القرآن الكريم وبناء الجهاز المفهومي في نظرية المنهاج النبوي
✍🏽 ذ. الحسن السلاسي/ باحث في الفكر الإسلامي- المغرب
مقدمة
تعتبر نظرية المنهاج النبوي للأستاذ عبد السلام ياسين مشروعا تجديديا لدين الله تعالى متكامل المعالم والأركان، واضح الخطوات والوسائل، بعيد الأهداف والمرامي بعد عصور التخلف والعض والجبر الذي عاشت في ظلامها أمة سيد الخلق محمد صلى الله عليه وسلم. نظرية متكاملة قبست من القرآن الكريم، ومتحت من معين النبوة الخالص الصافي التي أكدت كثير من نصوصها الشريفة المتواترة عودة الخلافة الثانية على منهاج النبوة في آخر الزمان، تحقق العدل وتنشر السلم في أرجاء البسيطة بإذن الله تعالى، وتيسر الطريق للسلوك الفردي والجماعي إلى الله تعالى، فجمعت النظرية في مشروعها بين غايتين: استخلافية وإحسانية، لذلك كثرت الكتب والدوريات والمسموعات و المرئيات تبسط القول في سبل بناء هذه الخلافة والوصول إليها بتقديم اجتهاد مجدَّد ومجدِّد يقرأ ماضي الأمة وحاضرها ويتطلع إلى مستقبل البشرية بين يدي موعود الله تعالى.
وقد تضمنت كتابات الأستاذ عبد السلام جهازا مفهوميا متآلفا ومنسجما، ذلل به الطريق للتفاهم مع القارئ والتواصل معه، وضبط الانطلاقة على أسس صحيحة وواضحة لارتباط المقدمات بالنتائج وترتبها عنها وفق ضوابط: الوضوح والدقة والشمولية، وانطلاقا من القرآن الكريم رغبة في إعادة المفاهيم إلى تربتها الإسلامية الطيبة. فما هي المفاهيم التي أصلها من القرآن الكريم؟ وكيف أصلها؟ وما هي النتائج التي توصل إليها؟ وكيف انتظمت المفاهيم في نظرية المنهاج النبوي، لتشكل جهازا مفهوميا؟ هذا ما يجيبنا عنه هذا البحث الذي وفق ما يلي:
– مقدمة.
– مدخل عام.
– مميزات الفكر المنهاجي.
– بناء الجهاز المفهومي.
– خاتمة.
لقد انطلقنا في بحثنا هذا من فرضية مؤداها أن الفكر المنهاجي ركز على القرآن الكريم في تأصيله للمفاهيم والقضايا والأفكار، وبحثنا عن هذه العلاقة في تأصيله للمفاهيم المنهاجية، وحللناها ووقفنا على تقاطعاتها وتبايناتها لرصد كيف تأسس الجهاز المفهومي في النظرية، وكيف انتظم.وقد اعتمدنا في هذا البحث على المنهج الاستنباطي انطلقنا فيه من العام إلى الخاص، توخينا في البداية التركيز على الآية من القرآن الكريم التي انطلق منها الأستاذ في تأصيله القرآني للمفهوم، وبحثنا عن تناميه ودلالاته التفصيلية وعناصره الجزئية اللغوية والاصطلاحية، وامتداداته الدلالية وثوابته المنهاجية، كما جاءت في كتاباته المختلفة مما يفيد موضوع بحثنا، واستعنا ببعض أساليب التحليل والمناقشة كالتعريف والاستدلال والمقارنة والتفكيك والتوكيد والاستدراك والتركيب والاستنتاج… وقد ركزنا في البحث عن انتظام الجهاز المفهومي وترابطه في نظرية المنهاج النبوي على كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين وبعض شرائطه المسموعة لذلك سيلاحظ القارئ أن الاستشهادات كثيرة ووفيرة.
وقد توصلنا من خلال هذه الدراسة إلى أن الجهاز المفهومي في نظرية المنهاج النبوي متكامل ومنسجم ومترابط ومتآلف، شكل منطلقا هاما لبناء تصور منهاجي لم يسبقه إليه أحد ممن نظروا لبناء مشروع مجتمعي. كيف لا وهو ينبني فكره على كتاب الله وسنة نبيه واجتهاد أئمة العلم وأحباره.
مدخل عام
من الطبيعي أن تتأسس أية فكرة أو مذهب أو اتجاه أو مدرسة على منطلقات وأصول ومرجعيات فكرية معينة، وهذا شأن كل المدارس والاتجاهات والنظريات منذ بدء الفكر الإنساني وإلى اليوم.ذلك أن هذه المنطلقات والأسس تؤطر الفكر وتوجهه، وتقيم مساره، وتحدد آلاته ومآلاته، أدواته ومناهجه وضوابط اشتغاله، أهدافه ومقاصده…
وفكر الأستاذ عبد السلام ياسين، لما كان مسترشدا بالله وبرسوله صلى الله عليه وسلم، جعل القرآن الكريم الأساس الذي يقوم عليه فكره التجديدي الإحيائي، كما يحدد ذلك بقوله: “لا بد لنا إذن من إرساء قواعدنا على مكين الكتاب والسنة”[1]. وكتابَ الله تعالى هو القرآن الكريم الذي أنزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم وهو خاتم الكتب، كتاب جامع لما ينفع الناس ويرشدهم إلى طريق الفلاح المؤدية إلى النجاة والفوز في الدنيا و الآخرة.
لقد كان واعيا بهذا الأصل في الاستنباط والاجتهاد كما وعى ذلك السابقون الأولون من أهل الاجتهاد والتجديد: “كان القرآن عند سليمي الفطرة سَلفنا الصالح هو العلم: هو مرجعُ المتعلم، ومدوَّنةُ القاضِي، ودليلُ المجتهد، ووثيقةُ المؤرخ، ودستور الحاكم، وقانونُ الأخلاق، ومحاسبةُ الاقتصاد، وضابطُ العلاقات البشرية، وعقدُ السلم، وإعلان الحرب.”[2]، ويستشهد لذلك من القرآن الكريم في قوله تعالى: “مَّا فَرَّطْنَا فِي ٱلكِتَٰبِ مِن شَيْءٍ” (الأنعام:38). وقوله عز من قائل: “وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ ٱلْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ” (النحل:89). وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: “من أراد العلم فعليه بالقرآن: فإنَّ فيه خبرَ الأولين والآخرين”. قال البيهقي رحمه الله: يعني أُصولَ العلم. وأخرج البيهقيُّ رحمه الله عن الحسن رضي الله عنه قال: “أنزل الله مائة وأربعة كتب، أودع علومها أربعة، منها التوراة والإنجيل والفرقان. ثم أودع علوم الثلاثة القرآن”.[3]
هذا الأساس هو الذي بنى عليه الأستاذ عبد السلام ياسين فكره المنهاجي وتصوره القاصد إلى التغيير. فالغاية الكبرى هو الوصول إلى تحكيم كتاب الله تعالى في حياة الإنسان وبناء دولة القرآن تأسيا برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي تدرج في بناء مجتمع بشري يسوده القرآن وينظم علاقاته الخاصة والعامة. “بالقرآن انكشف لجيل القرآن ما في النفس البشرية والكيان البشري الكلي من أسرار كانت غامضة حتى علمهم إياها الوحي. وبه ارتفع عن أعينهم التناقض الظاهر العقلاني بين الإنسان والإنسان، بين الإنسان والجماعة، بين البشر والكون. بالقرآن ابتنيت نفوس مؤمنة، ومجتمع مؤمن، وحركة في العالم إيمانية. بالقرآن عرف أهل القرآن الله عز وجل، وبه استناروا في سلوكهم النفسي ومعراجهم الروحي في معارج الإيمان. وبالقرآن كانوا القوة التي حطمت باطل الشرك، وبه أقاموا العدل.“[4] فما هي مميزات هذا الفكر؟
مميزات الفكر المنهاجي
يتميز فكر الأستاذ عبد السلام ياسين بمجموعة من المميزات جعلت منه فكرا واضحا وشاملا ودقيقا ومنها:
– الوضوح في الرؤية:
من أهم مميزات الفكر المنهاجي الوضوح تأسيا بالقرآن الكريم الذي كان واضحا منذ البدء في تعامله مع القضايا و المواقف،إذ كان واضحا في وصفه للإيمان والكفر، الإسلام والنفاق، قصد تحديد المسؤوليات وحسم المواقف.وهذا ما يؤكده الأستاذ عبد السلام ياسين بقوله: “ود أعداء الإسلام والكائدون له من بني جلدتنا أن ينكفئ الإسلاميون من ميادين الفكر المتفاعل في ميدان الصراع الثقافي إلى منظومات أفكار مبرمجة متوقفة عن النمو. ذلك الانكفاء الفكري يضمن استمرار الحركة الإسلامية في هامشية الحركية السرية التي يريد أعداؤنا أن نخوض في غلسها.”[5] هذا الوضوح في الفكر يؤسس لعمل واضح من البداية كي يسلك المسلمون “طريق الإيمان والجهاد إلى الغاية الإحسانية التي تعني مصيرهم الفردي عند الله في دار الآخرة، وإلى الغاية الاستخلافية التي ندبوا إليها ووعدوا بها متى سلكوا على المنهاج واستكملوا الشروط.”[6] وهو ما ييسر الطريق ويفتح سبل الدعوة والعمل في وضح النهار كما فعل رسل الله عليهم السلام.
بهذا الوضوح يتجنب الخلط: “بيد أن كل بحث لا يدخل إليه بمنهجية واضحة بينة، وكل عمل لا يسلك به منهاج لاحب لن يكون إلا خبطا.”[7] وتتجنب المزالق: “خطنا السياسي الواضح هو أننا لا نعارض حكام الجبر معارضة الأحزاب على مستوى تدبير المعاش والاقتصاد بل نعصيهم لأنهم خرجوا عن دائرة الإسلام إلا أن يتوبوا توبة عمر بن عبد العزيز. وقد كتبنا في غير هذا المكان ماذا نعني بهذا. نعصيهم ونعارضهم لأنهم خربوا الدين، واتخذوا من أمريكا وروسيا أولياء من دون المؤمنين.”[8]
وهو وضوح في الرؤية والوسيلة والغاية: “فتكون قومتنا على منهاج النبوة، وتطلعنا بعد العض والجبر إلى الخلافة على منهاج النبوة، ومعالجتنا لكل صغيرة وكبيرة بتفكير منهاجي وأسلوب منهاجي وخطوات تتأسى بخطوات الرسل عليهم السلام، تتوج حكمة خطواتهم الموفقة بالنموذج المحمدي، صلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.”[9] هذا الوضوح يفرضه تجنيب الإسلام ما وصفه به الآخرون: “الإسلام عند أعداء الصحوة الإسلامية هو متاهة اللاَّ فكر، اللا معقول، الإديولوجية الغيبية”.[10]
وضوح يؤكد على نبذ العنف والسرية والتعامل مع الخارج، ثلاثة ثوابت لاتتغير مهما تغيرت الظروف والملابسات والوقائع والأحداث.
– الشمولية في الطرح:
يستمد الفكر المنهاجي شموليته من شمولية النظرة الإسلامية التي جاء القرآن ليبينها للناس، فالإسلام دين جامع لكل ما يفيد الإنسان وينفعه في حياته الأولى وفي حياته الآخرة، في شرائعه وعلاقاته، في حاله ومآله:”هانحن أولاء نبدأ بحول الله وقوته لا بحولنا بحثا عن حركية المنهاج النبوي للخروج من الفتنة،ونبحث عن هذا “الفاعل التاريخي”كما يعبر الفلاسفة،ونبحث عن هذه الكتل الإسلامية كيف نحررها ومما نحررها، وعن الفرصة المتاحة لقادتنا، وكل المتنكبين عن إسلامهم من أهل المروءة والعلم والخبرة من أبنائنا، أن يتوبوا ويحملوا لواء الإسلام، في جهاده المرتقب، ونبحث عن تنظيم شؤون المسلمين في عملهم الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.”[11]
فكر يقرأ الماضي، ويشخص الحاضر، ويستشرف المستقبل كما في قوله: “ننظر فيها إلى ماضي الإسلام المجيد لكي نستشعر من هذا الماضي معاني الإيمان التي فقدناها، معاني الرجولة التي انجرفنا عنها، معاني الجهاد في سبيل الله الذي نكصنا عنه، معاني الإقبال على الله عز وجل وقد أعرضنا عنه.ننظر إلى المستقبل بعين الذين ينتظرون أن يتحقق موعود الله، موعود الله لهذه الأمة أن يمكن لها الله في الأرض، وموعود الله للذين آمنوا أن يرضى عنهم ويدخلهم جناته في الآخرة بعد الموت. قال الله عز وجل: “إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنات الفردوس نزلا خالدين فيها لا يبغون عنها حولا“(الكهف:102-103).”[12]
بتلك الشمولية في الطرح بنى الأستاذ عبد السلام ياسين فكره وأسس لنظرية فريدة في تجديد الدين وصولا إلى إقامة دولة القرآن في غد الإسلام البازغة أعلامه في الأفق القريب إن شاء الله.
