الرؤية القرآنية للثورة وإعادة البناء من خلال كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين
د.أحمد زقاقي/ عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
مقدمة
يشكل القرآن الكريم بالنسبة للمسلمين المعين الذي لا ينضب، والناصح الذي لا يغش، وهو مصدر للهداية والأفكار والأذكار، وعليه مدار الحياة العلمية والروحية، بحفظه، وتلاوته، وتدبره، والعمل به، ولعل جل العلوم الإسلامية كان سبب نشأتها هو خدمة القرآن الكريم، وكلما تقدم الناس في الزمان ازدادت حاجتهم للقرآن، وأهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته، وإذا كانت الوقائع المستجدة تتطلب بيان حكم الشارع فيها؛ فإن العلماء مدعوون إلى ممارسة اجتهاد يؤلف بين الرؤية القرآنية والحكمة البشرية، ويراعي اختلاف الناس في الأفهام، والقدرات، والاستعدادات، وإن أهم ما شهدته منطقتنا العربية أخيرا هو تداعي الكثير من شعوبها إلى التحرر من تسلط الحكام الظلمة الذين صادروا حرياتها في اختيار من يحكمهم ويسوسهم، عبر ثورات سلمية ومسلحة ـ على سبيل الإلجاء لا على سبيل الابتداء ـ لأن العنف لا يأتي بخير، ويكفي تلك الثورات أن تنجز المهمة الأولى وهي: كسر حاجز الخوف في نفوس الناس، ليتم التفرغ لمهام البناء الشاقة والطويلة والمحفوفة بالمخاطر.
إن المطلع على كتابات الأستاذ عبد السلام ياسين سيقف على نظرات دقيقة في مسار الثورات ومآلاتها وشروط نجاحها، والعقبات التي تعترضها، ولقد بدأ عملَه التأصيلي بتخليص مصطلح “الثورة” مما شابه من الفلسفات المادية التي ربطته بالعنف، والسعي إلى إفناء طبقة لتحل محلها طبقة أخرى؛ لذلك نبه على الملامح القرآنية الكبرى لما سماه “القومة” بدل مصطلح “الثورة”، ومن تلك الملامح القرآنية خلص إلى بيان مجموعة من المستفادات العملية والنظرية.
أولا: الرؤية القرآنية للقومة والتغيير
حتى لا يتم حصر مفهوم “القومة” في المعنى السياسي نبَّه السيد ياسين على ملامحها القرآنية فأجملها في سبعة هي[1]:
الملمح القرآني الأول: “قومة الداعي تبتدِئ بقومة الرسول في قومه، يخاطبهم بلسانهم
على الرفق لا على العنف”وإنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لِبَداً” (الجن:19).
إن وظيفة الدعوة لها أكبر تعلق بالتعليم والتربية والتزكية، وهي تبع لوظيفة الأنبياء (هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة) (الجمعة:2)، فعندما نتحدث عن الدعوة نتحدث عن قناعات يتقاسمها أكثر من مليار ونصف من البشر، يعتقدون بأن لهذا الكون خالقا، وأنهم مأمورون بعبادته والتقرب إليه، لا لحاجته إلى طاعتهم، بل لحاجتهم هم إليه، وأن الدنيا ليست دار مقر، وإنما هي دار معبر إلى الآخرة، وأن الذي حمل إليهم رسالة الله هم الأنبياء عليهم السلام، وهي رسالة شكلت معينا لا ينضب من القيم الأخلاقية التي توجه السلوك، وتشكل العقول، وتدل على طرق التحرك بين الناس من غير إكراه حتى يعتنقوا تلك الاقتناعات (لا إكراه في الدين) (البقرة:255)، ومن غير أن تكون مجرد توجيهات لا صلة لها بهموم الناس، ومطالبهم المادية ؛ ولذلك كان – ولا يزال- مبرر ظهور الحركة الإسلامية هو إقامة أمر الدين، وما الدولة إلا وسيلة، ومهمة الدعوة حسب الأستاذ عبد السلام ياسين هي “أن تنشئ الحياة الإسلامية وتشيد أركان الدين في المجتمع؛ أي أن ترعى المقاصد الشرعية في “العبادات” كما يعبر علماء الأصول، ومهمة الدعوة بعد أن تصبح الدولة بيدها، طوع إرادتها، أن تستصلح الوسائل المادية والمالية والتقنية والإدارية لخدمة المطالب الدنيوية؛ أي أن ترعى مقاصد الشرع” من جانب الوجود” في ميادين “العادات” و”المعاملات”، ومن أهم وظائف الدولة الإسلامية عندما تكون أداة توجهها الدعوة، صيانة المطالب الإسلامية وحياطتها بأن: “تدرأ عنها الاختلال الواقع والمتوقع فيها”[2] إلا أن الأستاذ يعتقد بأن إرجاع الفاعلية للدعوة؛ يتوقف على إعادة العلاقات بينها وبين الدولة إلى نصابها الإسلامي، بعد هذه القرون التي استبد فيها السلطان العاض والجبري على القرآن[3]
ولا يفوته أن ينبه على بعض المزالق والأخطار التي تتهدد الدعوة منها:
- تصدي الدعوة للحكم جاهلةً بالديناميات الاجتماعية، والتقلبات في الرأي العام ، ووجود معارضة للحكم بما أنزل الله”[4]
- “الغزو الثقافي” الذي تموله عائدات النفط لتسُلَّ الروحَ من جسم الدعوة، ولتعقِّمها، ولتُحيِّدَها، ولِتُؤَنِّسها وتدجِّنها، ولتبقِيَها راتعه في حجر الطغاة المنافقين لا تغزو ولا تحدث نفسها بغزو، إلا بغزو إخوانها المسلمين من عامة الأمة ومن خاصة الدعاة في حروب مذهبية طائفية داخلية تؤجج النار في صفوف الدعوة”[5]
- تحول الدعاةُ إلى حكام وسياسيين يشغلهم تدبير الدولة عن مهمتهم الأولى، مما يهدد الدعوة بالاضمحلال والذوبان[6]
- “انمحاقُ الإيمان الفرديِّ، وانسحاقُ التطلع الإحسانيِّ إن وُجِدَ ابتداءً ؛ ومن ثَمَّ ذوبانُ الدعوة في الدولة، وانتِهاكُها، وتسربها في مساربها كما تتسرب قطراتُ الماءِ في الرمال”[7]
الملمح القرآني الثاني: قومة الشاهد بالقسط التي يدعو إليها القرآن الكريم في قوله تعالى:
“كونوا قوامين لله شهداء بالقسط“(المائدة:9) ، “كونوا قوامين بالقسط شهداء لله” (النساء:134)
فهي قومة لإحلال العدل محل الجوْر، وليتفرغ بال الإنسان من شواغل الرزق، وهموم المعاش، وقد أمر الله تعالى بالعدل والقسط (لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط) (الحديد:25)، لأنه “في أذن الجائع لا يسلك إلا صوت يبشر بالخبز، وفي وعي المقهور المحقور لا يتضح إلا برهان الحرية، فمن كان شغل يومه ونهاره هم القوت، والمأوى والكسب، والشغل والدَّين، ومرض الأطفال، ومصير الأسرة، لن يسمع لعرض المبادئ العليا، ولو كانت دينا يؤمن به، لا وقت له، لا استعداد، لا مناسبة”[8]، فللتوبة مقتضيات اقتصادية وسياسية، وهذا هو المدخل الشرعي الحقيقي للعملين السياسي والنقابي.
