القرآن الكريم مصدرا للمعرفة عند الأستاذ عبد السلام ياسين
د. حامد أشرف همداني / جامعة بنجاب- باكستان
المقدمة
الحمد لله جعل القرآن ربيع قلوبنا وبهجة نفوسنا ونور عقولنا وهادي علومنا ومدبر أمورنا ومرجع خلافنا وموئل شقاقنا وحكم ما بيننا ونظام دولتنا ومنهج أمتنا ومحار فكرنا وملجأ تائهنا وهادي ضالنا وشفاء لما في صدورنا.
الحمد لله أرسل إلينا أفضل رسله من صفوة خلقه ليبين لنا خير كتبه فأخرجنا من أحلك ظلمة إلى أوضح سبيل. ووضع لنا معالم دينه وبسط لنا شرعه فهدى إلى صراط مستقيم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده فكان خير قدوة ومنار الهدى.
ورضي الله عن صحبه الكرام وأرضاهم ذادوا عن حياض الإسلام وباعوا المهج والأرواح في سبيله كانوا جنود الإسلام حقاً وجذوره الأولى فكانوا خير القرون. وكيف لا يكونون خير القرون وفيهم رسوله وبينهم كتابه، فحيوا بالقرآن حياة طيبة وتحركوا، وأبصروا به السبيل وأدركوا. وتهذبوا به وتخلقوا وعملوا به وتأدبوا، وصلوا به وأخبتوا وبه حاربوا وسالموا وبه قاموا ونهضوا وإن شئت فقل ترقوا وتمدنوا وبلغوا ما بلغوا فكانوا بحق جيلاً قرآنياً فريداً. وكيف لا يكونون كذلك وهم يستقون من نبع القرآن الصافي ومن معينه العذب، ويتلقون أوامر الله سبحانه وتعالى لهم بالعمل فور سماعه.
ذلكم الإحساس كان يفتح لهم آفاق القرآن ويفتح لهم أبواب العلم والمعرفة. على هذا المنهج الصافي والمورد العذب والنبع النقي كانت سيرة خير القرون وقدوة المسلمين وعلى قدر صفائه ونقائه كان صفاء ونقاء قلوبهم وعلى قدر مضائه كان مضاء سيوفهم فحملوا الكلمة والسيفُ يحميها ووصلوا في سنوات معدودة ما حسبوه أقصى الأرض ولو علموا أحداً خلف ما وصلوا لخاضوا البحر إليه أداءً للأمانة وعرفاناً للحق.
سار هذا المنهج يشق له طريقاً في مسار التاريخ محافظاً على صفائه ونقائه تماماً كما يجري النهر العذب على سطح الأرض يسقيها فينبت الزرع ويروي العطش ومتعة للناظرين.
هذا المنهج كهذا النهر شق له طريقاً في أرض التاريخ ينبوعه القرآن الكريم ومصبه رضوان رب العالمين من سلكه نجا وفاز فوزاً عظيماً ومن حاد عنه هلك وخسر خسراناً مبيناً.
إن فكر الأستاذ عبد السلام ياسين يتلخص في نظرية المنهاج النبوي بدعوته إلى إقامة دولة القرآن و إعادة الخلافة على منهاج النبوة. ويصرح الأستاذ ياسين بأن المسلمين بحاجة اليوم لاكتشاف المنهاج النبوي كي يسلكوا طريق الإيمان والجهاد إلى الغاية الإحسانية التي تعني مصيرهم الفردي عند الله في دار الآخرة، وإلى الغاية الاستخلافية التي ندبوا إليها ووعدوا بها متى سلكوا على المنهاج واستكملوا الشروط. ويتأسف الأستاذ على أن بين أيدي المسلمين وفي صدورهم آيات الله يتلونها ثم لا تترجم أعمالاً. بين أيديهم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبونها ويقرأونها ويعجبون ويحنون، لكن لا يسلكون كما سلك صلى الله عليه وسلم وصحبه مسلك الجهاد الذي سما بهم إلى ذرى الإيمان والإحسان تربية ورفعهم إلى الخلافة في الأرض تنظيماً ودولة.
مشكلة البحث
إن البحث سيعالج مشكلة أساس الدعوة التي وجهها الأستاذ ياسين إلى الأمة المسلمة قادة وشعوباً فإن الدعوة إلى إقامة دولة القرآن وإعادة الخلافة على منهاج النبوة دعوة يؤمن بها كل مسلم ويدعو إليها كل قائد ولكن ماهي الأسس التي تنبني عليها دعوة الأستاذ ياسين وما تلك المصادر التي استفاد منها أفكاره؟
أهمية البحث
يُشكل موضوع المصادر أهميةً خاصَّة بالنسبة إلى التربية (المعرفية) الإسلامية؛ لأنَّه يتصل ببناء فكر الأمة، وتوجهها الحضاري من أجل إعادة بنائها أفرادًا وجماعات؛ لانطلاقها من الجذور الأصلية والاتجاهات والقيم، التي كان لها أكبر الأثر في تاريخنا.[1]
فالمصدر لغة من الصدر، وهو مقدمة كل شيء؛ أي: أصله الذي عنه يصدر. ويُمثِّل موضوع المصادر أهمية خاصَّة في النظريَّة المعرفية لأيِّ نسق معرفي، فهو حجر البناء لأي نسق؛ إذ من المصادر المعرفية تُسقى المعارف والأدلة. والموضوع يتَّصل في فكر المسلمين ببناء فكر الأمة وتوجُّهها الحضاري؛ من أجل إعادة البناء لما هُدِم، وترميم ما اهْتُرِئ، وإبداع ما يُساير العصر، انطلاقًا من الأصول الإسلاميَّة، التي زها بها التاريخُ العلمي للمسلمين، وسيرًا نحو الريادة وَفْق منهج رباني.
يعتبر القرآن الكريم البيان المصور والمفصل لكل ما يتعلق بالكون والإنسان والدنيا والآخرة… والمجيب عن كل الإشكالات والتساؤلات التي تواجه فكر الإنسان وعقله والمثير لكل القضايا التي تؤهل فكر الانسان لاكتشاف السنن. فالقرآن الكريم ما نزل إلا لحسم الهوية المعرفية للإنسان.
وقد أغنى العلماء والفلاسفة والمفكرون والباحثون الإسلاميون وأصحاب الفن والأدب الإسلاميين (ومنهم الأستاذ عبد السلام ياسين) آفاق الفكر الإنساني بالفكر والمعرفة والعطاء الإسلامي الملتزم في كل مجال وفن، واستطاعوا مناقشة ومحاكمة الأفكار والنظريات والفلسفات والمذاهب المخالفة للإسلام على أساس الكتاب والسنة وقواعد العقل، فأنتجوا ثروة فكرية إسلامية فريدة، واستطاعوا إفراز الفكر الغريب والنظريات والآراء الضالّة والمنحرفة، وشخّصوا الخطأ والصواب في النتاج الفكري فاكتمل البناء وتحدد منهاج البحث والتفكير والاستنباط والتثبيت القويم.
ومن هذا المنطلق اخترت “القرآن الكريم مصدر المعرفة عند الأستاذ عبد السلام ياسين” موضوعاً لهذا المؤتمر القيم.
أهداف البحث
يهدف هذا البحث إلى الآتي:
ـ بيان موقف الأستاذ عبد السلام ياسين من تصنيف المصادر للمعرفة.
ـ إبراز موقفه من اعتبار القرآن الكريم المصدر الأول للمعرفة.
ـ التوصل إلى أهم الأسس التي بنى عليها الأستاذ ياسين نظرية المنهاج النبوي.
منهج البحث
يعتمد هذا البحث على المنهج الوصفي الاستقرائي ويتناول هذا البحث موقف الأستاذ عبد السلام ياسين من تصنيف المصادر للمعرفة واعتبار القرآن الكريم المصدر الأول للمعرفة الإسلامية وبيان نماذج معرفية في القرآن الكريم خلال كتاباته المختلفة.
واتباعاً لتوجيه المؤتمر وتجنباً المقدمة الطويلة وتحرياً الدقة والتركيز على فكر الأستاذ ياسين باعتباره الموضوع الرئيس للمؤتمر، لا أتطرق إلى بيان مفهوم المعرفة وأصولها ومباحث أخرى قد كنت ذكرتها في الملخص المقدم إلى اللجنة وأكتفي ببيان موقف الأستاذ ياسين من مصدرية القرآن للمعرفة.
وقد قمت بتوفيق الله ومعونته بدراسة متأنية لجميع مؤلفات الأستاذ ياسين من كتب ورسائل ودواوين شعرية وحاولت إحصاء الآيات التي استشهد بها الأستاذ ياسين واستمد بها لنظرية المنهاج النبوي.
ولقد قسمت هذا البحث إلى مقدمة ومبحثين وخاتمة كما يأتي:
المقدمة
المبحث الأول: موقف الأستاذ عبد السلام ياسين من اعتبار القرآن الكريم مصدراً للمعرفة
المبحث الثاني: أهم ملامح ومظاهر موقف الأستاذ ياسين من اعتبار القرآن الكريم مصدراً للمعرفة
وهذا المبحث يحوي المطالب الآتية:
المطلب الأول: اهتمام عبد السلام ياسين بقضية الإعجاز القرآني
المطلب الثاني: الإعجاز الحضاري في القرآن
المطلب الثالث: الإعجاز المعرفي في القرآن الكريم
المطلب الرابع: القرآن الكريم المصدر الأساس للعلم والمعرفة
المطلب الخامس: الحصيلة القرآنية الواعية
المطلب السادس: قراءته الشمولية البنيوية الفاعلة للقرآن
المطلب السابع: القراءة المستقلة للقرآن
المطلب الثامن: المعرفة الكبرى “نظرية المعرفة الياسينية”
المطلب التاسع: البنية المعرفية
المطلب العاشر: الاعتماد على مصطلحات ومفاهيم قرآنية
المطلب الحادي عشر: شرح المفاهيم والتعابير شرحاً قرآنياً
المطلب الثاني عشر: كثرة الاقتباسات القرآنية
الخاتمة
المبحث الأول: موقف الأستاذ عبد السلام ياسين
من اعتبار القرآن الكريم مصدراً للمعرفة
إننا حين نتناول سيرة وفكر عبد السلام ياسين؛ فإننا نقف أمام مدرسة شاملة لتجديد الفكر الإسلامي اتخذت من حب القرآن الكريم وفهمه منهجًا للفكر والحضارة المعاصرة.. وهكذا نقف أمام مفكر عظيم اتخذ على عاتقه أن ينشر مؤلفاته وسط فترة من الظلام الحالك شهدها عصره تمثلت في إلغاء الخلافة الإسلامية وتشتت الدول الإسلامية مع صعود للعلمانية الغربية تحت حراسة الاستعمار الذي جثم على أمتنا العربية والإسلامية.