– الدقة في التناول:
ولم تمنع هذه الشمولية التي طالت كل القضايا: السياسة والاقتصاد واللغة والفكر والاجتماع والتربية التي هي عماد الأمر في الفكر المنهاجي، من الدقة في التناول، مما يجعل الفكر متميزا جامعا مانعا مجملا ومفصلا، هذه الدقة تجلت في تسمية الأشياء بمسمياتها دون لبس أو غموض أو مداهنة،واتسمت بخطاب أهل الاختصاص من قادة، ودعاة وسياسيين ومفكرين وفضلاء ومهتمين بشؤون الإسلام، وتخطاب الناس جميعا لتبليغ دعوة الله إليهم وإقامة الحجة عليهم: “إنما نخط منهاج النبوة القائم على الرفق والحكمة للعمل الإسلامي ونبين حركيته. ولعموم الدعوة الإسلامية منذ أبينا إبراهيم مجالس الفراعنة والأكاسرة والمساكين على السواء، نخاطب القادة في بلاد الإسلام أولا؛ ندعوهم إلى أن يتحولوا عن دار الخزي ليقودوا عمل الأمة الجهادى… ثم ندعو رجال الدعوة الإسلامية أن لا يخرجوا إلى ميدان الفكر إلا بعد أن يكتشفوا المنهاج النبوي المنبني على التجربة الشخصية.”[13]
– المقصدية:
إذا كان الفكر المنهاجي واضحا في أفكاره ووسائله وشاملا في قضاياه ومراميه ودقيقا في تناوله لها فإنه أيضا فكر قاصد كما نجد في قوله: “نقدم هذا الكتاب للمسلمين الباحثين عن إسلامهم كما نبحث، في خط نظري يعرج على واقعنا الغثائي… هادفا لبعث إسلامي وسيلته التربية ثم التربية ثم التربية. ومقصده وحدة المسلمين أمة متكاثفة متعاونة. وغايته حمل الرسالة الإسلامية لهذه البشرية الكادحة الحالكة المعذبة في الأرض.”[14]
ومما يقصد إليه الفكر المنهاجي التمييز بين فكرين: الجاهلي والإسلامي: “ينبغي أن نغرس فكرة التمايز وعقيدة التغاير والتناقض في ناشئتنا بين الجاهلية والإسلام، وأن نجعلها بساطا للتربية الإيمانية الإحسانية التي كان ضمورها وغيابها عن الساحة الثغرةَ التي تدفَّق علينا منها السيلُ الجارف سيلُ المياه الفاسدة التي طمَّت وعمَّت.”[15] وهذا ما سينعكس أيضا على الجهاز المفهومي كما سنرى لاحقا .
ويقصد الفكر المنهاجي إلى خطاب الولعين بالبحث الأكاديمي لربط جسور التواصل معهم أملا في إقناعهم: “ولِمَنْ يحمله الورَع الأكاديمي على التعامل ب”الصرامة المنهجية” لا يُلْقَون بالا لأفكار غير منظمة ومفاهيم غير مرتبة ممنهجة نتقدم بالمنهاج النبوي.”[16]
– التأصيل:
سعى الفكر المنهاجي إلى تأصيل مجموعة من المفاهيم من أجل التواصل مع المتلقي وربط جسور الحوار معه على بينة ولا سيما أن المنهاج النبوي منهاج يرسم معالم المستقبل، ويحدد الصوى لتجديد الدين وتربية جند الله تربية ربانية قرآنية نبوية تتحدى العقبات وتتجاوز الصعاب، لتغيير ما بالأنفس والعالمين من فتنة وجاهلية، استعدادا لجهاد شامل. ولا يخلو فصل أو باب أو صفحة من كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين من آية أو آيات لتأصيل مفهوم أو تأكيد قضية منهاجية أو فكرة تجديدية أو مقصد شرعي أو قضية حوارية، فالانطلاق من القرآن سمة بارزة في كتاباته، لتأصيل المفاهيم والقضايا والأفكار والأحكام والمواقف. فنراه يستشهد بقول أبي بكر رضي الله عنه في هذه المركزية :”لو ضاع مني عِقال بعير لوجدته في كتاب الله”[17]
على ضوء ما سبق، بنى الأستاذ عبد السلام ياسين جهازا مفهوميا يشكل منظومة عبرها يمرر ما يريد من القضايا، ومن خلالها يبني مشروعه التجديدي الرائد. إذ يخاطب المتخصص العالم والفقيه والمفكر والفيلسوف كما لا يستثني من خطابه الإنسان الفطري المتجاوبة جوارحه وقلبه وعقله مع النداء الإلهي.
ونحن نبحث هنا عن مركزية القرآن في الجهاز المفهومي وأثر ذلك على مسار النظرية ومراحلها وأهدافها وغاياتها، ومبررات بناء الجهاز المفهومي وأدوات بنائه، فكيف جاء هذا البناء؟
بناء الجهاز المفهومي
نرى الأستاذ عبد السلام ياسين يورد في كتاب الإحسان شرح الأستاذ حسن البنا في تمهيد رسالة التعاليم للمفاهيم الأساسية لفكره وعمله فيبين ما يقصده بكلمة فهم، وهو فهم أصوله العشرين في العقيدة والشريعة والفقه، ويميز ما بين البدعة والسنة وما بين ما يعنيه بكلمة إخلاص وكلمة عمل وكلمة جهاد و هكذا .[18]
وقد استعمل الأصوليون المفهوم عند حديثهم عن المنطوق والمفهوم، وقصدوا به: مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة ومفهوم الغاية ومفهوم الشرط ومفهوم اللقب…[19] وقد اعتبر أبو الحسن السبكي المفاهيم حجة لغة وشرعا، وعند ابن قدامة: “المفهوم هو ما يقتبس من الألفاظ من فحواها وإشارتها لا صيغتها”[20].
وتقتضي دراسة المفاهيم ما يلي: التعريف لغة واصطلاحا، والصفات المحددة لخصائص الكلمة، والعلاقات كعلاقات التآلف أو التخالف، من ترادف وعموم أو خصوص، وعلاقات التقابل والتباين والاختلاف، والضميمات ويقصد بها الأشكال التركيبية التي تولدت من ضم المفهوم إلى غيره، أو غيره إليه، لتضيف في النهاية معنى جديداً للمفهوم. والاشتقاق: ومنه الاشتقاق اللغوي المفهومي، وهو الذي ينتمي إلى الجذر اللغوي للمصطلح وإلى أسرته المفهومية: كالقومة وقام والقائم والقوّام والقيام. وهذا النوع هو المقصود في الدراسة المفهومية. والقضايا وهي ما يتم تخصيصها بركن مستقل، ينتج عن تحديد المفهوم وحصر دلالته انطلاقا من مرجعية معينة،كالنتائج والأسباب، والمظاهر والمجالات والأنواع…
وفي سياق حديثنا عن الجهاز المفهومي في نظرية المنهاج النبوي نود أن نبدي الملاحظات الآتية :
– يسعى الفكر المنهاجي إلى بناء جهاز مفهومي قرآني رباني نبوي وهو ما أكدنا عليه في التأصيل.
– أن الاستمداد من القرآن الكريم و الهدي النبوي تحصين من الضياع كما جاء في مقدمات لمستقبل الإسلام.[21]
– أن الأستاذ عبد السلام ياسين يريد أن تكون كل كلمة تكتب أو تقرأ تذكر الله تعالى.
– يريد وضع المفاهيم المعاصرة مثل العقل والديمقراطية والحقوق والايديولوجية وغيرها مما له نوع من التقاطع في المعنى مع المفاهيم القرآنية في سياقها التاريخي والفكري والحضاري، أملا في الاستئناس بالمفاهيم القرآنية التي يتم تأصيلها من القرآن وفق الفقه المنهاجي. ثم القطيعة مع تلك المفاهيم المستوردة بعد سيادة لغة القرآن إن شاء الله.
– أن بناء جهاز مفهومي تترتب عنه نتائج وخلاصات تؤثر على العمل والأهداف والغايات، وتؤثر على حاضر الدعوة و مستقبلها.
– أن الفكر المنهاجي توسل باللغة العربية باعتبارها لغة القرآن في بناء الجهاز المفهومي، لما تحمله اللغة العربية من بركات الوحي الإلهي، وما تغشاها من هيبته. كما جاء على لسان الأستاذ عبد السلام ياسين. ولذلك كان التركيز على اللغة العربية وعلى تأصيل المفاهيم وإرجاعها إلى الحوزة القرآنية.
– أن للقرآن تأثيرا قويا في قلوب الذين سمعوه وعقولهم دون وسائط فكرية ولا مفاهيم كما يقرر ذلك في كتابه مقدمات في المنهاج.
– أن المشروع التجديدي الذي جاء به يفرض وضع مجموعة من المفاهيم في سياقها ومحاورة الآخرين على اختلاف مستوياتهم بما يفهمون، وبما يفرضه مسار البحث الجاد والمسؤول والصارم من مقومات البحث العلمي الرصين.
– أن المفهوم ينتمي دون ريب إلى المنظومة الفكرية والفلسفية للمحيط الذي يولد فيه، ويكتسب مناعته وخصوصيته من طبيعة اللون المعرفي الذي يقتضيه ويلتزمه.[22]
وعلى ضوء هذه الملاحظات كان للأستاذ عبد السلام ياسين على وعي تام بضرورة تحديد المفاهيم منذ كتاباته الأولى، وفي هذا الصدد يقول: “ونحن نحب أن نتفاهم تفاهما كاملا، لذلك نقف عند الكلمات لنحدد معانيها، لأن بعضها تداولته ألسنة متباينة الأصوات وأقلام مختلفة اللغات.”[23]ومن تم فبناء جهاز مفهومي في نظرية المنهاج النبوي، عبارة عن نسق مترابط ومتماسك من المفاهيم تدور كلها حول كتاب الله تعالى وتتوسل بالسنة الشارحة والموضحة له.
ويميز الأستاذ عبد السلام ياسين كلمة مفهوم عند المثقفين المعاصرين باعتبارها كلمة مترجمة تدخل في النسيج الفكري لخطاب الفلاسفة والأدباء والاجتماعيين وسائر تلك الأصناف.كما يتحدث عن الجهاز المفهومي بما هو: “شبكة مترابطة أو متآلفة من المفاهيم تمكنك من الجولان بالعرض والتأكيد والتكوين والمقابلة والنقد داخل إطار “إشكاليتك” أي “Problématique” أي مجموعة أسئلتك العلمية أو الفلسفية السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي طرحتها في مدخل بحثك عن “منهجية” “موضوعك” بالنظر لما ترسمه من أهداف وما معك من وسائل.”[24] فنرى أنه يربط بين الجهاز المفهومي وبين طرح الإشكالية التي تؤدي إلى التحليل و المناقشة وما يتبع ذلك من تعليقات ومراجعات، واستخلاص النتائج وبناء التصور ثم العمل: “ولسنا نتنقل بين الكلمات لمجرد التميز في اللفظ. فللكلمة والتعبير وأسلوب التخاطب انعكاس مباشر على العمل.”[25] هذا التمييز في المصطلحات والتميز في المفاهيم تفرضه عوامل تاريخية وثقافية وحضارية: “ولئن لم نستغن عن العبارات التي نشأت في تاريخ غير تاريخنا، وأرض غير أرضنا، وصدرت عن ذهنية مخالفة لفكرنا، ووظفت في وظائف لا علاقة لها بأهدافنا، نوشك أن يجْرفنا التعبير المنحرف عن قصدنا، إلى انحراف في جهادنا.”[26] كما تفرضه عوامل تواصلية وإقناعية: “ما زال أئمتنا رحمهم الله يصدرون كتبهم بفقرات يوضحون فيها مقاصدهم ومصطلحهم ليكون القارئ على بينة من المسار المطلوب… وأرى أنا العبد العاجز أن التفاهم بيني وبين قرائي الأعزاء أزداد عنه عجزا إن لم أقدم المفاهيم الرئيسية التي تشكل الحبل المنهاجي الحامل لمضمون ما أريد تبليغه بحول الله.”[27]
ونميز بين المفاهيم ما كان وسائل وما كان غايات:
الوسائل: اقتحام العقبة – المنهاج النبوي – القومة – الخصال العشر.