والعدل في رأي الأستاذ عدلان متلازمان: عدل الحكم، وعدل القسمة، ولا يتحقق الإثنان إلا بتطهير الجهاز القضائي، وتمتيعه بالاستقلال التام عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإلا بالعدل في توزيع الثروة، والفصل بين الثروة والسلطة، و”بعد القومة لن نجد قوة على مغالبة مشاكل الحكم والبناء إلا في السواد الأعظم، ولا غَنَاءَ في هذا السَّواد إن لم نَرْفَعْهُ بالعدل وضمان العيش الكريم إلى آدميته، وإن لم نحرر نفسه وعقله من الخرافات، والنفاق، والغزو الحضاريِّ، و”دين الانقياد”[9]
الملمح القرآني الثالث: قومة إلى الصلاة وإقامة الصلاة
إن الصلاة عماد دين المؤمن و”بداعي الله خمس مرات في اليوم، ومرة في الجمعة، تنقله من المكان السائب المنطلق في ساحة الغفلات، إلى بيت الله يلبي النداء رمزا للطاعة والانقياد، تنقله من الوحدة السائبة، وضياع الرفقة الغافلة، إلى صف المصلين المتراصين بين يد الله، وينبغي الحرص على صلاتي الصبح والعشاء في المسجد والجماعة، وينبغي أن لا يعذر الوارد على تأخير الصلاة عن وقتها، ولا على التراخي في حضور الجماعة والمسجد، فما صلاة الفذ عند العذر، وما صلاة المرأة في بيتها إلا استثناء من القاعدة، وهي صلاة الجماعة. روح الصلاة الخشوع فيها؛ وهذا لا يأتي إلا بصحبة الخاشعين، وبالكلمة الطيبة حين تخالط بشاشتها القلوب، فميزان إيمان كل وارد وكل مؤمن ومؤمنة بينه وبين نفسه ما يجده من خشوع في صلاته، ينظر هل زاد إيمانه أو نقص، ويحمل كل امرئ نفسه على الحضور في كل صلاته ما أمكن، فإنه لا يكتب له من صلاته إلا ما حضر فيه بقلبه ونيته مع الله عز وجل، والغفلات من طبيعتنا، فأدنى ما علينا، وأقصى ما نستطيع، أن نجتهد لنذكر الله كلما نسينا، ونستغفر الله ثلاث مرات دبر الصلاة، ليجبر غفلاتنا ويغفر تقصيرنا”[10]
الملمح القرآني الرابع: قومة الإحسان
وهي قومة تزيح عن وجه الفطرة، وعن صفحة القلب ما علق بها في الماضي، وما يعلَقُ بها في المعافسات اليومية من غيْن الذنْبِ، ومُلاحاة الخلق، ومغريات الشهوات “فأقم وجهك للدين حنيفا فِطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيِّمُ”(الروم:29). يقول الأستاذ معلقا على هذه الآية: “الدعوة واضحة هنا إلى الاستقامة الطوعية الخلقية والروحية، لكن التأثيرات الأسرية، والاجتماعية، والثقافية، قد تجتهد في الانحراف بالفطرة السوية، ومن ثم يصبح دور التربية تقويم الاعوجاج الذي أنتجه المحيط الاجتماعي، لابد إذن من تعاون وثيق بين الحكومة الإسلامية والحركة الشعبية المتطوعة لمعالجة الذهنيات المتجذرة، والتراجع بها عن المواقع الفاسدة، لابد من نذر النفس بلا مواربة للمستقبل الإسلامي، والتحرك في هذا الاتجاه، لابد من اجتثاث جذور الجمود الخلقي السلبية من نفسية الأجيال المنخورة، وإقناع النضال التثاقفي بعدم جدوى استماتته، لأن التربية الهادفة إلى ترسيخ قدم الفطرة في النفوس ستصطدم إلى حين بتربية مضادة غايتها تشويه هذه الفطرة إلى حين”[11] ويعرف الفطرة بالقول: “الفطرة الاستقامة الأصلية على الدين، علَّمَها آدم عليه السلام بنيه، وعلمتها أجيال بنيه وبناته ذريَّتَهم، ويبعث الله عز وجل الرسل كلما فترَتْ في الأقوام جذوة الإيمان ليبعثوها فيهم حية، والوالدان سفيران دائمان لوصل الرسالة الفطرية، خاصة الأم”[12] وهي أيضا “ميراث عقَديٌّ متسلسل من آدم عليه السلام، أورث بنيه الإيمان بالله وباليوم الآخر، كما أورثهم خصائصهم الجسمية والغريزية والعقلية”[13]، وللفطرة في القرآن الكريم حسب الأستاذ “مفهوم خاص مخالف للمعنى الدارج للكلمة، المعنى الدارج يجعل الفطرة مرادفة للسذاجة والغفلة، والمعنى القرآنيُّ يعطيها مدلول استواء الخِلقة الباطنية للإنسان، المجبولةِ على الإيمان بالله جل وعلا ومعرفته، فمعنى سلامةِ الفطرة سلامةُ هذه الخلقة الباطنية، المعبَّرِ عنها بالقلب، واستعدادُها لتلقي الإيمان بالله عز وجل وبغيبه، وكفاءتُها لمعرفته سبحانه وتعالى على ما يتجلى لها ويعلمها”[14] والحفاظ على سلامة الفطرة يقتضي التربية “المجدولة الطرفين؛ بل المثَلَّثَةُ الأطراف: تربية الجسم بما يليق من غذاء وكساء، وتربيةِ الروح بالحفاظ على سلامة الفطرة، وتربية العقل والمهارة ليكون المولود كاسبا عاملا، لا عالة على الناس”[15]، فإذا فسدت الفطرة، تأمَّرَ العقل، وتمرد على القلب ومعانيه، وهذا فساد العقل الفلسفي العبثي، فإن فسدت الفطرةُ الفسادَ التاليَ للفساد الأول، المُلازمَ له، الناتِجَ عنه، تأمَّر الهوى بشهواته، وسخَّر العقل لأغراضه، وطرد معانيَ القلب”[16] ، واعتبر الأستاذ الفطرة أرضا للمعركة بين الحق والباطل “هذه الأرض السياسية النفسية الفكرية الضاربة في أعماق الفطرة الإنسانية، المتجلية في الغضب على الظلم، ذلك الغضب الذي يزيغ القلوب ويقلب موازين العقول، كما يزيغها الاستكبار الطبقي أصل البلاء، يقول أبو الدرداء صاحب المصطفى صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه ابن ماجة عنه ـ رضي الله عنه ـ بسند حسن: “خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن نذكر الفقر ونتخوفه، فقال: آ الفقر تخافون ؟ والذي نفسي بيده، لتصبن عليكم الدنيا صبا، حتى لا يُزيغ قلب أحدكم إزاغة إلا هيَّهْ! وايم الله! لقد تركتكم على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء”[17]، فقال أبو الدرداء: “صدق والله رسول الله صلى الله عليه وسلم، تركتنا والله على مثل البيضاء، ليلها ونهارها سواء”، وهذا الغضب الفطري شكل كما بينا، منطلقا للحراك الثوري في عالمنا العربي للإطاحة بالظالمين والمستبدين الذين كدسوا الأموال، وصادروا حق الناس في اختيار من يحكمهم، وأوكل للدولة مهمة رعاية الفطرة فقال: “أولى الأولويات لحكومة الإسلام أن تمهد للدعوة حتى تقيم الأوَد، وتصِلَ من الفطرة ما انقطع من السند، وتُصلح منها ما فسد”[18] .
