التأصيل المنهاجي لاقتحام العقبة إلى الله عز وجل
التأصيل المنهاجي لاقتحام العقبة إلى الله عز وجل
محمد ياسين العشاب باحث في الفكر الإسلامي/المغرب
مقدمة:
إن نظرية المنهاج النبوي التي قام الأستاذ عبد السلام ياسين بصياغتها وترتيب أفكارها وضبط قواعدها وتصنيف المراجع العلمية المؤلفة لها نظرية متكاملة شاملة، لاتقتصر على مجال أو تنحصر في نطاق، وقد أراد منظرها أن تكون أصيلةً في كل شيء، فاعتمد في تحديد مفاهيمها جملةً على القرآن الكريم على اعتبار أن علمَ هذه الأمة وحيٌ لا فكر، مع إبراز كنه المفاهيم وتفصيلها من نصوص السنة النبوية المترجمة للقرآن، فالأمر بالنسبة لنظرية المنهاج النبوي لم يتعدَّ تجديدَ ما شردت عنه الأمة، وإحياءَ ما دَرَسَ من علمها النبوي في خضم فتنة فساد الحكم وتكالب الأمم.
ومن بين أبرز تلك المفاهيم التي كانت منطلقا ومعتمدا لازمَ نظرية المنهاج النبوي: مفهوم اقتحام العقبة، وهو مقتبس من القرآن الكريم وتحديدا من سورة البلد الآية الحادية عشرة التي تقول: “فَلاَ اقْتَحَمَ العَقَبَة”، فهو مفهوم قرآني محض يدل على مركزية القرآن الكريم في نظرية المنهاج النبوي، ويبتعد بالفكر الإصلاحي المنهاجي عن دائرة الفكر الجدلي المادي، ويصلُ جميع عناصر التجديد المرتبطة به بمرجعية الوحي الشريف.
فالقرآن الكريم يقدم لنا الصورة المتكاملة لأبعاد اقتحام العقبة سلوكا واجتهادا، ويرتفع التأويل المنهاجي الموسع بتلك الأبعاد إلى أفق الفهم العميق الذي يشمل سائر جوانب الحياة الإنسانية، ويؤسس علما كاملا يرتبط بمفهوم اقتحام العقبة ووجهته وكيفيته، ويجعل منه رأسَ المفاهيم المنهاجية المعتمدة في صياغة مشروع إحياء الأمة أفرادا وجماعة، وتأسيس دولة الإسلام على قواعد الحرية والعدل والشورى.
وهو علم يتصل بالنفس الإنسانية وأحوالها أولا، ثم بأبرز المجالات الحيوية التي تتأسس عليها الحياة العملية للإنسان، ويتعلق الأمر تحديدا بالمجال الاجتماعي والمجال الاقتصادي والمجال السياسي، كما أنه علم ينطوي على منظور شامل ومتكامل غايته الأولى تجديد الإيمان في القلوب، وتطهير النفوس من العقبات التي تصدها عن السلوك إلى الله والصعود في معراج الإحسان، ثم تجديد دين الأمة بأن تغدو الحياة العامة في علاقاتها الداخلية والخارجية منضبطة للشرع وحاملة لرسالة الإسلام الصافية من منابعها النبوية الأولى.
ويتمثل التصور العام لاقتحام العقبة في أن كل مؤمن صادق سالِكٍ غايتُه الإحسان وإحياء الأمة يُوَطِّنُ نفسه منذ البداية على وعورة الطريق وصعوبة المسالك، وينتظر أن تعترضه عقبات كثيرة منها ما هو متعلق بأنفس البشر، ومنها ما هو متعلق بآفاق الكون، وأن اقتحام تلك العقبات والتغلبَ عليها مرتبط بأبعاد ووسائل متعددة، وتخطيط محكم وبناء تربوي متكامل أحكمَت وضعَ لبناته نظرية المنهاجِ النبوي.
وقيمةُ هذا البحث تتلخص في استجلاءِ العناصر المكونة لتلك اللبنات، واستخراج بعض ما قدرنا عليه من معاني وأبعاد ووسائل الاقتحام المبثوثة في سائر المراجع المنهاجية، وتَبيُّن مدى الأهمية التي يحتلها هذا المفهوم باعتباره المنطلق والمكون الرئيسي والأساس الذي تقوم عليه نظرية المنهاج النبوي، واستخلاص الكيفية المتبعة وفق التخطيط المنهاجي لاقتحام العقبات الفردية حتى بلوغ أعلى العقبة عند مقام الإحسان، واقتحام العقبات الجماعية حتى بلوغ أعلى العقبة عند مقام الخلافة عن الله ورسوله.
ولتحقيق تلك القيمة وتحصيل الغاية من البحث، نعتمد المنهج التحليلي مع الاسترسال في التحليل والخوض المباشر في قلب الفكر المنهاجي روحا ومضمونا، والاستفادة من زبدة المراجع المؤلفة لنظرية المنهاج النبوي دونما حاجة إلى تكرار ذكرِ صاحبها، ونقسم البحث إلى ثلاثة محاور رئيسية يشمل كلٌّ منها عنوانين فرعيين:
المحور الأول: مفهوم “اقتحام العقبة” بين السياق القرآني والتأويل المنهاجي
أولا: إقتحام العقبة في السياق القرآني
ثانيا: إقتحام العقبة في التأويل المنهاجي
المحور الثاني: ماهية العقبات وأبعاد الاقتحام
أولا: ماهية العقبات: عقبات فردية وعقبات جماعية
ثانيا: أبعاد الاقتحام
المحور الثالث: منهاج اقتحام العقبة
أولا: غاية الاقتحام ووسائله
ثانيا: كيفية الاقتحام
Loading...
المحور الأول:
مفهوم “اقتحام العقبة” بين السياق القرآني والتأويل المنهاجي
ما بين السياق القرآني والتأويل المنهاجي لاقتحام العقبة تنجلي لنا أبعاد التربية الإحسانية والبناء الجهادي للأمة، وبين الأبعاد والبناء مسافاتٌ يختصرها المضمون المنهاجيُّ الذي يتجاوز الأحكام التفصيلية إلى ما وراءها في نطاق فهم شموليٍّ وعميق، وينطلق من حَيِّزِ الجزئيات إلى أفق الكليات، ويرتفع بالمعنى إلى أسمى ما يمكن الوصول إليه لتحصيل درجات الكمال الإيماني، وتحقيق موعود الاستخلاف والتمكين والأمن.
أولا: إقتحام العقبة في السياق القرآني:
إن طاعةَ الله سبحانه وتعالى وابتغاء مرضاته هي عماد الأمر كله، وما استخلف الله الإنسانَ في الأرض وخصَّهُ بالفضل وكَرَّمَهُ إلا ليُحسنَ عبادتَهُ ويتقنَ طاعتَه، واستشعارُ تلك الغاية واستقرارُ الإحساس القوي بمسؤولية تحقيقها في قلب المؤمن هو الذي يشعره بمعنى إنسانيته حقَّ الشعور، ويخرجه من دائرة الشعور بالفراغ وعبثية الحياة التي لا تستقيم على معنى الغاية من الخلق: “وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وِالاِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُون، مَآ أُرِيدُ مِنْهُم مِن رِزْقٍ وَمَآ أُرِيدُ أَن يُطْعِمُون“الذاريات:56-57.
غير أن بلوغ تلك الغاية العظمى تعترضه صعوبات ومشاق، ومنها عوائق لاتتجاوز طبيعة النفس البشرية، فالقرآن الكريم يصرح بأن الإنسانَ ضعيفٌ بطبعه، يقول الله عز وجل: “وَخُلِقَ الاِنْسَانُ ضَعِيفَا“النساء:28، وفي غير موضع وآيةٍ يؤكد القرآن الكريم بأن الإنسان مَيَّالٌ إلى الدنيا شحيح بالخير سريع الجُنُوحِ لليأس، ومن ذلك قوله تعالى: “وَلَئِنَ اَذَقْنَا الاِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُوسٌ كَفُور، وَلَئِنَ اَذَقْنَاهُ نَعْمَآءَ بَعْدَ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي، إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُور“هود:9-10، إلا أن الاستثناء الذي سيأتي بعد هذه الآية يدل على أنه من بين الناس لا ريبَ من حباه الله القدرة على اقتحام تلك العقبات، وأنه سبحانه قد اجتبى منهم أولي أنفس زكية وصبرٍ جميل، يقول سبحانه مستثنيا من الصنفين السابقين، صنفِ اليائس من رحمة الله، وصنفِ الذين تصرفهم النعمة عن الله: “إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُم مغْفِرَةٌ وأَجْرٌ كَبِير“هود:11.
إن اقترانَ وصفِ الإنسانِ بالضعف واليأس والفرح تارةً ثم وصفه بالصبر والإيمان والتقوى ونيلِ الرضوان والسابقة تارة أخرى أمر يثير السؤال عن السبيل الذي يفرق هذا عن ذاك؛ كيف للضعف أن يصير قوة، ولليأس أن يصبحَ أملاً في رحمة الله، وللقنوط أن يَغْدُوَ صبرًا واحتسابا؟
لا ريب أن الإنسان ما دام ضعيفا قانطًا فَرِحًا تعترضه في طريقه إلى الله عز وجل عقباتٌ ومشاقّ، ولا جَرَمَ أنَّ اقتحامَهَا نهايةٌ لآثام النفس وبدايةٌ لصفاء القلب والقرب من العلي القدير، وتأهيل للمؤمن لأن يتجاوز عوائق الشح الأناني الفردي لينضم إلى جماعة المؤمنين، ويتسنَّمَ العقبة التي منتهاها رضى الله عز وجل.
والعقبةُ هي كلُّ ما يعترض صفاءَ القلبِ في حضوره مع الله، أو هي كل عائق يعترض كلَّ مرحلةٍ من مراحل سلوكِ الإنسان إلى الله، سواء كانت مع نفسه أو الشيطان، فالإنسانُ ميَّالٌ بنفسه إلى الراحةِ والدَّعة، مُؤْثِرٌ الإِخلادَ إلى الأرضِ على الجهاد، وذلك لما جُبِلَتْ عليه النفوس من شُحٍّ مُطاع، وهَوًى مُتَّبَع، كما أنه يكابد مدى حياته فتن الدنيا ليصرعَها في النهاية أو تصرَعَه.
