القائل صلى الله عليه وسلم: “لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتيَ أمر الله وهم على ذلك”.[45] بل إن السيرة النبوية مليئة بصفحات مشرقة تبين قومته وصبره، ويقينه في الله عز وجل، وتدرجه ورفقه. يقول الأستاذ عبد السلام ياسين في تعليقه على بعض فصول تلك السيرة العطرة: “القومة أيها الأحبة ثبات وصبر وثقة بالله وعمل دائب”[46]. القومة النبوية هي الأنموذج في الأسلوب والوجهة والروح مهما تبدل الزمن وتغيرت الأشكال، ومن الشرعة والمنهاج، من القرآن والسنة، يتبين مفهوم القومة الإسلامية الذي دعا إليه الأستاذ ياسين في مشروعه التجديدي.[47]
المطلب الخامس: مفهوم القومة في فكر الشيخ عبد السلام ياسين
القومة من أكثر المصطلحات التي تناولها الشيخ بالذكر والتوضيح والبيان[48] ومفكرو الجماعة من بعده لأنها تعد من أهم ركائز دعوة حركة العدل والإحسان، لذا ذكرها الشيخ في مواطن كثيرة من كتبه ومقالاته وانطلق منها في توجيه رسالته الشهيرة إلى الملك الحسن الثاني “الإسلام أو الطوفان” – والتي اعتقل على أساسها وأودع في السجن ثم تحت الإقامة الجبرية – لذلك نجد معاني عديدة لمفهوم القومة عند الشيخ عبد السلام ياسين في مشروعه لإقامة دولة الإسلام منها[49]:
أولا: القومة قيام بالدعوة إلى الله تعالى.
ثانيا: القومة إقامة الدين بما هو إسلام وإيمان وإحسان.
ثالثا: القومة قوة الإيمان قبل ومع قوة العدد والعدة.
رابعا: القومة قيام في وجه الطغيان وشهادة قوية بالحق والعدل.
خامسا: القومة حرص على الاتفاق والاجتماع.
سابعا: القومة مراعاة لظروف المكان والزمان.
ثامنا: القومة رحمة وثبات وصبر واحتمال للأذى وثقة بالله وعمل دائب.
تاسعا: القومة تحول بالتدريج نحو الولاء لله ورسوله وشريعته..
ويدل مفهوم القومة في أدبيات الجماعة على استجابة كل فرد، أو جماعة من الأفراد، للنداء الإلهي الذي يحثنا جميعا على النهوض لبذل الجهد والمال والنفس في سبيل إحقاق الحق وإقامة العدل وإنصاف المظلوم، تصديقا لقول الله سبحانه وتعالى في كتابه: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ“النساء:135. ومنه فإن كل حركة تسير في هذا الاتجاه، وتحدوها هذه النية الإحسانية المتمثلة في الاستجابة للنداء الإلهي، فهي تندرج في إطار مفهوم القومة ولا نهوض للأمة إلا بمشاركتها يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: “مقاومةُ الظلم حتى الموت ولو نشراً بالمناشير واجب الطليعة المجاهدة، لكن إقامة دولة القرآن ونجاحَها في بناء الأمة وحملِ الرسالة رهنٌ بسَرَيان روحِ المقاومة في عامة الأمة حتى يصبح المعروف سيدا، والمنكر مرذولا مطرودا على كل المستويات، وفي كل الميادين”[50]، مشاركتها تربية وتنظيما، ومشاركتها في البيت والمؤسسات والشارع. “من البيت الإسلامي تنطلق القومة، إن كان البيت يسكنه مؤمنون، وكانت قلوب المؤمنين يسكنها حب الله، والخوف من الله والرجاء”.[51]
فهي إذن قومة إيمانية عقدية وسلوكية سلمية وليست عنفا ولا إرهابا ولا قتلا ولا انقلابا، إنما تربية وتخطيط وتنظيم. ولذلك ميز الشيخ في كتاباته بين مفهوم القومة والثورة لأن كثيرا من ضعاف النفوس حاولوا إلصاق تهمة الإرهاب أو الانقلاب طريقا للعدل والإحسان، ورد الشيخ على تخرصات هؤلاء بقوله: “قومة الداعي تبتدِئ بقومة الرسول صلى الله عليه وسلم في قومه يخاطبهم بلسانهم على الرفق لاعلى العنف، وكل داع بعد الرسول لم يبدأ ميسرا لا معسرا، مبشرا لا منفرا، جامعا لجهد الصادقين لا مشتتا فما هو من القومة في شيء”.[52] ويقول أيضا: “إن الرفق أصل عظيم من أصول العمل الإسلامي، وأعطيت للدعاة حرية اختيار أسلوب القومة في حدود مرسومة، حد مبدئي هو وجوب عصيان من لا يطيع الله من الحكام، وحد عملي تطبيقي يقول لك: إلى هنا يمكن أن تتصرف”.[53] ويحدد الحد العملي في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات فميتته جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية يغضب لعصبته ويقاتل لعصبته فقتل فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى لمؤمنها ولا يفي لذي عهدها فليس مني ولست منه”[54].
القومة تسلك السلم والرفق طريقا وسبيلا إلى إحقاق الحق أما الثورة فهي خروج عنيف على السلطان سواء كان جائرا أم عادلا، يقول الشيخ: “المسلمون في تواريخهم يستعملون كلمة “ثورة” للدلالة على خروجٍ عنيف بغير حق، وفي كلمة “ثورة” إيحاء بالعجلة والعنف والاضطراب، ويستعمل مؤَرِّخونا كلمة “قومة” للإخبار عن الخارجين على الظلمة بحق، وكلمة “قومة” موحية بالقوة والثبات والثقة”[55]. تختلف “القومة عن “الثورة” عند الأستاذ الشيخ عبد السلام ياسين في الحوافز والأساليب والأهداف. “فالثورة أسمى ما يحركها الغضب ضد الظلم، أما القومة فإن دافعها الأساس غضب لله، غضب على انتهاك حرمات الله وتضييع حقوق الله”[56]. يقول الأستاذ ياسين: “تكون الحركة ثورة طائشة تهدم لا قومة لله تبني إن غلب الغضب على الحكام الظلمة وأعوانهم الغضب الآخر السامي”.[57]
وإذا كان أسلوب الثورة العنف وسفك الدماء والاغتيال السياسي فإن أسلوب القومة الرفق من غير ضعف، والقوة من غير ظلم يقول الأستاذ ياسين: “إن الثورات تبني قوتها على الغضب الجماهيري على الأوضاع القائمة المكروهة وعلى الوعود بالبديل الأفضل. ثم لا شيء بعد نجاح الثورة واستقرار الانقلاب، إلا العنف الثوريُّ وتصفية الناس، في القومة الإسلامية نجد النبي صلى الله عليه وسلم يعلن منذ البداية أن دينه صِلَةُ الرحم وحقن الدماء، لكنَّ دينه أيضا كسر الأوثان وتقويض بناء الشرك وإقامة دولة التوحيد والعدل والإحسان، وفي عمله الشريف وسيرته العطرة صلى الله عليه وسلم أمثلة فائقة للتؤدة والرفق والعفو والصفح الجميل”[58].
