الأساس القرآني لنقد الحداثة عند الأستاذ عبد السلام ياسين

0 888

د. عبد الرحمن عبيد حسن

جامعة العلوم الإسلامية – ماليزيا

مقدمة

كان العالم الإسلامي عرضة لتأثيرات فكرية متعاقبة بعد زوال الدولة العثمانية آخر معاقل الإسلام، ابتداءً بتعاليم الثورة الفرنسية، مروراً بالماركسية اللينينية والوجودية وانتهاءً بتأثيرات الحداثة وما بعد الحداثة، وفي كل مرحلة من مراحل المواجهة والتحدي برز علماء ومفكرون انبروا لها عن وعي كامل لمتطلبات المرحلة، وكان الأستاذ عبد السلام ياسين واحداً من هؤلاء المبرزين الذين شهدت لهم أعمالهم ومؤلفاتهم بجهد دؤوب وقراءات فكرية عميقة، فكتابه (الإسلام وتحدي الماركسية اللينينة) بصمة في جدار الممانعة لحقبة مريرة من أحقاب الفكر الديني في مواجهة الإلحاد الشامل، وكتاباه (الإسلام والحداثة) و(الإسلام والقومية العلمانية) مواكبة واعية لحقبة أخرى تبنى فيها مفكروا القومية والاشتراكية (نداءات الغرب المؤليك لبني إسماعيل) بغية تفسير النصوص الدينية نفسها بمناهج فيلولوجية وسوسيولوجية وفلسفية محدثة، وكانت محصلة هذه القومة العلمية والعملية والمجاهدات على شتى الأصعدة الفكرية والدعوية برنامجاً متكاملاً وضع الأستاذ عبد السلام ياسين تصوراته في مجموع مؤلفاته التي يتشكل منها نظرية المنهاج النبوي.

والمنهاج الذي يقدمه الأستاذ فريد في مركزيته القرآنية الذي سر إعجازه التحدي القائم منذ عهد الرسالة وهو التحدي الذي يسعى ملاحدة العصر إلى قرنه بمرحلة زمنية ولت وأفلت، وفريد في وجهته إلى النزعة الأعرابية السائدة في العالم الإسلامي، وفريد في تقعيده لمفاهيم دعوية وسياسية، وأبدع الأستاذ أحمد ياسين كثيراً من المصطلحات والمفاهيم الفكرية والتربوية في معرض ردوده على دعاوى الحداثة والفكر الغربي، وحرص على استلهامها من نصوص القرآن الكريم، ووضعها في سياقات فكرية متراصة ومتسقة دعماً لمركزية القرآن وحضوره الدائم في نظرية المنهاج، وإخراجاً لهذه المفاهيم والرؤى من دائرة التأصيل التجريدي إلى ساحة العمل البناء؛ وقد أنضجت الممارسة الدعوية والقراءات المتواترة للفكر الغربي ونقده تعاليم هذه المنهاج، وصاغت منه نظرية فكرية بديلة عن دعاوى التلفيق الثقافي.

وكانت التطورات التي طرأت على الفكر الإسلامي ابتداءً من مرحلة ما بعد الاستقلال عن الاستعمار القديم قياسية وضخمة ضخامة التحديات التي واجهته، وشكلت الحداثة ومعطياتها من العولمة، ووحدة الأديان، والتعددية السياسية، وفلسفة التأويل، واقتصاديات السوق المفتوح كبرى هذه التحديات، ومن ثم كانت الكتابات النقدية حولها من الأهمية بمكان. وعنيت نظرية المنهاج النبوي عناية خاصة بنقد الحداثة ومفرزاتها، وعلى مراحل زمنية متلاحقة، بدأ بمحاولة أسلمة الحداثة، وانتهى باقتحام العقبة الذي يحول شحنة الاحتقار المحتقنة في الثقافة الغربية تجاه مستعمراتها السابقة إلى احترام تفرضه الأمم القادرة على الاحتفاظ بهويتها الثقافية ونيل نصيبها الوافر من التقدم الصناعي والعلمي والتنظيمي الذي تتباهى به الحداثة، ومنطلق هذا الاقتحام القرآن الكريم بما يحمله من أسس معرفية، فكان تفسير الأستاذ ياسين للقرآن الكريم أساساً لنقد الحداثة.

وبناءً على هذه المعطيات سيتم تقسيم هذه الورقة إلى ثلاثة مباحث:

المبحث الأول: مفاهيم ورؤى قرآنية في نظرية المنهاج النبوي
المبحث الثاني: النقد القرآني للأستاذ عبد السلام ياسين لأبرز قضايا الحداثة
المبحث الثالث: نقد الحداثة ونظرية المنهاج النبوي

وتوصل البحث إلى مجموعة من النتائج أهمها أن نقد الأستاذ ياسين للحداثة مؤسس على توجيهات قرآنية ومدعوم بتحليل عقلاني رصين اكتمل بعد قراءة واعية لمؤلفات المفكرين الغربيين والإسلاميين على حد سواء، ونقده موزع في مجموع مؤلفاته وليس محصوراً في كتاب (الإسلام والحداثة)، وهذا النقد مشفوع على الدوام بقيم تربوية، وتوجيهات أخلاقية، ودراسة متأنية للتاريخ الإسلامي القديم والمعاصر، ودعوة مفتوحة لدراسة القيم الإسلامية الخالدة، وهذا التنوع أكسب النقد حيوية وجمالاً في الأسلوب وقوة في العرض لا نلحظه في الدراسات المعاصرة للحداثة والمتميزة بجفافها وجفائها وقلة الإقبال عليها!، كما توصل البحث إلى أن قاعدة نقد الجانب الفلسفي للحداثة عند الأستاذ ياسين موصولة العرى بأسس المعرفة المستقاة من نصوص القرآن الكريم. والمنهج المتبع في إعداد هذه الورقة منهج وصفي، قائم على استقراء آراء الأستاذ ياسين في مؤلفاته المتعددة، وتحليل هذه الآراء تحليلاً علمياً في حدود نقد الأستاذ للحداثة ومفرزاتها دون الاستطراد إلى قضايا وموضوعات أخرى فكرية وتربوية واجتماعية عالجها في كتبه.

Loader Loading...
EAD Logo Taking too long?
Reload Reload document
| Open Open in new tab

تحميل [240.28 KB]