الغايات: دولة القرآن – الشورى – العدل – الإحسان غاية الغايات.
والوسائل: نقصد بها المفاهيم التي استخدمها الفكر المنهاجي لقراءة الماضي والحاضر والتخطيط للمستقبل واعتمدها كأدوات للتنظير والفهم والتجديد وهي:
– اقتحام العقبة:
من المفاهيم المنهاجية القرآنية رأس هذه المفاهيم ونرى الأستاذ عبد السلام ياسين،ينطلق من الآية الكريمة من سورة البلد: “فلا اقتحم العقبة“[28] والعبارة كما نلاحظ تتكون من كلمتين “اقتحام” وقد عرفها لغويا بأنها توسط شدة مخيفة،[29] وكلمة “العقبة” وعرفها بأنها طريق وعر في الجبل[30] وهي عبارة مليئة بالمعاني كما يقول الأستاذ: “هذه العبارة لم آخذها صدفة، إنما توفيق الله عز وجل سبق، فإذا بالعبارة حبلى بكثير من العلم.”[31]
وعبارة “اقتحام العقبة” يكثر تداولها في كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين، باعتبارها أساسا ومنطلقا لتغيير ما بالنفس والاستعداد لتلقي ما عند المولى عز وجل في درب السلوك إليه على المستويين الفردي والجماعي لإقامة العدل وطلب الإحسان.
ويربطها بالسلوك: “فأول ما نفهمه من العبارة تحرك سالك إلى مسلوك إليه، صعدا وارتقاء. تقرب العبد إلى ربه.”[32] ويؤكد على: “أن يكون الهم الأول لكل مؤمن ومؤمنة نيل رضى الله، ورضى الله أشبه أن يناله المجاهدون.فمن ثم ينبغي للتربية الإيمانية الإحسانية أن تربط جهاد النفس لترويضها على الحق بجهاد العلم والعمل. وينبغي للتنظيم المنهاجي أن يؤسس حركته الأفقية اليومية والتاريخية على ذلك الشوق الذي يحث العبد على اقتحام العقبة إلى الله.”[33]. اقتحام لابد منه للمسلم الذي أصبح معولا عليه في بناء مجتمع العمران الأخوي الممهد للخلافة الثانية، المؤسسة على الكتاب والسنة. وهو اقتحام كما اختاره الأستاذ عبد السلام ياسين يكون في الدنيا بناء على اختيار الإمام البخاري من بين التفاسير قول مجاهد: إن العقبة التي يُراد للإنسان اقتحامها هي في الدنيا… فالبخاري ذهب مع مجاهد إلى أن اقتحام العقبة يكون هنا في الدنيا. ونحن معه على هذا الرأي. والدليل على هذا هو أن الله عز وجل فسرها بعد أن ذكر اقتحام العقبة ولم يقل عقبة النار ولا الصراط ولا الميزان ولا الحساب ولا عقبة الحشر والنشر، إنما قال: “وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة“(البلد: 12-13-14) وهذه أمور كلها في الدنيا.”[34]
ويربط الأستاذ عبد السلام ياسين بين المنهاج وبين اقتحام العقبة في قوله: “المنهاج النبوي أجملناه في هذه العبارة “اقتحام العقبة إلى اللّه عز وجل”.”[35]. ويعتبرها: “عقبات تحول دون الإنسان ودون الكيْنونة مع المؤمنين كينونة الصحبة والتلمذة والتعاون والالتحام والجهاد”[36] ويدعو الأجيال المقبلة إلى اقتحام العقبة وليس إلى التصوف، ويجعل لها شروطا هي الإرادة والهمة والعزم: “واعلم أن ألف كتاب تحفظه لا يتقدم بك شعرة في طريق إلى الله إن لم تنبثق فبك إرادة و يقظة وهمة وطلب”[37]، بل يربط بينها وبين الإسلام: “الإسلام، حين نفهمه حركة لاقتحام العقبة، نداء واستجابة، رحمة وحكمة، يكون هو المعرفة الشاملة…”[38]
كما أنها الدليل: “على طريق السعي الجهادي المتقدم بالإنسان الرافع له من دركات الكفر إلى صعيد الإسلام فمقامات الإيمان فمعارج الإحسان”[39] إنها “ذلك العامل الذاتي الذي يحدد للمؤمن الفاعل ذي الإرادة الحرة اتجاها صاعدا، وينصب بين عينيه صورة مستقبل يتجاوز التاريخ الأرضي، فيقترح على المؤمن مسيرة إلى الله من ماض يثقل حاضره بالموروث عبر حاضر متموج بالفتن”[40] ويصف اقتحام العقبة بأنها: “جهاد وصعود وعر وضبط النفس وحملها على السير، اقتحامها صبر النفس”[41] وفي مواجهة الدعوات اللاييكية إلى عصرنة لاييكية يجعل الحل نداء الله تعالى إلى اقتحام العقبة: “ويدعو الله ربنا إلى اقتحام العقبة ويرسم رسوله صلى الله عليه وسلم المنهاج الواعد بالرشد للأمة والفلاح للمتقين”[42] ويؤسس مراتب الاقتحام حسب مراتب الدين من الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان: “فاقتحام العقبة في حق المسلم تبعية للمؤمنين واستسلام وسلام، والمؤمن اقتحامه هو تنفيذه لكل الأوامر والنواهي… أما المحسن فهو المقتحم للعقبة الخارج عن الفتنة طاهرا قويا”[43] وهي ترتبط بإرادة الفرد والجماعة وحركة الأمة التي تسعى إلى التغيير فـ: “اقتحام العقبة إذن تحرك إرادي تتعرض له العقبة فتمانعه ويغالبها حتى يتم الاقتحام. حركة الفرد المؤمن في سلوكه إلى الله عز وجل، وحركة الجماعة المجاهدة في حركتها التغييرية، وحركة الأمة في مسيرتها التاريخية.”[44] وهكذا يربط بين اقتحام العقبة وبين التربية ويجعلها مؤسسة عليها، ويجعلها أساس التغيير كما يربط الجهاد بها، وبالقومة والخصال العشر في سيرورة مستمرة تمكن جند الله من امتلاك الإمكانات الذاتية والشروط الموضوعية في ظل منهاج متكامل المعالم يقوده مرب مرشد وصولا إلى الخلافة الثانية دولة القرآن، هذا هو السلوك إلى الله فلا سلوك ولا تربية ولا قومة ولا جهاد إلا باقتحام العقبات وهذا ما جعلنا ندرجها ضمن المفاهيم الوسائل.
– المنهاج:
ينطلق الأستاذ عبد السلام ياسين من قوله تعالى: “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا“(المائدة: 38)، ويقرر أن لفظة منهاج قرآنية[45] فيبني المنهاج النبوي على كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم وهذا بين في الكتابات المنهاجية، وفي بعض الرسائل وكذا في المسموعات والشرائط المرئية.
ومن الناحية اللغوية يقف عند صيغة المنهاج فهي: “على وزن مفعال صيغة اسم الآلة كمفتاح، والصيغة تحتمل المصدرية أيضا كمعراج أو اسم المكان كمرصاد. ومعنى الكلمة لغة يفيد السلوك والوضوح.”[46] ويورد معناها اللغوي: “قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: “النهج الطريق الواضح، ونهج الأمر وأنهج وضح. ومنهج الطريق ومنهاجه.”[47]
إنه يفضل كلمة منهاج بدل كلمة منهج لما سلف ذكره أن للكلمة والتعبير وأسلوب التخاطب انعكاسا مباشرا على العمل. “فهو آلة للعلم ومرشد للعمل”[48] إنها تستمد نورانيتها من كونها: “بصيغتها هذه إشارة إلى العون الإلهي والتسخير الإلهي والتيسير الإلهي المرتبط بالدعوة الصادقة إلى الله المشرعة أو المتبعة. يقول الله تعالى: “لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا“(المائدة:48). ويقول المفسرون ابن كثير عن مجاهد وعكرمة والحسن وقتادة: “شرعة ومنهاجا أي سبيلا وسنة”. ويتضمن السبيل مفهوم التشريع، وهو لغة وضع الشرعة أي السبيل، وتتضمن مفهوم الاتباع، وكلامها مجعول من جانب الحق.”[49] فهو يريد أن يخالف بهذا الاستعمال استعمالات المفكرين المعاصرين: “نستعمل الكلمة القرآنية “منهاج” حيث يستعمل غيرنا لفظة “منهج” أو “منهجية”[50] ويحدد ماهية المنهاج بما هو: “علم متحرر من حيث هو علم موحى به، ومن حيث هو نداء من لدن رب العالمين، من كل ثقل أرضي اجتماعي أو إثني أو تاريخي أو اقتصادي.” وبما: “هو عمل، من حيث هو استجابة لداعي الله تعالى وتقدس… هو عبور شاق، صعود مجهد، اقتحام لكل العقبات النفسية والاجتماعية والاقتصادية والجغرافية.”[51].إنه بكل اختصار: “قول وتعليم وفعل، بشري نعم، لكن بكيفية جاء بها الوحي وقاد مراحلها رسولٌ من عند اللّه عز وجل. “[52] ويميز بين المنهاج والمنهج و المنهجية من بين الألفاظ التي تتقاطع معه في الاشتقاق.[53] ويربطه باقتحام العقبة في قوله: “المتسربل بجلال أصله العُلْوِيِّ من قوله عز من قائل يخاطب كل إنسان تائه شارد عن مَوْلاه: “فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة فك رقبة أو إطعامٌ في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة. ثم كان من الذين آمنوا وتواصَوْا بالصبر وتواصَوْا بالمرحمة. أولئك أصحاب المَيْمَنة. والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشأمة. عليهم نارٌ مُوصَدَة“.[54]“[55] وهو منهاج قرآني سار عليه الرسل من قبل:” “فالمنهاج السلوكي جاءتنا به الرسل، والمنهجية طريقة للنظر في المنهاج.”[56]
والمنهاج النبوي هو الأداة التي بها يتم قراءة الماضي وتشخيص الحاضر واستشراف المستقبل وبناء الأمة: “المنهاج النبوي ضروري لتفسير التاريخ والواقع، ضروري لفتح النظرة المستقبلية، ضروري لرسم الخطة الإسلامية دعوة ودولة، تربية وتنظيما وزحفا، ضروري لمعرفة الروابط الشرعية بين أمل الأمة وجهادها، ضروري لمعرفة مقومات الأمة وهي تبحث عن وحدتها، ضروري لإحياء عوامل التوحيد والتجديد، ضروري لمعالجة مشاكل الأمة الحالية قصد إعادة البناء. “[57] وهكذا يجعل وظيفته: “توجيه وتنسيق لجهود، لجهاد، في أهداف واضحة، ومسلك نموذجي”.[58] أما مطالب المنهاج النبوي تتجلى في تغيير الإنسان والعمل والواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي والأمة والأهداف الدنيوية والغاية الأخروية… إن المطلب الأساسي للمنهاج هو جمع الطاقة المعنوية للأمة وتوجيهها في المعركة وتحزيبها للّه ورسوله ليكون استعمالها للحد الأدنى الذي معها من القوة المادية استعمالاً رشيداً موفقاً منصوراً.”[59] إن الأستاذ عبد السلام ياسين يربط بين السلوك إلى الله وبين المنهاج: “لذا لا نفتأ نذكر بأن سلوك العبد إلى اللّه عز وجل، وما يطلبه السلوك الإيماني الإحساني من تربية، من ذكر، من ترقيق القلب بالمداومة على الذكر، هو معنى المنهاج واتجاهه وغايته.”[60] وهو بهذا المعنى يتقاطع مع اقتحام العقبة.