الملمح القرآني الخامس: إقامة حدود الله
ذلك هو السياج الصائن لبناء الدين، إقامة حدود الله، وحفظ البناء عملية لا معنى لها إلا في سياقها التربوي العدلي العمراني الأخوي الدالَّة عليه آياته تعالى: “التائبون العابدون الحامدون السائحون الراكعون الساجدون الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر والحافظون لحدود الله” (التوبة:112)
إن الأصل في التربية الإسلامية هو عبادة الله عز وجل اختيارا، والأصل هو الترغيب والاستثناء هو العقوبة، “ومن زعم أنه يرفع المسلمين من وهدتهم بتطبيق الحدود والزواجر فقط، كمن يستنبت في رمال الصحراء أشجار الفواكه”[19].والإسلام يحرص أول شيء على زرع ثقافة المناعة في النفوس، لا ثقافة المنع، فقانون العقوبات الإسلامية لا يشكل “إلا حمايَةً لعالم متكامل، لجسم حيّ،ٍ لا يستمِدّ حياتَه من النّفْيِ والسلب والمنع، بل من إيجابيات تبني، وتوطّد، وتعطي، تغطي الشريعة كل مجالات الحياة وجزئيات التعايش بين المسلمين”[20]، ويحاط تنفيذ العقوبات بعدة شروط، وبأسوار من الاحتياطات، على نحو يحمل على الاعتقاد أن الشارع يفضل الخطأ في العفو على الخطأ في العقوبة “فجعل الله عز وجل بشِرْعته السمحة أسوارا بين الناس وبين العقوبة: سور وازع القرآن في قلب العبد، وسور الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وسور ستر المسلمين بعضهم بعضا، وسور دَرء الحدود بالشبُهات، وسور الشفاعة في الحدود قبل وصول الخبر للقاضي، وسور العفو، وسور ستر الإمام على الجناة، وسور وصية الله تعالى بأن لا يُسْرَفَ في القتل”[21].
والقيام الحق على حدود الله يقتضي في نظر الأستاذ ثلاثة أمور:
- تهييء المناخ الإسلامي، بإفشاء رحمة الإسلام في المجتمع، أي بتربية الناس في المساجد بما يعظ الواعظ، ويعلم المدرس الفقيه، ويتوب الناس من أخلاق مجتمع الكراهية والنفاق، فإنه لا تطبق الشريعة على قوم لا يؤمنون بها، ولا يدعمونها، ولا يعطونها وَلاءَهم كما يريد منهم الله تعالى.
ب.ضمان الحد الأدنى من الرخاء للناس، فقد كاد الفقر أن يكون كفرا، فإن جئت تقطع الأيدي وتجلد الظهور ظنا أنك تطبق شريعة الله دون مراعاة ظروف العيش، وغُربة الدين، وخراب الضمائر، فإنك إنما تهدم الشريعة.
ج.تطهير أجهزة الأمن المُراقِبة، وأجهزة القضاء المتّهِمة الحاكمة[22] ولذلك فعدم مراعاة سنة التدرج، والجهل بالواقع، يجعل تخوف كثير من العلمانيين من الشريعة مشروعا ما دام يظهر بين الفينة والأخرى أناس يريدون فرض كل شيء بإرادة فوقية، ويصورون الشريعة كأنها ترسانة من القوانين “القمعية” ما فيها غير جلد الظهور، وقطع الأيدي، ولا يتحدثون عن شبهات الفساد والاستبداد، والفقر والعوز التي توجب درء الحدود، بينما الأمر يتوقف على اقتناع عقلي واطمئنان قلبي، لا تنفع في إيجادهما لا نعوت التكفير، ولا سوء التعبير الموجب للتنفير، ولا أدوات الدولة.
الملمح القرآني السادس: القيام بأمر الله، وقيام الدعوة على الدولة.
وعلى الشورى لا على العض والجبر، قيام أولي الأمر منا، العلماءُ الذين يخشَوْن الله ولا يخافون في الله لومة لائم، وفيهم يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: “لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتيَ أمر الله وهم على ذلك”[23]،ومما ينفع في تحقيق قيام الدعوة على الدولة بلورة تصور واضح لعلاقة الدعوي بالسياسي، ولموقع العلماء وذوي الرأي في الدولة:
أ.علاقة الدعوي بالسياسي
إن المتأمل لمآل الدول التي تعاقبت على الحكم في التاريخ الإسلامي، سيلاحظ بأن جلها قامت على أساس دعوة دينية تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر، وكان يتزعمها في البدء علماء سرعان ما يتحول تلامذتهم إلى رؤساء فعليين للجيش الذي سيثور على الدولة السابقة، وتعمل الحماسة عملها، ويحسب الجميع أنهم سيبدلون الأرض غير الأرض، إلى أن تفجأهم حقائق الواقع بعد بناء الدولة، فيُستدعى تراث “الأحكام السلطانية”، و”ظل الله في الأرض”، و”هيبة الدولة” ،ورد معارضة “الخوارج”، وحماية الدين من “الزنادقة”، فتأكل الدولة الدعوة، وتضمها تحت جناحيها بعد أن تدجنها، وتستصدر الدولة الفتاوى لوقت الحاجة، وتستقوي بتصور كنسي تحنيطي للدين، يتحول فيه علماء المؤسسات الرسمية – وما أكثر الأفاضل فيهم- إلى إكليروس يحتكر النطق باسم الله، ويحتكر الاجتهاد والفتوى.
ولم تكن أحوال”الدعوة” مع الدولة المهيمنة تخرج عن خيارات ثلاث:
مضغوطة من قبل الدولة
أو محاربة مضطهدة
أو مروضة مدجنة مؤنسة
وبدون ضبط العلاقة بين الدعوي والسياسي؛ لن يتأتى ضبط العلاقة في الدائرة الأكبر – حين التمكن- بين الدعوة والدولة، وستتصرف الحركة الإسلامية كما يتصرف الحزب الوحيد، وحدث مثل هذا عندما لم تضبط الثورة الروسية العلاقة بين الثورة والدولة، مما دفع البعض إلى القول: الثورة تأكل أبناءها، لأن الثورة تماهت تماما مع الدولة، وتمت أدلجة الاستبداد في الحكم الستاليني، وكذلك الثورة الإيرانية التي “دسترت” الهوية الطائفية للدولة عبر النص على نوع المذهب المتبع، مما أفرز سياسة طائفية تكشفت معالمها في الملفين الأفغاني والعراقي، عندما منحت إيران التسهيلات الكاملة للغرب لكي يتخلص من نظامي طالبان وصدام، والآن في الملف السوري بغضها الطرف عن الجرائم الفظيعة التي يرتكبها النظام في حق شعبه، ولو بُعث الحسين هذه الأيام لما تردد في مواجهة يزيد سوريا، وقبل ذلك ظهر أثر عدم ضبط علاقة الدعوة بالدولة في تاريخ الدولة السعودية، التي قامت على أساس تحالف بين آل سعود والحركة الوهابية، فبعد أن اتسمت البداية بنوع من التوازن في العلاقة بين الطرفين، بحيث كان كل طرف يشترط على الآخر، وبعدما أفاء الله على البلاد من ثمرات الحج والنفط بدأت الدولة تتغول، فعزلت الدعوة، وحولتها إلى منظومة للتبرير لاسيما تسويغ الطاعة المطلقة للحاكم.