ويميز الشيخ بين القومة وقومة؛ فأما القومة فهي التي وصفها بالكبرى، وهو يقصد بها آلة التغيير القاطع مع مرحلة الحكم الجبري المؤسس لمرحلة الخلافة على منهاج النبوة، المقيم دولة الإسلام، وهي مسألة أجيال طويلة، يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: “القومة التغييرية طويلة النفس بعيدة المدى”.[59] ويقول: “القومة مجهود، القومة مراحل، القومة مهمة أجيال”[60] كما يقول: “ما أخذ مقاليد الحكم إلا لحظة من لحظات القومة وخطوة لازمة من خطواتها”[61]، ويقول: “لا نظن أن القومة جهاد جيل وانتهى الرحيل، ما هي إبطال موجود، بل هي إيجاد مفقود، هي استصلاح وإصلاح، لا انتقام وشفاء غليل، طريق الجهاد طويل، يريد عملا ممنهجا، يريد تنظيم جهود، يريد تعبئة منظمة، يريد ضبطا وانضباطا، يريد استبشارا وتبشيرا لأنفسنا وللإنسان مهما تجهم الزمن في وجهه، وكلَحت طلعته، واكفهَرَّت ملامحه”[62]، الإيجاد للمفقود، والاستصلاح والإصلاح، العمل الممنهج والتنظيم والتعبئة المنظمة والضبط والانضباط والاستبشار والتبشير، وغيرها من لبنات القومة، يشكل كل منها قومة في مجاله، مع الإشارة إلى أن الحصول على الحكم لحظة من لحظات القومة أي أنه قومة، وأن هذه القومات المتعددة المجالية منها ما يكون قبل قومة الحصول على الحكم كالتعبئة وبناء اللبنة، النواة الصلبة للدعوة.. ومنها ما يبدأ بعدها كالقومة الاقتصادية والقومة الزراعية وجهاد البناء عموما، ومنها ما يكون قبل الحصول على الحكم ويستمر بعده بقوة وحرية أكبر، كالدعوة وإيقاظ الشعب والتميز والتفوق والقومة الشورية، وقومة التربية والتعليم[63]. فالقومة نهضة للأمة في جميع المجالات يقودها طليعة مؤمنة من جند الله لفرض العدل والإحسان. “أستعمل كلمة قومة للدلالة على نهوض الأمة بقيادة طليعتها من جند الله لفَرْض العدل والإحسان على الواقع الكئيب المتميز بالتخلف والاستبداد في الحكم، والظلم في القسمة، والنفور العام عن دين الله، والجهل به، والإعراض عن الآخرة وعن الله عز وجل، والاستقالة من التشريف الإلهي والتكليف الذي عين هذه الأمة لحمل رسالة الحق للعالمين”[64]، لا نهوض للأمة إلا بمشاركة عامة. ولا مشاركة، ولا تعبئة، ولا تغيير إلا بطليعة مؤمنة تتطلع قبل القومة وأثناءها وبعدها إلى ما عند الله من فضل ورحمة، طليعة مجاهدة تتطلع إلى الإحسان، تعمل على بث نور الإيمان في القلوب، ونور العلم في الأذهان، وقوة الإرادة في العزائم، حتى تتفتح البصائر إلى ما عند الله، ويشارك الشعب المستضعف في البناء مشاركة صادقة مخلصة فعالة مهتمة، القومة قومات، قلبية وجهادية، وسياسية واقتصادية واجتماعية وعلمية، لا سبيل لإنجازها إلا بالتربية، وتنظيم الجهود، والعمل الدائب، والإعداد المتواصل، والمشاركة العامة، في ثبات وصبر ورفق وتدرج، وقوة[65].كل هذه المعاني والدلالات تشكل رؤية لمفهوم القومة في فكر الشيخ عبد السلام ياسين الذي جاهد ويجاهد من أجلها هو وإخوانه في حركة العدل والإحسان منطلقا من الطريق الذي رسمه القرآن العظيم ووضح معالمه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم.
المبحث الثالث: مفهوم مصطلح المرونة
إن من أهم خصائص الشريعة الإسلامية وسماتها التي جعلتها منهاجا صالحا لكل زمان ومكان اتسامها بالمرونة والتيسير ولإيضاح المفهوم الذي أراده الشيخ لهذا المصطلح في طريق التمكين لدين الله في الأرض وضرورة الأخذ بها إذا كان الواقع يتطلب ذلك، لاسيما أن المنهاج النبوي قد راعى هذا المبدأ منذ أول البعثة إلى تأسيس الدولة في المدينة المنورة. وقبل استنطاق مفهوم هذه المادة عند الشيخ، لابد من ذكر المفهوم اللغوي والاصطلاحي وشواهد من القرآن الكريم والسنة النبوية لها ليتسنى لنا بيان وكشف مقصده لدى الشيخ.
المطلب الأول: المرونة في اللغة
مرن: الميم والراء والنون أصل صحيح يدل على لين شيء وسهولة[66]. ومَرَنَ يَمرُن مَرانةً ومُرُونةً: وهو لين في صلابة. ومَرَنتَ يَد فُلانٍ على العمل أي صَلبُت واستمرت والمَرَانة: اللينُ[67].
المطلب الثاني: المرونة في الاصطلاح
إن مفهوم المرونة كغيره من المصطلحات في العلوم الإنسانية تتعد فيه المفاهيم وتختلف ومرد ذلك الاختلاف إلى أن البعض ينظر إلى المرونة من خلال الوسط العلمي الذي يعيش فيه، فمنهم من يرى أن المرونة هي التوسط، ومنهم من يرى المرونة هي الحل الأيسر، ومنهم من يرى المرونة في اللين واليسر، ومنهم من يرى المرونة أنها القابلية للتغير إلى الأحسن والأفضل، ومنهم من يرى المرونة في تحقيق خير الخيرينِ ودفع شر الشرّينِ[68].
وتعرف المرونة أيضا بأنها هي “الحد الفاصل بين الثبات المطلق الذي يصل إلى درجة الجمود، والحركة المطلقة التي تخرج بالشيء عن حدوده وضوابطه، أي إن المرونة حركة لا تسلب التماسك، وثبات لا يمنع الحركة”[69]. ويلاحظ أن كل هذه المعاني السابقة من التوسط والقابلية للتغير والأخذ بأيسر الحلول، معاني تتضمنها المرونة.
ولبيان الفرق بين مجال الثبات ومجال المرونة في الشريعة الإسلامية يقرر الشيخ يوسف القرضاوي أنه: “نستطيع أن نحدد مجال الثبات، ومجال المرونة، في شريعة الإسلام ورسالته الشاملة الخالدة، فنقول: إنه الثبات على الأهداف والغايات، والمرونة في الوسائل والأساليب، الثبات على الأصول والكليات، والمرونة في الفروع والجزئيات. الثبات على القيم الدينية والأخلاقية والمرونة في الشؤون الدنيوية والعلمية”[70].