والملاحظ أن لفظة منهاج وردت نكرة ومعرفة ووردت منعوتة ومضافة منهاج / المنهاج / المنهاج النبوي / المنهاج الخالد / منهاج النبوة، ثم تصبح لفظة المنهاجي وصفا لغيرها في إطار نوع من التعالق الدلالي مثل التنظيم المنهاجي والفكر المنهاجي والتصور المنهاجي وخطانا المنهاجية والمنهاج الإحساني… ويربطه بالخصال العشر ويعتبر أن المنهاج النبوي: “السنة التطبيقية العملية النموذجية التاريخية البشرية المتجددة في الزمان والمكان باجتهاد أجيال الإيمان”[61] ها أنت ترى أنه يربط بين المنهاج وبين الاجتهاد والتجديد وصلاحيته لكل زمان ومكان.
ويخلص إلى أن المنهاج النبوي وسيلة وأداة لقراءة الماضي والحاضر وبناء المستقبل تنبني قواعده وخصاله العشر على مكين الكتاب الكريم والسنة المطهرة.
وبهذا تكون نظرية المنهاج النبوي تتجاوز الفكر إلى العمل والتنظير إلى الفعل والسلوك، فهي على هذا الأساس مدرسة متكاملة المعالم والأسس والصوى. مستمدة ذلك كله من كتاب الله عزل وجل: “وكل حكم من أحكام الله عز وجل جزء لايتجزأ من المنهاج النبوي”[62] وما يجعلها مدرسة لا مجرد نظرية وجود مرب متبع يسهر على تنفيذه وفق ما يراه من مسار قائم على التدرج وهي سمة تميز الفكر المنهاجي تأسيا بسيرة المصطفى الذي تدرج بأصحابه في تنزيل أحكام التنزيل وشرائعه ومراميه.إنه “منهاج” قوامه الدعوة المؤيدة من الغيب المركزة في شخص الراعي المشرع المرسل أو المتبع على بصيرة.”[63]
– الشورى:
انطلاقا من الآية:36 وإلى الآية:38 من سورة الشورى، يدعو الأستاذ عبد السلام ياسين القارئ إلى تدبرها والوقوف معها لاستخلاص السياق الذي وردت فيه الشورى عند المسلمين “اقرأ، أخي الفاضل الديمقراطي ابتداء من الآية 36 من سورة الشورى في مصحفك. اقرأ لترى من أي وهدة تاريخية، ووصمة عار على الجبين، وانحطاط خلقي، وتشرذم في الأقطار، ونكارةٍ في الدنيا وحقارة، يجب أن نستيقظ ونتطهر ونرتفع ونجتمع وننجمع ونتعزز لكي نسمو إلى مستوى السياق الحياتي والنظام الحياتي والقانون الخلقي والإيمان بالله واليوم الآخر الذي تنادينا إليه آيات سورة الشورى، ينادينا إليه القرآن، يدعونا إليه داعي الله.”[64] ويشرع في تأصيل المفهوم وسياقه العام، ويستخلص ضوابط الشورى الشرعية وأساساتها كما نقرأ معه:” السياق الذي يندرج فيه حكم الشورى، كما بسطه الله عز وجل لنا في سورة الشورى، يسير على منهاجه مومنون ومومنات”[65] سياق تحكمه الربانية في عناصر متسلسلة ومترابطة فيما بينها :” هذه الصفات مرتبة على الإيمان. في دولة القرآن والشورى يتعامل أهل الإيمان القائمون بالقسط بمقتضى الإيمان، فهم يتوكلون على الله حق التوكل، ويجتنبون كبائر الإثم والفواحش، يتطهرون منها، ويُطهرون منها المجتمع. وهم رفيقون بالأمة، رحماء صابرون، يعالجون أمراض المجتمع بتؤدة وحنو قبل أن يعالجوها بالعقوبة. لا نقلص معاني القران العظيم إلى التعامل الفردي. “وإذا ما غضبوا هم يغفرون“(الشورى:38) صفة تسري في الكيان المؤمن كله، فردا وجماعة حاكما ومحكوما.”[66] فيجعلها مؤسسة على أعمال قلبية وخلقية وعقلية وعملية.[67] وفي إطار الحوار يرفع من شأن الشورى مقارنة بالديمقراطية بقوله لمن يحاج فيها: “ما نفعل -ويحكم!- ونحن مَثَلنا الأعلى ما قرأتم من سمو روح الشورى، وشرف محتدها، وربانية سياقها؟ ما نفعل إن أنكرنا الشعب بعد انتخابنا إلا أن ننفض يدنا من الحكم ونلقي العِبْءَ على سماحتكم الديمقراطية لنتفرغ لتربية الشعب حتى تكون استجابته لله تعالى لا لنا، وحتى يتحلى بصفات أهل الإيمان، وحتى يكون الحكم بما أنزل الله من الشورى والعدل والإحسان مطلباً له يعبد الله بالرغبة فيه كما يعبده بالصلاة والإنفاق في سبيل الله.” [68]
ويعتبرها أصلا في اختيار الإمام الخليفة أو الحاكم: “نستخلص من هذا أن الاستخلاف قد يكون توجيها لاختيار الأمة يساعد على الاستقرار. لكنه إن تم استبداداً من الإمام يوشك أن يصبح مزلقة نحو الكارثة. والأصل الشورى.”[69] كما يجعلها: “واجبة في الشأن العام وهو نصب الإمام… والشورى ملزمة وإلا كانت عبثا… والشورى نازلة من مقام الإمامة”[70] وفي حالة ما لم ينزل نص من أمر أو نهي في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم كان الاجتهاد الشورى بين الفقهاء العابدين أي العاملين: “روى الطبراني رحمه الله في الكبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال علي: يا رسول الله! أرأيت إن عَرَضَ لنا أمرٌ لم ينـزل فيه القرآن، ولم تمض فيه سنة منك؟ قال صلى الله عليه وسلم: “تجعلونه شورى بين العابدين من المومنين، ولا تقضُونه برأيِ خاصَّةٍ”. وأخرج في الأوسط بسند صحيح عن علي رضي الله عنه قال: قلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن نزل بنا أمرٌ ليس فيه بيان أمر ولا نهي فما تأمرنا؟ فقال: “تشاوروا الفقهاء والعابدين ولا تجعلونه برأي خاصة” هذان الحديثان الشريفان يخصصان الشورى فيما لم يجئ فيه نص. لكنَّ منطوقَ الحديثين ومفهومهما يعطيان أصلين عظيمين: أولهما أن الاجتهاد يكون شورى، والثاني أن شورى الاجتهاد تكون بين فقهاءَ عابدين. شرطان: العلم والإيمان.”[71] فأهل الشورى هم: “العلماء بالدين… ثم أهل الحل والعقد… ثم أهل الخبرة والفن والدراية و الإدارة و التنظيم”.[72]
وخلاصة القول إن: “الشورى طهارة وتطهر بين يدي العمل الصالح… الشورى إجماع ومقاربة للإجماع، ومحاولة للإجماع.”[73] ومن المفاهيم الحديثة نجد مفهوم الديمقراطية الذي يحضر بثقله السياسي والفكري في عصرنا، ويزاحم المفهوم القرآني لما له من مميزات كثيرة تحدث عنها الأستاذ عبد السلام ياسين وبسط القول فيها، لاتمنع من الوقوف على معايبها لنشوئها في تربة مغايرة للتربة الإسلامية القرآنية النبوية، فـ: “هذه الديمقراطية/الكلمة المفتاح نتَجتْ من مخاض تاريخي في زمن مضى وانقضى، وفي ظروف تغيرت، وموازين قُوىً في العالم تَأرجَحت، ومناخٍ اجتماعي مرت عليه في أوربا الشرقية والغربية عواصف، ومرت عليه في الولايات المتحدة الأمريكية أزمات، وتعديلات. ديمقراطية صلَح عليها معاش الغرب زمنا. وانكشفت معايبُها اليومَ أكثر مما انكشفت في أي عهد.وأصبح الناس لا يومنون بمؤسساتها، ولا يزاولون طقوسها ويحترمون قانونها إلا لأنه لا بديل لها إلا الفوضَى والعنف.ديمقراطية زهدَ فيها أهلها لما تجني من فضائح وهي منهم وإليهم، أصيلةً تغذَّت بتربةٍ ومياه أصيلة. ونستوردها نحن زنيمةً نقحمها على أهلينا. ونريد أن نتحدى بها أزمات الحاضر وتقلبات المستقبل!
كيف نتقدم إلى المستقبل بكيان مُمَزَّقٍ ونظام حكم زنيم يزيدنا تمزيقا.إذ لاديمقراطية إلاَّ في دولة قومية – يرفضنا المستقبل ![74] إن أهم عامل يجعل من الضروري التفكير بتبصر في الديمقراطية كمفهوم وممارسة نبتت في أرض اللاييكية هو أنها لا تولي الاهتمام للآخرة و المعاد، فهي لا تؤمن بالدين، فقد رأت: “بثاقب نظرها أن المصير بعد الموت أسطورة اتَّجرتْ فيها الكنيسة قرونا. وعقلنة الحياة تتنافى مع الارتباط بالخرافات والنفاق الكنسي، ورأت الديمقراطية الحَصيفة النظر أن ضرورة التعايش مع أوهام الشعب تفرض الإبقاء في هوامش الحريات الشخصية على اختيار المواطن لدينه. لا شأن للدولة الديمقراطية (اللاييكية طبعا وأصلا حتى يقنعنا الفضلاء بخلاف ذلك) بالدين.”[75] وبذلك فالديمقراطية يمكن التعامل معها من منظور حذر لتنافي مبادئها اللاييكية مع التصور الإسلامي الذي يربط بين الدين والدنيا وهذا ما رأيناه في سياق الشورى.
فالشورى أصل من الأصول الثابتة في الإسلام بها يتم اختيار الإمام وبها يكون الاجتهاد وعلى أساسها ينبني العدل ويتحقق الأمن والاستقرار، وفق شروط حددها المولى عز و جل في كتابه العزيز.