ويقصد الأستاذ ياسين بقوامة الدعوة على الدولة: “وقوف أهل القرآن علماء الأمة بجانب مطالب العدل والاستقامة والخلق والدين، عينا رقيبة مِنْ مكـان عِز القرآن وسيادته، على السلطان ليشتغل أهل السلطـان الحكام مديرو دواليب الدولة بتسيير دواليب الدولة، وإدارة مؤسساتها تحت مراقبة يمارسها الشعب، وتنطق بها الدعوة، وتراقب وتحاسب”[24]، ويدعو إلى البحث “عن ثنائية من خارج النسق الديمقراطي ذي الشِّقَّين من حكومة ومعارضة، ثنائية لا تضع الدعوة بمقتضى الحكم أصابعها بين أسنان الدولاب فتـنجَرَّ، ولا تدخل حلبة الصراع على السلطـة الحكـومية فتـتلَبَّس لَبُوسَ السياسيين، فالتماس ثنائية من خارج النسق الديمقراطي ذي الشِّقَّين يُجَنِّب العاملين في الدعوة مغريات إفساد السلطة وتدنيسها”[25].
ب.العلماء والدولة والميثاق
العلماء هم ركيزة الدعوة وموجهوها وحاموها، والمعلوم أنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفه في الحكم علماء مجتهدون كبار من الصحابة، تصدوا لمهمة الحكم، فأضفت عليهم الأمة صفة الرشد، فسموا خلفاء راشدين؛ لأنهم أولاـ لم يصادروا حق الأمة في اختيار وانتخاب من يسوسها، وثانياـ لم يحتوشوا الأموال، ولم يراكموا الثروات، ولم ينفردوا بامتيازات تجارية دون باقي الناس، ولم يكونوا بمنأى عن النصح والانتقاد والتوجيه؛ بل كانوا هم الساعين إلى ترسيخ تقاليد لمشاركة الناس في الشأن العام وإلا ما معنى قول أبي بكر رضي الله عنه: “إذا أحسنت فأعينوني، وإذا أسأت فقوموني”، ولم تكن خطاباتهم مقدسة، بل كانت موضع نقاشات وتعليقات عمومية، ألم تنهض امرأة لعمر رضي الله عنه من آخر الصف لتعترض على عزمه تحديد مقدار الصداق، وخلد التاريخ إذعانه للحق فقال “أخطأ عمر وأصابت امرأة” فكان عملاقا بحق حتى في خطئه.
وكانوا يحسنون التعامل مع المعارضات، ويتقنون فنون تدبير الاختلاف، فعلي كرم الله وجهه إزاء معارضة كفَّرته، ضَمِن لها حرية التعبير ما لم تحمل السلاح، وضمن لها الرزق والمعاش، ولم يُصادر أموالها، ولم يَحْرمها من ارتياد مساجد الله، ولما سُئِل عن تكفيرها قال: “من الكفر فروا” يعني بذلك الخوارج، ثم حدثت بعدُ أعظم بدعة في التاريخ السياسي الإسلامي ألا وهي بدعة توريث الحكم، بعد الانقلاب على الخلافة الراشدة، وغدا الحاكم يقول للناس: أيها الناس لا يوجد من بينكم من هو جدير بالحكم إلا ابني، أو أخي، أو ابن عشيرتي، فكانت ردة سياسية تستوجب المواجهة بدون تردد، كما واجه أبو بكر رضي الله عنه الردة الدينية، وتكثفت الضغوط المادية والمعنوية على الشعوب، ليعطوا بيمينهم رغبة أو رهبة بيعة قسرية إكراهية للمتغلبين من الحكام، وتضخمت وجوه القول في فروع الأحكام، وقلت في الفقه السياسي والدستوري وحقوق العباد، وأصبح الدين في خدمة الدولة وليس العكس، وإذا نهض العلماء للمطالبة باسترجاع وضعيتهم الاعتبارية منذ ذلك الحين إلى اليوم مُستدلِّين بحديث”العلماء ورثة الأنبياء”[26] عارضهم السلطان مستدلا هو الآخر بأثر “إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن”، ومتذرِّعا بضرورات الحفاظ على الأمن العام ودرء الفتن، ولتخفيف الضغوط السياسية وجد العلماء العاملون أنفسهم مضطرين إلى الالتحام بقضايا شعوبهم كالأنبياء تماما، وعدم إقامة أي اعتبار لأي شيء آخر غير تبليغ الشريعة، وحقائق الإيمان بإخلاص وصفاء ونقاء، وتعليمها للناس من منطلق الواجب، لا بمنطق الأستاذية والشفوف على الأقران، ومسؤولين عن حماية الدين من التزييف والتحريف تكليفا شرعيا بمقتضى الحديث الشريف: “يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله ينفون عنه تحريف الغالين، وتأويل الجاهلين، وانتحال المبطلين”[27]، إلا أن جل تدخلات العلماء كان يغلب عليها الطابع الفردي، فكانت نصائحهم تفلح أحيانا في استدرار دموع الحاكم بالليل، لكنه ينصب المشانق للمعارضين بالنهار، ولذلك توجه الاهتمام إلى العمل الجماعي المؤسساتي استجابة أولا لأمر الله تعالى: (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويامرون بالمعروف وينهون عن المنكر) (آل عمران:104) وثانيا سعيا لإحاطة ذلك العمل بأسباب النجاح والفلاح والجدوى والفاعلية (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه) .
و في بيان تحول مسار علاقة العالم بالحاكم من الاستقلال إلى التبعية، يجدر التنبيه على أنه لما انحط فقهنا السياسي تقلص دور العلماء التوجيهي والتربوي والسياسي والاجتماعي، وضعفت مواجهتهم للظلم والفساد والاستبداد، كما أفلحت السياسات الحاكمة في عزل الكثير منهم عن عامة الناس بإفساد ذممهم المالية، وإغراقهم في امتيازات المال والجاه حتى إذا تكلموا تكلموا بمقدار واضعين نصب أعينهم تلك الامتيازات، والحال أن العالم لا مكان له إلا وسط الناس، فشلَّ الخوف الزائد من الفتن الواقعة أو المتوقعة حركة العلماء، وألجمهم عن النطق بالحق والعلم والعدل، ويمكن ذكر ثلاثة أنواع من تلك الفتن:
- فتنة السلطان.
- فتنة الاضطرابات الداخلية: زاد في توجسهم من هذه الفتنة عدم وجود آليات لتدبير الاختلاف بشكل سلمي، وهي آليات تقوم على عدم الإكراه في الدين، وعلى الإنصاف الذي يقتضي الاعتراف بما عند الآخر من حق وحقيقة.
- فتنة التهديد الخارجي
إن السلك العلمائي مدعو إلى الانخراط بقوة في العملية التغييرية، متسلحا بالفقه الثوري المغيب، والوفاء بمقتضيات الميثاق الذي أخذه الله تعالى عليه، ومدعو إلى الانعتاق من أسباب العجز، والانخلاع من ربقة التقليد، لاسيما العاملين منه في المؤسسات الدينية الرسمية الذين تمنعهم الحاجة من الاستقلال في الفكر والحركة، وإدراكا منا لتعقيدات الواقع الذي يعيشون فيه نقول: إنها لمثالية حالمة أن نطلب إلى العلماء أن يكونوا كلهم ممن يجهر بالحق مهما كانت التبعات، ولكن لا أقل من أن يعملوا بقاعدة: “قد لا يقول المرء الحق كله ولكن لا يقول باطلا”، أو بتعبير آخر “لا تقل الحق ضربة لازب، ولا تؤاكل ولا تشارب، ولكن سدد وقارب”.