نستشف هذه المعاني بجلاء عندما نتأمل السياق القرآني الذي ورد فيه ذكر “اقتحام العقبة” في سورة البلد، يقول الله عز وجل:
“بِسمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. لاَ أُقْسِمُ بِهذَا الْبَلَدِ وَأَنْتَ حِلٌّ بِهَذَا الْبَلَدِ وَوَالِدٍ وَمَا وَلَدَ لَقَدْ خَلَقْنَا الاِنْسَانَ فِي كَبَدٍ. أَيَحْسِبُ أَن لَّن يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ يَقُولُ أَهْلَكْتُ مَالاً لُبَدًا. أَيَحْسِبُ أَن لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ. أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ. فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ. وَمَا أَدْرَاكَ مَا العَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ اَوِ اِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ اَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ. ثُمَّ كَانَ مِنَ الذِينَ ءَامَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ. أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ. وَالذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمُ أَصْحَابُ الْمَشْئَمَةِ. عَلَيْهِمْ نَارٌ مُوصَدةٌ“.
نتأمل في قوله عز وجل: “لَقَدْ خَلَقْنَا الاِنْسَانَ فِي كَبَد“، أي في تعب ونصب بما قُدِّرَ عليه من مكابدة شدائد الدنيا وفتنها التي لا تنقطع، وهذه الفتن تختلف النظرة إليها بين مؤمن سالك راغب في الوصول يراها مثبطات وعقبات، وبين مفتتن بالرفاهية المتاحة للإنسان الغافل يراها متعا ونعيما.
فالكبدُ إذن هو ابتلاءٌ يصيبُ الإنسان المؤمنَ من قلب الواقع المتموج بالفتن، فهو يكابدُ من جهةٍ تيارات المستكبرين الذين ينازعونه حريته ويطمحون إلى استعباده، ويكابد من جهة أخرى أمواج الطامعين الطامحين إلى تفقيره واستغلال رزقه، كما يكابد عواصف المنحرفين والغافلين ممن يريدون أن يسلبوه استقامته ويزُجُّوا به في غمار التضليل، وفي قلب واقع كهذا يعجز الإنسان عن معرفة ربه وأداء مهمة عمارة أرضه.
والإنسانُ على كَبَدِهِ ومَشَقَّةِ ما يعاني من واقعه حرٌّ في اختياره، فالله سبحانه قد أودع في فطرته وعقله وقلبه ونفسه وجسمه قدرات لا بد منها للنجاح في رحلة الحياة الشاقة؛ فعلى مستوى القدرات المادية جعل له عينين ولسانا وشفتين، وعلى مستوى الحوافز المعنوية أودع فيه العزم والإرادة والصبر واليقين والشجاعة وبعث فيه الهمة واليقظة، وبتوافر جميع تلك القدرات المادية والحوافز المعنوية يكون الإنسان مؤهلا ليهتديَ إلى النجدين، أي طريقي الخير والشر[1]، وقد أتاح الله له من السبل مايكفيه ليتبين بوضوح ما يفرق الطريقين عن بعضهما، وأتاح له الحرية الكاملة التي تتجاوز مجالها الأرضي لتصبح خادمة لمصير الإنسان بعد الموت، ذلك المصير الذي يصبح مرتهنا بسلوك الإنسان في الدنيا، فإما سلوك يقتصر على المنفعة الدنيوية فيُصَيِّرُهُ من أصحاب المشأمة، وإما حرية كاملة تنبعث منها إرادة حافزة له على أن يندرج في أصحاب الميمنة.
ثم يستحثُّ الله سبحانه هذا الإنسانَ على عِلاَّتِهِ أن ينهضَ من وَهْدَةِ الجهل، ويرتفع على العاداتِ التي يَرْزَحُ تحتَهَا كلُّ مُحِبٍّ للدنيا، فإن هو فَعَلَ اقتحمَ عوائقَ الشُّحِّ الذي جُبِلَتْ عليه النفوس، لاسيما وأن الله سبحانه قد أكرم هذا الإنسان بنعم لا تحصى، وأودع في فطرته استعدادا كاملا لتلقي الهداية، فخاطبه مخبرا ومحرضا: “فلا اقتحم العقبة!”، و”لا” هنا إما للنفي والاستنكار، فيكون المعنى: رغم كل تلك النعم، ورغم الهداية الربانية التي تخير الإنسان بين نجدي السعادة والشقاء لم يقتحم العقبة المؤدية إلى سعادته، وإما للعرض والتحضيض، فيكون المعنى: هلاَّ اقتحم العقبة، وفي كلا المعنيين نداء قوي ومؤكد من الخالق للإنسان أن يسلك إلى ربه السبيل ويقتحم إليه العقبة[2].
يذكر المفسرون الأوائلُ أن العقبةَ جبلٌ في جهنم[3]، ويخالفُ اجتهادَهُمْ مقتضى الآيات وسياقُها، يقول الحق تبارك وتعالى: “فَلاَ اقْتَحَمَ العَقَبَة، وَمَآ أَدْرَاكَ مَا الَعَقَبَة؟” فيه حذف، أي وما أدراك ما اقتحامُ العقبة؟ ثم يُعَرِّفُهَا صريحُ الآيات:” فَكُّ رَقَبَة، أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَة، يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَة، أوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَة“.
يقول القشيري رحمه الله: “وحَمْلُ العقبةِ على عقبةِ جهنَّمَ بعيد، إذ أحدٌ في الدنيا لم يقتحم عقبةَ جهنم”، وأوسط أقوال المفسرين أن العقبة كناية عن مجاهدة النفس وفعل الطاعات في الدنيا وسلوك طريق الخير والصعود فيها[4].
هذا وتصرح الآية بعد ذلك أن حقيقةَ اقتحامِ العقبة إنما تنحصر في المؤمنينَ الصابرينَ المُتَوَاصِينَ بينهم بالمرحمة، فأول شرطٍ صحةُ الإيمان بالله عز وجل، فلا يتحقق معنى اقتحام العقبة وإن كَثُرَ العملُ الصالحُ بلا إيمان، لأن معيارَ صفاء القلبِ ونقاء السريرةِ وصدقِ الإقبالِ على الله عز وجلَّ إنما يرتبطُ بدرجة الإيمان واليقين الحاصلِ في الجوارح، قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “يا رسول الله، إن ابنَ جُذْعَانَ كان في الجاهلية يصل الرحم، ويطعم الطعام، ويَفُكُّ العاني، ويُعتِقُ الرقاب، ويحمل على إبله لله، فهل ينفعه ذلك شيئا، قال: لا، إنه لم يقل يوما رب اغفر لي خطيئتي يومَ الدين”.
نُمعِنُ النظرَ في قوله تعالى: “وَتَوَاصَوْا“، يكررها مرتين، إذن فالصبر والمرحمة وخَفْضُ الجناحِ بين المؤمنينَ إنما يحصُلُ بالتواصي فيما بينهم، بنُشْدَانِهِم جميعا في أخوة ومحبة حاصلةٍ بينهم وجهَ الله تعالى، فلا يُصَارُ إلى ذلك المقصد العظيم إلا من خلال المحبة والأخوة بين المؤمنين والصحبة الجامعة، والارتباطِ بمصير واحد هو مصير الجهاد الجماعي.
إن التأمل العميق في معاني سورة البلد يفضي بنا إلى التعرف المباشر على مضمون التربية الإسلامية الذي يخاطب العمق الإنساني، ويستجلي أبعاد النفس البشرية وما تحس به من غربةٍ وخواء أو ما قد تقع فيه من عبثيةٍ إن هي ظلَّتْ بعيدةً عن الله، وأن ارتفاع هذه النفس من وهدة الخمول إلى قمة السمو إنما تمهده صحبة المؤمنين المتواصين الصابرين المتراحمين المجتهدين في طلب وجه الله والاستواءِ مع أصحاب الميمنة.
ثانيا: إقتحام العقبة في التأويل المنهاجي:
تتخذ نظرية المنهاج النبوي مفهوم “اقتحام العقبة” منطلقا أساسيا وقاعدة مرجعية شاملة، فلا نكاد نجد مرجعا من المراجع المكونة لها يخلو من ذكر العقبة وأبعادها، فهي تشكل رأس المفاهيم التي تحمل المضمون المنهاجي، كما أن اعتماد مضمون العقبة اقتباسا من سورة البلد هو توفيق إلهي لاعتماد عبارة حبلى بكثير من العلم[5].
وإذا كان مضمون “اقتحام العقبة” المستند إلى سياقه القرآني يشكل المحور الجامع للمنهاج النبوي، فإن اعتماده لا يعد تأويلا لكتاب الله أو تغييرا لمقتضيات المضمون القرآني، فلا جدال في أن تحرير الرقبة المؤمنة من الكفارات، وإطعامَ اليتيم والمسكين قربة وعمل صالح، وتواصيَ المؤمنين بالصبر ومشاركتهم في أوجه الخير والحق يعدُّ من ألزم الطاعات[6]، وأن التفسير الفقهي سيعتمد الآيات الكريمةَ منطلقا يستنبط منه الأحكام العينية الجزئية، ليفسر فك الرقبة وإطعامَ المسكين واليتيم والكينونة مع الذين آمنوا في سياق الأحكام الفقهية، وهو السياق الذي لا يتغير ولا يبدِّلُ من قيمته أن نستشف من الآيات ما وراء الأحكام التفصيلية.