لقد قرر عبد السلام ياسين منذ البداية أن يتخذ من القرآن سلاحًا للتحدي الحضاري والمعرفي وأعلن ذلك صريحًا في قوله: “وليس لنا ما يميزنا عن شعوب الأرض عندما تقارن المقومات والوسائل إلا أننا حملة رسالة الله إلى العالم. قرآننا زادنا وسلاحنا”[2]، وقوله: “إنه طريق واحد يسمو به العبد إلى الوقوف، بل السجود، بين يدي ربه متذللاً مطيعاً باذلاً ماله ونفسه في الله، وتسمو به الأمة من كبوتها، واستعباد الأعداء لها في الأرض، و ذلتها في نفسها، وتخلفها الحضاري والاقتصادي والعسكري، إلى حيث تنال شرف وراثة من خاطبه الله في هذه الآية من سورة المائدة[3] بأن يحقق هيمنة القرآن على كل فكر، وأمـر الله على كل أمـر،
وحاكمية الله على كل حاكمية”[4].
ولقد شغلت قضية كون القرآن الكريم مصدر المعرفة بكل جوانبها عبد السلام ياسين وتناولها في عدد من كتاباته المندرجة تحت عنوان دولة القرآن وخصص كتابًا بعنوان: (القرآن والنبوة)، وفى هذا المبحث الموجز نتناول قضية مصدرية القرآن الكريم للمعرفة عند عبد السلام ياسين كأحد أوجه الإعجاز الرئيسية في القرآن الكريم، والتي تمثل التحدي الحضاري للغرب المادي، انطلاقًا من قاعدة أن القرآن الكريم صالح لكل زمان ومكان، وأنه يحل مشاكل وقضايا الإنسان المعاصر وكأنه نزل لأهل هذا العصر دون سواهم..
ولقد أثبت عبد السلام ياسين عجز المدنية الحديثة أمام القرآن من عدة وجوه أهمها: أن القرآن الكريم نزل من عند الله تعالى، ولذلك فإن دساتير القرآن وقوانينه آتية من الأزل فهي باقية إلى الأبد، لا تهرم كما تهرم القوانين المدنية، كما أن دساتير القرآن وقوانينه جاءت لتوازن بين متطلبات الروح والجسد وهى القضية التي فشلت فيها جميع الأنظمة الأرضية.
المبحث الثاني: أهم ملامح ومظاهر موقف الأستاذ ياسين
من اعتبار القرآن الكريم مصدراً للمعرفة
إن الأستاذ عبد السلام ياسين يدعو إلى إقامة دولة القرآن و إعادة الخلافة على منهاج النبوة ويؤكد أن الله أرسل محمداً عبده ورسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأنزل عليه القرآن هدى للناس وكتاباً مبيناً، فأعجز هذا الكتاب العربيّ الخالد بُلغاءَ الدنيا وفصحاءها، وقامت على هداه حضارة انسانية عالمية ملأت ربوع الأرض عدلاً ونوراً وسمواً، وستبقى آيات القرآن مصدراً لكل خير وسعادة حتى تقوم الساعة.
وفيما يلي بيان لأهم ملامح ومظاهر من كتب ورسائل الأستاذ ياسين والتي تدل على موقفه الصارم من اعتباره القرآن الكريم مصدراً للمعرفة. ومما ينبغي الالتفات إليه أن الأستاذ ياسين يجعل قضية الإعجاز القرآني أساساً لكونه مصدر المعرفة ولذلك أحببت أن أبدأ هذا الحديث عن اهتمام عبد السلام ياسين بقضية الإعجاز الحضاري والمعرفي في القرآن. فإن من أبرز أوجه الإعجاز عند الأستاذ عبد السلام ياسين الشمولية الخارقة للقرآن في كل شيء ألفاظه ومعانيه وأسلوبه وأيضًا شمولية جامعة وخارقة في علومه ومعارفه، فقد جمع القرآن المباحث الكلية لما يخص الإنسان ووظيفته، والكون ومكوناته وخالقه، والأرض والسماوات، والدنيا والآخرة، والماضي والمستقبل، والأزل والأبد، فضلاً عن مباحث مهمة أساسية ابتداء من خلق الإنسان من نطفة إلى دخوله القبر، ومن آداب الأكل والنوم إلى مباحث القضاء والقدر الشمولية المطلقة لمقاصد القرآن ومسائله ومعانيه وأساليبه ولطائفه، واجتماع هذه الأجناس المختلفة الكثيرة في موضع واحد من دون أن ينشأ منه اختلال نظام أو اختلاط وتشوش دليل آخر على إعجاز القرآن.
المطلب الأول: اهتمام عبد السلام ياسين بقضية الإعجاز القرآني
شغلت قضية بيان إعجاز القرآن الكريم بوجوهه المختلفة عبد السلام ياسين مبكرًا واعتبرها من القضايا
الرئيسية لمشروعه الفكري والحضاري، ولعل ما يؤكد الاهتمام المبكر للأستاذ ياسين لقضية الإعجاز إدراكه أن العالم الإسلامي في صراع عنيف مع أعدائه ففي الوقت الذي يدعو فيه الأستاذ ياسين إلى الدفاع عن بلده الإسلامي بالسلاح، لايغفل سلاحًا مهمًا هو القرآن الكريم؛ لأنه يدرك أن الهجوم على العالم الإسلامي ليس مجرد هجوم عسكري، وإنما هو هجوم عقدي وحضاري. إلا أن نظرة عبد السلام ياسين للإعجاز القرآني مختلفة، لا يقف عند الإعجاز اللغوي كما نجده عند جمهور المفسرين الذين يستنطقون لغة القرآن، ويقفون على أسرارها الكامنة في دقة النظم، وحسن الاختيار، وجودة التصوير، وروعة البيان فحسب، بل يتعداه إلى إبراز الإعجاز الكامن في المعاني، واستخراج المقاصد المتوخاة منه والكامنة فيه. ونذكر هنا قولته المشهورة: “نأمل أن لا نتيه بين أساليب الكلام ومصطلحاته، وأن يكون استمدادنا العلم القرآني والهدي النبوي أصلاً ثابتاً يحصننا من الضياع، دون أن يحجب عنا حكمة الله في آفاق الكون وتسلسل التاريخ”[5]، ويصرح بذلك في قوله: “في طريقنا إلى دولة القرآن، وفي خطوات دولة القرآن نحو مجد الإسلام، لا دليل لنا في المهمات، وفي تحديد الأهداف والغاية، إلا كتاب الله عز وجل كما طبقته سنة رسوله عليه من الله الصلاة والسلام”[6].
ونراه يؤكد إعجاز القرآن في خلود معانيه بقوله “لا تحسبن أن الهجرة والنصرة معنيان قاما بجماعة الصحابة ثم ذهبا، كلا! فإن معاني القرآن الكريم خالدة، فعلينا أن نبحث عن مناط حكمي الهجرة والنصرة في واقعنا الفتنوي، فإذا حددنا من هو المهاجر، وما هي الهجرة والجهاد، وحددنا ما هي النصرة والإيواء، اتضح لنا كيف ننـزل تلك الأحكام على مجتمعاتنا وفئات الناس فيها.
ليست الهجرة والنصرة حركتين تاريخيتين انتهتا، المهاجر من هاجر ما حرم الله كما جاء في الحديث، والهجرة قطع لما بينك وبين ماض بعيد عن الالتزام بالجهاد، والنصرة بذل وعطاء وانتصار لقضية الإسلام”.[7]
المطلب الثاني: الإعجاز الحضاري في القرآن
ينطلق عبد السلام ياسين دائمًا في بيان أوجه إعجاز القرآن من قاعدة الصراع الدائر في عصره وفى عصرنا هذا بين الفكر الإسلامي والفكر المادي بكل أشكاله وألوانه، ومتخذًا من القرآن الكريم سلاحًا يشهره للدفاع عن الإسلام، مؤكدًا أن القرآن جاء لينقذ البشرية الحائرة المضطربة، وأن معجزة القرآن أنه يتجدد بتجدد الزمان وكأنه نزل لأهل هذا العصر يقول عبد السلام ياسين: “في انتظار أن تخـفق بنود العز الإسلامي على هامة الزمان، نتخذ أسباب القوة ابتداء من تأصيل المفاهيم الإسلامية في معينها: الوحي. وينبغي أن يكون واضحاً لدينا، مستقراً في أذهاننا أن شأننا المصيري مرتبط بتمسكنا تمسكاً كلياً بما هو الحق والهدى والخير والمعروف”[8].
لقد آمن عبد السلام ياسين برسالة القرآن الحضارية المعجزة لكل البشر في القديم والحديث موضحًا أن المعرفة الإيمانية من القرآن الكريم معجزة متجددة؛ لأنه الخطاب الأزلي إلى جميع طبقات البشر. ونراه يؤكد أن عمارة الأرض واجب ديني والنشاطات الحضارية على اختلاف أنواعها من احتياجات البشر وقد نزل به القرآن الكريم لأنه الخطاب الأزلي إلى جميع طبقات البشر. ويصرح بذلك في قوله: “إن أصلنا كتاب الله، وإن عمارة الأرض واجب فرضه الله على الأمة المستخلفة في الأرض. فالباعث الإسلامي على النشاط الاقتصادي باعث ديني، من صميم الدين. والقوانين التي توجه هذا النشاط شرع منـزل. قال الله تعالى يحكي رسالة عبده ورسوله صالح عليه السلام إلى المسلمين : “هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها، فاستغفروه ثم توبوا إليه. إن ربي قريب مجيب”(هود: 61).