– القومة:
يركز الأستاذ عبد السلام ياسين على الآية الكريمة من سورة الجن: “وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً“(الجن:19). ونلاحظ أن يصرح بنيته في إعادة الحياة لكلمة القومة، وإعادة المدلول الإسلامي لها في قوله: “نفضل أن نتميز في التعبير ونعيد لكلمة قومة مدلولها الإسلامي”[76] وهو استعمال فرضته المخالفة لما هو سائد من استعمالات حديثة وما يرتبط بها من حمولات فلسفية وفكرية وإيديولوجية إذ يعتقد أنه “لا بيان يرجى ولا مسلك إلى قلوب العباد ولا أصالة للخطاب الإسلامي إلا بالأسلوب القرآني السني البريء من لوثات الفلسفة وعجمات الحذلقة الثقافية”[77] ويؤكد ذلك قوله: “أستعمل الاسم تحرِّيّا من مسايرة التيار العام الذي يستهلك مصطلحاتهم كما يستهلك منتجاتهم الصناعية، فيَنْبت لحمُ فكرِه ويتكون عظمُه ويجري دمه بعناصر هي خليط من ذاته وذات غيره.” وهذا الاختلاف في الاستعمال ينبئ عن اختلاف النيات واتساع أفق النظر والأهداف والغايات:” أستعمل “قومة” بدل “ثورة” لأسجل اختلاف نيتي عن نياتهم واتساع أهدافي عن أهدافهم وحضور غايتي -وهو الله عز وجل- وغياب هذه الغاية في حسبانهم.”[78]
ويرى أن مادة القومة وما يرتبط بها كثيرة في القرآن الكريم تقترن بالدعوة، والقسط وهو العدل، وتدل على القوة والإتقان وعلى الاستقامة فهي بهذا اللفظ ومشتقاته كثير.[79]
ويستدل على أوصاف القائم من عبودية لله ومصابرة على الدعوة وثبات حتى يتحقق موعود الله بقوله تعالى: “وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَداً” (الجن:19). في هذه الآية الكريمة وحدَها عنوان وبرنامجٌ. أبرز أوصاف القائم أنه عبد لله. وتلبُّد الكفار على القائم الكريم صلى الله عليه وسلم ومعارضتهم له ومصابرتُه على الدعوة حتى النصر برنامج كاملٌ، ونموذجٌ هاد تُفَصِّلُه سيرتُه الجهادية صلى الله عليه وسلم.”[80] ويجعل القومة مبنية على منهاج النبوة في قوله: “فتكون قومتنا على منهاج النبوة، وتطلعنا بعد العض والجبر إلى الخلافة على منهاج النبوة، ومعالجتنا لكل صغيرة وكبيرة بتفكير منهاجي وأسلوب منهاجي”[81] ويلقي الأستاذ عبد السلام ياسين على التاريخ نظرة يعرض من خلالها نماذج للقائمين على العض والجبر من الصحابة وآل البيت والتابعين والعلماء العاملين: “فالأمة خِصبة وَلودٌ والحمد لله… لم تنقطع في تاريخنا الطويل سلسلةُ الرجال القائمين بالقسط.”[82] ويختار كلمة قومة بدل ثورة في قوله: “قومة هي لا ثورة “[83] في معرض حديثه عن اقتحام العقبة إلى الله باعتبارها دليلا على طريق السعي الجهادي المتقدم بالإنسان الرافع له من دركات الكفر إلى صعيد الإسلام فمقامات الإيمان فمعارج الإحسان، ومن انتظام السلوك الفردي في ولاية رابطة بين المؤمنين في إطار الشورى يتألف جند الله القائمين بأمر الله وينتظمون.وقد سبق أن تحدثنا عن هذا الانتظام في مقالنا “النظم روح الجماعة ووسيلة لبناء الأمة”[84]. كما يلح على مطلب القومة ويؤكد عليه في خطابه للقادة والعلماء: “إننا نريد قومة إسلامية، قومة من قام يقوم واقرأ مادة قام في القرآن والسنة لتفهمها”[85] إن اختيار كلمة قومة على كلمة ثورة له ما يبرره لارتباط اختلاف المدلولين باختلاف المرجعين لكل منهما: “نستعمل كلمة قومة تفاديا لاستعمال كلمة ثورة. لأن ثورة فيها العنف ونحن نريد القوة… ثورة كلمة استعملت لوصف الحركات الاجتماعية الجاهلية. فنريد أن نتميز في التعبير ليكون جهادنا نسجا على منوالنا النبوي.”[86] ويجدد امتدادها المعنوي في قوله: “القومة أيها الأحبة ثبات وصبر وثقة بالله وعمل دائب”[87] ويحدد الغاية من هذا الاستعمال في قوله: “وأستعمل كلمة قومة للدلالة على نهوض الأمة بقيادة طليعة من جند الله لفرض العدل والإحسان.”[88]
وتعني القومة اليقظة القلبية مستدلا بما جاء في كتاب مدارج السالكين لابن القيم الذي يقول: “وصاحب المنازل يعني شيخ الإسلام الهِروي يقول اليقظة هي القومة لله المذكورة في قوله تعالى: “قل إنما أعظكم بواحدة أن تقوموا لله مثنى وفرادى“(سبأ: 46)”[89]، ويضيف شارحا معناها عند ابن القيم بأنها “اليقظة من سنة الغفلة، والنهوض عن ورطة الفترة”[90] ويحدد المعنى المقصود للقومة الإسلامية في قوله: “إن القومة تعني، كما لا نمل نكرر، أن نعود أمة مجاهدة كما كنا، راشدة تقرر مصيرها بإرادتها الحرة، وتفرض قرارها بقوة الساعد المنتج، وتدبير العقل المتحرر من الخرافة وفلسفة الإلحاد، وتنظيم الطاقات البشرية والاقتصادية. القومة أن يصبح أمرنا شورى بيننا، أن تحمل الأمة عبء الحاضر والمستقبل.”[91] لاحظ أن القومة لا تتوقف ولن تتوقف أبدا.
ويؤكد على ضرورة وجود قائم: “ولكن ينبغي أن تكون نقطة الانطلاق، أولى الأولويات من وجود قائم، قائم مؤمن بالله وباليوم الآخر، عالم بما فرض الله عليه، عارف بتكاليف الشريعة، منبعث للتنفيذ مخلص صادق، منتظم في جماعة المؤمنين.”[92] والقائم بالحجة هو ذلك المؤمن المجاهد الذي يستجيب لدعوة الله عز وجل عندما يخاطب الله عز وجل المومنين ويقول: “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله“( المائدة:9).
القوام فوق القائم: القائم اسم فاعل، والقوام صيغة مبالغة.
القَوَّامُ كَثير القِيَام، شديد القيام، ذلك أن الجهاد درجات.
“يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط“. ويقول أيضا عز وجل: “يا أيها الذين آمنوا كونوا قَوَّامين بالقسط شهداء لله” النساء:134″[93]. وهكذا يرتبط مفهوم القومة بإقامة العدل في الأرض .
ونلاحظ أنه اعتمد في تحديد مفهوم القومة على الاشتقاق: قام، قومة، قيام، قائم، قوّام وكذا على الضميمات: شديد القيام كثير القيام و هكذا.
لكن إلى أي شيء تحتاج القومة: “لكن أسبقَ شيء تحتاجه القومة، وأهم شيء، وأجدى شيء، هم رجال قرآنيون نبويون. من الأمة وإليها ومعها. لا ليفعلوا بها، بل ليوقظوها، ويربوها حتى تصبح فاعلة.”[94]
كما تحدث عن القومة الزراعية التي من شأنها أن تؤمن للمسلمين في مستقبل الإسلام الغذاء الذي به يستقلون عن التبعية الاقتصادية للآخر، وذلك باستصلاح الأرض وزراعتها وهذا من الجهاد: “يكون جهاد عمارة الأرض، واستصلاحها. وتهيئها للإنتاج، وحسن توزيعها، وتسيير العمل فيها، من آكد أنواع الجهاد. لأن بعمارة الأرض تحصل الأمة المجاهدة الأزواد وتضمن الأمن الغذائي.”[95]
ويبني القومة على روح الإيمان: “إن القومة والتعبئة والهبة الضرورية لمحاصرة الباطل المنكر وتقويض حصونه، ثم لبناء صرح الحق لبنة لبنة بجهاد لا يكل لن نشم لها رائحة إلا بروح الإيمان ودعاء أهل الإيمان “[96] ولها ضوابط “وإن للقومة والتعبئة والمشاركة العامة لضوابط لا تستقيم إلا بها”[97] هي الجد والانضباط والصدق: “ما هو الأمر تحرر على لعب من يهوى اللعب، من يهوون اللعب من أبناء الدنيا صنف من البشر غير صنف من حياتهم هذه جد لأن طلبهم للآخرة ويقينهم بها إيمان صادق وسعي دائب يبذلون الراحة واللعب والتسويف ليكون سعيهم عملا صالحا يخرجون به من الدنيا إلى رحاب الجنة”.[98]
ومن معاني: “القومة تعني نهضة، ولا ينهض الجسم العليل المفكك، والقومة تعني حركة إرادية، ولا يتحرك المشلول. والقومة تعني تغييرا للمنكر، ولا يغير المنكر من لايعرف المنكر في أسبابه، ودخائله، وماضيه، وحاضره، وحماته. القومة تعني جهادا منظما، ولا جهاد بدون تربية الأمة وتعبئتها للجهاد المرير الطويل.”[99]
إذن تعني القومة اليقظة القلبية والقيام على الظلم والتعبئة الجهادية المستمرة، والتزام مبدأ الشورى بين المسلمين، وتحرير الطاقات والمبادرات والعقول من التبعية والجمود والخرافة والإلحاد.
– الخصال العشر:
الخصال العشر هي شعب الإيمان التي تنتظم صعدا من الصحبة وصولا إلى الجهاد، فهي تتأسس على مجموع شعب الإيمان كما وردت في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “الإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان.”[100]
فقد جعلها الأستاذ عبد السلام ياسين سبعا وسبعين شعبة، وأجملها في عشر خصال مؤصلة من القرآن الكريم وسنة النبي الأمين، يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: “وما أتينا بشيء في ترتيبنا لشعب الإيمان إلا مِن قال الله وقال رسول الله.”[101] فهذه الشعب وهي الخصال العشر تكون “مضمون الإسلام ومحتوى الإيمان. ويكون ترتيبها معراجا إحسانيا يرتفع عليه المؤمن وجماعة المؤمنين من نقطة البداية في الحياة، في حضن الوالدين، إلى مقام الشهادة في سبيل الله في ساحة الجهاد”[102]، إنها “مقولات خلقية روحية عملية… معنوية منسجمة بكونها كذلك أساس المنهاج واتجاهه وغايته”[103]، وفيها أمهات ثلاث هي الصحبة والجماعة، والذكر، والصدق، والسبعة الباقية مظاهر تطبيقية لمن جمع الخصال الثلاث الأمهات”[104] ويعتبر الخصال العشر “ليست إلا المضمون القرآني النبوي كمنهاج اقتحام العقبة”[105] فهي ترتبط باقتحام العقبة، إذ لا يمكن تحصيل هذه الخصال إلا باقتحام عقبات النفس والهوى والمعيقات الاجتماعية والنفسية. فهي “لب الصفات الخلقية والأنماط السلوكية التي تتردد في القرآن والسنة”.[106] ويقدم لكل خصلة معنى موجزا في نحو قوله: “الصحبة والجماعة: تتضمن صحبة الأخيار، والانتقال من الإسلام الفردي إلى الإسلام الجماعي، والذكر: بمعناه العام الشامل،والصدق: خروج عن خصال النفاق، والبذل: بذل المال والنفس، العلم المنجي أولا وهو علم بشريعة الله ثم العلم الدنيوي، والعمل العبادي على الكتاب والسنة والعمل المنضبط المنتج المنظم والعمل المخلص لله، والسمت: سمت المؤمن القوي الجميل النظيف، وسمت الجماعة في مجلسها ونديها، والتؤدة: الأناة والصبر وتحمل الأذى، والاقتصاد: معناه ألا تزيغنا الدينا عن الآخرة، والجهاد: بذل الجهد باستمرار، وجهادنا هو القيام بالقسط واستشهاد به بين الناس”.[107]
وقد تحدث عن كل خصلة من جانبين اثنين متلازمين تربية وتنظيما وجعل لكل خصلة جملة من الشعب تندرج تحتها تكون معها روافد أساسة من روافد نهر الإيمان،على السالك إلى الله أن يحصل منها مجموعا طيبا. وإن تفاوتوا في ذلك، فالمؤمنون: “يتفاوتون في الإيمان وخصال الخير، فلا ننتظر أن تعطينا التربية رجالا في نفس المستوى في كل الجوانب”[108]. ويجعل هذه الخصال منهاجا للتربية والتنظيم: “الخصال العشر -وتحت كل منها عدة شعب من شعب الإيمان- منهاج تربية وتنظيم، وحكم، وسلوك إلى الله تشمل كل الفرض والنفل والسنة والندب”.[109]
وعلى ضوئها تنبني التربية الإيمانية: “فنريد أن تكون التربية الإيمانية، والتنظيم الجهادي، جامعين لكل معاني الإيمان، وحركاته، وعواطفه، وعباداته.”[110] وهي ضرورية للطامح في مقامات الإحسان: “وسائر شعب الإيمان البضع والسبعون ركائز سلوكية لا يمكن لطامح في مقامات الإحسان وسلوك طريق العرفان أن يتجاوزها أو أن يتنكبها وإلا كان كمن يبني على غير أساس”[111]، ولذلك خصص كتاب الإحسان للحديث عن الخصال العشر من منظور تربوي محض لأنها: “تشكل تصورا تسلسليا يغطي موقف الإنسان في الجماعة، وموقفه من العقلانية، وموقفه من الله ومن العادة”.[112]
وقد أدرجنا هذه الخصال ضمن المفاهيم الوسائل لأنها صوى يتم الاهتداء بها في الطريق .
ومجموع هذه المفاهيم الوسائل تؤدي إلى تحقيق الخلافة الثانية، ودولة القرآن وما يرتبط بها من إحقاق للعدل وتثبيت للإحسان وهو ما سنراه فيما بعد.
– المفاهيم الغايات:
تسعى المفاهيم اقتحام العقبة والمنهاج والقومة والخصال العشر إلى تحقيق غايات جاء بها القرآن الكريم مفصلة من خلال أخبار الرسل والأنبياء والصحابة الكرام محوراها العدل والإحسان وأساسها دولة القرآن.