ذلك أن اعتماد الأحكام التفصيلية المباشرة يحصر مفهوم العقبة في المضمون الفردي، ويحول دون الفهم العميق والمعرفة الشمولية للإنسان وما يعترض سلوكه من عوائق وحواجز تعترض صعوده في معارج الإيمان، ونحن أحوج ما نكون إلى فقه أوسع جامع يعطي الجيلَ الإيمانيَّ معانيَ أشمل عن الاقتحام وطبيعته والعقبات وأنواعها وأبعادها، فيتحول مفهوم فك الرقبة من إطاره الجزئي الذي لا يتجاوز باب الكفارات في فقه العبادات، إلى المعنى الواسع الشمولي الذي يجعل منه تحريرا للإنسان عامة من العبودية لغير الله عز وجل، ويرتفع حكم إطعام اليتيم والمسكين من درجة قربة وطاعة إلى مستوى تحرير طاقات الإنسان بأسرها لينتج بها ما يستطيع به إطعامَ المعوزين بدءًا من إطعام نفسه، أما الكينونة مع الذين آمنوا فتتحول إلى تحرير كامل للإنسان المؤمن الفرد من العزلة والخمول والانفراد واندماجه في الجماعة، فينضج بذلك وعي المؤمن ويَصِحُّ مسارُهُ عندما يكتمل في وعيه الجمع بين المصيرين: مصيره الفردي إلى الآخرة، ومصير أمته إلى الاستخلاف والتمكين في الأرض.
وبناءً على هذا التصور المتكامل، يرد مفهوم اقتحام العقبة ضمن المنهاج النبوي كنظرية عامة في صور مختلفة لها محاور جامعة، فهو لا يخرج في جميع الأحوال عن كونه “نداء مؤكدا من الله تعالى للإنسان أن يسلك إلى ربه السبيل”[7]، فهو بذلك نداء إلهي قوي يتوجب على الإنسان تلبيته والاستجابة إليه، وهو نداء يتضمن معنًى رفيعا يتجلى فيه الإلحاح الدائم السرمدي من الله عز وجل على عبده أن يسلُكَ إليه السبيلَ حتى يصل إلى أرفع درجات القرب مهما تعددت المشاق واختلفت العقبات التي تحول دون الوصول، كما يتضمن معانيَ التضحية والصبر والبذل المتمثلة في مثال العقبة التي يحقق اقتحامُها كلَّ تلك الخصال، ويؤدي بالسالك الصابر إلى الصعود والارتقاء المستمر نحو أعلى درجات الكمال البشري.
فاقتحام العقبة بهذا المعنى هو “تحرك سالك إلى مسلوكٍ إليه صُعُدًا وارتقاءً”[8]، فهو يتضمن جوهر السلوك إلى الله عز وجل وسداه، وغاية السلوك هي الرقي المستمر إلى الله ، ولا ريب أن هذا الرقي يمر بطريق شاقة وعرة كلها صبر ومسؤولية وقوة وإرادة واقتحام، وكلمة اقتحام تحمل معانيَ جساما[9]، وهو ما يستلزم لدى الإنسان المدعو للاقتحام خصالا نفسية وقلبية وعقلية قوامها الشجاعة في الشدائد ومنابذة الخوف والتغلب عليه، والطموح الدائم إلى بلوغ الغاية المستقبلية الأسمى وإن كان ثمنها في خضم الحاضر المفتون غاليا، ذلك أن ” اقتحامَ العقبة يحدد للمؤمن الفاعل ذي الإرادة الحرة اتجاها صاعدا، وينصب بين عينيه صورة مستقبل يتجاوز التاريخ الأرضي، فيقترح على المؤمن مسيرة إلى الله تعالى من ماض يثقل حاضره بالموروث، عبر حاضر متموج بالفتن “[10].
والعقبة “تحرير وعدلٌ وسيادة”[11]، ويشمل اقتحامُها في جميع الأحوال البحثَ في العائق النفسي والعقبة الذاتية فينا أفرادا وفي الأمة جماعة[12]، فالمنهاج يؤكد في غير ماموضع وغير ما مناسبة أن عملية الاقتحام على وعورتها وتشابك مسالكها لدى النفس البشرية لا تقتصر على الجانب الفردي، وإلا فإن هذا الاقتصار سوف يرتب خللا عميقا في تحقيق الاقتحام من منظوره المتكامل، فإذا “لم يكن المؤمن مع المؤمنين، وما لم يشاركهم في الصبر والعمل والرحمة الجماعية، أي ما لم ينضمَّ للجماعة ويتعاون معها على إقامة شرع الله فإنه لم يقتحم العقبة”[13].
ونفهم من ذلك أن العقبات فردية وجماعية، وأن تحقيق معنى الاقتحام يستلزم المرور بها جميعا، وتأهيل السلوك الإنساني إلى تجاوز عوائق الشح الأناني الفردي والاندماج في جماعة المؤمنين، وتحقيق معاني التواصي بالصبر والتواصي بالمرحمة والاستواء مع أصحاب الميمنة كما ورد في النص القرآني، وأن المقصد من اقتحام العقبة لا يُصَارُ إليه إلا بالارتباطِ بمصير واحد هو مصير الجهاد الجماعي المفضي إلى النصر تحت راية المنهاج النبوي، “فمن اقتحم كلَّ العقباتِ التي تحول بينه وبين نصر الله تعالى بالمال والنفس كان من أصحاب الميمنة، واستحق جزاء المجاهدين”[14].
يقول الله سبحانه في وصف المحسنين الصابرين المتواصين بالمرحمة ممن تغلبوا على أنفسهم فاقتحموا إلى الله عقباتها: “أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْمَيْمَنَة”( البلد:18)، وأصحاب الميمنة أهلُ السابقة عند الله عز وجل، مهما ارتفعت العقبات أمامهم ما انكسروا لها أبدا، فإذا ما تقاعس المتواكل وانتكست همته خوفا منها واستعظاما لها، قال المتوكل استصغارا لها وتعظيما لقدرة ربه عز وجل:
“إذا كان الله معنا فلن نغلب من قلة، ولن نفشل إن اتخذنا كل ما في وسعنا من أسباب! ونحن لها صعودا إلى قمة العقبة إن شاء الله!”[15].
وهؤلاء المؤمنون المتحابون المتواصون بينهم بالمرحمة هم جند الله الذين اصطفاهم ليحملوا مشعل الدعوة إليه، ويقيموا دين الله في الأرض[16].
المحور الثاني:
ماهية العقبات وأبعاد الاقتحام
إن طبيعة العقبات تتحدد بحسب البعدين الداخلي والخارجي للإنسان، وتتداخل الأنانيات والعادات والذهنيات والتنافس الدنيوي لتشكل جوهر الخلل في النفس البشرية والمحيط الذي يسيجها، وتُعَرِّفُ من تلقاء نفسها بمضمون العقبات التي تغير المفهوم الحقيقي للحرية، وتخفي في طياته معانيَ مغلفةً للاسترقاق والاستغلال، فالمفهوم السليم للحرية لا يمكن تجليته بشكل واضح إلا بإدراك كنه الحواجز الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تعوق عملية الاقتحام، وتجاوز مظاهر الاستعباد الاجتماعي والفقر والفرقة بما تتضمنه من حمولة تعجيز وإحباط للمجتمع، مما يتيح مقاومة الهيمنة الخارجية وتعزيز أواصر الجماعة الصابرة المتراحمة.
أولا: ماهية العقبات: عقبات فردية وعقبات جماعية:
إن عناصر العقبة متداخلة ومتكاملة من ناحية الوظائف والعلاقات، ويرتبط تحديد طبيعتها بالبعدين الداخلي والخارجي للإنسان، فهذا الأخير يرتهن من جهة بداخله وطبيعة نفسه عندما تعوقه أنانيته وعاداته وذهنياته، ويفتتن من جهة أخرى بأخيه الإنسان وما يربطه به من علاقات، وما قد ينجم عن ذلك من صدام أنانيات وعادات وذهنيات وتنافس على الرزق وخصام على المصالح[17]، فالعقبة وإن كانت في جوهرها مرتبطة بتطلعات الإنسان واهتماماته ودرجة وعيه بالحياة وما يحيط بها، أي أن محورها وموضوعها الأساسي هو الفرد، فإن محيط هذا الفرد له التأثير البالغ والحاسم في تكوينه وتربيته وتوجيهه، وهذا المحيط في حد ذاته متموج بالعقبات التي تحول دون توفير أرضية العبودية الكاملة لله.
فمضمون العقبة بالنسبة للفرد المؤمن هو نفسه أولا يخلصها من شوائب الذهنيات والعادات، ويحملها على السير في الاتجاه السليم والصراط المستقيم، ثم “عالم الفتنة القائم المشترك بينه وبين الجاهلي والكافر”[18].
ويتعلق هذا المضمون ببعديه الفردي الداخلي والخارجي بعنصر الحرية، فالمرء مالم يتغلب على عوائق نفسه وإكراهات مجتمعه والعالم الذي يحيا فيه يكون مفتقدا لكامل حريته، و”لاحرية للإنسان إلا داخل تضامن اجتماعي يقيه طغيان الفئة المناهضة، أو طغيان الدولة”[19].
وترتبط هذه الحرية بأبعاد مختلفة، فهناك البعد الاجتماعي الذي يلعب دورا حاسما في توفير شروط الاقتحام، فالفقر والتفاوت الاجتماعي والعزلة تعبير عن واقع الظلم والحيف الذي يصبح مع مرور الزمن واقعا ممتنعا بمعطياته التي تقمع الحرية، وهناك البعد الاقتصادي الذي يتحكم بشكل مباشر في حرية الإنسان ومدى قدرته على تحقيق غاياته التربوية، ففي ظل اقتصاد يجمد روح الإنسان ويَعُدُّهُ سلعةً أو طاقةً إنتاجية، وفي ظل مجتمع ينخره الفقر والجهل يصعب على الإنسان الصالح الصادق أن يجد متنفسا لاقتحام عوائق نفسه والمجتمع الذي ينتمي إليه نحو الخلاص المنشود.
ويشكل البعد النفسي إلى جانب الأبعاد الأخرى سببا قويا من أسباب الاستسلام والتنازل عن الحرية، وتجتمع كل تلك الأبعاد عند مستوى الأنانيات والذهنيات والعادات المثبطة، فيصبح الإنسان عبدا لنفسه ومجتمعه مستسلما لعاداته مستمسكا بأنانيته ومصالحه الفردية، وتكون حريته بمثابة “حرية الجبناء”[20]، يقنع منها بأمن الرعية المستكينة الراضية في جميع الأحوال.