استعمركم في الأرض : طلب إليكم أن تقوموا بعمرانها، فإن أطعتم فهي عبادة. عبادة اقتصادية متفقة في اللفظ والمعنى وإن كانت مختلفة في الشكل والوسائل مع عمران آخر، هو عمارة المسجد. قال الله عز وجل: “إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش الله فعسى أولئك أن يكونوا من المفلحين”التوبة:18. عمارتان أختان، كلاهما عبادة، ليرزق الجن والإنس والبهيمة، والوحش، والطير، وكل الخلق”.[9]
المطلب الثالث: الإعجاز المعرفي في القرآن الكريم
يوضح عبد السلام ياسين في كتبه أن القرآن الكريم قد فاق مناهج الصوفية والمتكلمين والفلاسفة في الوصول إلى معرفة الله تعالى، ومع أن منهجي الصوفية والمتكلمين قد تفرعا من القرآن، إلا أنهما قد أفرغا في صور شتى، وأصبحا منهجين طويلين ذوى مشكلات، أما منهج القرآن الذي يعلنه ببلاغته المعجزة، فلا يوازيه طريق في الاستقامة والشمول، فهو أقصر طريق وأقربه إلى معرفة الله تعالى، وهو أشمل للإنسان.
فنراه يقول: “لست أدعو إلى التصوف، ولا أحب الاسم والشكل لأني لا أجدهما في كتاب الله وسنة رسوله بعد أن اخترت جوار القرآن والجلوس عند منبر الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم. لا، ولا حاجة لي بالمصطلحات المحدثة، فلي غنى عنها بلغة القرآن وبيان إمام أهل الإحسان”.[10]
ويقول: “وكتاب الله هو الحبل المتين، هو الذكر الحكيم، فتربية جند الله ترتكز على الاستمساك بهذا الحبل، بهذه العروة التي من تمسك بها نجا. ثم بعد النجاء من هذيان العالم يتبطن في القلب حب الله حتى يصير القرآن خلقنا ورائدنا.
تنظيم جند الله يجعل القرآن محور العلم، ويجعل ما إلى ذكر الله من تدارس للقرآن، وفهم له، وإعداد الفكر الإسلامي الذي يحررنا من هذيان الجاهلية وفلسفتها ونظرياتها الإيديولوجية، مطلباً أساسياً.
وبعد قيام الدولة الإسلامية يصبح القرآن، وعلومه، وما تفرع عنه من حكمة مادة الثقافة والتعليم والإعلام، ليصطبغ المجتمع كله بصبغة القرآن، صبغة الله، ومن أحسن من الله صبغة؟ وتكون العلوم الكونية التي يبزنا فيها اليوم الجاهليون مستنيرة بنور القرآن خادمة لأهدافه.
القرآن ذكر يربي الإرادة، والقرآن شريعة تضبط علائق التنظيم، والقرآن دستور للحكم والعلم وتغيير العالم.
من هذيان ما قبل الإسلام، وهو حديث الفكر المادي الجاهلي وفلسفاته ونظرياته الإيديولوجية، إلى لغة القرآن، أعني لغة اللسان والقلب والإيمان”.[11]
وتستمد هذه الشمولية في المنهج المعرفي عند عبد السلام ياسين مصدرها من تصوره لمصادر المعرفة؛ فهو يؤكد أن ما يعرّف لنا ربنا ثلاثة معارف: الكتاب المقروء، وهو القرآن الكريم، والكتاب المنظور، وهو الكون، والآية الكبرى لهذا الكتاب العظيم وهو محمد صلى الله عليه وسلم.
“إننا إذ نفتتح الحديث عن دولة القرآن لا نستغني عن تفقد ما زرعه الجاهليون ويزرعه وكلاؤهم من سموم وأشواك. وإننا إذ نريد تأسيس معرفتنا على الكتاب والسنة لا نستغني عن الالتفات لمن ينادون بقطع الصلة بيننا وبين كل ذلك إلا باعتبار القرآن “خطاباً” عربياً، واعتبار النبوة عبقرية عربية، واعتبار ظهور الإسلام تاريخاً قومياً مجيداً. أفرز كل ذلك، في اللحظة المناسبة الحتمية، تاريخٌ اضطرب في أحشاء العرب، حملته الرحم القومية، وحضر عملية الولادة وأشرف عليها عبقري من بني جلدتنا. فأي حاجة مع هذا للبناء الفوقي الإيديولوجي المتمثل في الألوهية والنبوة والوحي ؟!”[12]
ويؤكد على صياغة المعرفة بالكيف الإسلامي بقوله: “وإنه لضروري صياغةُ معرفة بالكيف الإسلامي لإنجاز ما عندنا من غاية وأهداف، صياغة تأخذ في اعتبارها أمسنا الممجد، وغدنا المتألق بوعد الله ورسوله، وحاضرنا المرهون في يد أعدائنا. ويرجى أن تكون هذه الصياغة ملتقى في العقول لقدر الله المتمثل في التاريخ وشرعه المنـزل المصون. ويرجى بعدئذ أن تتوحد النظرة، ويتوحد على إثرِها منهاج العمل وبرامجه، فيكون غدنا ابتكاراً إسلامياً لا تقليداً للجاهلية يلفق من شعارات التراث ستارة يتم وراءها اغتيال الإسلام”[13].
المطلب الرابع: القرآن الكريم المصدر الأساس للعلم والمعرفة
لم يكن عبد السلام ياسين ينظر إلى القرآن على أنه كتاب مقدس يتبرك بتلاوة آياته فحسب، بل ككتاب طوى بين دفتيه أسرار الكون والكائنات، لا سبيل إلى معرفة الكون المسطور إلا من خلال الكون المنظور، والعكس صحيح. لذلك لم يكن للأستاذ ياسين مصدر يعتمد عليه، ولا مرجع يستند إليه، ولا أستاذ يتلقى منه إلا القرآن الكريم، في كل ما يعرض له.
لقد أكد الأستاذ ياسين مفهوم وحدة العلوم، وبيّن أن القرآن هو المصدر الأساس للعلم والمعرفة، وأن العلوم الاجتماعية والإنسانية والطبيعية تنبثق من مشكاة القرآن الكريم، وترتكز على وجه التحديد على أسماء الله الحسنى.
“فتوبتُنا إلى الرحمان، وتسميتنا لدولة القرآن، لا يصحان لنا إلا بهدي القرآن، علوم القرآن. منه ننطلق، وإليه ننتهي. به تُطَبُّ القلوبُ، وبه تهذَّبُ الأخلاقُ، وفي مدرستِه تُطْبَعُ كلُّ العلوم لتأخُذَ صبغةَ الله، وتجَنَّدَ لخدمة دين الله. الحق الذي جاء به القرآن هو معيارُ كل القيم”.[14]
ونراه ينقد الوضع المعكوس في النمط التربويّ التعليمي السائدِ في بلاد الجاهلية، المستورَدِ إلينا، بل المفروضِ علينا فيقول: “يَصعُب على الغافلين عن ربهم أن يتصوروا نظاماً تربوياً تعليمياً برنامجه القرآن، ومضمونه القرآن، وأهدافه القرآن، ومنهاجُه السنة وعمل النبوة. كيف نُدْخِل في الإسلام لغة ملوثة بمعاشَرة اللغات؟ كيف ندخل للإسلام علوم الرياضيات، والفيزياء، والكيمياء، والتكنولوجيا، والتاريخ؟ كيف وكل هذه العلوم طُوِّرَتْ في حظيرةٍ لا تدين لله بدين، ولا ترجو له حساباً؟ ثم كيف نربطها بالقرآن ونفرعها عنه وقد شبَّت وشاخت في أحضان قوم لا يومنون بالقرآن، ولا برسالة القرآن، فهي في ذاتها الأصلُ في تقدير الفكر المادي العريق في معرفة الوسائل المُبْعَدِ عن معرفة الغاية ؟
يصعُب ربطُ العلوم الكونية بعلم الحق على مَن له فكرٌ وقلبُه مطموسٌ مطبوعٌ عليه من الكافرين، وعلى مَن إسلامُه الفرديُّ في واد، وهمومُه وفكرُه وأهدافُه في واد. إنما يتم ربطُ الوسائل بالغاية، ربطُ علوم الكون بالقرآن، ربطُ استنباط العقل بالوحي المنْزل، على يد، وفي كيان الشخصية المومنة التي انجمع لها وفيها أشواقُ القلب ومحابُّه مع قدرات العقل واليد في محجة واحدة، على صراط الله المستقيم، دليلها المكتوب القرآن، وحجتها سنة النبي الهادي عليه من الله أفضل الصلاة وأزكى التسليم”.[15]
المطلب الخامس: الحصيلة القرآنية الواعية
لقد دخل الأستاذ ياسين في الصراع الحضاري والثقافي مع المدنية الغربية بحصيلة قرآنية واعية، فجعل القرآن يدافع عن نفسه، ووظّف حقائق القرآن ومعارفه الناصعة في سحق أسس الحياة التي تقوم عليها المدنية الغربية، فأثبت فشلها، وبيّن عدم قدرتها على قيادة مركب البشرية، بل أثبت أنها قد ضللت البشرية وموّهتها عن رؤية الحق والحقيقة. لقد كان الأستاذ ياسين في هذا يتكلم بلسان الواقع وبحاله المؤسف حين تركت الأمة شرعة الله ومنهاجه، وحذت حذو الغرب شبراً بشبر وذراعاً بذراع. وكان كلامه دعوة صريحة لاستدعاء القرآن الكريم إلى عالم الواقع الحياتي والمعرفي، ليكون المرجعية العظمى للأمة في تصحيح عقيدتها وثقافتها، وإقامة حضارتها ومدنيتها. وعرض بكل قوة وجرأة القرآن بديلاً حضارياً ومعرفياً، ومنهجاً حياتياً لا تصلح حياة البشر إلا بهدايته. ولذلك تراه عقد عدة مقارنات تثبت ذلك، في كتبه المختلفة منها: الإسلام والحداثة، الخلافة والملك، الشورى والديموقراطية، حوار مع الفضلاء الديموقراطيين، حوار مع صديق أمازيغي، الإسلام والقومية العلمانية، الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية.
فمعظم كتاباته وأفكاره هي في ظل القرآن ومن وحي القرآن، فهو يستلهم القرآن ويناجيه، ويستنطقه ويحاكي به الكائنات، ويكتشف أسرارها وأسس نظامها، والقرآن عنده نظام محكم بنيويّ وظيفيّ، أجزاءه تمثل وحدة متكاملة تؤدي رسالة كليّة.