– الخلافة أو دولة القرآن:
ينطلق الأستاذ عبد السلام ياسين من قوله تعالى: “وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض“(النور:55). وقوله تعالى: “اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشاكم في الارض واستعمركم فيها“(هود:61). ويحدد معناهما بقوله: “كلمة استخلف مثل كلمة استعمر وردتا في القرآن بصيغة فعلية تتضمن حرفي السين والتاء ويقول النحاة إن السين والتاء في صيغة استفعل تدل على الطلب ففعل استخلف في قوله تعالى: “وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الآرض“(النور:55). يعني طلب منكم أن تكونوا خلفاء وفي قوله جل شأنه حكاية لخطاب نبيه صالح عليه السلام قومه: “اعبدوا الله ما لكم من إله غيره هو أنشاكم في الارض واستعمركم فيها“(هود:61). يدل فعل استعمر على طلب الله عز وجل من المومنين أن يعمروا الأرض ويصلحوا فيها ويبتغوا فيها من فضل الله.”[113] ويختار الأستاذ عبد السلام ياسين تعريف ابن خلدون للخلافة في مقدمة كتابه العبر ص338: “والخلافة هي حمل الكافة على مقتضى النظر الشرعي في مصالحهم الأخروية والدنيوية الراجعة إليها. إذ أحوال الدنيا ترجع كلها عند الشارع إلى اعتبارها بمصالح الآخرة. فهي في الحقيقة خلافة عن صاحب الشرع في حراسة الدين وسياسة الدنيا به.”[114] وبذلك يميزها عن الملك الذي ورد معناه في سؤال عمر رضي الله عنه لسلمان: “أملك أنا أم خليفة؟ فأجابه: إن أنت جبيت من أرض المسلمين درهما أو أقل أو أكثر، ثم وضعنه في غير حقه، فأنت ملك غير خليفة”.[115]
كما يؤكد على أن بالقرآن الكريم تكون الخلافة الثانية، خلقا ثانيا للمسلم بعد خلقه الأول “كذلك بالقرآن يعيد الله ثاني الخلق المسلم كما بدأ أوله”[116] وبالسنة المطهرة يكون الهدي وتجاوز العقبات الكثيرة: “وكذلك بمنهاجه صلى الله عليه وسلم يضع عنا وعن كل جيل يهتدي بهدي الوحي والنبوة ركام الذهنيات والعادات والأنانيات التي تغم النفوس والعقول وتحجبها عن نور الوحي”.[117]
ويربط الأستاذ عبد السلام ياسين بين الأصول والوسائل والغايات استشرافا للخلافة في قوله: “تنطلق خُطانا المنهاجية من قواعد الشِّرْعة، يستنير القلبُ بنورها، والعقل بعلمها، والنّظر بمفاهيمها، والإرادة بحافزها وداعيها وندائها، لنقتحم العقبة إلى الله عز وجل.هكذا نفكر وهكذا نعمل. والخلافة على منهاج النبوة هي الأفق.”[118]
ولذلك يعتبر أن الخلافة دواء لداء الأمم: “حتى نعالج الداء من جذوره التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها داء الأمم بالعلاج الذي وصفه وهو الخلافة على منهاج النبوة وما يلازمها ويسبقها ويواكبها من تربية وشورى وعدل وإحسان.”[119] وما يميز الخلافة الثانية على منهاج النبوة: الربانية فلا: “يظن أنه يكون لثورة إسلامية ما معنى من معاني الخلافة الثانية عن النبي صلى الله عليه وسلم إن لم يكن الربانية الجامعة لما شاء الله من أجزاء النبوة سمة بارزة في دعوة الخلافة، وتربيتها، وفراسة رجالها… أعني أن الخلافة الثانية على منهاج النبوة لا بد أن تظهر فيها خصائص الربانية التي عمومها ومضمونها وسياجها السنة المطهرة الكاملة.”[120]
إذن فالخلافة تقوم على الربانية والشورى كما تقوم على العدل والإحسان، وسنرى تفصيل ذلك في النقطتين الآتيتين بإذن الله تعالى.
– العدل:
“يورد قوله تعالى: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي“(النحل:90). ويستحضر في تحديد المعنى اللغوي للعدل تعريف الراغب الأصفهاني له: فالعدل هو التقسيط على سواء” [121]ويبين أن مادة عدل ذكرت في القرآن: “بمعنى العدل ضد الجور في مثل قوله تعالى: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى. وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي.” (النحل:90) وقوله سبحانه: “إن الله يامركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل.”(النساء:57). وجاءت بمعنى الميلان عن الإنصاف والاعتراف بالله إلى الشرك في مثل قوله عز من قائل: “ثم الذين كفروا بربهم يعدلون…” ويورد كلمة فسط التي تفيد: “الإنصاف في الحكم والقسمة في مثل قوله تعالى: “وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين“، وقوله تبارك وتعالى: “وأن تقوموا لليتامى بالقسط“، وقوله سبحانه: “وأوفوا الكيل والميزان بالقسط“.[122] لكنه يخصص كلمة العدل للحكم والقضاء وكلمة قسط للإنصاف في القسمة، ويبرر هذا التخصيص بقوله: “لكيلا يختلط حديثنا عن العدل الحكمي والعدل الاجتماعي الاقتصادي.”[123] فيجعل العدل عدلين: “عدل القاضي والحاكم، يطبقان شرع الله عز وجل في إعطاء حقوق العباد وإنصاف بعضهم من بعض، وعدل القسمة الاقتصادية الاجتماعية.”[124] وهما “عدلان متلازمان عدل الحكم وعدل القسمة.”[125] بل هما مطلبان شرعيان: “كلا الكلمتين تدل على التسوية بين طرفين. لكن نخصص لنلح على أن القسمة العادلة للمال والأرزاق مطلب شرعي لا يقل أهمية عن مطلب العدل الحكمي والقضائي.”[126] ويؤكد على وجوب إقامة ميزان العدل والقسط بين الأغنياء والفقراء، والأقارب والأباعد، بلا حلف، ولا هوى نفس، ولا رغبة انتقام. انطلاقا من قوله تعالى: “يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا“.[127] ونراه يربط بين العدل والقسط وبين القيام لله والشهادة “كما في قوله تعالى: “كونوا قوامين لله شهداء بالقسط“(المائدة:9) وفي قوله عز من قائل: “كونوا قوامين بالقسط شهداء لله“(النساء:134). وفي الآيتين الكريمتين إسناد القيام لله عز وجل في قوله: “قوامين لله” وإسناد الشهادة له سبحانه في قوله: “شهداء لله”.”[128] وهكذا يتضح أن العدل والقسط يرتبطان بالقيام والقومة، كما يرتبطان كما سنرى بالإحسان، فلا يحسن المرء وبطنه جائعة.
ودعامة إقامة العدل والقسط هو الإخلاص لله تعالى: “فمن هذا نأخذ أن عمدتنا ولسان ميزاننا في إقامة العدل والقسط هو إخلاصنا الوجهة لله عز وجل، ذلك الإخلاص الذي يعصمنا من الميل مع الهوى ومن الظلم في الحكم والجور في القسمة.” [129] وفي مقابل العدل هناك الظلم الذي يعرفه: “لغة وضع الشيء في غير موصعه”[130] ويستدل على سوء عاقبة الظالمين بقوله تعالى: “وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين“(الأنبياء:11). ويعتبر أن أعظم الظلم الشرك بالله مستدلا بقوله تعالى من سورة لقمان: “إن الشرك لظلم عظيم“(لقمان:12). فعنه تتفرع أوجه الظلم ويستحضر ما ذهب إليه حكيم المؤرخين ابن خلدون في مقدمته الذي يرى أن الظلم مؤذن بخراب العمران[131] بينما ” إقامة العدل والقسط ركن ركين في صرح الدولة الإسلامية، وعلى إقامتهما مدار صلاح الحكم، والاقتصاد، والشورى، والإدارة، والأمر كله.”[132] لذلك فـ”العدل أم المصالح التي يقصد إليها الشرع. هو صُلب الدين، وحوله تُطيفُ همومُ المسلمين، وبه بعث الله الرسل والنبيئين، مبشرين ومنذرين. “[133] وعدل الحاكم شرط للسلطان الشوري وعماده كما في قوله تعالى: “إن الله يامركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل“(النساء:57). والعدل في القسمة هدف أول وأمر يومي وواجب دائم لقوله تبارك وتعالى: “إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى و ينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون“(النحل:90). وهو “فرض وأمر إلهي يحتاج إلى القوة في التنفيذ قال الله تعالى: “لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط. وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس. وليعلمَ الله من ينصره ورُسلَه بالغيب. إن الله قوي عزيز“(الحديد:24).
فرضٌ أكيدٌ به بعث الله الرسل يدعون إليه. وأنزلَ معهم الكتاب والبينات تؤكد الدعوة وتلح عليها.”[134] و”أمرٌ إلهي مؤكد. ما جاء تكليف في القرآن بصيغة “أمر” كما جاء في شأن العدل. وما خالف العدل من قول وعمل فهو من أمر الشيطان ووسوسته.”[135]
إن العدل من شعب الإيمان الوارد ذكرها في خصلة العمل به يكون سبيلا لإحقاق الحقوق ونشرها بشروط هي: “العدل أن ينصب ميزان القرآن بالقسط، فيوفى المحتاج والفقير حقهما، وتهذب فضول أموال الغني. وعدل الشريعة بعدل القاضي والحاكم، إن كان الحاكم والقاضي أخوين للمسكين والمحتاج لا حليفين للمستكبر والإقطاعي”[136] وهو أيضا سبيل: “أن تكون الإدارة والقضاء في خدمة العجوز المسكينة اليدوية كما يكونان في خدمة المتعلم والغني والحاكم. العدل أن توضع إمكانيات الدولة تحت تصرف الشعب، فتبنى دور بسيطة صحية بدل أن تبنى للمترفين والموظفين القصور”[137] “العدل الاجتماعي طلبة كل المستضعفين وطلبتنا. والعدل القضائي شرط فيه مشروط هما عدلان متلازمان: عدل الحكم وعدل القسمة، وفي الشريعة السمحة سعة لإنصاف المستضعفين، وإقامة توازن إسلامي في الاقتصاد إن كان الحاكم مقسطا وموفقا. فجند الله يوم يلون السلطان موفقون إن شاء الله بتأييد من عند مولاهم، وعليهم بذل الجهد ليؤسسوا مراقبة صارمة تمكن من تطبيق حكم الله.”[138] و: “لا معنى للعدل الدنيوي إلا من كونه تيسيراً للمسافر يصون مسيرته إلى الدار الآخرة أن يفتنه عنها هم الرزق وظلم الناس.”[139] وهو عامل استقرار في دولة الخلافة “العدل المنشود من الإسلاميين يوم يتسلمون مقاليد السلطان هو عدل يستقر به المجتمع، وتتضافر به الجهود، وتتوحد عليه الأهداف، وتسخر له الوسائل.”[140] والأمن والاستقرار يساعدان على عمارة الأرض، ويحدد أربعة شروط لإقامة العدل في الأرض هي: “الاستقرارُ على الشورى… المشاركة العامة في تنظيم الجهود لبناء القاعدة الاقتصادية الضرورية ليكون لنا، في يدنا، من مال الله ما ننفق ونُؤتي… شرط اتضاح الأهداف… شرط ملاءمة الوسائل المتاحة للأهداف الإسلامية العمرانية الأخوية.”[141] وعليه فالعدل يرتبط بمفهوم آخر هو العمران الأخوي: “قصدي بالعمران يشمل المدلول الخلدونيّ “لعمران” والمدلول العصري “لحضارة” مربوطَيْن بتوجّه القاصدين المعمِّرين المتحضرين على منهاج السكة المستقبلية العابرة من الدنيا للآخرة، مربوطين بمعاني عِمارة المساجد الواردِ فيها قوله تعالى: “إنما يعمُر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين“(التوبة:18).[142] مربوطين بالكلمة القرآنية التي بلغ بها العبد الصالح سيدنا صالح عليه السلام قومه بمراد الله الشرعي من المومنين إذ قال لهم: “هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربي قريب مجيب“(هود:60).[143] عمران يقوم على الرحمة “عمران العدل والإحسان ينبغي أن يبسُط للأخوة بين التائبين المتحررين من سياق الحضارة المادية والقانون الوضعي والمعَاشِ الغابوي بِساط الرحمة. قال الله تعالى يوجه تعاملنا مع من جاء من شرك لإسلام: “فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتَوا الزكاة فإخوانكم في الدين“[144]“[145]. وأم خصائصه: “المواطنة القلبية الإيمانية بين المسلمين… سِمَتُها النفسية السلوكية الإقلاع عن حب الدنيا والتحررُ من العبودية للهوى.”[146] فيه “المرجعية المطلقة لشِرْعة الله التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، تنزيلا من عزيز حميد، تعطينا الوِجْهة والمعنى لحركة الإنسان في هذا العالم، لحركة المومن الصائر إلى ربه على طريق السعادة الأبدية، وحركة الذين آمنوا وعملوا الصالحات المكلَّفين بعد الرسل عليهم السلام بشهادة الحق وإقامة القِسط في الأرض وتبليغ رسالة الإسلام.”[147]
وعلى مقدار نشر العدل في الأرض تتحرر النفوس، وتتلقى الأمر الإلهي بنية التنفيذ، فيتلازم العدل مع مفهوم منهاجي أساس و يلتصق، هو مفهوم الإحسان.