ويرتبط هذا المستوى من الاستسلام للعقبة بسيطرة ثلاثة أنواع من الذهنيات[21]:
1- الذهنية الرعوية: وتخالف استقلالَ الإرادة الذي يعد أصلا من أصول نظرية المنهاج النبوي، وتعبر عن أسلوب تفكير النفوس القاعدة ونظرتها السلبية إلى الحياة، تلك النظرة التي تنفر من المشاركة الفاعلة والخوض في غمار التدبير الإيجابي، إلى درجة أنها تنتظر دائما “أن يفعل بها ولا تفعل، وأن يدبر لها غيرها وهي لا تقدر أن تدبر”[22]، فيخشى المرء على نفسه أن يَزُجَّ بها في غمار الفعل الجهادي مع الأمة، ويحدثها وتحدثه بالقعود تواكلا منه واستسلاما، حتى وإن لوَّعَهُ حالُ أمة الإسلام وتمنى لها العزة ما كان له من أجر الجهاد وفضلِه غيرُ الأماني، لأنه ألقى بالمسؤولية كلها على غيره ممن تمنى أن ينهضوا ويدبروا ويفعلوا مكانه، وآثر العافيةَ واكتفى بالانتظار أن يُنزل الله قدر النصر بيد غيره، فحال بتواكله دون صلاح نفسه.
2- الأنانية المستعلية: وتخص الفئة التي ارتهنت بما أنجزته وحصلت عليه من منافع شخصية ومآربَ ذاتية، “ويعوق أصحابَها عن اقتحام العقبة امتلاء مما هم فيه وطلب المزيد مما هم فيه”[23]، فيطول أملهم وتعلقهم بما بين أيديهم، ويحجبهم التطلع إلى الظهور ونيل الرئاسة وتحصيل المنافع الشخصية عن تزكية أنفسهم ونصرة قضايا أمتهم.
ومما يتولد عن الأنانية “التهمم بالنفس عن القيام بالواجب، وقلة الثقة بالله عز وجل، وقلة الانضباط، وخفة الاستماع إلى المرجفين”[24]، ممن تناسب دعواتُهم وَهْمَ المصلحة الشخصية، كما تتولد عنها العقلانية الأنانية التي تؤله العقل وتترفع على الغيب[25].
وأصحاب هذه الذهنية لم يقتربوا من الناس ولم يحسوا بآلامهم، فهم في منأى عن الواقع، ومنهم صنفٌ نجح في تخليص نفسه من بعض عقباتها، لكن أنانيته وسوء فهمه للواقع انحرفا به عن المسار الجهادي الصحيح، فلم يكن نجاحه في اقتحام بعض العقبات الفردية كافيا ليفلح في اقتحام العقبات الجماعية، والخروج من ظلمة الأنانية إلى نور العبودية الكاملة لله عز وجل، ومن ظلمة العقلانية إلى نور الوحي الشريف.
إن هذا النموذج من المؤمنين يخالف نموذج المؤمن الكامل الذي لا يترك الميدان ويدع العالم وصراعاته ليتفرغ للتقوى، وإلا كان مؤمنا يتسربل بأنانيته الإيمانية ويبخل بها خشية الفتنة أن تمسَّ أذياله الطاهرة أو تفسد عمله إن هو خالط المجتمع[26]، فإن سعى إلى فك رقبة فإنه ما سعى إلى تحرير الإنسان، وإن أطعم فإنه لم يطعم بالمعنى المتكامل للإطعام ما دام لم يشارك في الإنتاج، ويضيع منه معنى التحزب لله تعالى بعزلته وانفراده، فيفوته فضل الجهاد[27].
3- العادة الجارفة: وتسلب الإنسانَ حريته بانقياده التام لتيار التبعية العمياء لكل ما اعتاد عليه الناس، وهي التبعية “المانعة لنا أن نعرف معروفا بميزان الشرع، أو ننكر منكرا يذمه الشرع”[28].
والنفوس تنفر أشد النفور من الإقلاع عن العادة[29]، ذلك أنها تغرق صاحبها في دوامة الحياة اليومية الرتيبة، فتستسلم لمخدر قوي شديد المفعول ينبعث من وتيرتها المترددة[30]، فيعسر عليها أن تنفلت من تأثيره المهيمن عليها بغير اقتحام يتحول بزمن العادة إلى زمن العبادة[31].
إن التمسكَ بالمعاني الحضارية والثقافية جِدَارٌ قد يَحُولُ دون التَّحَوُّلِ إلى المعاني النورانية النبوية، خالصةً من دون المعاني الأخرى إن يَسَّرَ اللهُ أسبابَ معرفتها، فلا يُبْعِدُ عنها إن وَضَحَتْ واتَّضَحَتْ إلا مصالِحُ وغاياتٌ أورَثَتْهَا الناسَ الثقافةُ وجَذَّرَتْهَا فيهمُ الحَضَارة، ليُؤَسِّسَ الباطلُ بينهمْ شرعيَّتَهُ من مُنطَلَقِ فَهْمِ آلياتِ الصراع الاجتماعي فَهْمًا خاصًّا وتغليفِ الحقائق، فلا يَظَلُّ على الحقِّ إلا قليلٌ ينفرُ منهم المجتمعُ أو يَصِمُهُمْ بما يُزْرِي بهم داخلَه، ويَجِدُ الناسُ فيما هم عليه خطرًا قد يهدد معالم حياتهم، فإن دُعُوا إلى صَلاَحٍ أجابوا بما أجاب به سَلَفُهُم في كل مرة:
“وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللّهُ قَالُواْ بَلْ نَتَّبِعُ مَآ أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَآءنَا. أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ شَيْئاً وَلاَ يَهْتَدُونَ“( البقرة:169).
“وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوِا اِلَى مَآ أَنزَلَ اللّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُواْ حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءنَا. أَوَلَوْ كَانَ آبَآؤُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلاَ يَهْتَدُونَ“( المائدة:103).
“وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَآ أَنزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَآءنَا. أَوَلَوْ كَانَ الشَّيْطَانُ يَدْعُوهُمُ إِلَى عَذَابِ السَّعِير“( لقمان:20).
وعندما تجرف الإنسانَ العادةُ لا يلتفت إلى إقامة الصلاة وذكر الله وطلب العلم بقدر ما يلتفت إلى إهدار الوقت في مواطن العادات التي أثَّلتها أفعال العباد، فاغتدت بعد ذلك سنة متبعة، ومهما كانت ضارة أو نافعةً أبى أن يخالفها فيسخطَ عليه عناصر المجتمع الذي ينتمي إليه.
ثانيا: أبعاد الاقتحام:
إن الحديث عن عوائق “اقتحام العقبة” يفترض إجابة دقيقة عن الأسئلة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية في إطار نظر كلي وشمولي لا يستثني ميدانا من الميادين الحيوية التي تشمل الحياة الإنسانية، ويؤدي التفاعل الإيجابي معها إلى الانغراس في الواقع بشكل يجَلِّي قدرةَ الدعوة على صناعة القوة الإحسانية العازمة الدافعة للفرد، وتحقيق القوة الاقتصادية والسياسية القادرة على حسن تنظيم المجتمع وترشيد سير الحكم والإدارة، واقتران الإرادة العازمة لله والآخرة بالإرادة الجهادية القائمة أسبابُها على العمل الدنيوي التصنيعي التكنولوجي التنظيمي[32].
وحسب النص القرآني المتقدم من سورة البلد، فإن “اقتحام العقبة” يرتبط بتلك الأبعاد جميعا، ويشملها في ثلاثةٍ كُلٌّ منها ينطوي على عائق من العوائق التي تحول دون عملية الاقتحام[33]:
1- الرق الذي يرهن حرية الإنسان ويسلبه إرادته ويُخضعه لغيره، وقد يكون الإنسان عبدا لنفسه إن هي حَجَزَتْهُ عن طلب الخير، وأن عملية الاقتحام لا تتأتى إلا بفك رقبة الإنسان من غيره أو نفسه، والرق في معناه المنهاجي العام هو كل مايصفد حرية الإنسان فيجعله رهينا بإرادة غير إرادته.
ومجال الحرية في المنهاج واسع شامل، يتجاوز الحرية الفردية من سيطرة الغرائز والأنانيات والعادات والذهنيات إلى تحقيق الحرية الجماعية التي تخص الأمة بأسرها، وتحريرها من سيطرة الاستبداد وأشكال الاقتصاد الرأسمالي المنافي للإنسانية الرشيدة السليمة، وذلك وفق “الشروط الإنسانية والمادية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والتكنولوجية التي تمكننا من التحرر، وتمكننا من اكتساب حرية تتناسب مع النداء والاستجابة الإيمانية، وتحقق أهداف الشرع في الدنيا عزةً للأمة، كما تحقق غاية المؤمن في الآخرة: السعادة الأبدية عند الله عز وجل”[34].
وتحقيق حرية كهذه يستلزم إعادة بناء المفهوم برمته، فكثير من شعارات الحرية التي تُرفع تخفي في مضمونها الخفي نية الاستعباد، فلا معنى للحديث عن حرية في ظل اقتصاد يصوغ الإنسان بحسب حاجة السوق إليه، ويجعله عرضة للتَّقَلُّبِ كلما تَقَلَّبَتِ الأسواقُ واختلفت حاجاتُ أربابِ العمل، ولا يتورَّعُ أصحابُ المقاولاتِ أن يُجَرِّدُوا الإنسانَ من معناهُ مقابلَ الربح، ويُطَالِبُوا العمالَ بالتطور المستمر سلوكًا وتعليمًا للتكيُّفِ مع بيئة الإنتاج المتقلبة، لتحويلِ العاملِ إلى طاحونةٍ تدورُ في حلقةٍ مفرغةٍ لا معنى لها إلا أنها آلةُ إنتاج، يَسْتَنْزِفُ استغلالُها الدائمُ من أربابِ المصالحِ طاقتها فلا تنفعُ لغير الإنتاج، ولا تنتفعُ منه في شيء، ويحجبُها عن نفسها والغايةِ من حياتِها ومصيرها الأخروي[35].