ويحيل الأستاذ عبد السلام ياسين -في سياق تبيان الأهمية التي يوليها القرآن الكريم للعلماء- على الميثاق، وهو ذو أبعاد وجودية ترتبط بالميثاق الفطري الأول، يوم أخذ الله عز وجل على ذرية آدم العهد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا، وذو أبعاد اجتماعية ونفسية ترتبط بالميثاق الغليظ الذي يجمع الرجل بزوجه، وذو أبعاد علمية وسياسية وفكرية ترتبط بالميثاق الذي أخذه الله تعالى على العلماء للقيام بمهمة البيان واجتناب الكتمان، قال الله سبحانه: “وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيِّنُّنه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمنًا قليلاً فبئس ما يشترون ” (آل عمران:187)، فالآية تشرف بالمتدبِّر فيها على عدة أمور:
- الميثاق هو العهد المؤكد بيمين.
- قال جمهور العلماء: الآية عامَّةٌ في كلِّ من علَّمه اللَّه عِلْماً، وعلماءُ هذه الأمَّة داخلُونَ في هذا الميثاقِ، فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
- البيان هو تفصيل المجمل والإفهام والإعلان والتعليم، قال علي كرم الله وجهه: ” ما أخذ الله على أهل الجهل أن يتعلموا حتى أخذ على أهل العلم أن يُعَلِّموا”
- الكتمان هو الإخفاء، وقد ورد الوعيد الشديد بشأنه “إن الذين يكتمون ما أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التواب الرحيم” (البقرة:159) و قال صلى الله عليه وسلم: “مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ أَلْجَمَهُ اللَّهُ بِلِجَامٍ مِنْ نَار”[28]
- نبذ الكتاب وراء الظهر هو إهماله، وعدم إعماله، أو عدم الالتفات إليه أصلا.
- (اشتروا به ثمنا قليلا) قال صاحب التحرير والتنوير: “والاشتراء هنا مجاز في المبادلة والثمن القليل، وهو ما يأخذونه من الرُّشَى والجوائز من أهل الأهواء والظلم، من الرؤساء والعامّة، على تأييد المظالم والمفاسد بالتأويلات الباطلة، وتأويل كلّ حكم فيه ضرب على أيْدي الجبابرة والظلمة، بما يُطلق أيديهم في ظلم الرعيّة من ضروب التأويلات الباطلة، وتحذيرات الذين يصدعون بتغيير المنكر”[29].
إذا فالميثاق المأخوذ من العلماء هو “فريضة البيان” التي تتنافى مع:
- الاكتفاء بالإجمال، والتغطية على الحقائق بالخوض في العموميات فقط.
- النقد العام الغامض للمنكر، مادام المُنكِر لا يسمي أهل المنكر، وسدنته، وبؤرته، وإغفال التنبيه على درجات المسؤولية في إشاعة الفساد والظلم: هل يتحملها من هم في أعلى هرم السلطة؛ أو من هم في وسطها؛ أو من هم في أدناها؛ أو هم جميعا.
- استعمال النصوص الشرعية في غير محلها ليستفيد من مقتضياتها غير المعنيين بها، كاللجوء دائما لضمان طاعة مطلقة وقمع المعارضة إلى قوله تعالى “يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم” (النساء:59)، أو الاستنجاد بحديث “من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية”[30] وتعمد الخلط بين البيعة الدينية التي كانت لا تعني أكثر من الدخول في الدين الجديد والالتزام بأحكامه، والبيعة السياسية التي تتعلق بمنصب مدني، تختلف بشأنه وجهات النظر، ولا يتهدد الرافض لها وعيد الميتة الجاهلية.
- التحريف في تأويل النصوص، وهو مناقضة صريحة للبيان والتبيين، وإسهام في تغميض الأحوال على الناس، وقد وقع الكثير من هذا التحريف في التاريخ القريب والبعيد.
- الإدلاء بآراء فتوائية تفتعل معارك وهمية، وتُشغل الناس عن القضايا الجوهرية والرئيسية، وتقدم صورا كاريكاتورية عن الدين وأهله، وتداري عجز الذين يدلون بها.
- التوسع في الرقابة الذاتية والحديث بمقدار، والحرص على إعطاء الانطباع عن الولاء والإخلاص، وتَوهُّم المراقبة والمتابعة في كل ناد ومجلس من “الخفير” إلى من فوقه، والخوف من المحاسبة التي تؤدي إلى فقدان المنصب، وتجلب سخط الناس.
- السرية تنافي البيان، ففي غَلَس التَّخفِّي تتضخَّم الأخطاء، ولا يتاح تصحيحها وتجاوزها، فلا أثر يُرجى لرأي علمائي يُهمس به بين الجدران، ولا يتم إطلاع الناس عليه، لا سيما في زمان انتزع فيه عامة الناس حقهم في التعبير عما يعتقدونه بكل حرية، على نحو لم يعد من المقبول أن يظل الجسم العلمائي متخلِّفا عن الركب ومترددا ومتوجِّسا.
أما الكتمان فيمكننا أن نَعُدَّ من صوره:
- عدم تقدم العلماء بآرائهم في القضايا التي تستأثر باهتمام عامة الناس.
- الروغان لتلافي الإجابة عن الأسئلة الحرجة المتصلة باحتكار الثروة الوطنية من طرف أقلية حاكمة، وتبديد الأموال العمومية، وغض الطرف عن لوبيات الاختراق الثقافي والهوياتي…
- تزييف الوعي الديني بالترويج لمقولات ترسخ القابلية للخضوع والعبودية، وتصوير تلك المقولات في صورة “ثوابث” لا يمكن تغييرها، ولا حتى بيان معانيها الحقيقية.
- الإنكار على من يُبيِّن وينصح ولا يكتُم، مخافة الاتهام بموافقتة، وإقراره على ما يقوله.
ويتنزل نبذ الكتاب وراء الظهر واشتراء ثمن قليل به على معاني:
- عدم العمل بالعلم، واتخاذه لمجرد الزينة، وتصدر المجالس، والحصول على سلطة رمزية، تلبي الطموح إلى الرئاسة والزعامة.
- اعتبار الإسلام شيئا من الماضي الذي يتعين تجاوزه، وفي أحسن الأحوال التبرك به.
- اتخاذ العلم وسيلة لاستجلاب أموال المستضعفين، وإيثار المصالح الشخصية على المصالح العامة، ومراكمة الامتيازات، مما يُعسر على العلماء مهمة التحرر من رق إحسان “اليد العليا”، فيردون الجميل بالسكوت، أو ببذل الفتاوى المدفوعة الأجر، وتكثير سواد الملتحِقين “بالاستبداد”، بعد إقناعهم بتبريرات دينية تقضي على “تأنيب الضمير”، وتحل محله “التلذذ بالخضوع”.
إن مهمة البيان – التي تعد من أهم مشمولات الميثاق- يجب ألا تترك عرضة لتقلبات المزاج النفسي والتقدير الشخصي لكل عالم، وإنما يجب أن تصاغ في قواعد وبنود:
- قابلة لقياس جدواها وتطبيقها في الواقع.
- ينهض بها “مجلس علمائي منتخب” ومستقل عن السلطة السياسية حتى لا يخضع أي عالم فيه لضغط الشعور بمنة الاصطفاء والاختيار من الحاكم، أو لضغط “شارعي” غير مؤسس على مطالب معقولة وشرعية.
- وتُفعَّل وتُجدَّد باجتهاد جماعي يشترك فيه أهل الشرع والعقل، لا يستحضرون إلا رقابة خالقهم، ورقابة المجتمع، ويَنتُج عنه عمل، فلا خير في علم ليس تحته عمل يراه الناس ويُشَم ويُفرك “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون” (التوبة:105).