لذلك فقد سَلِمَ هذا الشيخ الجليل من عيوب التعضية والتفتيت، واستطاع أن يحافظ على الصورة المتكاملة للقرآن الكريم، وبهذا استطاع أيضاً أن يسلم من مشكلات التعطيل للقرآن، فالقرآن كله فاعل متحرك، وليس فقط آيات التشريع التي تقارب 6% من آيات القرآن أو آيات الحدود التي تقارب. 7% منه، إن القرآن عنده كتاب هداية وسلوك ومعرفة وعمل وعبادة وذكر.
“إن القرآن الكريم كتاب الله فينا، كتاب هُدى ويقين، ونور، وحكمة، وتبيان، وتعليم، وبشارة، ونذارة، وتشريع، وبركة. هو حبل الله فينا”.[16]
ونراه يحث أيما حث على التربية القرآنية في مواضع كثيرة من كتبه: “لا يكمل للعالم الواعظ المفتي المجادل عن الدين كمال في العلم ما لم تتوسع حصائله من منقول ومعقول. ما لم يكن القرآن الكريم والسنة الطاهرة مستقر لحقائق يقينه مستودعاً، وما لم يكن رياضها لتفكره واعتباره واستنباطه وفقهه ووعظه واتعاظه مرجعاً ومرتعاً”.[17]
ويقول في موضع آخر:
“ودواء دائنا في القرآن ودولة القرآن. ودولة القرآن إنما تستحق الاسم إن اتخذنا القرآن إماماً، كل القرآن، في كل المجالات، فإن الضلالة لا توافق الهدى”.[18]
المطلب السادس: قراءته الشمولية البنيوية الفاعلة للقرآن
فهو يهتدي بهدي القرآن، ويستلهمه من وحيه، وقد أدت به هذه القراءة إلى إحسان النظر في الوجود والمعارف، والكون والمخلوقات، ووصل إلى النتيجة التي يصلها من يقرأ القرآن بعمق، وهي توأمية القرآن والكون.
هناك كتابان: الكتاب المقروء والكتاب المنظور، وكلاً منهما يفهم من طريق الآخر، وكلاً منهما يؤدي رسالة في تحقيق المعرفة الكبرى وهي معرفة الله.
فالكتابان متكاملان متفاعلان، يستحيل عليك أن تقرأ القرآن دون أن يلفت نظرك إلى عظمة الكون بمخلوقاته وأركانه المختلفة، إن كلاً من الكتابين يقرءان بنور العقل المنبعث من القلب والوجدان، وهنا سلم الشيخ من الثنائيات الزائفة. ثنائية “العقل والوحي”، أو ثنائية “النقل والعقل”. فهذه المصادر -إن كانت كلها مصادر للمعرفة- لكتاب واحد مفرد ومنظور تؤدي وظيفتها المعرفية الكبرى في تحقيق الإيمان الكامل.
“فالعلم علمان: علم بالله، وبغيب الله، وبرسل الله، وبكتب الله، وملائكة الله، وقدر الله، ومصير الإنسان في الدار الآخرة إلى الله. وعلم آخر عن كون الله، وخلق الله، وما أودعه الله في أرضه وسمائه من أسرار، وما رتب سبحانه من أسباب، وما سخر سبحانه للإنسان تسخيرا طبيعيا، وما جعل لتسخيره أسباباً على الإنسان أن يُرادف التجارب، ويجمع المعارف، ويَخترع المناهج، ويصطنع الآلات لتوفيرها.
علم بالله وبغيب الله مصدره الوحي لا مصدر له غيرُه. وآلة تلقيه القلب المومن ينير العقل الراجع من تأملاته كليلاً يتتلمذ على الوحي. وعلم بكون الله آلته العقل المُشاع بين بني الإنسان مؤمنهم وكافرهم”.[19]
ويرى الأستاذ ياسين بأن القرآن برهان على العقل ويؤكد على ذلك في مواضع كثيرة من كتاباته المختلفة منها قوله:
“معنى كون القرآن برهاناً كما قال الله تعالى، ومعنى كونه نوراً مبيناً،[20] أن كلام الله هو المرجع، به يبرهن على الهدى والضلالة، على الصلاح والفساد، على إصابة العقل وخطئه، على سلامة الفهم وعلته”.[21]
المطلب السابع: القراءة المستقلة للقرآن
إن انفتاحه على القرآن، واستمداده منه وتحرره من إسار النظر السابق أو الانتماء المذهبي أو إنقاذه من إسقاط الرؤى الخارجية عليه. فقد تحرر الأستاذ ياسين من النظرة التي انطلقت من اتخاذ “القرآن عضين”، فكانت مجزأة غريبةً على القرآن بعيدة عنه.
لذلك سَلِمَ من العيوب التي اصطبغ بها فلاسفة المسلمين أو علماء كلامهم، أو أتباع فرقهم الذين اتخذوا جوانب مفتتة من القرآن الكريم، فأصبحت علومهم موحشة، جافة القلب والعقل، فقدت حلاوة الإيمان وطلاوة القرآن، لقد كان الشيخ ينظر بعين البصيرة، لاعين التقليد.
لم يكن من الذين “يرون ما يعتقدون” بدلاً من أن “يعتقدوا ما يرونه”. فنراه يجعل الأصل القرآني مبدأً لفكره ومنهاجه “أصل قرآني جعلناه مبدأ موجهاً هو”اقتحام العقبة” في قوله تعالى: “لَقَدْ خَلَقْنَا الانْسَانَ فِي كَبَد، أَيَحْسِبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَد يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُّبَدا. أَيَحْسِبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحد أَلمْ نَجْعَل لَهُ عَيْنَيْنِ، ولِساناً وشَفتَيْنِ، وهَديْناهُ النَّجْدين فلا اقْتَحمَ العَقَبة” (البلد: 4-11). [22]
ونراه يؤكد بوضوح أن القرآن صالح لكل زمان ومكان فهو كتاب حي يضمن الحيوية لأمته فيقول: “وما فقد القرآن حيويته الأولى التي دفعت ووجهت أمة القرآن لجلائل الأعمال. إنما خمدت إرادة الجهاد في نفوس أجيال لم ترب على الإيمان فأخلد بها دين الانقياد إلى أرض الخمول. والقرآن لا يزال هو كلمة الله الأخيرة الكاملة للجان والإنسان. تتضمن خير الإنسان والجان دنيا وأخرى. لا تحتاج لزيادة ولا تعديل. وقومة الإسلام لا يمكن أن تنطبق عليها هذه الصفة إن استعارت من خارج القرآن ورسول القرآن مبادئ وأهدافاً. وكما أن القرآن نزل حياً على أمة حية تجاهد، وتنتصر، وتبني، وتعاني، وتصبر، ففي ثناياه بذور حياة مستجدة، وجهاد مستجد، ونصر مستجد. كما أن القرآن وجَّه التربية، وتعبئة الأمة، وتأليف صفها، واتخاذ أسباب جهادها، ففيه، وهو كلام الله الخالد، أسرار التربية، والتعبئة، والتأليف، وحيلة الأسباب، وحادي الجهاد، الضرورية لقومة التجديد. إن القرآن شرع لمجتمع حي متشعبةٍ شؤونُه في الأمن،والخوف، والعطاء، والمنع، والقضاء، والحكم. فالشريعة خالدة، وأصول الاجتهاد معروفة، لإعادة شرع القرآن إلى الصدارة، والهيمنة على شؤون الأمة، تحت دولة القرآن”. [23]
ويقول في كتاب آخر: “والمنهاج النبوي يبدأ أيضاً بالانقطاع عن موارد الجاهلية فيما يرجع للعقيدة والخلق والذاتية ومنهاج العلم والعمل. ليكون الوحي مصدر فكرنا، وتكليف الله سبحانه وتعالى حافزنا للعمل، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم رائدنا”.[24]
المطلب الثامن: المعرفة الكبرى “نظرية المعرفة الياسينية”
إن المعرفة الكبرى عند عبد السلام ياسين هي معرفة الله سبحانه، وهي المعرفة التي توصل إلى الإيمان واليقين والاطمئنان. لذلك فإن مصادر المعرفة التبعية الأخرى وهي:
- 1. الكتاب
- 2. الكون: الأفاقي والأنفسي
- 3. الرسالة
- 4. الوجدان.
هي طرق موصلة إلى هذه الغاية الكبرى، لكن كان تركيز الأستاذ كبيراً على الكتابين “المسطور والمنظور” فهما ممثلان غيرهما أصلاً أو تبعاً، ويستدل منهما ومن نظمهما على الخالق الكريم.
لذلك يرى الشيخ أن اهتمام القرآن بالكون هو اهتمام نمائي وظيفي، يهتم بالأمور للوصول إلى غايتها لا إلى أوصافها وهيئاتها وخصائصها. وهناك يفترق علم الكون الإيماني، مع علم الكون المنقطع عن الإيمان سواء أكان علماً طبيعياً أم احتمالياً أو فلسفياً.
فالعلوم المنقطعة قد فقدت نمائيتها، وانفلتت في الكون مثل الطائرة أو السفينة التي فقدت بوصلتها، وهي سترى وتميّز تفصيلات كثيرة ودقيقة لكنها تفتقد الرؤية والغاية الكبرى.
“ويضل العقل الأعمى المعرض عن الوحي فلا يهتدي سبيلاً إلى الغاية الوحيدة المعتبرة على سلم الأبدية والخلود في الجنة أو النار. لا يهتدي سبيلاً إلى سعادته الأخروية وإن كان بصيراً بسبل رخائه المادي في الدنيا. ذكرت مادة “عمى” في القرآن ثلاثاً وثلاثين مرة، منها ثلاثة ألفاظ تدل على عمى الحاسة في الرأس. وثلاثون لفظة للدلالة على عمى القلب. هذه الحواس المشتركة من سمع وبصر تنغلق مسالكها وتنحبس، وتتعطل وظائفها، فيسمع السامع وهو غير سامع، وينظر وهو لا يهتدي. ذلك حين يحول كفر الكافر بينه وبين ضوئيات الوحي، ويقطع الشك مواصلاته مع مصادر السمع.قال الله عز وجل يصف حال الكافرين مخاطباً رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم: “ومنهم من يستمعون إليك. أفأنت تسمع الصم ولو كانوا لا يعقلون. ومنهم من ينظر إليك. أفأنت تهدي العمي ولو كانوا لا يبصرون” يونس: 42-43. فهؤلاء لا يسمعون الكونيات ويبصرونها. لكنهم كما وصفهم القرآن الكريم : “صم بكم عمي فهم لا يعقلون” البقرة: 17. في ميزان الحق، وعلى سلم الأبدية، ينحط عقل المعرض عن الوحي المنازع ربه على السيادة المتأله المتجبر المستكبر، إلى درجة الحيوان. سبحان الله الذي أهانه حتى أصبح يفتخر بحيوانيته، ويعتز بقرديته. قال الله تعالى يصف الصم البكم العمي الذين لا يعقلون: “ولقد ذرأنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس. لهم قلوب لا يفقهون بها. ولهم أعين لا يبصرون بها. ولهم آذان لا يسمعون بها. أولئك كالأنعام بل هم أضل. أولئك هم الغافلون” الأعراف: 179. لهم قلوب العضل الصنوبري التي تمرض من ترف الحضارة، ومآكل الشره، وضغوط هموم المدنية الصاخبة السريعة الدائرة بالإنسان الفردي في دوامة الهوس المعاشي. لكن ما لهم قلوب الفقه عن الوحي، ولا آذان الاستماع من الوحي ولا أعين الاستنارة بالوحي.