وخلاصة القول: فالمرونة خاصية ثابتة من خصائص الشريعة، ولكنها تعمل في المتغيرات -الوسائل، والأساليب، والفروع، والجزئيات- فهي تتخذ من الثوابت قاعدة ومرتكزات فالمرونة حصيلة حركة في إطار ثابت، فهي ليست حركة مطلقة، وليست ثباتاً مطلقاً، وبذلك تكون المرونة هي الحد الفاصل بين الثبات المطلق الذي يصل إلى درجة الجمود، والحركة المطلقة التي تخرج بالشيء عن حدوده وضوابطه، أي أن المرونة حركة لا تسلب التماسك، وثبات لا يمنع الحركة[71].
المطلب الثالث: المرونة في القرآن الكريم
إن القرآن الكريم هو كتاب الله عز وجل الخالد الهادي للبشرية جمعاء، وهو الذي يستمد منه الشريعة التي ارتضاها الخالق لعباده، فيستمد الإنسان منها منهجه في الحياة في جميع ميادينها وبكل جزئياتها، وما ذلك إلا لسعة الشريعة وشمولها، وما كانت هذه السعة وهذا الشمول إلا لثباتها ومرونتها في ذات الوقت، فالثبات يتجلى في القواعد والكليات من مثل العقائد والأحكام والفضائل مما يثبت بقطعي القرآن والسنة. وهنا نتعرض لذكر بعض الشواهد القرآنية التي تؤكد على خاصية المرونة، ومنها[72]:
أولاً: التأكيد على مبدأ الشورى
قال تعالى: “وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” آل عمران:159.
وقال تعالى: “وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ” الشورى:38.
والشورى هي “استنباط المرء رأي غيره فيما يعرض له من الأمور والمشكلات”[73]. وهي مبدأ إسلامي ثابت، وتتمثل المرونة هنا في أنه لم يُحدد شكل معين للشورى، ولا ما هي الصور والمسائل التي تجري فيها الشورى.
يقول الشيخ جاد الحق: ” قررت هاتان الآيتان مبدأ الشورى، دون أن تحددا أو إحداهما المسائل التي تجرى فيها الشورى وجوباً أو جوازاً، ومن هم أهل الشورى وما هي إجراءاتها، وهل نتيجتها ملزمة أو لا”[74].
وتتمثل المرونة أيضا ” في عدم تحديد شكل معين للشورى، يلتزم به الناس في كل زمان وكل مكان فيتضرر المجتمع بهذا التقيد الأبدي، إذا تغيرت الظروف بتغير البيئات أو الأعصار أو الأحوال”[75]. وعلى ضوء ما سبق فالمسلم المرن مطالب بالأخذ بمبدأ الشورى بحيث يتجسد ذلك في فتح باب الحوار الإيجابي مع من حوله ومناقشتهم في جميع القضايا.
ثانياً: التأكيد على قضية اليسر
قال تعالى: “يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ” البقرة:185.
وقال تعالى: “مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَج” المائدة:6.
وتتمثل المرونة هنا في اليسر وعدم الحرج، “وقد بلغ اليسر في الشريعة إلى درجة التخفيف من الواجبات عند وجود الحرج، والسماح بتناول القدر الضروري من المحرمات عند الحاجة”[76]. ومثال ذلك إن الشريعة حرمت أكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وشرب الخمر، قال تعالى: “حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَن تَسْتَقْسِمُواْ بِالأَزْلاَمِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن دِينِكُمْ فَلاَ تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً” المائدة:3 ثم إباحة ذلك عند الضرورة بقدر الحاجة من باب اليسر ورفع الحجر وهذا من المرونة. قال تعالى: “فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيم” المائدة:3.
المطلب الرابع: المرونة في السنة النبوية
إذا كان القرآن الكريم أوضح لنا نماذج من شواهد المرونة، فإن السنة النبوية توضح لنا جانبا آخر من تطبيقات المرونة التي تجلت في سيرته صلى الله عليه وسلم “إن المتأمل في السنة النبوية يجدها حافلة بالأمثلة والدلائل تتمثل فيها هذه الخصيصة الهامة من خصائص الإسلام… فقد كان صلى الله عليه وسلم… مرناً في الكيفيات والجزئيات، وفي مواقف السياسة ومواجهة الأعداء، ونحو ذلك”[77]. ومن أمثلة ذلك:
أولا: احترامه وتقديره صلى الله عليه وسلم لوجهات النظر
وتتمثل مرونته صلى الله عليه وسلم في تقديره لكل وجهة نظر يبديها ذو رأي من أصحابه، فتجده صلى الله عليه وسلم يأخذ برأي الحُباب بن المنذر بن الجموح في يوم بدر، في مكان نزول الجيش ويأخذ برأي سلمان الفارسي رضي الله عنه في حفر الخندق. يروي ابن هشام قصة الحُباب ابن المنذر يوم بدر بقوله: “فَحُدثتُ عن رجال من بني سلمة أنهم ذكروا أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال: يا رسول الله، أ رأيت هذا المنزل أ منزلاً أنزلكه الله، ليس لنا أن نتقدمه ولا نتأخر عنه أم هو الرأي والحربُ والمكيدة ؟ قال: “بل هو الرأي والحرب والمكيدةُ” قال: يا رسول الله، فإن هذا ليس بمنزلٍ فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم فننزله ثم نعورُ ما وراءه من القلب، ثم فَنبني عليه حوضاً ماءً، ثم نقاتل القوم، فنشرب ولا يشربون؛ فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من الناس، فسار حتى إذا أتى أدنى ماءٍ القوم نزل عليه، ثم أمر بالقُلُب فَعوّرَتٌ وَ بَنَى حوضاً على القليب الذي نزل عليه فمليء ماءً، ثم قذفوا فيه الآنية”[78]. فقد حقق النبي صلى الله عليه وسلم بمرونته في تقدير وجهة النظر للصحابي الجليل النصر والفتح للمسلمين.