الملمح القرآني السابع: إقامة الوحدة
ائتِماراً بأمره تعالى: “شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه” (الشورى:13)
وإن مهمة إعادة البناء ستكون عسيرة بدون فقه أسباب انتقاض البناء الإسلامي الوحدوي الأول، وهي أسباب سياسية ترتبط بالانقلاب الذي وقع على الخلافة الراشدة “لما انفرمت وحدة المسلمين الأولى تحت الملك العاض والجبري، لم يتحدث فقهاء ذلك الزمان عن ضرورة إعادة الحكم الشوري؛ لأن وحدة الشوكة والسلطان بقيت قائمة على رقعة دار الإسلام، حقيقية في القرون الأولى، رمزية بعد استقلال كثير من الأمصار، آخر عهدنا بوحدة الشوكة عهد آل عثمان رحمهم الله، لم يذكر علماؤنا السابقون أثناء حديثهم عن مقاصد الشريعة هذا المقصد الجامع، أما في زماننا، فنشعر بضرورة استعادة الوحدة شعورا عميقا، إنها مسألة حياة أو موت، إنها أم المقاصد، وشرط تحقيقها”[31]، ويلفت الأستاذ الانتباه إلى أهمية القاعدة الاقتصادية في إقامة الوحدة بدون إغفال أهمية الرافعة الروحية، و” إنها سباحة في عالم الأحلام، وملائكيةٌ بريئة أن يقلل المرء من أهمية العامل الاقتصادي عندما يتحدث عن الوحدة، كما أنها مادية سخيفة أن يتجاهل العامل الروحي الأخلاقي”[32]، ويؤكد على أنه”لن تدورَ رحا القومة الإسلامية وآلياتُها، ولن يستقيم سيرُها، ولن يُحفظ ميقاتُها، ولن يجتمع هم المسلمين على وحدة إن كان الأساس الاقتصادي خِرباً”[33]. ويعتقد بأنه” لا وحدة تُمكن بين محرومين ملهوفين، ومترفين في استكبارهم ملفوفين، الوحدة عمادها العدل”[34]، والوحدة الاقتصادية “لو لم تكن ضرورة عقائدية لكانت ضرورة حيوية، مسألة حياة أو موت للأمة، وإلا فثمن التنميات القطرية المنعزلة الانصهار والتبعية والتلاشي”[35]. وينبه على الأثر السيء للتكفير في شق صفوف الأمة وهدم الوحدة، وهو تكفير يعد أشد خطرا من أي وقت مضى لأنه “في الماضي كانت التكفيرات تتناول الأفراد أو الطوائف، والكل داخل الوحدة الإسلامية قبل أن تكرس القطرية الفرقة وتحجرها، أما اليوم فوَقْع التكفير، والطرد من حظيرة الإسلام، أبلغ أثرا وأعمق وأبشع؛ لأن تكفير قطعة من جسم الأمة الممزقة بغير حق يزيد التمزيق استفحالا”[36].
تلكم هي الملامح القرآنية السبعة لمسألة القومة كما أتى على ذكرها الأستاذ عبد السلام ياسين.
ثانيا: تأصيل الجهاز المفاهيمي ودينامية التغيير
بناء على ما ذكر يتبين أن لموضوع الرؤية القرآنية للثورة وإعادة البناء من خلال مكتوبات الأستاذ عبد السلام ياسين صلة وثيقة بتأصيل الجهاز المفاهيمي، وبمسألة دينامية التغيير والثورة وإعادة البناء، وتوضيح هذا يقتضي رسم أمور:
- ـ أولى الأستاذ عبد السلام ياسين أهمية قصوى لمسألة المصطلح، حتى لا تلتبس المفاهيم فيحدث التخبط في الحركة، لذلك اشتهر عنه إقامة فروق بين كلمتي “الثورة” و”القومة”، أولا من منطلق تاريخي “فالمسلمون في تواريخهم يستعملون كلمة “ثورة” للدلالة على خروجٍ عنيف بغير حق،ويستعمل مؤَرِّخونا كلمة “قومة” للإخبار عن الخارجين على الظلمة بحق، وكلمة “قومة” موحية بالقوة والثبـات والثقـة؛ لذلك نستعملها تميزا في الاصطلاح لنَنْتَقِدَ أساليب العنف، وحرق الناس، وبقْرَ بطون النساء، وإطفاء السجائر في عيون بني آدم، وما إلى ذلك من إفناء الطبقة البائدة، وتسليط المخابرات”[37].
- مراعاة خصوصية كل مجتمع بشكل لا يعيق مبادرات التغيير بدعوى الخصوصية نفسها، فلا يجب حصر “أسلوب الإزالة ولا مسار المناورة السياسية في صورة واحدة لاختلاف الأحوال في الأقطار، وتقلبها في الأزمان، وقد يكون العمل المسلح، والحرب الأهلية بين المسلمين أبعد هذه الصور عن المنهاج النبوي، بل ذلك كذلك لا شك”[38] والحديث هنا عن الاختيار الابتدائي التي يتعين أن يكون سلميا، أما إلجاء الثوار إلى السلاح كما حدث في ليبيا ويحدث الآن في سوريا فذلك شيء آخر.
- توجيه الغضب الفطري: “يكون الغضب الفطري البشري على الظلم، الغضب المختزن في نفوس المحرومين، الطاقة الفاعلة التي تحمل في ثناياها المبعثرة امكانيات الثورة”[39]، ولطالما استُغضِبت شعوبنا عندما صُودر حقها في اختيار من يحكمها، وعندما حُرمت من الحريات الأساسية التي كفلتها شرائع الأرض والسماء، وعندما نُهبت أموالها وهربها المستبدون، والإمام الشافعي رحمه الله قال:”من استُغضِب فلم يغضب فهو حمار”؛ لذلك دعا”عبد السلام ياسين” في مرحلة مبكرة إلى أن تحتل الاعتبارات التفصيلية لغضب المستضعفين مكانها في فكر الحركة الإسلامية، وشعاراتها، وتخطيطها لتعبئة الأمة، لأنها تمثل في المجتمعات العربية والإسلامية القوة المعارضة الأكثر تنظيما، والأوسع قاعدة شعبية، فتتكلم “لغة الخبز اليومي والأجور، والصحة، والسكن، والمدرسة، والكرامة، وتفصل كل هذا لرجل الشعب، المستضعف القاعدي، تفسر له لم يجب أن يغضب، وكيف ومتى، ومع من”[40] وحذر من ترك الغضب الفطري الطبعي يقود المعركة لوحده بدون ضوابط أخلاقية، مما سيؤدي إلى بروز التصرف الغضبي المُحطِّم[41].
- إن الغضب للمستضعفين حافز مُعتبر، وأسمى منه حافز الغضب لله، فيتفرغ القلب لعبادة الله، وتأليهه وحده، عندما يتفرغ من شواغل الرزق، وذلك بأن يحصل الإنسان على كفايته، وسبيلها هو العدل في القسمة، ومن شواغل القهر والاستعباد بأن يحصل على حريته وكرامته، وسبيلهما العدل في الحكم، ولذلك “ينبغي أن لا نكون من البلادة بحيث ننتظر قومة مجردة للحافز السامي وحده، ولا أن نكون من السطحية بحيث نترك الحوافز الدنيا تقود المعركة، المحسنون المتجردون لله قلة عددا، والعضل اللازم للقومة غذاؤه الغضب الطبعي”[42]
- إن مهمة الإسلاميين هي “أن يحقنوا الغضب الشعبي بجرعات إيمانية. وبلقاء الحافزين، وبقيادة الاعتبار الإحساني، وهيمنته، وجدارته، وقدرته على ضرب المثال، نرتقي بالحركة عن مستوى الغضب الجماهيري إلى مستوى القومة لله”[43]، ستوفر الثورة الشغل والخبز لا شك، ولكن ليس بالخبز وحده يحيى الإنسان، وهنا يبرز الضابط الثاني من ضوابط “القومة” هو ضابط الالتزام التام بالشرع (وحيثما كانت المصلحة فثم شرع الله)، بالإضافة إلى الضابط الأول وهو التعفف الكامل عن سفك الدماء[44].