– الإحسان:
يورد الأستاذ عبد السلام ياسين في كتابه الإحسان معاني الإحسان في قوله: “لفظ الإحسان يدل على معان ثلاثة ورد بها القرآن ووردت بها السنة:
1- الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك.[148] ومن أجل العبادة الدعاء والثقة بالوعد.[149]
2- الإحسان إلى الناس والوالدين والأقربين واليتامى والمساكين والمسلمين وسائر الخلق أجمعين.
3- إحسان العمل وإتقانه وإصلاحه سواء العمل العبادي أو العادي أو المعاملاتي”[150]، ومنه أن تتقن الفنون البشرية المتاحة المسخرة لتمتد يد القوة المعدة سببا واصلا بين السماء و الأرض.”[151]
وينطلق من قوله تعالى:”إن الله يحب المحسنين” (البقرة:194) وقوله تعالى: “والله يحب المحسنين“(آل عمران:134-148). ويقول: “حض على الإحسان متكرر”[152] ثم ينتقل بين مشتقات كلمة الإحسان كما وردت في كتاب الله تعالى أحسن – حسنا – إحسانا – المحسنون – المحسنات – حسنة – الحسنى – الأسماء الحسنى – الموعظة الحسنة – ويذكر مرادفات الإحسان مما سمي في الاصطلاح التاريخي تصوفا منها التزكية والتطهر وفقه السلوك والتربية، ويستدل بتحديد الشاطبي الأصولي في كتابه الاعتصام الذي يجعل التصوف قسمين أحدهما التخلق بكل خلق سني والثاني أنه الفناء عن نفسه والبقاء بربه، وهما في التحقيق إلى معنى واحد.”[153]
ويحدد حقيقة الإحسان في قول: “فإن الإحسان ما هو معنى عائم هكذا عام الدلالة بعموم المدلول اللغوي، بل الإحسان رتبة في الدين ودرجة في التقوى لها الأهمية القصوى. الإحسان غاية الغايات، ومحط نظر ذوي الهمم العالية من الرجال”[154]. ولذلك أدرجنا الإحسان ضمن المفاهيم الغايات لأن: “الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه درجة ثالثة بعد الإسلام والإيمان، فوقهما وبناء عليهما لا تحليقا، لا إيمان بلا إسلام ولا إحسان بلا إيمان.”[155] وهذا في معناه الأول[156]، ومن معانيه الإحسان القلبي الذي يتجسد: “في مظهرين يسميان لغة وشرعا إحسانا: أحدهما البر والعطاء والسخاء والمواساة والعطف والحنان، والآخر إتقان العمل كل عمل، إتقانه نية ليتقبله الله الذي إنما يتقبل من المتقين، وإتقانه إنجازا وتنظيما ليحصل الأثر النفسي في العبادة الفردية والأثر السياسي الاقتصادي الاجتماعي في العبادات الجهادية”.[157]
والإحسان عماد دولة القرآن: “إنما عماد دولة القرآن الإحسان”[158] وهو وسيلة لفهم القرآن والاستدلال بآياته وآيات الله في الكون: “الإحسان درجة فوق الإيمان والاهتداء بالقرآن والاسترحام به والاستدلال بآياته الحكيمة وآيات الله في الكون لايحق لنا منه نصيب إلا بمقدار ما معنا من إحسان”[159] وعليه نجد الإحسان مرتبطا بالاجتهاد الذي لابد فيه من إتقان بمعناه المهاري والقلبي والعلمي الفردي والجماعي. “ليكون السلوك الإحساني عملا مصيريا رائده الفردي عبادة الله كأننا نراه ورائده الجماعي إتقان الأعمال الجماعية لتحقيق إسلام العدل في الأرض وعمارتها والخلافة فيها”.[160]
ويختار الأستاذ كلمة الإحسان أو تزكية النفس ويفضلها على كلمة تصوف لفظة الإحسان لها حمولة قرآنية ونبوية تتعلق بالوحي، وتزكية النفس ترتبط بالتربية والمجاهدة عبر عملتي التخلي و التحلي، ويؤكد على أن أئمة المذهب لا يحبون كلمة تصوف.[161] ويرتبط الإحسان بالتربية “والإحسان سماع وقَبُول وتربية”[162] و”التربية سماع وتشبه وتمثل وتشرب.”[163]، ويتساءل عن ما بين الكلمات من علاقة: تصوف وإحسان وتزكية وتطهر في إطار سؤال منهاجي بنائي: “ما هو التصوف وما بينه من علاقة وبين الألفاظ القرآنية النبوية مثل: إحسان، تزكية، أولياء، تقرب إلى الله، سابقون، مقربون، محِبون، محبوبون؟ وهل بعد العلم يَرويه العلماء عن العلماء بما قال الله وقال رسول الله من مطلب؟”[164] “ما علاقة التصوف، وهو لفظ محدث، بالإحسان وهو لفظ قرآني نبوي، وبالتزكية والتطهر؟”[165] “أين تقع مصطلحات القوم من اهتمامات العصر، ومن المستقَر القرآني النبوي، ومن النموذج الصحابي الجهادي؟ هذا هو سؤالنا في هذا الكتاب”[166] إنه يعارض استعمال مصطلح التصوف ولا يدعو إليه: “لست أدعو إلى التصوف ولا أحب الاسم ولا الشكل لأني لا أجدهما في كتاب الله وسنة رسوله”[167] وقد رأيناه يدعو الأجيال المقبلة إلى اقتحام العقبة لا إلى التصوف.
والمتصفح لكتاب الإحسان يرى أن كل باب من أبوابه لا يكاد يخلو من الاستدلال بالقرآن الكريم، إذ يفتتح فيه بالقرآن الكريم أدعية أو استشهادا من القرآن الكريم للموضوع المدروس. فهذه سمة هذا الكتاب وميزته.
أما العلاقة بين المفهومين الرئيسين في النظرية: العدل والإحسان فهما لب النظرية وأساسها فقد: “توج الإحسانُ العدلَ وتخلله وسكن بين ضلوعه”[168] وهما: “عماد دولة القرآن “[169] بل إن الدين هو العدل و الإحسان.
وخلاصة القول، إن المفاهيم المنهاجية المفاتيح في نظرية المنهاج النبوي، قد انتظمت بين مفاهيم المفاهيم التي اعتبرنها وسائل من اقتحام العقبة وما يرتبط بها من مفاهيم جزئية النادء والاستجابة والرحمة والحكمة، وارتباط هذه جميعا بالمنهاج والخصال العشر باعتبارها مدارج لتربية جند الله، وارتباط القومة بكل ذلك. تمهيدا للمفاهيم المنهاجية المفاتيح الغايات والتي ترتكز على الشورى، وتتطلع إلى الخلافة، وتحلق بجناحين اثنين هما العدل و الإحسان.
خلاصة
بعد هذه الوقفات مع كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين- وقد بحثنا في ثناياها عن الجهاز المفهومي وعلاقته بكتاب الله تعالى- نخلص إلى مايلي :
– أن الجهاز المفهومي في فكر الأستاذ عبد السلام ياسين تدرج من المفاهيم الوسائل إلى المفاهيم الغايات في نسق مترابط منسجم محكم، بدءا بمفهوم اقتحام العقبة كأول درج في سلم الجهاز ومرورا بالمنهاج والقومة والخصال العشر، ثم الوصول إلى المفاهيم الغايات: الخلافة الثانية أو دولة القرآن والشورى والعدل وغاية الغايات الإحسان. على أن هناك مجموعة من المفاهيم الفرعية التي تدخل مع المفاهيم الأساسة في تقاطع وارتباط منهاجيين كمفهوم التربية و التغيير والعقل والقلب وفقه التجديد أو الاجتهاد أوردناها ضمن المفاهيم المناسبة لها والحاضرة ضمنها والمساهمة في بنائها، لتشكل في مجموعها الشبكة المتآلفة المترابطة من المفاهيم المنهاجية فيما أسميناه الجهاز المفهومي في نظرية المنهاج النبوي في فكر الأستاذ عبد السلام ياسين.
– أن هذا الجهاز ينبني على القرآن الكريم ويتأسس عليه ويتمركز، وهذا ما قادنها إليه بحثنا، واطلاعنا المتكرر على ما جاء في كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين، وما استشهدنا به من نصوص لا نجاوز به هذه الكتابات، كلها تدور حول الوحي: القرآن والسنة.
– أن الجهاز المفهومي في نظرية المنهاج النبوي يتميز بالجدة والصرامة والدقة العلمية، وينفتح على كل النظريات والعلوم والأفكار والمعارف القديمة والحديثة مما له صلة بإنارة السبيل للباحث عن الحق، الطالب التغيير المنشود، الساعي للقاء الله على بصيرة.
– أن الغرض من تحديد جهاز مفهومي على أسس منهاجية هو ربط جسور الحوار والتواصل مع المتلقين على اختلاف مشاربهم ومرجعياتهم الفكرية والدينية والفلسفية والسياسية، تذليلا للصعوبات المعرفية والفكرية ومخاطبة لهم بما يعرفون ويفهمون وتبليغا لرسالة الله، وإقامة للحجة المطلوب إقامتها على الناس… فهو جهاز يتجنب الإقصاء ويسعى إلى التواصل والبناء.
– أن بناء جهاز مفهومي منهاجي، يتوخى تأصيل المفاهيم الإسلامية لما يترتب عن ذلك من نتائج تؤثر على العمل والأهداف والغايات.
– أن الجهاز المفهومي يؤسس لباقي المحاور التي سترد في هذا البحث، ويتقاطع معها لأن به قوام النظرية وعليه عمادها، فهو يتقاطع مع المحاور السبعة الأخرى ويتجاوب معها .
تأسيسا على ذلك تستحق نظرية المنهاج النبوي أن تحمل نعت التجديد بمعنييه العلمي والشرعي، فبالمعنى العلمي تسنى بفعل هذه الشبكة المتآلفة من المفاهيم إرساء قواعد مكينة للفهم والتواصل والحوار وتبادل التجارب العلمية المختلفة، وبالمعنى الشرعي أحيت النظرية دين الله تعالى وبعثت موعودا أخبر به نبي آخر الزمان محمد صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة، يبشر العالمين بالخلافة الثانية على منهاج النبوة يعم خيرها كل بيت مدر ووبر، ويحيى في ظلها الناس إخوة متحابين، في ظل العدل والإحسان…
- أن الواضع للنظرية هو الذي سهر على تنفيذ جوانب منها في حياة الفرد والجماعة، يراقب ويقوم ويحين ما تبقى من ركائزها مضمنة في كتب تصدر اتباعا لإتمام مشروع دولة القرآن. فهو حفظه الله المنظر والمجدد والمربي والراعي، وأن الخلافة الثانية بإذن الله وشيك تحققها على يديه. وبذلك يمكن أن نعتبر هذه النظرية مدرسة تتجاوز حدود التنظير إلى الممارسة والتطبيق.
وفي الأخير نتقدم إلى هيأة المؤتمر -مع فائق التقدير والاحترام- باقتراحين اثنين:
- منح الأستاذ عبد السلام ياسين صفة دكتوراه شرفية من لدن المؤتمر باعتباره مجددا ومفكرا ومربيا.
- تدريس نظريته في الجامعات و المعاهد والمدارس الإسلامية.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
ثبت المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.
2- أبو الحسين مسلم بن الحجاج، صحيح مسلم.
3- أبو عبد الله محمد البخاري، صحيح البخاري.
4- ابن شقرون رضوان، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية، فاس، عدد 4، 1409ه/1988م.
5- تاج الدين عبد الوهاب ابن السبكي، مجموع مهمات المتون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
6- محمد أديب صالح ،تفسير النصوص في الفقه الإسلامي، المكتب الإسلامي، ط3، 1984م.
7- المقدسي ابن قدامة، مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر، بيروت، دار القلم، 1971م.