ثانياً: سعة الأفق وبعد النظر
تتمثل مرونته صلى الله عليه وسلم في عدم الإصرار على الجزئيات، التي قد يكون الإصرار عليها ضياع ما هو أهم منها، وما ذلك إلا لسعة أفقه وبعد نظره صلى الله عليه وسلم ومن ذلك ما وقع في صلح الحديبية، إذ يروي ابن هشام قال: “دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً ابن أبي طالب رضوان الله عليه، فقال: أُكتب بسم الله الرحمن الرحيم، قال: فقال سهيل: لا أعرف هذا، ولكن أُكتب باسمك اللهم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أُكتب باسمك اللهم، فكتبها، ثم قال: اكتب هذا ما صلح عليه محمدُ رسول الله سهيل بن عمرو،قال: فقال سهيل: لو شهدت أنك رسول الله لم أُقاتلك ؛ ولكن اكتب اسمك واسم أبيك، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اكتب هذا ما صلح عليه محمدُ بن عبد الله سهيل ابن عمرو…”[79]. ويعلق الأستاذ عبد الظاهر على هذه القصة بقوله: “أصر سهيل بن عمرو ألا يكتب علي بن أبي طالب بسم الله الرحمن الرحيم وأن يكتب بدلاً منها باسمك اللهم، وألا يكتب محمداً رسول الله بل محمد بن عبد الله، وقد وافق صلى الله عليه وسلم على ذلك في مرونة رائعة واعية حكيمة وقبل صلى الله عليه وسلم في هذا الصلح شروطاً ظاهرها إجحاف بالمسلمين ولكن عاقبتها كل الخير والفتح المبين، وحقق صلى الله عليه وسلم بمرونته هذه وبعد نظره أكبر فتح في تاريخ الدعوة الإسلامية أوصلها إلى آفاق جديدة ومساحات واسعة فقد كان هذا الصلح مقدمة فتح بين يدي فتح مكة”[80].
ثالثاً: مراعاة الأفهام
إن الإنسان قد يرغب في تحقيق مصلحة معينه، ولكن لعدم مراعاته لأفهام الناس فإن فعله لهذه المصلحة قد يوقعه في مفسدة عظيمة، ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يتخلى عن بعض المصالح خشية الوقوع في المفسدة. ومثال ذلك ما أورده البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “يَا عَائِشَةُ لَوْلَا قَوْمُكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ بِكُفْرٍ لَنَقَضْتُ الْكَعْبَةَ فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ بَابٌ يَدْخُلُ النَّاسُ وَبَابٌ يَخْرُجُونَ”[81]. قال ابن حجر العسقلاني موضحاً هذا المعنى: “ويستفاد منه ترك المصلحة لأمن الوقوع في المفسدة، ومنه ترك إنكار المنكر خشية الوقوع في أنكر منه”[82]. وعلق الإمام النووي على هذا الحديث بقوله: “وفي هذا الحديث دليل لقواعد من الأحكام منها: إذا تعارضت المصالح أو تعارضت مصلحة ومفسدة وتعذر الجمع بين فعل المصلحة وترك المفسدة بدئ بالأهم ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر أن نقض الكعبة وردها إلى ما كانت عليه من قواعد إبراهيم عليه السلام مصلحة، ولكن تعارضه مفسدة أعظم منها، وهي خوف فتنة بعض من أسلم قريباً، وذلك لما كانوا يعتقدونه من فضل الكعبة، فيرون تغيرها عظيماً، فتركها صلى الله عليه وسلم”[83]. ومن قواعد الشريعة الإسلامية أن دفع الضرر مقدم على جلب المصلحة، وهذا من المرونة.
المطلب الخامس: المرونة في فكر الشيخ عبد السلام ياسين
راعى الشيخ عبد السلام ياسين في أطروحاته ورؤيته لآليات العمل الإسلامي في العصر الحالي مبدأ المرونة في الاجتهاد لمعالجة مشاكل الأمة الناتجة عن بعدها عن منهج الله ومنهج رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم قائلا: “ولنا في إسلامنا لله ربنا ثوابت الإيمان به والاعتصام بسنة نبيه، ثم مرونة الاجتهاد”[84]. لذلك حاول قراءة النصوص والقواعد الثابتة بما يتناسب وينسجم مع المتغيرات في الواقع المعاصر مع مراعاة مالا يتغير لا شكلا ولا مضمونا وما يتغير شكلا مع بقاء المضمون وتطوير الفقه الموروث ليكونا صالحا مع مستجدات المرحلة إذ يقول الشيخ: “أصولُ الشريعة تعطينا القواعد الثابتَةَ لنبنيَ عليها، منها ما لا يتغير شكلا ولا مضمونا بتغير الزمان والظروف، كأحكام الطهارة والصلاة، ومقادير الزكاة، ومناسك الحج، ومنها ما تتغير أشكالُه ويبقى مضمونُه ثابتا كحِرمة الربا، وحِلِّيَةِ البيع، مهما كانت الكيفية المستجدة والوسائل، وهنالك فجور أُحْدِثَتْ ما كان يعرفها الأولون، لا بد أن نُحْدِث لها أحكاما نستنبطها من الأصول الثابتة، فأيَّ تطوير ينبغي أن نُدخل على الفقه الموروث، وبأية مرونة ينبغي أن نعالج النصوصَ الأصلية لنستدل على حكم الله في مشاكل العصر، لا التقليد لمن دون كتاب الله وسنة رسوله يُخرجنا من الجمود، ولا التطويرُ الشكليُّ لقوانين الفقه بمعزل عن روح الشريعة ومقاصدها العليا يؤهلنا لبلوغ أهداف الدولة الإسلامية”.[85] ففي النص إشارة واضحة للمرونة التي تميز فكر الشيخ، وتجعله يعبر عن رؤية شرعية دقيقة في كيفية التعامل مع الواقع والمستجدات من غير الخروج عن مقاصد الشريعة العليا ولا الثوابت القطعية.
ويشير الشيخ في فقرة الشرف الدولي للإسلام إلى ضرورة الاجتهاد وانتهاج المرونة والتكتيك من أجل الوصول إلى الهدف والغاية الأسمى وهي إقامة الخلافة على منهاج النبوة إذ يقول: “ومرونة الاجتهاد في حدود الشرف الإيماني هي لنا التكتيك، ولا نحيد… عن الهدف الاستراتيجي: الخلافة الثانية بمنهاجها وشروطها. ونستعمل المصطلحات الحربية – التكتيك والإستراتيجيا – تذكيرا بأنها معركة، لا يُخرجها عن طبيعة المعارك تحوُّل الأساليب من استعمال سلاح الإماتة الحسية إلى استعمال سلاح القتال الاقتصادي”.[86] ويضيف الشيخ: “فإن مرونة الاجتهاد تُكيف ما بين الواقع وبين المطلوب الشرعي بالتدرج والتقريب وإعمال وازعَيْ القرآن والسلطان..”[87].