2- الفقر وطلب القوت الذي يَغُلُّ كلَّ همة تطمح إلى الارتقاء في درجات البر، ولا يُطلَبُ من الجائع أن يعبدَ اللهَ وهو جوعان، ولكن يُكفَى همَّ عيشه بما يُفرغ همته لطلب الخير.
والحث على الإطعام كما ورد في سياق الآيات الكريمة المتقدمة من سورة البلد هو في المعنى المنهاجي العام يخص التحرير الاقتصادي لسائر الأمة الجائعة المفقرة المقيدة بديون البنوك الدولية، كما أنه دعوة لتحرير طاقات الإنسان لينتج بها مايستطيع به أن يطعم المعوزين بدءًا من إطعام نفسه، أي أن يغطي الاقتصادُ الحر حاجيات المجتمع دون استعباد مذل أو استغلال مهين.
وينير هذا البُعد مسارَ الاقتصاد السليم، فلا يفتح البابَ لحريةٍ مطلقةٍ وتنافسية تخبِطُ خبطَ عشواء، ولا لتخطيطٍ جامدٍ يكبِتُ روحَ المنافسة الشريفة ويهدد الاقتصادَ بالشلل، ويقتل غريزة الكسب الفردية التي أودعها الله سائرَ البشر، ويميتُ حيوية الإنسان ونشاطَ الاقتصاد الحر المسئول، وإنما يكون التوجيه إلى مبادرة حرةٍ تصقل شخصية المرءِ وتحفظُ عليه إنسانيته، وتنأى به عن نَيْرِ العبودية والمَذَلَّةِ في أيدي الاستغلاليين الرأسماليين، أو في يد الدولة إن كانت من النوع الذي يهيمن على الاقتصاد، فيغتدي العملُ المنتِجُ قيمة رفيعة قوامها الحث على الكسب وطلب الحلال، والكد والصبر لمشاق الحياة[36].
3- العزلة والانفراد عن الجماعة يحول دون الاقتحام الكامل، ذلك أن شروط الاقتحام وأسبابَه لا تتأتى إلا في كنف جماعة المؤمنين[37]، كما أن مجرد طلب الخلاص الفردي لا يخدم أهداف الدعوة ولا ينهض بالأمة، ولكن ينبغي أن تتحقق الكينونة مع الذين آمنوا ليتحرر الإنسان المؤمن من عقبات العزلة والانفراد، ويندمج في الجماعة ليتحزب لله عز وجل[38]، فيكون تعبده وعمله كله جهادا غايته النهوض بالأمة كلها لا التزكية الفردية فحسب.
ذلك أن المؤمن وإن خاصم مظاهر الحضارة المادية والاستغلال الرأسمالي، فلا مناص له في جميع الأحوال من “اقتحام عقبة الواقع والدخول في معاركه، ومن كلفه دينه بالتبليغ وحمل الرسالة للعالمين لا تسعه الزهادة في الخلق”[39]، و”إن حامل الرسالة لا يندس في العزلة، لكن يغشى كل المجالس، ويطرق كل الأبواب، ويتعاون على كل خير”[40].
نقرأ من كتاب “مقدمات في المنهاج” للأستاذ عبد السلام ياسين:
“فهل معنى توجه المسلم أول خطواته إلى اللّه عز وجل أنه في وضع فرار من الواقع؟
أين القاعدة المادية، أين الكون، أين الزمان والمكان، أين ضرورات الصراع وضرورة التاريخ؟
لا اله إلا اللّه تعني التحرر من كل عبودية غير العبودية للّه الواحد القهار، فهل ينتج عن وضع العبد هذا وتوجهه أن ينحرف عن الكون المخلوق ومن فيه ليناجي ربه في فراغ ساكن أمين؟
كلا، فإن على العبد بعد الشهادة أن يشمر عن ساعد الجد ويقتحم العقبة إلى اللّه تعالى، إلا يفعلْ فإنما هي شهادة باللسان، كلمة لا مدلول لها في عالم الأعمال والإنجاز”[41].
إن النداء الإلهي الخالد في سورة البلد يقدم للإنسان المؤمن الصورة المتكاملة عن العقبة، ويربطها بأهم المجالات التي تشمل نواحي الحياة والميادين الحيوية والعملية فيها، فيدعو إلى مقاومة كل ما يستعبد الرقاب من تسلط مباشر أو مضايقة ظالمة في الرزق، ويقدم صورة واضحة عن الامتناع السياسي عندما ينبذ الفرقة وينصح بالانضمام إلى الجماعة والتعاون على ممارسة الصبر وممارسة المرحمة، ممارسة الصبر مقاومةً للتسلط الخارجي، وممارسة المرحمة تكوينًا للحمة التراحم والتآخي بين أفراد الجماعة، إلى حد تكوين آصرة قوية تضمن لمن ينتسب إليها حرية تقيه طغيان التيارات المعادية.
المحور الثالث: منهاج اقتحام العقبة
يحدد المنهاج النبوي كيفية اقتحام العقبة وفق تخطيط محكم وواضح، يأخذ بالأسباب الأرضية والغيبية الكفيلة بتحقيق الغايتين الدنيوية والأخروية، غاية الاستخلاف وغاية التزكية، كما يرشد إلى نوعية المنزلقات التي قد تؤدي إلى الفشل وانحراف المسار، ويدعو إلى تجنبها مخافةَ أن تُضيِّعُ على الجماعة المؤمنة بعد تجاوز عقباتها الفردية اقتحامَ العقبات الجماعية في صورتها الشمولية، أو أن تفوت عليها تحقيقَ التغيير الجوهري الذي يأتي بنيان الفتنة من القواعد.
ولا يتأتى ذلك التغيير المتكامل إلا باتباع منهاج الاقتحام بالتواصي الجماعي على الصبر والمرحمة طولَ خط العقبة، وتوفير المجال العملي التطبيقي لهذا المعراج التربوي بامتثال الخصال العشر التي يرتبها المنهاج النبوي مقترنة بشعب الإيمان المرتبطة بها، وآخرها خصلة الجهاد التي تلخص الغاية من عملية الاقتحام.
أولا: غاية الاقتحام ووسائله
إن نظرية المنهاج النبوي على اختلاف مراجعها وتشابك معطياتها تتقاطع عند غاية واحدة تمثل نهاية القصد من اقتحام العقبة، وهي نيل رضى الله عز وجل، وليس نيل ذلك الرضى بالأمر الهين في خضم الفتنة التي لا مناص لجند الله العاملين من مزاحمة الناس في أوج غمارها.
وتتجلى هذه “الفتنة” في مظاهر متعددة تختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة، وإن كانت ترتبط ارتباطا مباشرا بأحوال النفس البشرية وميولاتها وغرائزها التي تزيد وتنقص بحسب قوة المؤثرات، وترتبط هذه الأخيرة اليوم بالحضارة المادية المترفة التي ترهنُ مصيرَ الإنسان، فلا يأمن من ظلالها التي تمتد إلى نفسه وأرضه وحياته بجميع مظاهرها، وتسيطر بماديتها على فكره فيَقْصُرُ عن النظر بنور الله، وتبهره مظاهرها الصناعية المتقدمة فيعرض عن الله، حتى إذا كَلَّ بصره عن الحق سَهُلَ أن ينضمَّ إلى زمرة المنتفعين الغافلينَ أو المنتَفَعِ بهم، لتدور به طاحون العالم الرأسمالي المستكبر الذي يجرده من معناهُ ويجعله آلةً للربح وجني الفوائد، وتَصُدُّ الطبقة الظالمة المسحوقين من الناس عن النظر إلى أبعد من سَدِّ جوعتهم وإيواء أبنائهم، ويزيد واقع الفتنة المستبِدُّ بمصائر الناس مستقبَلَهُم ظلاما وبعدا عن الله عز وجل، وغفلةً وجهلاً بالغاية من الخَلق.
فهل يكون اقتحام كلٍّ منا لعقبات نفسه والوصولُ بها إلى أعلى درجات الاستقامة على طاعة الله عز وجل كافيا لصَدِّ تلك التيارات العاتيةِ الجارفة؟!
لا ريب أنه متى اجتهد كلٌّ منا في إصلاح نفسه وأعرض عن المجتمع الذي يحيى فيه والأمة التي ينتمي إليها فما أدى واجبَ الجهاد الذي افترضه الله عليه، وما لم يتواصَ به مع المؤمنين المتواصين بالصبر والمرحمة ما كان له من فضل الاقتحام إلى الله نصيب، لأن جهاد النفس مقترنٌ بجهاد الظلم والفساد، ويقتضي مزاحمة المجتمع والتدافعَ الذي جعله الله سبحانه وتعالى سنةً من سننه الأزلية، وقد قال الله عز وجل: “وَلَوْلاَ دِفَاعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الاَرْض. وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِين“البقرة:251، وقال سبحانه: “وَلَوْلاَ دِفَاعُ اللهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللهِ كَثِيرًا“الحج:40، هكذا في قراءتي ورشٍ وقالون، وفي القراءات الأخرى”دَفْعُ اللهِ الناسَ” بدل دِفَاعِ، ولا فَرْقَ في المعنى، فلولا دَفْعُ/دِفَاعُ اللهِ الفاجرَ بالبَرِّ والطالحَ بالصالح لَفَسَدَتِ الأرض، وتَدَافُعُ الشيءِ أن يدفعَهُ كل واحد عن الآخر حسب لسان العرب، أو هو التَّدَارُؤُ عندما يَدْرَأُ كُلٌّ الشرَّ عن أخيه حسب صاحب كتاب العين، وهو المراد، فالتدافعُ غَلَبَةُ حقٍّ على باطلٍ وظهورُ نورٍ على ظلام وهدايةٍ على ضلالة.