“أولئك كالأنعام بل هم أضل، أولئك هم الغافلون” الأعراف: 179. “أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم. أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفلها” محمد: 23-24. قلوب مطبوع عليها، مختوم عليها، موضوعة عليها الأقفال. أقفال هي صنعتها بعنادها وكبريائها وتفاهتها القردية. [25]
المطلب التاسع: البنية المعرفية
إذن الغاية الكبرى للمعرفة هي معرفة الله “المعرفة الإيمانية”. والوصول إلى هذه المعرفة تكون بعد إعمال الاستدلال لكافة أنواعه على ما يمكن أن نسميه: العوامل المعرفية أو المصادر المعرفية، وهي: الكون- أنفساً وآفاقاً- والرسالة، والرسول، والكتاب والوجدان. وهذه المصادر من مكونات مختلفة فبعضها مادي وبعضها معنوي، وبعضها مختلط، ولكنها كلها من موجودات هذا الكون وبالتالي فإن معرفتها أولاً ومعرفة النظام الذي تسير عليه هو الخط الأول للاستدلال الأكبر. فالمعرفة الإيمانية هي التي تصلنا بالله ورسوله. وقد صرح بذلك في كتاباته المختلفة منها قوله :
“أما نحن فالذي يصلنا بالله ورسوله إيمان بالله ورسوله وكتابه. إيمان سماوي تحتقبه القلوب”.[26]
ويرى الأستاذ ياسين أنه لاغد للإسلام إلا بعقيدة لا إله إلا الله وأخلاقية لا إله إلا الله فيقول:
“الحاضر خضم زاخر، تاريخ يعج بالتحديات. وجند الله لن يشقوا ذلك العباب إلى غد الإسلام إلا بعقيدة لا إله إلا الله، وأخلاقية لا إله إلا الله، وعقل تابع لوحي الله، ماض في تنفيذ أمر الله، على خطى رسول الله.انقطاع كلي ضروري عن تفسخ الآخرين خلقاً، وهجانتهم فكراً، وتبعيتهم حساً ومعنى. وبقدر ما تكون وصلة جند الله بكلمة الله وسنة الله أقوى، تتضاءل في أعيننا العقبات والتحديات. ويكتسب الحاضر المعقد الثقيل الوطأة على الأمة إغراء فريداً للمجاهد الذي يجعل غاية أمانيه إحدى الحسنيين.[27]
ويؤكد الأستاذ ياسين أنه لا يمكن للأمة المسلمة أن تستعيد شرفها وعزها إلا بالعودة الكريمة إلى القرآن الكريم والمنهاج النبوي فيقول:
“فتح الله بالقرآن قلوباً غلفاً وعقولاً كانت في جاهليتها في كن عن الهداية، ووضع رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجيل المبارك الذي عاش في كنفه إصرهم والأغلال التي كانت عليهم. كذلك بالقرآن يعيد الله ثاني الخلق المسلم كما بدأ أوله وكذلك بمنهاجه صلى الله عليه وسلم يضع عنا وعن كل جيل يهتدي بهدي
الوحي والنبوة ركام الذهنيات والعادات والأنانيات التي تغم النفوس والعقول وتحجبها عن نور الوحي”.[28]
ونرى الأستاذ ياسين يؤكد على ضرورة اللجوء إلى علم الحق وعلم الغاية المكسوفَة شمسُه في مجتمعاتنا فيقول:
“والعلم الغائب غياباً مُطلقاً في مجتمعات الجاهلية، المكسوفَة شمسُه في مجتمعاتنا هو علمُ الحق، علمُ الغاية، علمُ مصير الإنسان، علمُ الشريعة التي عليها يُسلك لسعادة الأبد، علمُ المنهاج النبوي الذي تُرَتَّبُ به الشريعة في المكان والزمان والأقضية وتُطَبَّقُ. ذلك العلم مكسوفةٌ شمسُه في سماء غفلتنا لا في حقيقه وجوده وحفظه من لدن حكيم خبير حفيظ عليم”[29]
المطلب العاشر: الاعتماد على مصطلحات ومفاهيم قرآنية
نرى الأستاذ ياسين يتخذ القرآن رائد فكره في اتخاذ المصطلحات والمفاهيم بدلاً من مصطلحات رائجة فيستخدم مصطلح عمران بدلاً من الحضارة[30] ومصطلح القومة[31] بدلاً من الثورة ونراه يفضل كلمة منهاج القرآنية[32] على كلمة المنهجية. ويرى الأستاذ أن من آكد ما يجب على المفكر المسلم أن يتميز بألفاظه في هذا المجال الفكري المشرك، ويرى الأستاذ أن هذه الكلمات الجديدة السارية في لسان العصر الفاظ مشحونة بتيار جذاب، فيقول:
“إن هذه الكلمات الجديدة السارية في لسان العصر، المترجمة إلى العربية، مثل تقدم، تخلف، حضارة، اقتصاد، حرية الخ ألفاظ مشحونة بتيار جذاب. إنها تتجلى للفكر بمجلى الأشياء والمعاني الإيجابية. ولا يزيدها الغموض الذي يصحبها عندما تستعمل في الجدل والنقد والمطالبة إلا قدرة على الإغراء.
وإن من آكد ما يجب على المفكر المسلم أن يتميز بألفاظه في هذا المجال الفكري المشرك، في سوق الخطاب السياسي الحضاري الفكري الذي يعج بهذه المصطلحات المستحدثة التي تجر من ورائها تاريخ بلاد نشأتها، ونكهة تلك الأرض ولونها وروحها”.[33]
ولذلك نراه يستبدل كلمة المنهجية بكلمة المنهاج القرآنية في كتابه المنهاج النبوي فيقول: “كلمة “منهجية” التي تترجم معنى أجنبياً تفيد تنظيم أفكار موجهة وطرائق عملية لاستنباط فكري أو تحليل علمي أو تطبيق في حياة الناس. ونفضل كلمة “منهاج” القرآنية النبوية لندل بها لا على وساطة المنهاج من حيث كونه جسراً علمياً بين الحق في كتاب الله وسنة رسوله وبين حياة المسلمين فقط، بل لنربط به معاني التمسك الصارم بأمر الله في كتابه، ومعاني الاتباع لسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في السلوك الفردي والجماعي، الخاص والعام، النفسي والخلقي واليومي، العبادي والاجتماعي، السياسي والاقتصادي، الرباني في كلمة واحدة”.[34]
ويصرح بمصطلح القومة الذي استمده من القرآن الكريم ويستشهد له بقومة الرسول صلى الله عليه وسلم في قومه “وإنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لِبَداً” (الجن: 19) وبقومة الشاهد التي يدعو إليها القرآن الكريم في قوله تعالى: “كونوا قوامين لله شهداء بالقسط” (المائدة: 9) وبقومة إلى الصلاة والإحسان … يقول: “بعد هذا نُجمل مضمون “القومة” ومنهاجها في سبع نقط أصلها ثابت في لفظ القرآن ومعناه، وتستقي المادة العملية من النموذج النبوي. صلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم. قومة الداعي تبتدِئ بقومة الرسول في قومه يخاطبهم بلسـانهم على الرفق لا على العنف…إلخ” [35]
ويعلل لذلك في كتابه الإحسان: “أتحاشى أن أستعمل كلمة “ثورة” لكيلا أوافق مصطلح غيرنا، فإن الأسماء تُفيض من معانيها وحقائقها على المسميات إن اسْتُعيرَتْ. وأستعمل كلمة “قومة” للدلالة على نهوض الأمة بقيادة طليعتها من جند الله لفَرْض العدل والإحسان على الواقع الكئيب المتميز بالتخلف والاستبداد في الحكم، والظلم في القسمة، والنفور العام عن دين الله، والجهل به، والإعراض عن الآخرة وعن الله عز وجل، والاستقالة من التشريف الإلهي والتكليف الذي عين هذه الأمة لحمل رسالة الحق للعالمين.
أستعمل كلمة “قومة” موافَقَةً للقرآن الكريم ومطابقة في تسمية الانطلاقة الثانية بما سمِّيت به الأولى. أستعمل الاسم تحرِّياً من مسايرة التيار العام الذي يستهلك مصطلحاتهم كما يستهلك منتجاتهم الصناعية، فيَنْبت لحمُ فكرِه ويتكون عظمُه ويجري دمه بعناصر هي خليط من ذاته وذات غيره. أستعمل “قومة” بدل “ثورة” لأسجل اختلاف نيتي عن نياتهم واتساع أهدافي عن أهدافهم وحضور غايتي -وهو الله عز وجل- وغياب هذه الغاية في حسبانهم”.[36]
المطلب الحادي عشر: شرح المفاهيم والتعابير شرحاً قرآنياً
كما أن الأستاذ ياسين اعتمد في كتابه على مصطلحات قرآنية فإنه يؤكد على شرح المفاهيم والتعابير الرائجة شرحاً قرآنياً، فنراه يردنا لفهم الاقتصاد[37] والعدل[38] والقسط[39] والشورى[40] والجاهلية والفطرة[41] والاستخلاف والتخلف[42] والرجز[43] إلى القرآن الكريم ويبسط القول في شرح هذه الكلمات في ضوء القرآن الكريم ويستشهد بآيات وردت تحدد مفاهيم مستقيمة لها. قد تناول الأستاذ ياسين كلمة الجاهلية في مواضع عديدة من كتبه فنراه يقول:
“الجاهلية لها سمات فكرية سياسية اجتماعية يصفها القرآن الكريم ويردها إلى أربعة مظاهر: ظن الجاهلية، وحكم الجاهلية، وتبرج الجاهلية، وحمية الجاهلية. أربع خصائص ذكرت في القرآن الكريم تحيط بكليات الروح الجاهلي. وما سوى ذلك من مظاهر الجاهلية، وأخلاقها، وسبل معاشها، وطرائق فكرها إنما يتفرع عن هذه الأصول الأربعة ويتغذى منها ويستقي.