ويظهر مفهوم مصطلح المرونة جليا في فكر الشيخ عندما يتحدث عن ضرورة استغلال بعض التشريعات التي تتيحها الأنظمة المسماة بالديمقراطية في مرحلة الإعداد لجيل النصر والتمكين في سبيل التعريف بدينهم وعرض قضيتهم والدعوة إلى مبادئ الإسلام السامية بوجوب الإفادة من بعض المنابر بقوله: “يتهيأ للمسلمين أن يقارعوا الحجة بالحجة ويبلغوا للناس رسالتهم من منابر البرلمان والتجمعات والمناصب الانتخابية”[88]، إذ تتجلى مرونته واضحة في استثمار بعض الأعراف والقوانين السائدة لدى الدولة غير الإسلامية وتسخيرها لصالح الدعوة الإسلامية كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم عندما عاد من الطائف وأراد دخول مكة وعلم بمنع المشركين له فدخل بجول احد قادة الشرك. وما نقرأه كذلك في سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد قبل صلح الحديبية مع قريش بعد أن عقد معاهدة مع اليهود أوائل مقدمه إلى المدينة، وما نقرأه في توجيه القرآن الكريم في قصة يوسف عليه السلام إذ قال للعزيز: “اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم” يوسف:55. فهذا رسول معصوم يتسلل إلى مواطن النفوذ ومنصة السلطة ليبلغ أمانته[89] فهذه الأدلة يستشهد بها الشيخ من سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم لتعزيز مبدإ ومفهوم المرونة التي تحتاجها الحركات الإسلامية في الطريق لتحقيق الغاية الأساسية، وهي حاكمية الله على خلقه.
وفي سبيل إعداد الكوادر التي تقود أو تهيئ لجيل النصر لابد من استغلال مؤسسات الدولة القائمة، وتدريب وإعداد وتهيئة الأنصار لاستلام وإدارة الدولة الإسلامية وهذا لا يكون كما يقول الشيخ إلا “بالتسرب اللطيف إلى أجهزة دولة الجبر الإعلامية والحكومية خدمة للدعوة على المدى البعيد”[90] إذ نستشف من قول الشيخ دلالة واضحة لمدى المرونة التي يتسم به فكره المتأصل والمستند للمنهاج النبوي في آليات الوصول إلى السلطة والدولة الإسلامية، وهذه المرونة تتيح تغيير أسلوب الجهاد على حد تعبير الشيخ له. إذ يقول: “ومن أحنى رأسه أمام العاصفة بنية تغيير أسلوب الجهاد فإنما يعمل على المستوى الجماعي بالحديث الذي يرويه الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: “مثل المؤمن كمثل الخامة من الزرع من حيث أتتها الريح كفأتها. فإذا سكنت اعتدلت. وكذلك المؤمن يكفأ بالبلاء…”[91]“[92] شبه الرسول صلى الله عليه وسلم المؤمن في هذا الحديث بخامة الزرع، وهي الرطبة من النبات الذي يكون ليناً تحركه وتهزه أدنى ريح، فهو يتحرك معها يمنة ويسرة، ومن فوائد هذا الحديث الذي استشهد به الشيخ عبد السلام ياسين: أن المؤمن يمشي مع البلاء كيفما مشى به، فليكن له فيقلبه يمنة ويسرة، فكلما أداره استدار معه، فتكون عاقبته العافية من البلاء، وحسن الخاتمة، ويوقى ميتة السوء، وفي هذا لفتة للمؤمنين الذين يقاومون رياح الفساد والعلمنة، أن لا يتصلبوا في كل مواقفهم فربما يُقتلعوا، وهم لا يشعرون، وقد تضرهم بعض لفحات هذه الرياح، لذا لا بد من التلاين مع هذه الرياح دون تنازل في محرم في بعض الفترات، وهذه من كياسة وفطنة المؤمن.
ويضيف الشيخ: “ولو تتبعت سيرة المصطفى صلى الله عليه وسلم لرأيت هذا الصبر عند البلاء ومرونة خامة الزرع. مثلا عندما ألح سهيل بن عمرو في كتابة صلح الحديبية على أن يمحي من الصحيفة البسملة ونسبة الرسالة إلى محمد صلى الله عليه وسلم فمحاها نبي الرحمة بيده الكريمة. على أن التسرب لأجهزة الحكم، وإعداد الرجال لكل مناصب الدولة ومواطن الخبرة والقيادة فيها، جزء أساسي من الخط اللاحب الذي يجب أن يمضي فيكون ذلك الخط صلب العمل وحواشيه مرونة، ويكون النهر وروافده الفرص التاريخية، ويكون الثابت على السير في الوجهة وما يأتي به الله من انعراجات سياسية متحركات لا توقف السير. السياسة الشرعية تجيب أن القومة الإسلامية على حكام الجبر مشروعة، ولا يصطدم بالشرع أي من الرأي والخدعة الحربية والمكايدة، ومن الرأي والخدعة والمكايدة أن نكتب هذا ونعلنه لمن يعلم قواعد اللعبة السياسية ومداخل الأمور”[93]. فالنص واضح الدلالة على مدى تبصر الشيخ وأخذه بمبدأ المرونة في سبيل تحقيق مراد الله من الحاكمية على خلقه وفق المنهج الذي وضعه الخالق لأن له الخلق والأمر.
ولا ينسى الشيخ أن يرد على من يعد التوغل والتسرب إلى مواطن صنع القرار أو المنابر والمناصب في ظل الدولة غير الإسلامية بأنه استسلام وخضوع للباطل إذ يقول: “نورد هذا لبعض إخوتنا ممن ينسون في ظروف خاصة، وهم بعيدون عن الميدان ومقارع الحدثان، أن التسرب عبر أشواك الواقع، وأسلاك الحصار، وتموجات الباطل، لا يعني الاستسلام لكيد الاحتواء المنظم. لا يعني الاستسلام للاحتواء إذا كانت الجماعة على بينة وبصيرة وبقيادة ربانية. ومن يقرأ جهاد الشيخ الإمام حسن البنا في مراحله وبالتفصيل يكتشف نموذجا حيا لمكايدة الحكم والأحزاب ومراوغتها. فقد كان رحمه الله يظهر الميل ذات الحكم وذات الأحزاب والمعارضة بحسب الظرف والمرحلة. وبمرونته رحمه الله استطاع أن يقود السفينة زمانا. نعم ظروفنا غير ظروفه، ولا يلزمنا ما فعلته الأمم من قبلنا، لكن الذكي الموفق من ينظر في سير الموفقين ومنهم البنا، رحم الله الجميع”.[94]
ويرد في الوقت نفسه على العلمانيين الذين يعتقدون أن الإسلام نظام رجعي وجامد لا تنسجم أحكامه وتعاليمه مع عصرنا، “فهل يُقال بعد هذا: إن في الرجوع إلى النظام الإسلامي رجعية وجموداً! وليست في الدنيا شريعة تقبل التطور، وتساير مقتضيات التقدم، وتتمتع بمعاني المرونة والسلاسة والسعة كشريعة الإسلام الحنيف: “ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليُتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون” المائدة:6″[95] فهذه الرؤية الثاقبة والتعامل مع الواقع المستجد الذي أكد عليه الشيخ من خلال فهم روح النصوص وعدم الخروج عن الأصول والثوابت بما يتوافق مع المرحلة في الفروع والمتغيرات وبالوسائل المناسبة.