إلا أن هذا الانغمارَ في قلب الفتنة وإن كان من أصحابِ الميمنةِ أمرٌ ينطوي على كثيرٍ من الخطر، لذلك يقترح المنهاج النبوي أسلوبا حكيما للتخطيط يهدف إلى توفير أسباب السلامة من مكائد الفتنة ومصائدها، وينبني على إنجاز الأعمال بتوافقٍ تامٍّ مع كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، والاستجابة لأمر الله ورسوله بإرادةٍ جهاديَّةٍ عازمة، والإعلان عن البرامج التربوية والجهادية جهارا نهارا لتحدي واقع الفتنة، مع اليقين والثقة التامة في موعود الله عز وجل ورسوله الذي لا تعوق في سبيله العقبات، والاصطبار عليها مهما طال الأمد، فالذين يبذلون لهذا الأمر حياتهم يعلمون يقينا أنهم جند الله الذين اصطفاهم لإقامة دينه، فإن هم أَخَلُّوا بما تَعَهّدَهُمْ به حَقَّ عليهم قول الله تعالى: “يَآأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا مَن يَّرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَاتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُّحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُومِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَآئِم“المائدة:54، وقوله سبحانه: “وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ“محمد:38.
وينبني التخطيط لاقتحام العقبة كما أحكم معطياته المنهاجُ النبوي على ثلاثة عناصر أساسية:
1- العلنية وتجنب السرية: فاقتحامُ العقبة في جميع أحواله لا يكتمل مع إيثار العافية أو الركون لهامش السرية[42]، إذ ليس ذلك من سنة رسل الله في شيء، بل وعلى العكس كانت دعوة الأنبياء والمرسلين بيانا وخطابا واضحا وصريحا خاطبوا به أقوامهم، وتحدوا به رؤوس الكفر وجها لوجه، يقول الله عز وجل: “قَدْ كَانَتْ لَكُمُ إِسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمُ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَآءُ أَبَدًا حَتَّى تُومِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَه“الممتحنة:4.
وبعد التحدي صبر المرسلون واحتسبوا حتى أتاهم نصر الله، وهم أسوة الدعاة بما صدعوا به من الحق وأوذوا في سبيله، فمن كان الحق معه ساطعا بينا ما كان له أن يخشى في الجهر به لومة لائم، وعملُ جماعة المؤمنين وعملُ المجددين المصلحين إنما هو امتداد لرسالة الأنبياء والمرسلين عليهم السلام، دافعوا عنها بقلوبهم وألسنتهم وأنفسهم، وحملتها عنهم أجيال المؤمنين يذودون عنها بأرواحهم، ويعمل بها ويجهر في الملأ المؤمنون المتواصون بالصبر والمرحمة، حتى يصل صوتهم بالنور والهدى إلى العالمين.
والنموذج الأسوة هو النبي محمد صلى الله عليه وسلم الذي لبث في قومه يُسِرُّ الدعوة ثلاث سنوات حتى أتاه الأمر الإلهي: “فَاصْدَعْ بِمَا تُومَرْ، وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْركِينَ“الحجر:94، فمضى في دعوته لا يَنِي في خضم الشرك والمعارضة، وقاسى والمسلمينَ الأولين من الأذى والشدائد ما قاسَوا، ولو آثروا السلامة لاسْتَخْفَوْا بما يحملون بين جوانبهم من نور مبين، ولَحَجَبُوا عنه العالمين، فكان الحبيبُ المصطفى صلى الله عليه وسلم الأسوةَ والنموذج الفريد في تبليغ دعوة الله ومجابهة الباطل بالحسنى.
إن الأحزاب والجمعيات اللائيكية لا تتردد في الإعلان عن برامجها وتوضيح مراميها ومقاصدها، ومنهم من يجاهر بعداوته للدين وخصومته لرب العالمين، والأحرى ألا يفعل من يؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يجد حرجا في الإعلان عن برنامجه وخطته الواضحة بلا تردد، ذلك أنه ليس يتبنى السريةَ إلا من كان على غير النهج السوي والصراط المستقيم، فيخشى افتضاح أمره، ويأبى ظهورَ خططه وأساليب عمله.
وتذهب نظرية المنهاج النبوي إلى أن جند الله العاملين إن لم يتجنبوا منزلقات السرية ضيعت على الحركة الإسلامية عموما فرص التواصل، وأتاحت للعدو أن يَصِمَها بالانعزالية والعنف، ويزجَّ بها في مستنقعات التهميش والتخويف ليجعل منها عدوا للحضارة والرفق والرحمة.
2- الرفق وتجنب العنف: فالرفق هو خلاصة المنهاج الإسلامي[43]، وأصل من أصول الدعوة النبوية[44]، ورسالة الأنبياء والمرسلين والدعاة والمجددين والعلماء كلها رفق ورحمة، فما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا كان العنف في شيء إلا شانه[45]، ذلك أنه بالرفق تتغلغل الحجة في الصدور، وتستنير بنور الحق الواضح البَيِّنِ القلوب، وإلا كان العنف سببا في نفورها من الحق، وهو سبيل الذين تفتقر دعوتهم إلى الحجة والبيان، ولا تنطوي على حق ولا هدًى من الله، فأولئك لا سبيل أمامهم إلا فرضُها وإرغامُ الناس عليها بالشدة والعنف، ثم لن يلبث الناس أن يتحرروا من أصفادها بعد ذلك، فما دفعهم إليها إلا الخوف والرهبة، وبزوالهما يزول الدافع، أما دعوة الحق فيزرعها في الأفئدة الرفقُ ولا يزيلها العنف، وتثبت مدى الزمان.
والرفق لا ينافي رد المظالم ودرءَ الفساد وتغيير المجتمع، وإنما يكونُ الرفقُ والأناةُ في كل ذلكَ حكمةً بالغة[46]، كما أن القوة لا تتنافى مع الرفق الذي يؤتي الله به ما لايؤتي على العنف، والقوة الفاعلة الرفيقة تدمغ بالحق الباطلَ فتُزهقُه[47].
3- تجنب الاعتماد على الخارج: فدعوة الله عز وجل تعلم أولَ ما تعلم التوكلَ على الله والاعتمادَ الكلِّيَّ عليه في سائر الأمور، فهو سبحانه وحده الهادي إلى سبيل الرشاد، وهو الكفيل بنصر عباده العاملين، وإن تعددت العقباتُ وتوافرت المحن والصعاب، فليس يغري المؤمنَ ما عند غيره من مظاهر القوة والنجاح المادي الدنيوي، فهو يعتمد على الله عز وجل بما هداه إليه، ولا يعتمد عليهم بوجه من الوجوه، وإلا كان ذلك استلابًا لقيمه وذوبانا لذاتيته وضياعا له في خضم سطوة مظاهر قوتهم ونجاحهم عليه، فلن يلبث وقد فَرَغَ قلبه من هداه، وتَخَلَّى عقله عن رشاده، فالنفوس وَلِعَةٌ بتقليد الغالب، تهيم فيه حتى تفقد الانتباه، ودأبُهُ أن يستغلَّها ويستفيدَ منها ويُضَيِّعَ معناها، فإن أرشدها كان في إرشاده خرابُها، وأملى عليها توصياته بظاهرِ الإصلاحِ وباطنِ الإفساد.
إن تحقيق الغاية من اقتحام العقبة وتفعيل وسائلها لا يكتمل إلا إذا تحقق به رضى الله عز وجل باجتثاث الفتنة من جذورها، وتأكُّدِ المعنى الكامل لاستخلاف الإنسان في الأرض، وصنع تاريخ مشرق لهذه الأمة ينبثق من أنوار المنهاج النبوي، ويرتفع بالإنسانية من وهدة الإزراء إلى مرتفع الكمال البشري، عندما تتحقق في الإنسان معاني عبوديته لله عز وجل.
ولا تتضح تلك المعاني إلا بتحقيق التغيير الجوهري الذي يأتي بنيان الفتنة من القواعد، “فعلينا أن نكون لا على مستوى العصر الذي تتحكم فيه الجاهلية وقيمها، بل على مستوى مستقبل نقترحه نحن على التاريخ، ونصنعه ونقترحه على هدى من الله وبإذنه…، إننا لا نرضى بهيمنة الدول العظمى على العالم، ولا باستعباد الإنسان وهضم كرامته وحقوقه الآدمية، ولا بطحن جسم الإنسان ووقته بين عجلات الإنتاج والاستهلاك، ولا بتشويه نفس الإنسان وحياته الفكرية والعاطفية بالثقافة المنحلة المخدرة العنيفة.
يجب أن نصنع فكرا مستقبليا يلقي على آفاق هذا القرن الخامس عشر، قرن الإسلام بإذن الله، ومن بعده، نور القرآن ونور الهدي النبوي. يلقي على حياة البشر نورا به يميزون به ما ينفع في الدنيا والآخرة، وما يضر في الدنيا والآخرة “[48].
ثانيا: كيفية الاقتحام:
جل العلماء والمفسرين لما تحدثوا عن كيفية اقتحام العقبة الواردة في سورة البلد لم يتجاوزوا جانب الخلاص الفردي للإنسان، فهذا الإمام الغزالي رحمه الله يشير في “الإحياء” إلى أنه لا عقبة على طريق الله تعالى إلا صفات القلب التي سببها الالتفات إلى الدنيا[49]، ويتحدث سلطان العلماء العز بن عبد السلام رحمه الله عن ست عقبات تصد عن منازل القربات، ولا تتجاوز فطم الجوارح والنفس والقلب والسر والروح والعقل[50]، أما ابن القيم رحمه الله فيحذر السالك من عدوه الشيطان الذي يتربص به في عقبة من سبع عقبات، كلما تجاوز عقبةً طلع له بالتي هي أسفل منها، وتتعلق بعقبة الكفر والبدعة والكبائر والصغائر والمباحات والأعمال المرجوحة المفضولة من الطاعات، ولا يقطع هذه العقبات إلا أهل البصائر والصدق من أولي العلم السائرين على جادة التوفيق[51].