ظن الجاهلية فساد في العقيدة، وحكم الجاهلية تحكيم لاستبداد أو لاختيار العباد، وحمية الجاهلية عصبية وقومية. ونركز على تبرج الجاهلية الوارد النهي عنه في قوله تعالى مخاطباً نساء النبي عليه صلاة الله
وسلامه وعليهن رضوان الله: “ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى”(الأحزاب: 33).[44]
ونراه يفصل القول في “الشورى” ويؤكد على ضرورة الالتزام بالمفهوم القرآني للشورى بسياقه: “شروط الشورى ومواصفات أهلها. سياقٌ يعطي المعيارَ الخلُقيَّ الروحيَّ المُوَحِّدَ، إن انخرَم منه شرط كانت الشورى مجرد عارية، ومَحْض اسم على غير مُسَمّىً. سياق مجموعهُ كما جاء في القرآن الكريم يرفع الشورى إلى مستوىً آخرَ غيرِ مستوَى الديمقراطية، ويدُلّ على أنها من غير جنسِها.
كثيراً ما يستشهد الكاتبون والناطقون بقوله تعالى: “وأمرهم شورى بينهم” (الشورى: 38)، يفردونها من سياقها، ويخرجونها من بين أخواتها،فلا يُعْرَفُ مَنْ “هم” ولا يُعرف الذي “بينهم” من علائق وروابط تقرّبُ الشقة وتؤلف وتجنس. من يقرأ “وأمرهم شورى بينهم” هكذا مُفرَدة مُخرَجَة يظن أن كل جَمْـع من المسلمين تواضعوا على التشاوُر فقد دَخلوا في حِمَى العبارة القرآنية الكريمة بقطع النظر عن كل اعتبار في تكوينهم النفسي، وترابطهم أو تقاطعهم، واستقامتهم أو اعوجاجهم، وإقامتِهم للدين أو سكوتهم عن فرضه ونفله، وبذلِهم للنفس والمال جهادا أو شحِّهم وقعودِهم.
إنما تكون الشورى شورى لها حُرْمَة الاسم وحقيقةُ المعنى إن توفر في المتشاورين مجموع شروط بعضُها يكمل بعضاً، ويؤسسه، ويُسنِده، ويسبقه، ويلتفت إليه. هذه الشروط أخلاقيات في الأفراد، وعقيدة، وسلوك عملي تتداخل لتعطي للوَلاَية بين المومنين التي فرضها الله عز وجل مضمون الأخوة الجامعة ومدلولها السياسيَّ ورباطها التكافليَّ وعِمادها العَدليَّ.
سياق هذه الشروط قوله عز وجل: “فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا. وما عند الله خير وأبْقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. والذين يجتنبون كبائر الإثم والفَواحشَ وإذا ما غضبوا هم يغفرون. والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون. والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون” (الشورى: 36-39).
شروط أوَّلُها الإيمان وآخرها الانتصار على البغي. شروط تسعة بارزة في المومنين من بين شعب الإيمان البضع والسبعين، ثمرتُها الانتصـار على البغي، ومعقِد القوة فيها والحكمة “وأمرهم شورى بينهم”. فإذا أفردت الشورى من السياق وقطعتها فقد ابْتَسرتَ المسلسل فلا تحصل على نتيجة”.[45]
المطلب الثاني عشر: كثرة الاقتباسات القرآنية
لا يخفى على من ينظر في كتابات الأستاذ ياسين ورسائله أنه أكثر الاقتباس من القرآن الكريم، فلا تكاد تجد صفحة من صفحات كتبه تخلو من اقتباس قرآني فلننظر على سبيل المثال إلى خطبة كتابه تنوير المؤمنات “الحمد لله نور السماوات والأرض[46] لم يتخذ صاحبة ولا ولداً[47]، خلقنا سبحانه من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساء[48] زيادة في الخلق ومدداً.
أشهد أنه الله لا إله إلا هو الملك الوهاب، ذو الطول شديد العقاب[49]، أنذر الخلق وبشر وأهاب”[50].
ونستدل لما ذكرناه بخطبة كتابه مقامات لمستقبل الإسلام أيضاً: “الحمد لله الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يكن يعلم[51]. أبرز الخلق من وجود لعدم، وجعلهم شعوباً وقبائل[52] وأصناف أمم. وفضل على العالمين أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير من سعى على قدم. أشهد أنه الله الذي لا إله إلا هو الولي الحميد، يورث الأرض الصالحين من العبيد[53]، ويقصم كل جبار عنيد. تسبح له السماوات السبع والأرض والأفلاك، يعز من يشاء من المستضعفين ويذل من يشاء من الجبارين والأملاك. تفنى الآثار وهو باق، حتى يجمعنا يوم الحساب والتلاق[54]. يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضراً[55]، يخزى يومئذ من طغى هنا أشراً وبطراً، ويفوز من جاهد في الله مصطبراً. وأشهد أن محمدا عبده ورسوله جاء بالرسالة، وأدى أمانته حتى خرج الناس من جاهلية الجهالة. صلى الله عليه وسلم ما تلي القرآن، وانتضيت أسلحة الحديد في الحق وأسلحة البرهان”[56].
وهذا الأمر شائع في أغلب كتبه حتى أن دواوينه الشعرية من “شذرات والمنظومة والقطوف” مليئة من الاستشهاد بالآيات الكريمة والاقتباس القرآني. نذكر على سبيل المثال من ديوانه الشعري “شذرات” الأبيات التالية :
وَاسْلُكْ سَبِيلَ الأُولَى زَكَّوْا نُفُوسَهُمُ وَفِي الْجِهَادِ بِعَهْدِ اللَّهِ قَدْ صَدَقُوا[57]
بَــــــــــادِرْ لِجَمْعِهِمُ وَاقْصِـدْ لِقَصْـدِهُمُ وَاسْمَعْ لِنُصْحِهِمُ، مَا عِنْدَهُمُ مَلَقٌ[58]
وَا أَسَفِـي عَلَـــــــــــــــــــــــــــــــى زَمَــانٍ مَضَـى يَا حَسْرَتا فَرَّطْتُ [59]! وَالْعُمْرُ طَارْ[60]
وَتَكــــُــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــونُ شُـورَى بَيْنَـهُـمْ[61] فَالْحُــكْـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمُ لِلَّهِ الْعَــلـِـيْ[62]،[63]
وَقَـوَّضَ مِنْ زَرِيبَتِهِمْ حُصُـــــــــــــــــــــــــــونًا وَأَصْبَحَ جَمْعَهُمْ فِي «هَل تُحِسُّ[64]»[65]
اللَّهُ أَكْبَرُ، هَذَا الصُّبْحُ مَوْعِدُهُــمْ[66] مِـنْ بَعْـدِهِ لِضِيَـــــــــــــــــاءِ الْحَقِّ إِشْرَاقُ[67]
وفيما يلي نقتطف بعض أبياته من منظومته الوعظية والقطوف للاستدلال لما ذكرنا من كثرة الاقتباسات القرآنية في شعره:
إن أطعتَ الهوى الهـوانَ وَرِثْتَهْ الأخِــلاّء يَومهــــــــــــــــــــــــــــا في عِـداء[68]
لك يا تـــــــــــــــــــارك الصـلاة وقـوف وَقْتَ تُبْلَــى سَــــــــــــــــــــــــــــرائرُ الخَلْـقِ[69]
يوخَذُ العبد بالنـــــواصي[70] حسيراً مُقْنِعَ الرأسِ[71] لا يــــــــــــــــــــــــــــزايِلُ صَمْتـه
ثــم يُلْقَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى إلـيـه مِــن خلــــــــــــــــــــــــــــف ظهر[72]صَكُّـه [73]
أعْطِ حقَّ المسكينِ وابنِ سَبيلٍ[74] وجهــــــــــــــــــــــــــــادٍ على الجهــاد أعَنْـتَه
لا تكن كــــــــــــــــــــــــــــــــانِزاً فتُكْـــــــــــــــــــوَى جباهٌ وجُنوبٌ[75] على نُضارٍ خزنته
إنّ يوم الميقـــــــــــــــــات فصل رهيبٌ جاءه الخَلْقُ أجمعــــــــــــــــــونَ وجئتهْ[76]،[77]
ومن أبياته في القطوف :
ومــــــــــــــا عُلِّمَ الشِّعْرَ سيِّدُنـــــــــــــــــــــــــــــــــا ومَــــــــــــــــــــــــــــــــــــا ينبغـــــــــــــــــي للنـبي الهاشِمِي[78]
عليــــــــــــــــــــه مـنَ الله أوْفَــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــى صلاة وأزكـــــــــــــــــى ســــــــــــــــــــــــــــــــــلامٍ ندٍدائمِ[79]
هكذا كــــــــــــان حريصـــــــــــاً بنـــــــــــــــــا ولــــــــــــــــــــــذا سُمِّي الرؤوفَ الرحيــــــــــــــــــــــــــــــــــمْ[80]
قال: “يــــــــــــــــــــا رب تَرَفَّقْ بـمـــــــــــــــــــن وليَ الأَمْرَ بقلب سليــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــمْ”[81]
ألم تـرَ أن الله أعطـــــــــــــــــى محمَّــــــــــدا كتابـــــاً عزيــزاً جاء بالحــق يصــــــــــــــــــــــــــــــــــدعُ[82]
ليحْكُـمَ بين الناس فيما يرى لهم وحـيٍ، يُريه الله حقــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــاً[83] فيتْبـــعُ،[84]
إن إبراهيم أُمَّةٌ قانِتٌ خاشع مطيعْ حارب الشرك جاهداً في سبيل الرب الرفيعْ[85]
شاكراً أنعُمَ الذي اجْتباهُ من الجميعْ وهداهُ صراطَه مستقيمـاً،[86] نعم الصنيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــعْ![87]
فنظراً في دواوينه الشعرية يمكن القول بأن القرآن الكريم ترك آثاراً بالغة في شعره حيث لا تكاد تجد قطوفاً شعرية تخلو من اقتباس قرآني أو معنى مستمد من القرآن الكريم. وإضافة إلى كثرة الاقتباسات القرآنية في كتاباته ودواوينه نجد الأستاذ ياسين يكثر الاستشهاد بالآيات القرآنية في جميع مؤلفاته.[88]
ويمكن أن نصل إلى النتيجة بأن الأستاذ عبد السلام ياسين رجل قرآني أسس فكره على تعاليم القرآن وتوجيهاته ويتمركز القرآن جلياً في نظريته: نظرية المنهاج النبوي فمصدر استمداد نظرية المنهاج النبوي الأساس، هو القرآن الكريم الذي تبوأ المنـزلة العليا في صياغة هذه النظرية مبنى ومعنى، تأصيلاً وتنـزيلاً، ويحق له أن يقرر بإلحاح، أن تجديد الفهم لما يجري حولنا في العالم، لا يكون إلا بالاستناد إلى القرآن الكريم، إطاراً مرجعياً في معرفة الوجود والحياة، ومنهجاً للتغيير عقيدة وشريعة ومعرفة، منه ننطلق وإليه ننتهي، فهو معيار كل القيم وميزان كل المعارف.