وفي ختام بحثنا هذا نود أن نسجل أهم النتائج التي توصل إليها البحث:
1- إن حاجة الأمة إلى تجديد الدين حاجة مستمرة، معترف بها شرعا، معلن ميقاتها، مأذون في تحقيق أهدافها، وإن أهم قضية في التجديد في فكر الشيخ عبد السلام ياسين هي إحياء الربانية في الأمة من خلال توثيق الصلة الروحية والإيمانية بين العبد وخالقه، وأن لا يتغلب التجديد الفكري وإن كان مهما ومطلوبا لمواكبة العصر على التجديد الروحي، وأن التجديد يبدأ بسؤال الله سبحانه ثم بعمل القلب والجوارح لتجديد ما تعرض له القلب من ضعف، وأن التجديد في مفهومه لدى الشيخ يجب أن يقدم الإسلام بصورة شاملة تتجاوز الأخطاء المرحلية والضغوط المذهبية والاتجاهات الذاتية، بعيدا عن التركيز العقلي الذي يجعل الإسلام مجرد نظرية فلسفية وبعيدا عن التركيز الفقهي الذي يجعل الإسلام مجرد قانون من القوانين وبعيدا عن التركيز الوجداني الذي يجعل الإسلام مجرد تجربة روحية بل تجديد في جميع المجالات سواء أكانت سياسية أم اجتماعية أم علمية أم اقتصادية أم ثقافية أم تربوية.
2- القومة مفهوم أصيل من مفاهيم الإسلام في تحقيقه يقام الدين في الأرض، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر داخل ضمن هذا المصطلح. لذا أكد الشيخ عبد السلام ياسين في كتبه ومحاضراته كثيرا على مفهوم هذا المصطلح وضرورة تخلق وقيام الإخوة الأعضاء في الحركات الإسلامية عموما وحركة العدل والإحسان خصوصا بآليات التنفيذ الشرعية في إصلاح وتغير وإخراج المجتمعات من التيه والبدع والضلالات واتباع المناهج المخالفة للفطرة السليمة إلى طريق الحق واتباع سبل النور والهداية، وأن القومة لدى الشيخ هي قيام بواجب الدعوة لإقامة الدين النابع من قوة الإيمان للوقوف أمام الطغيان وشهادة بالحق والعدل ورحمة وثبات وصبر واحتمال للأذى وثقة وعمل دائب وحرص على الاتفاق والاجتماع مع مراعاة الزمان والمكان لتحويل الناس بالتدريج إلى الولاء لله ورسوله وشريعته، وليست عنفا ولا قتلا ولاانقلابا، وإنما تربية وتخطيط وتنظيم تسلك السلم والرفق طريقا وسبيلا إلى إحقاق الحق ونهضة للأمة في جميع الميادين تقودها طليعة مؤمنة من جند الله لفرض العدل والإحسان.
3- يتسم منهج الشيخ عبد السلام ياسين في الدعوة ونشر مبادئ الإسلام بالمرونة وهي اتباع للهدي النبوي في العرض والإقناع والتيسير على الأمة بعيدا عن الغلو والتشدد والتنطع، والمرونة في فكر الشيخ تكيّف بين الواقع والمطلوب الشرعي بالتدريج والتقريب وإعمال وازعي القرآن والسلطان، وتسرّب بلطف إلى أجهزة دولة الجبر لإعداد الرجال لكل مناصب الدولة المنشودة ومواطن الخبرة والقيادة فيها وليست استسلاما ولا خضوعا للباطل لاسيما إذا كان التسرّب لأجهزة الدولة الجبرية على بيّنة بصيرة وبقيادة ربانية، واستثمار لبعض الأعراف والقوانين السائدة وتسخيرها لصالح الدعوة الإسلامية.
أهم المقترحات:
1- مصطلحات الشيخ عبد السلام ياسين في كتبه تمثل مفاتيح معرفية وأوعية حاضنة لمبادئ سلوكية عظيمة لابد أن يشار إليها ويفرد لها أبوابا وفصولا تدرس في كتب ومناهج الدعوة وأصولها.
2- الشيخ عبد السلام ياسين طرح كثيرا من المفاهيم تستحق الدراسة والتحليل والتقصي بما ينسجم مع واقعنا المعاصر في مؤلفاته التي مضى عليها أكثر من ثلاثين أو أربعين سنة وهي جديرة بأن تكون مشاريع لبحوث الطلبة في مرحلتي الماجستير والدكتوراه لاسيما في الجامعات والكليات الإسلامية فضلا عن كونها بحوثا لأساتذة متخصصين في الشريعة والفكر الإسلامي.
3- دراسة منهج الشيخ عبد السلام ياسين في كل كتاب من كتبه، وبيان طريقته في العرض والتحليل والاستنتاج وطريقة تناوله للمسائل والقضايا الشرعية والفكرية والحركية والوقوف على أهم الآراء والمسائل التي ناقشها وعرضها في كل كتاب وطرائق ووسائل نشرها وتنفيذها.
4- إقامة الندوات والحلقات النقاشية حول فكر الشيخ عبد السلام ياسين وبيان رؤيته في كثير من المسائل التي تمس إشكاليات واقعنا المعاصر، وتوجيه طلبة الجامعات في الكليات الإسلامية والعلوم السياسية وأقسام العلوم النفسية والتربوية للاطلاع على كتب الشيخ عبد السلام ياسين الغنية بالموضوعات التي تصلح بحوثا قيمة وأصيلة للتخرج. وتحقيقا لذلك قمت بتكليف طالبين من طلبتي في كلية العلوم الإسلامية بالكتابة عن مفهوم العدل في فكر الشيخ عبد السلام ياسين ومفهوم الإحسان في فكر الشيخ عبد السلام ياسين كبحثين للتخرج العام الدراسي 2012-2013.
5- نشر البحوث والدراسات المتعلقة بفكر الشيخ عبد السلام ياسين وحركة العدل والإحسان في الدوريات والمجلات العلمية الرصينة لتصل إلى المفكرين والعلماء والإفادة من جميع وسائل نشر المعرفة. ولكوني رئيسا لتحرير مجلة كلية العلوم الإسلامية، وهي مجلة علمية محكمة فصلية في جامعة الموصل العراقية، يمكننا ان ننشر في كل عدد بحثا ودراسة تتعلق بالشيخ عبد السلام ياسين أو حركة العدل والإحسان أو الإعلان عن كتبه ومنشوراته على صفحة الإعلانات في المجلة، علما أن أسواق المشرق العربي والإسلامي -حسب علمي- تكاد تكون شبه خالية من كتب الشيخ مما دفعني كباحث أن اعتمد أنا شخصيا على المكتبة الالكترونية (سراج) التي أتاحت لنا التعرف على التراث العلمي والفكري والحركي الحي للشيخ عبد السلام ياسين ولولا ذلك لم أستطع المشاركة في هذا المؤتمر.
المصادر والمراجع
- ابن باز، عبد العزيز بن باز وآخرون، مجموع فتاوى اللجنة الدائمة في السعودية، طريق الإسلام موقع على الانترنت منشور بتاريخ 1/12/2006: 2/247-248.
- أحمد بن علي ابن حجر العسقلاني، فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق محب الدين الخطيب، القاهرة، المكتبة السلفية.