8- ياسين، عبد السلام:
– الإحسان، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط1، 1998م
– الإسلام بين الدعوة و الدولة، المنهاج النبوي لتغيير الإنسان، الدار البيضاء، مطبعة النجاح، ط1، 1392ه.
– الإسلام غدا وحركية المنهاج النبوي في زمن الفتنة، الدار البيضاء، مطبعة النجاح، سنة 1393ه.
– إمامة الأمة، دار لبنان للطباعة والنشر، ط1، 1430ه/2009م.
– تنوير المومنات، ياسين، عبد السلام، طنطا، مصر، دار البشير للثقافة والعلوم، ط1.
– حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، الدار البيضاء، مطبوعات الأفق، ط1، 1994م.
– الخلافة والملك، دار الآفاق، ط2، 1422ه/2001م.
– رجال القومة والإصلاح، منشورات الصفاء، 2001م.
– رسالة القرن الملكية في ميزان الإسلام.
– سلسلة دروس المنهاج النبوي، شرائط سمعية.
– سنة الله، تطوان مطبعة الخليج، ط2 ،1426ه/2005م.
– الشورى والديمقراطية، الدار البيضاء، مطبوعات الأفق، ط1، 1994م.
– العدل الإسلاميون والحكم، مطبوعات الصفاء للإنتاج، ط1، 2000م.
– في الاقتصاد البواعث الإيمانية والضوابط الشرعية، ط1، 1995م.
– القرآن والنبوة، دار لبنان للطباعة والنشر، ط1.
– محنة العقل المسلم، ط1، 1994م.
– مقدمات في المنهاج، طنطا، دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية، ط2، 1995م.
– مقدمات لمستقبل الإسلام، تطوان، مطبعة الخليج العربي، ط1.
– المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ط2، 1410ه/1989م.
– نظرات في الفقه والتاريخ، البيضاء، دار الخطابي للطباعة والنشر، ط1، يونيو، 1989م.
[1] ياسين، عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ، دار الخطابي للطباعة والنشر، ط1، يونيو، 1989. ص:10.
[2] ياسين، عبد السلام، إمامة الأمة، دار لبنان للطباعة والنشر، ط1، 1430/2009، ص:160-161.
[3] ياسين، عبد السلام، إمامة الأمة، ص:161.
[4] ياسين، عبد السلام، القرآن والنبوة، دار لبنان للطباعة والنشر، ط1، ص:14.
[5] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ط2، 1410هـ/1989م ص:1.
[6] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي ص:3.
[7] ياسين، عبد السلام، الإسلام غدا وحركية المنهاج النبوي في زمن الفتنة، مطبعة النجاح الدار البيضاء، سنة 1393هـ ص:10.
[8] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي ص:25.
[9] ياسين، عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ، ص:11.
[10] ياسين، عبد السلام، العدل الإسلاميون والحكم، مطبوعات الصفاء للإنتاج، ط1، 2000، ص:16.
[11] ياسين، عبد السلام، الإسلام غدا، ص:9-10.
[12] ياسين، عبد السلام، المجلس الأول من سلسلة دروس المنهاج، شريط سمعي.
[13] ياسين، عبد السلام، الإسلام غدا، ص:9.
[14] ياسين، عبد السلام، الإسلام غدا، ص:5.
[15] ياسين، عبد السلام، الإحسان، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط1 ،1998، 2/520-521.
[16] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:51.
[17] ياسين، عبد السلام، الخلافة والملك ، دار الافاق،ط2، 1422هـ/2001م ، ص:15-16.
[18] ياسين، عبد السلام، الإحسان، مطبوعات الأفق ، الدار البيضاء، ط1، 1998م، 1/245.
[19] انظر جمع الجوامع لتاج الدين عبد الوهاب بن أبي الحسن السبكي، مجموع مهمات المتون، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع ص:132-133، وتفسير النصوص في الفقه الإسلامي، محمد أديب صالح، المكتب الإسلامي، ط:3، 1984م 1/591– 592.
[20] المقدسي ابن قدامة، مذكرة أصول الفقه على روضة الناظر، دار القلم، بيروت، 1971م، ص: 134.
[21] ياسين، عبد السلام، مقدمات لمستقبل الإسلام، تطوان، مطبعة الخليج العربي، ط1، ص: 12.
[22] د بن شقرون رضوان، إشكالية المصطلح في نقد الأدب الإسلامي الحديث، مجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بفاس عدد 4، سنة 1409/1988م .ص:87.
[23] ياسين، عبد السلام، الإسلام بين الدعوة والدولة، المنهاج النبوي لتغيير الإنسان، الدار البيضاء، مطبعة النجاح، ط1، 1392، ص:14.
[24] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج ص:5.
[25] ياسين، عبد السلام، رجال القومة والإصلاح، منشورات الصفاء، 2001، ص:8.
[26] ياسين، عبد السلام، رجال القومة والإصلاح، ص:8.
[27] مقدمات في المنهاج، ص:14.
[28] سورة البلد: 11.
[29] ياسين، عبد السلام، تنوير المومنات، ياسين، عبد السلام، طنطا، مصر، دار البشير للثقافة والعلوم، ط1، 1/14.
[30] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:53.
[31] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:16.
[32] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:49.
[33] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص:15.
[34] سلسلة دروس المنهاج.
[35] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:49.
[36] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/93.
[37] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/165.
[38] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:20.
[39] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:23.
[40] ياسين، عبد السلام، الإسلام غدا، ص:30.
[41] ياسين، عبد السلام، تنوير المومنات، 1/16.
[42] ياسين، عبد السلام، تنوير المومنات، 1/20.
[43] ياسين، عبد السلام، الإسلام غدا، ص:42.
[44] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص:15.
[45] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:23، ومقدمات لمستقبل الإسلام ص:24.
[46] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:36.
[47] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:36 .
[48] ياسين، عبد السلام، الإسلام بين الدعوة والدولة، ص:21.
[49] ياسين، عبد السلام، الإسلام بين الدعوة والدولة، ص:21.
[50] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:23.
[51] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:26.
[52] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:25.
[53] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:25.
[54] سورة البلد: 11-20.
[55] ياسين، عبد السلام، العدل، 20-21.
[56] ياسين، عبد السلام، الإسلام غدا، ص:17.
[57] ياسين، عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ، ص:11.
[58] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:38.
[59] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:39.
[60] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:49.
[61] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:23.
[62] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:25.
[63] ياسين، عبد السلام، الإسلام بين الدعوة والدولة، ص:20-21.
[64] ياسين، عبد السلام، الشورى والديمقراطية، الدار البيضاء، مطبوعات الأفق، ط1، 1994، ص:10.
[65] ياسين، عبد السلام، الشورى والديمقراطية، ص:13.
[66] ياسين، عبد السلام، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، الدار البيضاء، مطبوعات الأفق، ط1، 1994، ص:66.
[67] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 2/163.
[68] ياسين، عبد السلام، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، ص:68.
[69] ياسين، عبد السلام، الخلافة والملك، ص:74-75.
[70] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 2/164.
[71] ياسين، عبد السلام، إمامة الأمة، ص:240.
[72] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 2/164-165.
[73] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 2/162-163.
[74] ياسين، عبد السلام، الشورى والديمقراطية، ص:312.
[75] ياسين، عبد السلام، الشورى والديمقراطية، ص:44.
[76] ياسين، عبد السلام، رجال القومة والإصلاح، ص:8.
[77] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:19.
[78] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 2/500.
[79] ياسين، عبد السلام، رجال القومة والإصلاح، ص:7.
[80] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 2/501.
[81] ياسين، عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ، ص:11.
[82] ياسين، عبد السلام، رجال القومة والإصلاح، ص:41-42.
[83] ياسين، عبد السلام، العدل، 23.
[84] انظر مقالنا في الموضوع بموقع جماعة العدل والإحسان.
[85] ياسين، عبد السلام، رسالة القرن الملكية في ميزان الإسلام، ص:40.
[86] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص:9، وسنة الله، ص:290.
[87] ياسين، عبد السلام، سنة الله، تطوان مطبعة الخليج، ط 2، 1426ه-2005م، ص:300.
[88] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 2/500.
[89] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/122-123.
[90] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/123.
[91] ياسين، عبد السلام، إمامة الأمة، ص:45-46.
[92] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:346.
[93] ياسين، عبد السلام، سلسلة دروس المنهاج النبوي، المجلس الرابع.
[94] ياسين، عبد السلام، رجال القومة والإصلاح، ص:32.
[95] ياسين، عبد السلام، في الاقتصاد، ص:157-158.
[96] ياسين، عبد السلام، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، ص:79.
[97] ياسين، عبد السلام، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، ص:97.
[98] ياسين، عبد السلام، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، ص:97.
[99] ياسين، عبد السلام، رجال القومة والإصلاح، ص:26.
[100] أخرجه البخاري في صحيحه كتاب الإيمان، باب: أمور الإيمان، رقم:9، ومسلم في صحيحه كتاب الإيمان، باب: بيان عدد شعب الإيمان وأفضلها، رقم:35.
[101] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:76.
[102] ياسين، عبد السلام، مقدمات في المنهاج، ص:75.
[103] ياسين، عبد السلام، الإسلام غدا، ص:43.
[104] ياسين، عبد السلام، الإسلام غدا، ص:44.
[105] ياسين، عبد السلام، الإسلام غدا، ص:45.
[106] ياسين، عبد السلام، الإسلام غدا، ص:46.
[107] ياسين، عبد السلام، الإسلام بين الدعوة و الدولة، ص:214-215.
[108] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص:116.
[109] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص:120.
[110] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص:115.
[111] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/253.
[112] ياسين، عبد السلام، الإسلام غدا، ص:44-45.
[113] ياسين، عبد السلام، سنة الله، ص:173.
[114] ياسين، عبد السلام، الخلافة والملك، ص:13.
[115] ياسين، عبد السلام، الخلافة والملك، ص:11.
[116] ياسين، عبد السلام، محنة العقل المسلم، ص:118.
[117] ياسين، عبد السلام، محنة العقل المسلم، ص:118.
[118] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:24.
[119] ياسين، عبد السلام، سنة الله، ص:212.
[120] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 2/53.
[121] ياسين، عبد السلام، في الاقتصاد البواعث الإيمانية والضوابط الشرعية، ط1، 1995، ص:190.
[122] ياسين، عبد السلام، في الاقتصاد، ص:189.
[123] ياسين، عبد السلام، في الاقتصاد، ص:190.
[124] ياسين، عبد السلام، في الاقتصاد، ص:189.
[125] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص:250.
[126] ياسين، عبد السلام، في الاقتصاد، ص:190.
[127] ياسين، عبد السلام، في الاقتصاد،ص:191.
[128] ياسين، عبد السلام، في الاقتصاد، ص: 191.
[129] ياسين، عبد السلام، في الاقتصاد، ص: 192.
[130] ياسين، عبد السلام، في الاقتصاد، ص:196.
[131] ياسين، عبد السلام، في الاقتصاد، ص:197.
[132] ياسين، عبد السلام، في الاقتصاد، ص:190.
[133] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:202.
[134] ياسين، عبد السلام، العدل، ص: 202.
[135] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:203.
[136] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص:251.
[137] ياسين، عبد السلام، المنهاج، ص:251.
[138] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص:250.
[139] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي، ص:251.
[140] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:204. وانظر ،في الاقتصاد، ص:194.
[141] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:183-184.
[142] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:176.
[143] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:176.
[144] سورة التوبة:11.
[145] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:177.
[146] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:180.
[147] ياسين، عبد السلام، العدل، ص:23.
[148] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/17.
[149] ياسين، عبد السلام، سنة الله، ص:10.
[150] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/17 .
[151] ياسين، عبد السلام، سنة الله، ص:10 .
[152] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/18.
[153] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/29.
[154] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/18.
[155] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/20.
[156] ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، 1/ 168.
[157] ياسين، عبد السلام، تنوير المومنات، 1/168-169.
[158] ياسين، عبد السلام، القرآن والنبوة، ص:25-26.
[159] ياسين، عبد السلام، القرآن والنبوة، ص:25.
[160] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/97-98.
[161] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/11.
[162] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/81.
[163] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/80.
[164] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/8.
[165] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/138.
[166] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/138.
[167] ياسين، عبد السلام، الإحسان، 1/23 و انظر ص:94.
[168] ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، 1/168.
[169] ياسين، عبد السلام، القرآن والنبوة، ص:25-26.