وهكذا اتخذ الاستاذ ياسين القرآن الكريم مرجعاً تأصيلياً يستهدي به في معالجة مختلف القضايا في تفاصيل نظرية المنهاج النبوي، ومعياراً تقويمياً في مراجعاته الفكرية للتراث الإنساني عموماً والتراث الإسلامي خصوصاً.
الخاتمة
وتتضمن ما يلي:
أولاً: نتائج البحث
– إن القرآن الكريم كان هو وحده معلم الأستاذ ياسين ودليله، لا يغادره إلى غيره، لذلك نراه يجعل الأصل القرآني “اقتحام العقبة” مبدأً لفكره ومنهاجه.
– أكد الأستاذ عبد السلام ياسين على أن القرآن الكريم معجزة خالدة متجددة، وجاء بمنهج حضاري متفرد ومعجز أيضًا لينقذ البشرية الحائرة المضطربة.
– أن الحضارة الغربية المادية المعاصرة في أمس الحاجة للمنهج الحضاري في القرآن الكريم لينقذها من التيه والتخبط.
– يؤكد الأستاذ ياسين على أن القرآن الكريم فاق جميع النظم المعرفية في التعرف إلى الله تعالى من خلال معرفة إيمانية ذات منهج متميز.
– الشمولية المعرفية الخارقة للقرآن الكريم جمعت كل ما يهم الإنسان والبشرية في كل زمان ومكان من علوم ومعارف.
– ضرورة تحقيق هيمنة القرآن على كل فكر، وأمر الله على كل أمر، وحاكمية الله على كل حاكمية.
– المنهاج النبوي منهاج تربية وتنظيم جهادي، تعرضاً واستعداداً لإقامة الخلافة الإسلامية.
– ضرورة إقامة دولة القرآن كي تعود الأمة المسلمة إلى عزتها السابقة.
ثانياً: خلاصة البحث
– يُشكل موضوع المصادر أهميةً خاصَّة بالنسبة إلى التربية (المعرفية) الإسلامية.
– يحدد المصدر الذي تؤخذ منه الأفكار والمفاهيم والمبادئ والقيم طبيعة الفكر وهويته وخصائصه وقدرته على النمو والعطاء والتأثير والفاعلية.
– يعتبر القرآن الكريم البيان المصور والمفصل لكل ما يتعلق بالكون والإنسان والدنيا والآخرة.
– يعتبر القرآن الكريم مصدر الفكر ومنبع الفهم والمعرفة والتشريع والحضارة ومقياس الخطأ والصواب، وعلى أساسه يبني المسلمون فكرهم وحضارتهم وثقافتهم وعلومهم ومعارفهم.
– إن الأستاذ عبد السلام ياسين عبارة عن مدرسة شاملة لتجديد الفكر الإسلامي اتخذت من حب القرآن الكريم وفهمه منهجًا للفكر والحضارة المعاصرة.
– لقد شغلت قضية كون القرآن الكريم مصدر المعرفة بكل جوانبها عبد السلام ياسين وتناولها في عدد من كتاباته المندرجة تحت عنوان دولة القرآن وخصص كتابًا بعنوان: القرآن والنبوة.
– من ملامح ومظاهر موقف الأستاذ ياسين من اعتباره القرآن الكريم مصدراً للمعرفة ما يلي:
- 1. اهتمام عبد السلام ياسين بقضية الإعجاز القرآني
- 2. الإعجاز الحضاري في القرآن
- 3. الإعجاز المعرفي في القرآن الكريم
- 4. القرآن الكريم المصدر الأساس للعلم والمعرفة
- 5. الحصيلة القرآنية الواعية
- 6. قراءته الشمولية البنيوية الفاعلة للقرآن
- 7. القراءة المستقلة للقرآن
- 8. المعرفة الكبرى “نظرية المعرفة الياسينية”
- 9. البنية المعرفية
- 10. الاعتماد على مصطلحات ومفاهيم قرآنية
- 11. شرح المفاهيم والتعابير شرحاً قرآنياً
- 12. كثرة الاقتباسات القرآنية
– إن مصدر استمداد نظرية المنهاج النبوي الأساس، هو القرآن الكريم الذي تبوأ المنـزلة العليا في صياغة هذه النظرية مبنى ومعنى، تأصيلاً وتنـزيلاً.
ثالثاً: التوصيات
– يترتب عن اتخاذ القرآن الكريم أصلاً للمعرفة الإسلامية ما يلي:
- 1. التأكيد على ألا يقدم على القرآن شيء من كلام البشر.
- 2. أن يكون القرآن منطلقاً للأبحاث والدراسات.
- 3. أن يكون أصلاً للتربية والتعليم.
- 4. يجب اتخاذ كافة الوسائل لنشر أفكار الأستاذ ياسين وأمثاله من علماء الأمة المخلصين الدعاة إلى إقامة دولة القرآن وإعادة الخلافة على منهاج النبوة.
- 5. إن إعمال الفكر في كتاب الله تعالى للوصول إلى فهم جديد، أمر مطلوب مالم يجنح عن المنهج السليم الذي التزمته أمة الإسلام عبر القرون.
- 6. إن القضايا المستجدة في العصر الحديث تستدعي إعمال الفكر للوصول إلى حلول شرعية عن طريق استنباطها من الآيات القرآنية.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم
- ياسين، عبد السلام،الإحسان، ط1،مطبوعات الأفق، 1998م، البيضاء.
- ياسين، عبد السلام، الإسلام والحداثة، الطبعة الأولى 2000، مطبوعات الهلال، وجدة.
- ياسين، عبد السلام، الإسلام والقومية العلمانية، الطبعة الأولى، 1989
- ياسين، عبد السلام ،الإسلام أو الطوفان، الطبعة الأولى، 1998.
- ياسين عبد السلام: إمامة الأمة، دار لبنان للطباعة والنشر،ط1، 1430هـ
- ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، ط1، 1996، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء.
- ياسين، عبد السلام، حوار الماضي والمستقبل، ط2، 2003م، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء.
- ياسين، عبد السلام، حوار مع الفضلاء الديمقراطيين، ط1، 1994، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء.
- ياسين، عبد السلام، حوار مع صديق أمازيغي، ط2، 2003م، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء.
- ياسين، عبد السلام، الخلافة والملك، الطبعة الأولى 2001،دار الآفاق
- ياسين، عبد السلام، رجال القومة والإصلاح، ط1، 2001م، مطابع أفريقيا الشرق.
- رياض جنـزرلي: الرؤية الإسلامية لمصادر المعرفة، بيروت، دار البشائر، ط1، 1994م
- ياسين، عبد السلام، الرسالة العلمية، الطبعة الأولى 2001، مطبوعات الهلال، وجدة.
- ياسين، عبد السلام، رسالة القرن في ميزان الإسلام، الطبعة الأولى 1982، مطبعة الساحل، الرباط.
- ياسين، عبد السلام، سنّة الله، ط1، 2005م، مطبعة النجاح الجديدة البيضاء.
- ياسين، عبد السلام، شذرات، الطبعة الأولى 1992.
- ياسين، عبد السلام، الشورى والديمقراطية، ط2، 2003م،مطبوعات الأفق، الدار البيضاء.
- ياسين، عبد السلام، العدل، الإسلاميون والحكم، ط1، 2000م، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء.
- ياسين عبد السلام: في الاقتصاد، الطبعة الأولى 1995،مطبوعات الأفق، البيضاء .
- ياسين، عبد السلام، القرآن والنبوة، ط1، 2010، دار لبنان للطباعة والنشر.
- ياسين، عبد السلام، قطوف، الطبعة الأولى 2000، مطبوعات الهلال، وجدة.
- ياسين، عبد السلام، محنة العقل المسلم، ط3، 2003م، مؤسسة التغليف والطباعة والتوزيع للشمال الرباط.
- ياسين عبد السلام، مقدمات لمستقبل الإسلام، ، الطبعة الأولى 2005، مطبعة الخليج العربي، تطوان.
- ياسين، عبد السلام، المنظومة الوعظية ، الطبعة الأولى 1996،مطبوعات الأفق البيضاء.
- ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيماً، ط4، 2001م، الشركة العربية الإفريقية للنشر والتوزيع، لبنان.
- ياسين عبد السلام: بقية كتب الأستاذ عبد السلام ياسين ورسائله، ضمن موسوعة سراج لإحصاء الآيات القرآنية والتوصل إلى الشواهد القرآنية.
[1] رياض جنـزرلي: الرؤية الإسلامية لمصادر المعرفة، بيروت، دار البشائر، ط1، 1994م، ص7
[2] ياسين عبد السلام: المنهاج النبوي تربية وتنظيماً، الطبعة الثانية، 1989، الشركة العربية الإفريقية للنشر والتوزيع، لبنان.ص 10
[3] يشير إلى قوله تعالى: “وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لـما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه. فاحكم بينهم بما أنزل الله. ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق. لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا”. (المائدة: 48).