- ابن حنبل، احمد بن حنبل، المسند، مؤسسة قرطبة، القاهرة.
- ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقايس اللغة. تحقيق عبد السلام هارون، دار الفكر.
- ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق:سامي بن محمد سلامة، ط2، دار طيبة للنشر، 1999.
- ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم (ت911)، لسان العرب، بيروت، دار صادر (د ت).
- ابن هشام، أبو محمد عبد الملك، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، دار الفكر، (د ت).
- أبو داود، سليمان بن الأشعث السجتانى، سنن أبو داود، حمص، نشر وتوزيع محمد على السيد، (د ت).
- الأحمدي، انس سليم، المرونة، الرياض، مؤسسة الأمة للطبع والتوزيع والنشر، (د ت).
- الأشقر، عمر سليمان، خصائص الشريعة الإسلامية، الكويت، مكتبة الفلاح 1980.
- أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، الذريعة إلى مكارم الشريعة، بيروت، دار الكتب العلمية، (د ت).
- البخاري، محمد بن إسماعيل، صحيح الجامع، تحقيق مصطفى البغا، دمشق، دار ابن كثير، (د ت).
- بسطامي، سعيد، مفهوم تجديد الدين، عمان، دار النفائس، ط1، 2000.
- جاد الحق، علي جاد الحق، مرونة الفقه الإسلامي، بحث مقدم في ندوة الفقه الإسلامي بعمان، مجلة الأزهر، عدد شوال لعام 1408هـ.
- الحاكم، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990.
- حمادي، لخضر، القومة أو آلية التغيير في التصور المنهاجي، الموقع الإلكتروني للأستاذ عبد السلام ياسين (yassine.net).
- خليل، صبري محمد خليل،مفهوم التجديد وضوابطه في الفكر الإسلامي، بحث منشور على منتديات الفكر القومي العربي، ديسمبر 2010.
- رزوق، أسعد، موسوعة علم النفس، مراجعة عبد الله عبد الدايم، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر.
- حمدان عبد الله الصوفي، مفهوم الأصالة والمعاصرة وتطبيقاته في التربية الإسلامية. رسالة دكتوراه غير منشورة، مكة المكرمة، جامعة أم القرى كلية التربية، قسم التربية الإسلامية والمقارنة.
- الطبراني، أبو القاسم سليمان بن احمد، مسند الشاميين، تحقيق:حمدي عبد المجيد السلفي، ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1984.
- الطبري محمد بن جرير، جامع البيان في تأويل آي القران، تحقيق: أحمد محمد شاكر، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 2001.
- عبد الحميد، محسن، تجديد الفكر الإسلامي، بغداد، دار الرشيد، 1997.
- عبد الظاهر، حسن عيسى وآخرون، بحوث في الثقافة الإسلامية. الدوحة، دار الحكمة.
- عبد الفتاح، أ د سيف الدين، مفهوم التجديد، موقع إسلام أون لاين.
- يوسف القرضاوي، مدخل لمعرفة الإسلام مقوماته خصائصه وأهدافه.. مصادره، القاهرة، مكتبة وهبة.
- يوسف القرضاوي، الخصائص العامة للإسلام. القاهرة، مكتبة وهبة.
- يوسف القرضاوي، من اجل صحوة راشدة، القاهرة، دار الشروق، ط1، 2001.
- محمد منار، القومة في فكر عبد السلام ياسين، موقع هيسبريس على الانترنت.
- المناوي، محمد بن عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1994.
- أبو الأعلى المودودي، الموجز في تاريخ تجديد الدين، الرياض، السعودية للطبع والتوزيع (د ت).
- أبي زكريا يحي بن شرف النّووي، شرح صحيح مسلم، القاهرة، مؤسسة قرطبة.
- ياسين، عبد السلام، كتاب الإحسان، مطبوعات الأفق الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1998.
- ياسين، عبد السلام، كتاب تنوير المؤمنات، مطبوعات الأفق الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1996.
- ياسين، عبد السلام، كتاب رجال القومة والإصلاح، مطابع إفريقيا- الشرق، الطبعة الأولى 2001.
- ياسين، عبد السلام، كتاب سنة الله، مطبعة النجاح الجديدة البيضاء، الطبعة الأولى 2005.
- ياسين، عبد السلام، كتاب العدل: الإسلاميون والحكم، مطبوعات الأفق الدار البيضاء، الطبعة الأولى 2000.
- ياسين، عبد السلام، كتاب المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، الطبعة الثانية 1989.
[1] محمد منار، القومة في فكر ياسين، عبد السلام، موقع هيسبريس على الانترنت.
[2] ابن منظور، أبو الفضل جمال الدين محمد بن مكرم، لسان العرب، بيروت، دار صادر: مادة”جدد”.
[3] بسطامي، سعيد، مفهوم تجديد الدين، عمان، دار النفائس، ط1، 2000/15.
[4] خليل، صبري محمد خليل، مفهوم التجديد وضوابطه في الفكر الإسلامي، بحث منشور على منتديات الفكر القومي العربي، ديسمبر 2010.
[5] المناوي، محمد بن عبد الرؤوف، فيض القدير شرح الجامع الصغير، بيروت، دار الكتب العلمية، ط1، 1994: 1/10.
[6] أبو داود، سليمان بن الأشعث السجتانى، سنن أبو داود، حمص، نشر وتوزيع محمد على السيد، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة. رقم الحديث (4291).
[7] المناوي، فيض القدير: 1/10.
[8] المودودي أبو الأعلى، الموجز في تاريخ تجديد الدين، بيروت، دار الكتب العلمية، 1989/13-25.
[9] يوسف القرضاوي، من أجل صحوة راشدة، القاهرة، دار الشروق، ط1، 2001/18.
[10] الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان في تأويل آي القرآن، تحقيق :احمد محمد شاكر، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 2001 :13/91.
[11] ابن باز، عبد العزيز بن باز وآخرون، مجموع فتاوى اللجنة الدائمة في السعودية، طريق الإسلام موقع على الانترنت منشور بتاريخ 1/12/2006 :2/247-248.
[12] ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، ط1، 1996 :1/387.
[13] المصدر نفسه، 1/388.
[14] الحاكم، محمد بن عبد الله، المستدرك على الصحيحين، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، 1990 :1/45، رقم الحديث (5).
[15] المصدر نفسه.
[16] ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، 1/381.
[17] ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، 1/381.
[18] ابن حنبل، احمد بن حنبل، المسند، القاهرة، مؤسسة قرطبة :3/154، رقم الحديث (12589).
[19] مسلم، أبو الحسين مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب وجوب محبة الرسول صلى الله عليه وسلم أكثر من الأهل ووالد والولد :1/205، رقم الحديث (177).
[20] ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، 1/382.
[21] تقدم تخريجه.
[22] الدكتور محسن عبد الحميد، تجديد الفكر الإسلامي، بغداد، دار الرشيد، 1997/50.
[23] – ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، 1/386.
