حقوق الإنسان في دولة القرآن: المرتكزات المعرفية والمنهجية

د. زكرياء السرتي، باحث في الفكر الإسلامي
باحث في التواصل وتحليل الخطاب – المغرب
تقديم
لقد سعى الأستاذ عبد السلام ياسين إلى بلورة مشروع تجديد الإسلام الذي ينطوي على إنقاذ الفرد من براثن الغفلة والإعراض عن الله سبحانه، ومن العبودية لغير الله تعالى، وإنقاذ الأمة من مستنقع الاستبداد العاض والجبري الذي صادر الحريات والحقوق وأضعف قدرتها على المشاركة الجماعية الواعية في صناعة مستقبل القوة والعزة وحمل رسالة الرحمة إلى العالم.
لقد سعى الأستاذ عبد السلام ياسين إلى بلورة مشروع تجديد الإسلام الذي ينطوي على إنقاذ الفرد من براثن الغفلة والإعراض عن الله سبحانه، ومن العبودية لغير الله تعالى، وإنقاذ الأمة من مستنقع الاستبداد العاض والجبري الذي صادر الحريات والحقوق وأضعف قدرتها على المشاركة الجماعية الواعية في صناعة مستقبل القوة والعزة وحمل رسالة الرحمة إلى العالم.
يؤسس ذلك المشروع التجديدي أفقاً مستقبلياً يقطع مع “الإسلام الوراثي” الفردي الذي يحصر دائرة الفهم والعمل في الذات الفردية، ومن ثم فهو يقيم علاقة تشارط بين إنقاذ الإنسان وتجديد إيمانه وبين إنقاذ الأمة وتجديد دينها؛ لهذا يضع فقه التجديد أمام الإنسان المسلم فرصة الاختيار بين مسارين اثنين، لكل منهما معالمه ونتائجه الفردية والجماعية:
“إن المسلم إما أن يكون في سبيل الله عز وجل، عبداً مطيعا له، مُحبا، متقربا بالفرض والنفل، مؤمنا بلقاء ربه، مستعدا لذلك اللقاء، مشتاقا إليه، مستغفرا لذنبه، منيبا، ذاكرا، متفكرا. فذاك سائر في سبيل السعادة. وإما أن يكون عبدا لنفسه، خاضعا لسلطانها، مطيعا لهواه، مسترسلا في شهواته. فذاك الشقي. ومن كان سائرا في سبيل الهوى، أنى له أن يَحْمل الأمانة العظمى، أمانة رسالة الله، مبلغا عن رسول الله، عليه صلاة الله وسلام الله! من كانت نفسُه منطويَة على خُبثها ومرضها أنى يكون شِفاء لغثائية الأمة وأعرابيتها وهو حاملٌ الجرثومة بين جنبيه!” (ياسين عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم، ص57)
ولأن مشروع التجديد الإسلامي يعنى بالإنسان وسعادته في الدنيا والآخرة، وبمأساة أمة الإسلام التي تكابد أهوال الاستبداد الداخلي والاستكبار الخارجي، فقد حظيت مسألة حقوق الإنسان باهتمام وعناية الأستاذ ياسين الذي اجتهد في تأسيس تصور دقيق المبنى، عميق المعنى، مستمد استمداد تلمذة من الشرعة القرآنية والمنهاج النبوي. “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا“. (المائدة: 50)
ويعنينا هنا أن نبسط هذه المسألة الفكرية السياسية، عبر تحديد أهم المفاهيم والأسس المعرفية التي عرض لها الأستاذ عبد السلام ياسين في كتبه ودراساته، بما يمكن من بيان جوانب الأصالة والإبداع والتجديد والتميز فيما جاء به من أفكار وتصورات.
هكذا نعرض إشكالية بحثنا في هذا الصدد كما يلي: ما هي المقدمات والأسس التي بنى عليها الأستاذ ياسين تصوره للإنسان وحقوقه وحرياته؟ وكيف أنجز عملية التأصيل العلمي القرآني والنبوي للمفاهيم الرئيسة؟ وما هي معالم فقهه الاجتهادي في تنزيل شرعة حقوق الإنسان؟
نزعم في بداية بحثنا المضني أن الأستاذ عبد السلام ياسين استطاع بفضل الله تعالى أن يقدم مشروعا تجديديا للإسلام يبحث في كيفية تحقيق سعادة الإنسان عامة والمسلم خاصة، وكيفية إنقاذ الأمة من مستنقع الاستبداد العاض والجبري الذي أناخ بكلكله على صدرها قرونا عديدة بعد عهدي النبوة والخلافة الراشدة الأولى على منهاج النبوة. “ففقه المنهاج -وهو ثمرة اجتهاد لهذا المكان وهذا الزمان- يطلب إليه أن يتناول كليات التربية، وكليات الجهاد، بما في ذلك تنظيم حزب الله بما يضمن إحياء رجال ونساء، وإحياء أمة، وتحريك الكل على المنهاج النبوي -على الطريق الصاعد عبر العقبة- المؤدي للخلافة الإسلامية بالنسبة للأمة ولرضى الله في الميمنة بالنسبة لكل مؤمن ومؤمنة.“ (ياسين عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، 1989، ص 14)
ونفترض أن مقاربة الأستاذ ياسين لمسألة حقوق الإنسان في بنائها الفكري السياسي لا يمكن فهمها الفهم الصحيح إلا بتلمس واستحضار حلقات ذلك المشروع الفكري والتربوي الكبير الذي أنفق في تأسيسه عقودا متتالية من عمره وحياته. حفظه الله.
بناء على كل هذا وذلك، سنجتهد في الاستدلال على صحة ما قدمناه من فرضيات وزعوم، مستأنسين بأقوال ونصوص منتزعة مما كتبه الأستاذ عبد السلام ياسين المفكر الإسلامي المعروف. وسنسلك لتحقيق هذا الغرض جملة من الخطوات المنهجية نبينها كما يلي:
المبحث الأول: التأصيل القرآني والنبوي لحقوق الإنسان
المطلب الأول: تكريم الإنسان
المطلب الثاني: أي إنسان؟ وأية حقوق؟
المطلب الثالث: الحق الأسمى: العبودية لله عز وج
المطلب الرابع: سياق الشورى
المبحث الثاني: مقدمات لحوار هادئ حول حقوق الإنسان
المطلب الأول: النسق الفكري والسياسي لحقوق الإنسان
المطلب الثاني: ما هو الدين؟ ما هو الإسلام؟
المطلب الثالث: القراءة التاريخية: معالم اغتصاب الحقوق
المبحث الثالث: فقه تنزيل شرعة حقوق الإنسان
المطلب الأول: اجتهاد علمي وجهاد عملي
المطلب الثاني: المروءة والدين: حلف الفضول
المطلب الثالث: شريعة التدرج والرفق
خاتمة