[4] ياسين عبد السلام: المنهاج النبوي تربية وتنظيماً، ص6ـ7
[5] ياسين عبد السلام: مقدمات لمستقبل الإسلام، الطبعة الأولى 2005، مطبعة الخليج العربي، تطوان، ص12.
[6] ياسين عبد السلام: إمامة الأمة ، دار لبنان للطباعة والنشر، ط1، 1430هـ/2009م.، ص85.
[7] ياسين عبد السلام: المنهاج النبوي تربية وتنظيماً، ص59.
[8] ياسين عبد السلام: في الاقتصاد، الطبعة الأولى 1995، مطبوعات الأفق البيضاء ، ص15.
[9] ياسين عبد السلام: في الاقتصاد، ص83.
[10] ياسين عبد السلام: الإحسان، مطبوعات الأفق، ط1، 1998م، ج1، ص23.
[11] ياسين عبد السلام: المنهاج النبوي تربية وتنظيماً، ص150.
[12] ياسين عبد السلام: مقدمات لمستقبل الإسلام، ص17.
[13] ياسين عبد السلام: مقدمات لمستقبل الإسلام، ص19.
[14] ياسين عبد السلام: إمامة الأمة، ص158.
[15] ياسين عبد السلام: إمامة الأمة، ص159.
[16] ياسين عبد السلام: تنوير المؤمنات، ط1، 1996، مطبوعات الأفق، الدارالبيضاء، ج1، ص363.
[17] ياسين عبد السلام: الرسالة العلمية، الطبعة الأولى 2001، مطبوعات الهلال، وجدة. ص57.
[18] ياسين عبد السلام: القرآن والنبوة، ط1، 2010، دار لبنان للطباعة والنشر، ص16.
[19] ياسين عبد السلام: تنوير المؤمنات، ج2، ص66.
[20] يشير إلى قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُّبِيناً” النساء: 174.
[21] ياسين عبد السلام: القرآن والنبوة، ص18.
[22] ياسين عبد السلام: رسالة الإسلام أو الطوفان، الطبعة الأولى، 1998، ص 132.
[23] ياسين عبد السلام: رجال القومة والإصلاح، ص 28-29.
[24] ياسين عبد السلام: مقدمات لمستقبل الإسلام، الطبعة الأولى 2005، مطبعة الخليج العربي، تطوان، ص24.
[25] ياسين عبد السلام: محنة العقل المسلم، الطبعة الأولى 1994، مؤسسة التغليف والطباعة والتوزيع للشمال الرباط ،ص9-11.
[26] ياسين عبد السلام: مقدمات لمستقبل الإسلام، ص19.
[27] ياسين عبد السلام: مقدمات لمستقبل الإسلام، ص24.
[28] ياسين عبد السلام: محنة العقل المسلم، ص119.
[29] ياسين عبد السلام: إمامة الأمة، ص158.
[30] ياسين عبد السلام: العدل: الإسلاميون والحكم، ط1، 2000م، مطبوعات الأفق، الدارالبيضاء، ص194.
[31] انظر للتفصيل: ياسين عبد السلام: المنهاج النبوي، ص12ـ 13، والعدل الإسلاميون والحكم، ص264، والإحسان، ص500 ورجال القومة والإصلاح، ص7ـ 8، والقرآن والنبوة، ص73ـ 74، وسنة الله، ص290.
[32] انظر للتفصيل: ياسين عبد السلام: المنهاج النبوي، ص7، ومحنة العقل المسلم، ص31، ومقدمات لمستقبل الإسلام، ص25.
[33] ياسين عبد السلام: في الاقتصاد، ص13.
[34] ياسين عبد السلام: المنهاج النبوي، ص7.
[35] ياسين عبد السلام: العدل: الإسلاميون والحكم، ص 262-265.
[36] ياسين عبد السلام: الإحسان : ج1، ص 500.
[37] راجع للتفصيل: ياسين عبد السلام: في الاقتصاد، ص74.
[38] راجع للتفصيل: ياسين عبد السلام: في الاقتصاد، ص189.
[39] راجع للتفصيل: ياسين عبد السلام: في الاقتصاد، ص190.
[40] راجع للتفصيل: ياسين عبد السلام: العدل: الإسلاميون والحكم، ص 655-656، والشورى والديمقراطية، ص 14-15 ، و277-278 ، والإسلام والحداثة، ص321.
[41] راجع للتفصيل: ياسين عبد السلام: إمامة الأمة ، ص127.
[42] راجع للتفصيل: ياسين عبد السلام: في الاقتصاد، ص15.
[43] راجع للتفصيل: ياسين عبد السلام: رسالة القرن، الطبعة الأولى 1982، مطبعة الساحل الرباط، ص36.
[44] ياسين عبد السلام: تنوير المؤمنات، ج1، ص142-143، وراجع أيضاً: حوار الماضي والمستقبل، ط2، 2003م، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء. ص335، والعدل، ص579، والإسلام والقومية العلمانية، الطبعة الأولى 1989، ص152.
[45] ياسين عبد السلام: العدل : الإسلاميون والحكم، ص655 ـ 656.
[46] اقتباس من قوله تعالى: “اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ” النور: 35.
[47] اقتباس من قوله تعالى: “وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا” الجن: 3.
[48] اقتباس من قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء” النساء:1.
[49] اقتباس من قوله تعالى: “غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ” غافر:3.
[50] ياسين عبد السلام: تنوير المؤمنات، ج1، ص3.
[51] اقتباس من قوله تعالى: “الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ” العلق: 4-5.
[52] اقتباس من قوله تعالى: “وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا” الحجرات: 13.
[53] اقتباس من قوله تعالى: “وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ” الأنبياء: 105.
[54] اقتباس من قوله تعالى: “لِيُنذِرَ يَوْمَ التَّلَاقِ” غافر: 15.
[55] اقتباس من قوله تعالى: “يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا” آل عمران: 30.
[56] ياسين عبد السلام: مقدمات لمستقبل الإسلام، ص3، وراجع أيضاً، الإحسان، و الخلافة والملك، الطبعة الأولى 2001، دار الآفاق ، والقرآن والنبوة، وسنة الله، على سبيل المثال لا الحصر.
[57] اقتباس من قوله تعالى: “مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا” الأحزاب: 23.
[58] ياسين عبد السلام: شذرات، الطبعة الأولى 1992، ص16.
[59] اقتباس من قوله تعالى: ” أَن تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى علَى مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ” الزمر: 56.
[60] ياسين عبد السلام: شذرات، ص17.
[61] اقتباس من قوله تعالى: “وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ” الشورى:38.
[62] اقتباس من قوله تعالى: ” ذَلِكُم بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِن يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ” غافر: 12.
[63] ياسين عبد السلام: شذرات، ص52.
[64] اقتباس من قوله تعالى: “وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزًا” مريم:18.
[65] ياسين عبد السلام: شذرات ، ص76.
[66] اقتباس من قوله تعالى: ” إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ” هود: 81.
[67] ياسين عبد السلام: شذرات ، ص48.
[68] ياسين عبد السلام: المنظومة الوعظية، الطبعة الأولى 1996،مطبوعات الأفق البيضاء، ص39،
وفي الشطر الأخير اقتباس من قوله تعالى: ” الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ” الزخرف: 67.
[69] ياسين عبد السلام: المنظومة الوعظية، ص42.
[70] اقتباس من قوله تعالى: ” يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالْأَقْدَامِ” الرحمن: 45.
[71] اقتباس من قوله تعالى: “مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُءُوسِهِمْ لاَ يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاء” إبراهيم:43.
[72] اقتباس من قوله تعالى: “وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاء ظَهْرِهِ ، فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا، وَيَصْلَى سَعِيرًا”
الانشقاق: 10-12.
[73] ياسين عبد السلام: المنظومة الوعظية، ص43.
[74] اقتباس من قوله تعالى: “وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ” الإسراء: 26.
[75] اقتباس من قوله تعالى: ” وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللّهِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ” 9/34 “يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُواْ مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ” التوبة: 34- 35.
[76] اقتباس من قوله تعالى: ” إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كَانَ مِيقَاتًا، يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا” النبأ: 17-18.
[77] ياسين عبد السلام: المنظومة الوعظية، ص48.
[78] اقتباس من قوله تعالى: ” وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ” يسين: 69.
[79] ياسين عبد السلام: قطوف 1، الطبعة الأولى 2000، مطبوعات الهلال وجدة ، ص 6.
[80] اقتباس من قوله تعالى: “لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ” التوبة : 129.
[81] ياسين عبد السلام: قطوف 1، ص74.
[82] اقتباس من قوله تعالى: “فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ” الحجر: 94.
[83] اقتباس من قوله تعالى:”إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ ” النساء:105.
[84] ياسين عبد السلام: قطوف 2، الطبعة الأولى 2000، مطبوعات الهلال وجدة، ص15.
[85] اقتباس من قوله تعالى: “إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ” النحل: 120.
[86] اقتباس من قوله تعالى: “شَاكِرًا لِّأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ” النحل: 121.
[87] ياسين عبد السلام: قطوف 2، ص24.
[88] وقد حاولت إحصاء الآيات الواردة في كتاباته ورسائله على وجه التقريب فتوصلت إلى ما يلي:
المنهاج النبوي: 229، مقدمات لمستقبل الإسلام:03، في الاقتصاد: 101، الخلافة والملك: 06، رجال القومة والإصلاح:10، إمامة الأمة:58، القرآن والنبوة:47، شذرات:01، المنظومة الوعظية:14، قطوف1: 03، قطوف2:02، قطوف3: 01، تنوير المؤمنات1: 210، تنوير المؤمنات2 : 169، الإحسان1: 335، الإحسان2: 270، رسالة القرن: 08، رسالة الإسلام: 26، العدل: 303، مقدمات في المنهاج: 27، نظرات في الفقه والتاريخ: 19، الشورى والديموقراطية: 117، حوار مع الفضلاء الديموقراطيين: 30، حوار مع صديق أمازيغي: 52، محنة العقل المسلم: 107، الإسلام والقومية العلمانية: 44، الإسلام وتحدي الماركسية: 19، يوم المؤمن وليلته: 14، الرسالة العلمية: 19، الإسلام والحداثة: 118، سنة الله: 225، حوار الماضي والمستقبل:42.