وعلى خلافهم، يميل الشهيد سيد قطب رحمه الله في “الظلال” في معرض تفسير الآيات الكريمة من سورة البلد إلى ترجيح جانب الخلاص الجماعي، فقد اعتبر أن التواصي بالصبر يقرر درجة وراء درجة الصبر نفسه، وهي درجة تماسك الجماعة المؤمنة وتواصيها على معنى الصبر وتعاونها على تكاليف الإيمان، وهذه الجماعة متجاوبة الحس تشعر جميعا شعورا واحدا بمشقة الجهاد لتحقيق الإيمان في الأرض وحمل تكاليفه[52].
ومن علماء المغرب يتوسع الأستاذ عبد الله كنون الحسني رحمه الله في تفسير معنى “فك رقبة” من سورة البلد، ويعدها دعوة لتحرير الإنسانية جمعاء من كافة أشكال العبودية لغير الله سواء كانت رقا أو أسرا أو استعمارا[53].
أما من منظور نظرية المنهاج النبوي، فإن أي حديث عن العقبة لابد أن يأخذ في عين الاعتبار بعدين أساسيين لا محيد عنهما:
– البعد الإحساني: وهو الذي أشارت إلى بعض جوانبه تأويلات العلماء المتقدم ذكرهم للآية الكريمة من سورة البلد، ويتمحور حول سلوك الفرد المؤمن وما يعترض سبيله من عوائق وحواجز وصعوبات نفسية وذهنية وقلبية وعقلية، وكيفية التخلص من كل ذلك في سبيل بلوغ مراتب الإحسان.
– البعد العدلي: وغايته تحقيق العدل من ثلاثة جوانب، الجانب الاجتماعي، والجانب الاقتصادي، والجانب السياسي، والخروج من براثن التخلف الحضاري والظلم الاجتماعي والاستبداد السياسي وما يرتبط بهما من فساد حاضر وموروث باعتبارها حواجز تحول دون تحقيق الغاية الاستخلافية.
وكل مؤمن مقتحمٍ سالكٍ طريق الاستقامة لا بد وأن يمر بثلاث مراحل وفق تدرُّجٍ حكيم:
1- انجماعٌ على الله بصحبة الأخيار وذكر الله وحسن عبادته.
2- إعداد القوة بالانضمام للجماعة المجاهدة.
3- بذل الثمن المعلوم باسترخاص النفس والمال فرارا إلى الله[54].
وفي إطار المراحل الثلاث، يحدد المنهاج النبوي كيفية اقتحام العقبة الجماعية تفصيلا عند عرضه لمهمات جند الله وفق تخطيط محكم وواضح [55]، تخطيط يتدرج من أسفل العقبة حيث واقعنا كأمة مختلفة مقهورة، وينتهي بقمة العقبة في مقام الخلافة عن الله ورسوله[56].
كما يعرض المنهاج على طول خط العقبة المعراجَ السلوكي من إسلام إلى إيمان إلى إحسان[57]، ويفصِّلُ المجالَ العمليَّ التطبيقيَّ لهذا المعراج التربوي من خلال عرضه للخصال العشر مرتَّبةً وما ينضوي تحت كل خصلة منها من شعب الإيمان، وهذه الخصال ليست إلا المضمون القرآني النبوي ولب الصفات الخلقية والأنماط السلوكية التي تتردد في القرآن والسنة[58]، كما أنها تعتبر بمثابة منهاج لاقتحام العقبة[59]، ويتعلق الأمر بـ:
- الصحبة والجماعة.
- الذكر.
- الصدق.
- البذل.
- العلم.
- العمل.
- السمت الحسن.
- التؤدة.
- الاقتصاد.
- الجهاد.
والخصال العشر مراحل على طريق الصعود في العقبة، أما شُعب الإيمان فتُكوِّن مضمون الإسلام ومحتوى الإيمان، وترتيبها معراجٌ إحساني يرتفع عليه المؤمن وجماعة المؤمنين، وأصوله ومصادره نبوية محضة حددها النبي صلى الله عليه وسلم في برنامج تربوي متكامل، مستنده الحديث الشريف:
“الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان”[60].
وهذه الشعب تجد بيانها وتفصيلها في النصوص النبوية المختلفة، وقد عمد صاحب نظرية المنهاج النبوي إلى استنباط الشعب المكونة للخصال العشر من مضمونها، فمهد بها السبيل متدرجةً من أعلى الشعب إلى أدناها، فأعلاها وأرفعها كلمة التوحيد يقينا واعتقادا وذكرا متكررا باللسان والقلب، وتجديدا للإيمان كلما أوشك أن يبلى ويخلق، ففي الحديث الشريف:
“جددوا إيمانكم، قيل يا رسول الله، وكيف نجدد إيماننا؟ قال: أكثروا من قول لاإله إلا الله“[61].
وأدنى الشعب إماطة الأذى عن الطريق، وإزالة كل ما يضر بالمسلمين ويقف في طريقهم من أقل ضرر كشوكة وشجرة، إلى أعظم ضرر كالظلم والاستبداد والفساد، وبين قول لا إله إلا الله وإماطة الأذى عن الطريق شعب كثيرة منها الحياء، ومحبة الله تعالى ورسوله والمؤمنين، ومنها الصدق والأمانة والوفاء بالعهد، ومنها إقامة الصلاة وصيام رمضان وإيتاء الزكاة وحج بيت الله الحرام، ومنها ذكر الله وقيام الليل والاستغفار…[62].
فالفرد المؤمن الذي يؤرقه مصيره في الآخرة، ويشغله حال أمته التي يرجو لها العزة والكرامة، يتدرج على طريق الصعود من بداية السير إلى نهايته على ضوء الترتيب المنهاجي الحكيم للخصال العشر وشعب الإيمان المرتبطة بها، إلى أن يصل إلى منتهى الطريق عند خصلة الجهاد، وهي الخصلة التي يندمج فيها التربوي بالتنظيمي والميداني والمالي والقتالي، ويتوسع مفهومها ليشمل كل فعلٍ يهدف إلى خدمة الأمة والسعي إلى تحريرها.
ويتوسع المنهاج النبوي في مفهوم الجهاد أيما توسع، ويورد أحد عشر بابا من أبواب الجهاد[63]، منها ما هو تربوي يتعلق بنفس المؤمن وعلاقته بالله وبأمته وبالناس، ومنها ما يخص الجماعة أثناء تأهبها وزحفها وبعد تمكين الله لها في الأرض.
واقتحام العقبة يستلزم الولوج من كل تلك الأبواب، وإلا كان اقتحاما محدودا لم يبلغ المدى والاتساع والعمق المطلوب، ولم يكن في مستوى المهمة الرفيعة الجليلة المناطة بجند الله.
ورغم تعدد الأبواب والبرامج المطروحة في نظرية المنهاج النبوي وتشابك معطياتها وأفكارها، فإن الواجهة الأولى والآخرةَ للاقتحام يختصرها المنهاج النبوي في مصطلح التربية، ويجعل منه سرَّ الأسرارِ وغايةَ الغايات التي لا سلوكَ ولا جهاد ولااقتحامَ إلا بها ولها، وتبقى “الواجهة الأولى في الجهاد هي واجهة التربية، تربية الإيمان بمفهومه اقتحاما للعقبة وبكل شعبه. التربية أولا ووسطا وآخِرًا”[64].
خاتمة
إن النداء الرباني لاقتحام العقبة يشمل في معانيه سائر معاني الإيمان والإحسان، وتلبيةُ العبد للنداء بدايةٌ لإقباله الكلي على الله واستشراف أسباب السعادة في الدارين، واقتحامِهِ المتواصل والمتدرج للعقبات الفردية والجماعية في توفيق حكيم بين الفاعلية الإيمانية والفاعلية الجهادية، وبينهما تتحقق القدرة التنفيذية للأمة لتسير قدما نحو موعدها مع التحرر والتمكين.
وترتبط العقبات المختلفة بأحوال الإنسان النفسية والذهنية والعقلية من جهة، وبمحيطه الاجتماعي والاقتصادي والسياسي من جهة أخرى، ولا يمكن أن يحصل الاقتحام الكامل بغير المرور عبر درجات معراج السلوك الفردي المتدرج من مرحلة النفس الأمارة بالسوء، مرورا بمرحلة النفس اللوامة، ووصولا إلى مرحلة النفس المطمئنة، كما أن بناء الأمة على أساس نبوي متجدد، وصنعَ المرحلة التاريخية الحاسمة في حياة الأمة يستلزم إحياءَ المفهوم الأصيل للحرية النفسية والاجتماعية والاقتصادية بمجابهة الفقر وتشجيع الاقتصاد المنتج وتوطيد أواصر الجماعة المجاهدة.
ويحدد المنهاج النبوي برنامجا واضحا وخطة عملية لاقتحام العقبة، ويأخذ بالأسباب الأرضية والغيبية كاملة لتحقيق غايتي الاستخلاف والتزكية، ويستعين بالطليعة المجاهدة المعوَّلِ عليها لإحياء الأمة من جديد، وهي طليعة الصادقين الذي اقتحموا غمرات أنفسهم والمجتمع المحيط بهم فترفعوا على الدنيا وفتنها، وارتبطت أرواحهم بصلة مباشرة متواترة من التربية النبوية، وظلوا مشاعل للنور تحفظ ميراث النبوة، فصانتهم أنوارُهم ووازعُ بصيرتهم عن الزلل والوقوع في فخ الاحتواء، وتكاملت نظرتهم إلى الحياة والكون والإنسان والتاريخ والواقع، فطمحوا إلى تجديد حياة الأمة بأسرها بتجديد دينها وإحياء منهاجها النبوي الأزلي، ولم يفترق علمُهم عن عملِهم، ولا عقيدتهم وتقواهم عن سلوكهم، فهم النموذج القائم بالقسط المربي في كل أحواله وحالاته، ومن يداوي فينا الأمراض النفسية والعلل الاجتماعية التي شلَّتْ إرادةَ الأمة.