[24] – المصدر نفسه.
[25] – المصدر نفسه.
[26] – ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، الطبعة الثانية 1989، ص:31.
[27] المصدر نفسه، ص:31.
[28] ابن حنبل، احمد بن حنبل، المسند، 2/359، رقم الحديث (8695).
[29] الحاكم، المستدرك على الصحيحين، 1/676، رقم الحديث (1834).
[30] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص:31-32.
[31] ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي، ص:31.
[32] المصدر نفسه، ص:31.
[33] المصدر نفسه، ص:31.
[34] المصدر نفسه، ص:31.
[35] المصدر نفسه، ص:30.
[36] ينظر: ياسين، عبد السلام، رجال القومة والإصلاح، ط1، 2001/32،7، العدل: الإسلاميون والحكم، ط1، 2000/261، المنهاج النبوي تربية وتنظيما، 9، الإحسان، ط1، 1998 :2/509، سنة الله، ط1، 2005/292-300.
[37] محمد منار، القومة في فكر ياسين، عبد السلام، موقع هيسبريس على الانترنت.
[38] ابن منظور، لسان العرب، 12/200.
[39] ابن حنبل، المسند: 40/29، رقم الحديث (18867).
[40] ابن حجر، أحمد بن علي (1408هـ): فتح الباري شرح صحيح البخاري، تحقيق محب الدين الخطيب، القاهرة، المكتبة السلفية: 5/296.
[41] ابن كثير، أبو الفداء إسماعيل بن كثير، تفسير القرآن العظيم، تحقيق: سامي بن محمد سلامة، دار طيبة للنشر ط2، 1999: 8/245.
[42] الطبري، محمد بن جرير، جامع البيان في تأويل آي القرآن، 1/241.
[43] ياسين، عبد السلام، سنة الله، 300.
[44] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 2/509.
[45] الطبراني، أبو القاسم سليمان بن احمد، مسند الشاميين، تحقيق:حمدي عبد المجيد السلفي، بيروت، مؤسسة الرسالة، ط1، 1984 :1/315، رقم الحديث (554).
[46] ياسين، عبد السلام، سنة الله، 300.
[47] محمد منار، القومة في فكر الشيخ ياسين، عبد السلام.
[48] ينظر: ياسين، عبد السلام، رجال القومة والإصلاح، 32، 7، العدل: الإسلاميون والحكم، 261، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، 9، كتاب الإحسان، 2/509، كتاب سنة الله، 292-300.
[49] ينظر المصادر نفسها.
[50] ياسين، عبد السلام، سنة الله، 292.
[51] ياسين، عبد السلام، رجال القومة والإصلاح، 35.
[52] ياسين، عبد السلام، العدل، 262. وانظر: لخضر حمادي، القومة أو آلية التغيير في التصور المنهاجي: موقع الأستاذ ياسين، عبد السلام (www.yassine.net).
[53] ياسين، عبد السلام، سنة الله، 296.
[54] مسلم، صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي ويقوم فيهم رجال قلوبهم قلوب الشياطين في جثمان انس: 5/20، رقم الحديث (1848).
[55] ياسين، عبد السلام، العدل، الإسلاميون والحكم، 246.
[56] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 2/315.
[57] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما، 372.
[58] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 2/315.
[59] ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، 2/206.
[60] ياسين، عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم، 265.
[61] ياسين، عبد السلام، سنة الله، 92-300.
[62] ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، 2/295.
[63] الأستاذ لخضر حمادي، القومة أو آلية التغيير في التصور المنهاجي، الموقع الإلكتروني للأستاذ ياسين، عبد السلام.
[64] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 2/500.
[65] محمد منار، القومة في فكر ياسين، عبد السلام.
[66] ابن فارس، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، معجم مقاييس اللغة، تحقيق: عبد السلام هارون،، بيروت، دار الفكر: 5/313.
[67] ابن منظور، مادة “مرن”.
[68] أسعد رزوق،، موسوعة علم النفس، مراجعة عبد الله عبد الدايم، بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 278.
[69] حمدان عبد الله الصوفي، مفهوم الأصالة والمعاصرة وتطبيقاته في التربية الإسلامية. رسالة دكتوراه غير منشورة، مكة المكرمة، جامعة أم القرى كلية التربية، قسم التربية الإسلامية والمقارنة، 141.
[70] يوسف القرضاوي (1397هـ): الخصائص العامة للإسلام. القاهرة، مكتبة وهبة، 204-205.
[71] حمدان عبد الله الصوفي، مفهوم الأصالة والمعاصرة وتطبيقاته في التربية الإسلامية، 141.
[72] انس سليم الأحمدي، المرونة، الرياض، مؤسسة الأمة للطبع والتوزيع والنشر، 15_18.
[73] أبو القاسم الحسين بن محمد الراغب الأصفهاني، (1400هـ): الذريعة إلى مكارم الشريعة، بيروت، دار الكتب العلمية، 192.
[74] علي جاد الحق جاد الحق، (1408هـ): مرونة الفقه الإسلامي، بحث مقدم في ندوة الفقه الإسلامي بعمان، مجلة الأزهر، عدد شوال لعام 1408 هـ، 37.
[75] يوسف القرضاوي، (1416هـ): مدخل لمعرفة الإسلام.. مقوماته.. خصائصه.. وأهدافه.. مصادره، القاهرة، مكتبة وهبة، 180.
[76] عمر سليمان الأشقر، خصائص الشريعة الإسلامية، الكويت، مكتبة الفلاح، 1980/63.
[77] حسن عيسى عبد الظاهر، -وآخرون- (1414هـ) بحوث في الثقافة الإسلامية. الدوحة، دار الحكمة، 456- 457.
[78] أبو محمد عبد الملك بن هشام ابن هشام، (1401هـ): سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، بيروت، دار الفكر: 2/259-260.
[79] المصدر نفسه، 3/366.
[80] حسن عيسى عبد الظاهر، بحوث في الثقافة الإسلامية، 457.
[81] البخاري، الجامع الصحيح، كتاب العلم باب من ترك بعض الاختيار مخافة أن يقصر فهم بعض الناس عنه فيقعوا في أشد منه:1/24، رقم الحديث (126).
[82] ابن حجر، فتح الباري، 1/271.
[83] أبو زكريا يحي بن شرف النّووي، شرح صحيح مسلم، القاهرة، مؤسسة قرطبة، 1/128.
[84] ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، 1/206.
[85] ياسين، عبد السلام، إمامة الأمة، ط1، 2009/220.
[86] ياسين، عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم، 350.
[87] ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، 1/203.
[88] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما، 27.
[89] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما، 413.
[90] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما، 27.
[91] البخاري، الجامع الصحيح، كتاب المرضى، باب ما جاء في كفارة المرضى، رقم الحديث (5319).
[92] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما، 27-28.
[93] المصدر نفسه، ص:28.
[94] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما، 413-414.
[95] ياسين، عبد السلام، إمامة الأمة، 222.