- الواقعية واجتناب المزايدات الشعارية: الواقعية من حيث ضرورة الوعي بالعقبات التي تواجه عملية إعادة البناء بعد قيام الثورات، أما الشعارات فما لا يُترجم منها إلى أعمال يُسهم في تغميض الأحوال على الناس، ومن أكبر الثغرات غياب تصور متماسك لما بعد الثورة، وتعويض البرنامج بالتفاؤل الطليق وبالأحلام المجنحة، ولذلك حذر ياسين الإسلاميين أنفسهم من الانزلاق إلى المزايدات الشعارية “فيوهموا المسلمين أن “الحل الإسلامي” مفتاح سحري، وتعويذة ملكوتية، وعملية غيبية يتبخر أمامها شياطين التخلف وأبالسة البؤس وفراعنة الظلم، لا يوهمونهم أنها رُقية مطهرة تُذْهِبُ أرجـاس الماضي بين عشية وضحاها، وتبرئ الوضع المريض من عاهاته، وتحمل الأعبـاء عن الكواهل، وتطعم الجائع اليومَ قبل غد، لا يوهمونهم أن الملائكة تتنزل أفواجا بالرحمة العاجلة لمجرد أن الملتحين الصادقين أمسكوا زمام الحكم، وجلسوا على مِنصة السلطة، لا يوهمونهم أن “الحل الإسلامي” دَوْرة كَفٍّ تأتي من سماء العجائب بالنعيم تُدِرّه على الخلق، وبالرخاء والأخوة والكفاية والقوة بلا تعب، بل يلزم أن يُعْلِموهم ويعَلِّموهم أن “الحل الإسلامي” للمشاكل المعيشية التي حولها تَحْمَى السوق السياسية هو اجْتهادٌ وجهاد، مدعُوٌّ للمشاركة فيه لا للتفرج عليه، واستمطار بركاته كل مسلم غيور على دينه، وكل ذي رصيد خلقي ومروءة وقدرة وعلم”[45].
- العفو والصفح (اذهبوا فأنتم الطلقاء): التصور القبلي لطرق إعادة البناء يتطلب إدراك الحاجة الملحة للكوادر، والطاقات العلمية والفنية والفكرية والسياسية والاقتصادية، وإن تَلبَّست ببعض الظلم والفساد قبل الثورة، يقول عبد السلام ياسين: “الفكرة الأولى التي تسكن النفوس الغازية المنتقمة هي فكرة مطاردة أعداء الأمس تَلبِيَةً لِشَهْوة تُضَرِّم نارَها الأحقاد، وهي فكرة يجب أن يفر منها أصحاب المشروع الإسلامي فرارهم من الطاعون، لذا يجب أن تسطر الصفحة الجديدة بمداد العفو والتجاوز، لنصابر ونفاوض العقليات المتمردة التي يستهويها العنف، وليتمكن كل واحد من تغيير ما به، واللحاق بركب التجديد، وإعادة البناء”[46] وإن أي ثورة إن جاءت “تُنَحِّي ذوي الكفاءات، وذوي الغِنَى والخبرة، ورجالَ التجربة والاطلاع، بمجرد أنهم ساروا شوطا أو أشواطا مع تيار الفتنة الجارف، لا يكادُ يبقى في يدك إلا عروق بلا حياة، وجِذْعٌ بلا فروع، وشجرةٌ صماءُ ميتة، لا تُورِق، ولا تُزْهِرُ، ولا تُثْمِرُ”[47].
- يدرك “عبد السلام ياسين” الحاجة الملحة إلى”العفو الاقتصادي”، فإذا كان لابد من تفكيك جماعات الضغط الاقتصادية الإقطاعية، فلابد كذلك من الحيلولة دون تحطيم الجهاز الاقتصادي الموجود، إذ أن “المحافظة على حياة الناس، وحماية المال المشترك، وتزويد البلاد بجهاز اقتصادي متين، سيدعونا إلى تطبيق سياسة اقتصادية تتناغم فيها الصرامة الأخلاقية مع متطلبات الضرورة الواقعية، دون المساس بالمبادئ الأساسية. لابد إذا من تعبئة وتهذيب الحياة العامة، مع التحرز من الرخاوة البلهاء، فرغم أن ركب التنمية لا تقوده الأوامر العسكرية، إلا أن صفحة التسامح الجديدة يجب أن تفهم الجميع أن عهد الاستخفاف بالقانون قد ولى إلى غير رجعة ،ستفرض مرحلة التقشف الضرورية للإقلاع الاقتصادي، وركام المشاكل الموروثة عن الزور أن يكون للتعبئة والتهذيب الأخلاقيين – بعد فترة العفو اللازم- الحزم حين اتخاذ القرار، ستضطرنا الحاجة الملحة إلى الاستثمارات المنتِجَة، وتخوف الرساميل الأجنبية النافرة من المخاطرة دون ضمانات قوية -إضافة إلى فضيلة العفو الجوهرية في الإسلام- إلى تحمل الأموال المشبوهة، لكن إذا علمنا أن الرأسمال الأجنبي، والمهارة الأجنبية ـ رغم ضرورتهما ـ لا يمكن أبدا أن يعوضا الادخار المحلي، والمهارة البلدية، فسندرك مدى الحاجة المطلقة إلى مداراة الرجال والأموال”[48]
خلاصة القول
إن الرؤية القرآنية للقومة والثورة وإعادة البناء في مكتوبات الأستاذ عبد السلام ياسين تتأسس على سبعة مفاهيم تندرج تحت كل واحد منها عدة اعتبارات:
أولا: الدعوة الرفيقة والحكيمة التي تراعي لسان الناس وقدر عقولهم
- مهمة الدعوة بعد أن تصبح الدولة بيدها، طوع إرادتها، أن تستصلح الوسائل المادية والمالية والتقنية والإدارية لخدمة المطالب الدنيوية.
- ليست الدعوة مجرد توجيهات لا صلة لها بهموم الناس، ومطالبهم المادية.
- إن إرجاع الفاعلية للدعوة يتوقف على إعادة العلاقات بينها وبين الدولة إلى نصابها الإسلامي.
- من أشد المزالق أن تنشغل الدعوة بالسياسة عن التربية.
ثانيا: إقامة العدل، “كونوا قوامين بالقسط شهداء لله” (النساء:134)
- لا عدل بدون تطهير الجهاز القضائي، وتمتيعه بالاستقلال التام عن السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإلا بالعدل في توزيع الثروة، والفصل بين الثروة والسلطة.
- الجمهور هو ضمانة تحقيق العدل، شريطة أن نَرْفَعْهُ بالعدل وضمان العيش الكريم إلى آدميته، وأن نحرر نفسه وعقله من الخرافات، والنفاق، والغزو الحضاريِّ، ودين الانقياد.
ثالثا: إقامة الصلاة عماد الدين وغذاء الروح
رابعا: قومة الإحسان التي تحافظ على الفطرة، “فأقم وجهك للدين حنيفا فِطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيِّمُ”(الروم:29).
- الحفاظ على سلامة الفطرة يقتضي تربية الجسم بما يليق من غذاء وكساء، وتربيةِ الروح بالحفاظ على سلامة الفطرة، وتربية العقل والمهارة.
- فساد الفطرة يذهب بالمعنى من القلب، ويحول بينه وبين نيل مرتبة الإحسان التي هي المرتبة العليا في الدين.