ولا يقتحم العقبة من يستكبر عن الدخول في حصن جماعة المؤمنين ولا ينبذ الفرقة والاعتزال، ولا تقتحِم العقبةَ جماعةٌ نخرت جسمها الأمراض واعتراها الفتور والقنوط، ولكن تقتحمها الجماعة المؤمنة المتماسكة البنيان الثابتة في رباطها لاتتزعزع مهما كانت العقبات، وتواجهها في ثبات واصطبارٍ لتخرق طريقها اللاحب نحو العزة بالله ورسوله، ويَصِلَ السالكون الصادقون الصابرون إلى غاية الطريق ومنتهاه عند الوعد الإلهي الصادق:
– في الدنيا بالنصر والتمكين والاستخلاف في الأرض، يقول الله عز وجل:
“وَعَدَ اللهُ الذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الاَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم من بَعْدِ خَوْفِهِم أَمْنًا. يَعْبُدُونَنِي لاَ يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا. وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ“النور:55.
– وفي الآخرة بالجنة والمغفرة والأجر العظيم، يقول عز من قائل:
“وَعَدَ اللَّهُ الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُم مغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ“المائدة:9.
لائحة المصادر والمراجع
1- القرآن الكريم برواية ورش عن نافع.
2- أبو الفداء إسماعيل بن كثير: تفسير القرآن العظيم، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، ط5، 1996م، الجزء الرابع.
3- أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، دار إحياء التراث العربي، الجزء الثالث.
4- ابن قيم الجوزية: مدارج السالكين، الجزء الأول.
5- سيد قطب: في ظلال القرآن، دار الشروق، القاهرة، الجزء السادس.
6- عبد الله كنون الحسني: تفسير سور المفصل من القرآن الكريم، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1981.
7- ياسين، عبد السلام: الإسلام والقومية العلمانية.
8- ياسين، عبد السلام: تنوير المؤمنات، ط1، دار لبنان للطباعة والنشر.
9- ياسين، عبد السلام: المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ط2.
10- ياسين، عبد السلام: مقدمات لمستقبل الإسلام، ط1، 2005.
11- ياسين، عبد السلام: سنة الله، ط1، 2005.
12- ياسين، عبد السلام: الإسلام والحداثة، ط1، 2000.
13- ياسين، عبد السلام: الإحسان، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط1، 1998.
15- ياسين، عبد السلام: الشورى والديمقراطية، ط1، 1996.
16- ياسين، عبد السلام: العدل: الإسلاميون والحكم، ط1، 2000.
17- ياسين، عبد السلام: إمامة الأمة، ط1، 2009.
18- ياسين، عبد السلام: الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية.
19- ياسين، عبد السلام: مقدمات في المنهاج، ط1، 1989.
20- ياسين، عبد السلام: الإسلام غدا، ط2.
21- العز بن عبد السلام: بين الشريعة والحقيقة.
22- محمد ياسين العشاب: تحرير التعليم، ط1، 2008.
23- المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري-الجزء الخامس.
25- موقع الأستاذ عبد السلام ياسين: yassine.net
[1] تفسير أن “النجدين” هما طريقا الخير والشر أخرجه الحاكم وصححه الطبراني وغيرهما عن ابن مسعود، وخرجه عبد بن حميد وابن جرير عن ابن عباس، وروي أيضا عن عكرمة والضحاك وآخرين، وأخرجه الطبراني عن أبي أمامة مرفوعا، أنظر: تفسير ابن كثير، دار النهضة العربية للطباعة والنشر، ط5، 1996م، 4/513.
[2] ياسين، عبد السلام: مقدمات في المنهاج، ط1، 1989، ص:53.
[3] جاء في تفسير مفاتيح الغيب للفخر الرازي قوله: “الاقتحام الدخول في الأمر الشديد، يقال: قحم يقحم قحوماً، واقتحم اقتحاماً وتقحم تقحماً إذا ركب القحم، وهي المهالك والأمور العظام، والعقبة طريق في الجبل وَعْرٌ”، وقال عطاء: يريد عقبة جهنم، وقال الكلبي: هي عقبة بين الجنة والنار، وقال ابن عمر هي: جبل زلال في جهنم، وقال مجاهد والضحاك: هي الصراط يضرب على جهنم، وهو معنى قول الكلبي: إنها عقبة الجنة والنار، قال الواحدي: وهذا تفسير فيه نظر…، ويخالفه مقاتل والحسن بقوله: عقبة الله شديدة، وهي مجاهدة الإنسان نفسه وهواه وعدوه من شياطين الإنس والجن، وقال قتادة: إنها عقبة قحمة شديدة، فاقتحموها بطاعة الله تعالى.
ينظر: تفسير ابن كثير، 4/514.
[4] عبد الله كنون الحسني، تفسير سور المفصل من القرآن الكريم، دار الثقافة، الدار البيضاء، ط1، 1981، ص:369.
[5] ياسين، عبد السلام: مقدمات في المنهاج، ص:15.
[6] ياسين، عبد السلام: مقدمات في المنهاج، ص:57.
[7] نفسه، ص:53.
[8] نفسه، ص:50.
[9] ياسين، عبد السلام: الشورى والديمقراطية، ط1، 1996، ص:15.
[10] ياسين، عبد السلام: الإسلام غدا، ط2، ص:25.
[11] ياسين، عبد السلام: الإسلام والقومية العلمانية، ص:22.
[12] ياسين، عبد السلام: تنوير المؤمنات، ط1، دار لبنان للطباعة والنشر، ص:21.
[13] ياسين، عبد السلام: الإسلام غداً، ص:27.
[14] ياسين، عبد السلام: المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ط2، ص:13.
[15] ياسين، عبد السلام: المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ص:16.
[16] نفسه، ص:17.
[17] ياسين، عبد السلام: مقدمات في المنهاج، ص:65-66.
[18] ياسين، عبد السلام: الإسلام غدا، ص:29.
[19] ياسين، عبد السلام: مقدمات في المنهاج، ص:67.
[20] نفسه، ص:69.
[21] ينظر: ياسين، عبد السلام: المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ص:15.
[22] نفسه، ص:18.
[23] نفسه، ص:18.
[24] ياسين، عبد السلام: الإسلام والقومية العلمانية، ص:154.
[25] ياسين، عبد السلام: مقدمات لمستقبل الإسلام، ط1، 2005، ص:17.
[26] ياسين، عبد السلام: مقدمات في المنهاج، ص:65.
[27] نفسه، ص:65.
[28] ياسين، عبد السلام: المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ص:15.
[29] ياسين، عبد السلام: سنة الله، ط1، 2005، ص:24.
[30] ياسين، عبد السلام: الإسلام والحداثة، ط1، 2000، ص:336.
[31] ياسين، عبد السلام: المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ص:52.
[32] ياسين، عبد السلام: الإحسان، مطبوعات الأفق، الدار البيضاء، ط1، 1998، 1/126.
[33] ينظر: ياسين، عبد السلام: مقدمات في المنهاج، ص:55.
[34] ياسين، عبد السلام: مقدمات في المنهاج، ص: 62.
[35] محمد ياسين العشاب: تحرير التعليم، ط1، 2008، ص:83-84.
[36] المرجع الأخير نفسه ، ص:87.
[37] ياسين، عبد السلام: مقدمات في المنهاج، ص:57.
[38] نفسه، ص:57.
[39] ياسين، عبد السلام: العدل: الإسلاميون والحكم، ط1، 2000، ص:565.
[40] ياسين، عبد السلام: إمامة الأمة، ط1، 2009، ص:264.
[41] ياسين، عبد السلام: مقدمات في المنهاج، ص:74.
[42] ينظر: المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ص:24.
[43] ياسين، عبد السلام: العدل: الإسلاميون والحكم، ص:289.
[44] ياسين، عبد السلام: سنة الله، ص:300.
[45] روى الشيخان عن أمنا عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله”، وفي رواية لمسلم: “إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا ينزع من شيء إلا شانه”، وفي رواية أخرى له: “إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف”.
[46] ياسين، عبد السلام: الإحسان، 2/315.
[47] ياسين، عبد السلام: الإسلام وتحدي الماركسية اللينينية، ص:122.
[48] ياسين، عبد السلام: المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ص:26.
[49] أبو حامد الغزالي: إحياء علوم الدين، دار إحياء التراث العربي، 3/66.
[50] العز بن عبد السلام: بين الشريعة والحقيقة، ص:8.
[51] ابن قيم الجوزية: مدارج السالكين، 1/222.
[52] سيد قطب: في ظلال القرآن، دار الشروق، القاهرة، 1978، 6/3914.
[53] عبد الله كنون الحسني: تفسير سور المفصل من القرآن الكريم، ص:369.
[54] ياسين، عبد السلام: المنهاج النبوي، ص:380.
[55] ينظر: المرجع الأخير، ص:19 وما بعدها.
[56] المرجع الأخير نفسه ، ص:17.
[57] استنادا إلى حديث جبريل عليه السلام، روى البخاري عن أبي هريرة قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم بارزا يوما للناس، فأتاه رجل فقال: “ما الإيمان؟”، قال: “الإيمان أن تومن بالله، وملائكته، وبلقائه، ورسله، وتومن بالبعث”، قال: “ما الإسلام؟”، قال: “الإسلام أن تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتيَ الزكاة المفروضة، وتصوم رمضان”، قال: “ما الإحسان؟”، قال: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكُن تَراه فإنه يراك”… ثم أدْبَرَ، فقال: رُدوه، فلم يروا شيئا، فقال: “هذا جبريل جاء يعلم الناس دينهم”.
[58] ياسين، عبد السلام: الإسلام غدا، ص:40.
[59] المرجع الأخير نفسه ، ص:40.
[60] متفق عليه.
[61] المستدرك على الصحيحين لأبي عبد الله الحاكم النيسابوري، 5/364.
[62] ينظر: ياسين، عبد السلام: المنهاج النبوي تربية وتنظيما وزحفا، ص:121 وما بعدها.
[63] المرجع الأخير نفسه ، ص:384.
[64] نفسه، ص:386.