خامسا: إقامة حدود الله في السياق التربوي العدلي العمراني الأخوي
- يحرص الإسلام أول شيء على زرع ثقافة المناعة في النفوس، لا ثقافة المنع.
- يحاط تنفيذ العقوبات بعدة شروط، وبأسوار من الاحتياطات، على نحو يحمل على الاعتقاد أن الشارع يفضل الخطأ في العفو على الخطأ في العقوبة.
- لا تطبق الشريعة على قوم لا يؤمنون بها، ولا يدعمونها، ولا يعطونها وَلاءَهم كما يريد منهم الله تعالى.
- حسن تطبيق الشريعة يقتضي التدرج وفقه الواقع وتطهير وتأهيل الجهاز القضائي.
سادسا: القيام بأمر الله، وقيام الدعوة على الدولة.
- بدون ضبط العلاقة بين الدعوي والسياسي؛ لن يتأتى ضبط العلاقة في الدائرة الأكبر – حين التمكن- بين الدعوة والدولة
- لما انحط الفقه السياسي تقلص دور العلماء التوجيهي والتربوي والسياسي والاجتماعي، وضعفت مواجهتهم للظلم والفساد والاستبداد
- إن السلك العلمائي مدعو إلى الانخراط بقوة في العملية التغييرية، متسلحا بالفقه الثوري المغيب، والوفاء بمقتضيات الميثاق الذي أخذه الله تعالى عليه، ومدعو إلى الانعتاق من أسباب العجز، والانخلاع من ربقة التقليد، لاسيما العاملين منه في المؤسسات الدينية الرسمية
- إن مهمة البيان – التي تعد من أهم مشمولات الميثاق- يجب ألا تترك عرضة لتقلبات المزاج النفسي والتقدير الشخصي لكل عالم،وإنما يجب أن تصاغ في قواعد وبنود
سابعا:إقامة الوحدة
- إن مهمة إعادة البناء ستكون عسيرة بدون فقه أسباب انتقاض البناء الإسلامي الوحدوي الأول
- الوعي بأهمية القاعدة الاقتصادية في إقامة الوحدة بدون إغفال أهمية الرافعة الروحية
- التكفير ذو أثر سيء في شق صفوف الأمة وهدم الوحدة.
ومما يستنتج أيضا حضور الرغبة الشديدة لدى الأستاذ عبد السلام ياسين في تأصيل الجهاز المفاهيمي من حيث مفهوم القومة، ومن حيث التمييز بين الغضب الفطري الطبعي والغضب الانفعالي المحطم، ومن حيث مغزى “الحل الإسلامي” و”العفو الاقتصادي”.
تلكم هي الملامح السبعة للرؤية القرآنية لمسألة الثورة والقومة التي نبه عليها”عبد السلام ياسين” الذي يمكن اعتبار أفكاره إسهاما مهما في بناء علم ثورة جديد منبثق من الذات الإسلامية، وهو علم يحضر فيه الإسلام، والرؤية القرآنية الواضحة، وفضائل العقل والحكمة والمرونة والفاعلية بقوة.
المصادر والمراجع
- القرآن الكريم برواية ورش عن نافع
- الألباني،، محمد ناصر الدين – صحيح سنن ابن ماجة، مكتب التربية بدول الخليج، ط3. 1988م.
- البخاري، محمد بن إسماعيل (ت 256 هـ) الجامع الصحيح، بيروت، علم الكتب، ط.5. 1986.
- ابن حنبل مسنده أحمد، بتحقيق شعيب الأرناؤوط وآخرين، بيروت: مؤسسة الرسالة، ط2، 1999م.
- مسلم أبو الحسين بن الحجاج، الجامع الصحيح، تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي دار إحياء التراث العربي بيروت بدون تاريخ ولا رقم الطبعة.
- ابن عاشور الطاهر، تفسير التحرير والتنوير، تونس: دار سحنون بدون تاريخ .
- ياسين عبد السلام:
- الإحسان، البيضاء: مطبعة الأفق، ط1/ 1998م.المغرب
- إمامة الأمة، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر، ط1/ 2009م
- تنوير المومنات، بيروت: دار لبنان للطباعة والنشر، ط1/2003م
- الحوار مع الفضلاء الديمقراطيين، البيضاء: مطبوعات الأفق، ط 1/1994م المغرب.
- المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ط 2/1989.
- نظرات في الفقه والتاريخ، المحمدية: مطبعة فضالة، ط1/ 1989م المغرب.
- العدل، الإسلاميون والحكم، البيضاء: مطبعة الأفق، ط1/ 2000م المغرب.
- الشورى والديمقراطية، البيضاء: مطبوعات الأفق، ط1/ 1996م المغرب.
[1] ياسين، عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم،ط1، 2000، ص 436 وما بعدها
[2] ياسين، عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ،ط1، 1989 ص 81.
[3] المرجع نفسه/ ص 81.
[4] العدل ،ص 141 .
[5] المرجع نفسه ص 234.
[6] المرجع نفسه ص 297.
[7] المرجع نفسه ص 94.
[8] ياسين، عبد السلام، الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية،ط1، 1987، ص 12.
[9] ياسين، عبد السلام، إمامة الأمة،ط1، 2009، دار لبنان للطباعة والنشر، ص 16.
[10] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا،ط2، 1989، ص 155.
[11] ياسين، عبد السلام، الإسلام والحداثة، ص 204 ، ط1/ 2000،مطبوعات الهلال،وجدة
[12] العدل ص 274.
[13] المرجع نفسه ص215.
[14] إمامة الأمة ص 127.
[15] المرجع نفسه ص 279.
[16] إمامة الأمة ص 125.
[17] أخرجه ابن ماجة في السنن 1/5.
[18] العدل ص 371.
[19] العدل ص 162.
[20] ياسين، عبد السلام، الشورى والدمقراطية، ص 270، ط1، 1996، دار الأفق، الدار البيضاء، المغرب.
[21] العدل،ص 163.
[22] الشورى والدمقراطية ص 70.
[23] رواه البخاري ومسلم
[24] العدل ص 269.
[25] المرجع نفسه
[26] البخاري،كتاب العلم،1/37.
[27] جامع الأحاديث 65/24.
[28] رواه ابن ماجة في كتاب المقدمة من سننه، حديث 276.
[29] الطاهر بن عاشور،التحرير والتنوير، 1/871.
[30] صحيح مسلم بشرح النووي، 12/240.
[31] نظرات في الفقه والتاريخ ص 54.
[33] المرجع نفسه
[34] ياسين، عبد السلام، حوار مع صديق أمازيغي، مطبوعات الأفق،الدار البيضاء المغرب ،ط1، 1987، ص 111.
[35] ياسين، عبد السلام، حوار مع الفضلاء الديموقراطيين، مطبوعات الأفق،الدار البيضاء،المغرب ط1، 1994، ص 192.
[36] ياسين، عبد السلام، الإحسان ، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، المغرب ط1، 1998، 1/67.
[37] ياسين، عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم، ص 236.
[38] ياسين، عبد السلام، الإسلام والقومية العلمانية، ص 292 ط1، 1989.
[39] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا،ص 263.
[40] المرجع نفسه
[41] المرجع نفسه
[42] المرجع نفسه
[43] المرجع نفسه
[44] المرجع نفسه ص 389.
[45] العدل،ص 431.
[46] ياسين، عبد السلام، الإسلام والحداثة، ص 234.
[47] ياسين، عبد السلام، إمامة الأمة، ص 34.
[48] الإسلام والحداثة،ص 283.