الأساس القرآني لثقافة اللاعنف عند الأستاذ ياسين
د. محمد محمود كالو/ أكاديمية الأندلس- الإمارات
المقدمة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وأصحابه الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإذا كان القرآن الكريم يشكِّل أفضل منهج لصناعة القدوات في كل مجالات الحياة، فإن من المهم أن نفهم المنهج القرآني من خلال ممثليه الذين طبّقوه ووعوه؛ وفهموا وغاصوا في أغواره، ولما كان الأستاذ عبد السلام ياسين قرآني القلب والعقل والمنطق، كان يحتفي بالقرآن الكريم احتفاء منقطع النظير، ويجعله مناط السيادة، ويردد كثيراً في مؤلفاته عبارة: “دولة القرآن” فيقول: ” في دولة القرآن يجب أن يسود القرآن سيادة مطلقة. مَن لا يدخل تحت لوائه فذلك فرقان ما بيننا وبينه”[1].
يُرينا القرآنُ الكريم أن قضية تطور المجتمع ورقيه وتوازنه وبقاءه يعتمد على مسألة تواصل العملية الإصلاحية، لأن من طبيعة الإنسان ارتكاب الأخطاء، وما لم يكن هناك مصلحون يمارسون التوجيه والإرشاد والدفع نحو الصلاح، فإن تراكم الأخطاء ينذر بتعرض المجتمع والإنسان لكوارث وأزمات كثيرة تؤدي به في الأخير إلى الهلاك.
ولكي تكون العملية الإصلاحية صحيحة وصائبة لابد أن تستند إلى مجموعة من المبادئ، منها مبدأ الرفق واللين، وثقافة اللاعنف، وهو مبدأ حث الله تعالى نبيه عليه في القرآن الكريم، فقال الله تعالى: “فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ” (آل عمران:159).
وهو المنهج الذي سار عليه الأستاذ عبد السلام ياسين واتخذه مبدأ مهماً في الدعوة والإصلاح فقال: “شرف المؤمن والمؤمنة في أزماننا هذه الغريقة في جاهليتها وجهلها بالله والمعاد أن يتعهدا البذرة الدفينة في كل فرد بالدعوة الحكيمة والرفق الحاني والمحبة والإيناس، حتى ينتعش الذابل، ويتفتق المكموم، وتتفتح الزهور عن حياة جديدة ثمرتها العمل الصالح المقبول عند الله”[2].
ولأن الناس في العادة يقتربون من الأشخاص الذين يتصفون بالأخلاق الرفيعة في التعامل، وبقدر ما تتكامل هذه الأخلاقيات في شخص ما؛ تكون جاذبيته وتأثيره في الآخرين أكبر، فصفة الرفق واللين والسلم واللاعنف من أهم الصفات التي تجعل الإنسان ناجحاً في حياته وقادراً على تجاوز الأزمات، ويمكن للإنسان الحكيم أن يحقق بالسلم واللين ما لا يحققه أكثر الناس قوة وشراسة بالعنف والشدة والقسوة، وحياتنا المعاصرة شاهدة على ذلك، حيث نرى أن أسلوب الرفق والحكمة واللاعنف يصل بالإنسان لأهدافه بصورة أسهل وأسرع.
وتبرز هذه الحقيقة في المنهاج النبوي وأسلوبه صلى الله عليه وسلم في التعامل مع جميع الناس، وفي كل مراحل الدعوة والتغيير الاجتماعي والديني، قال النبي صلى الله عليه وسلم: “ما كان الرفق في شيء إلا زانه، ولا نزع الرفق من شيء إلا شانه”([3]).
والتاريخ يشهد أن الرسول صلى الله عليه وسلم مارس أسلوب الرفق واللين واللاعنف ولم يبدأ بحرب أبداً، فطيلة ثلاث عشرة سنة على الهياج القبلي، جسَّد النبي صلى الله عليه وسلم نموذج اللاعنف الإسلامي ” فقد خاض النبي صلى الله عليه وسلم أو أدار بمهارة وإتقان خمسين مواجهة، مَنَحَنا من خلالها المثال على المدافعة الصلبة لكل اعتداء، دون ضراوة ولا إفراط. وكانت النتيجة أن عدد ضحايا هذه المواجهات بأجمعها لم يتجاوز تسعمائة رجل في المعسكرين سقطوا في ساحة القتال”[4].
فبالرفق واللين يكون تغيير الواقع لا بالعنف؛ لأن العنف يهدم ولا يبني وهو ما كان يدعوا إليه الأستاذ عبد السلام ياسين في نصائحه لأتباعه فيقول: “تريد تغيير واقع أليم، لا يغير العنف إلا المظاهر والهياكل النخرة”[5].
ويضيف: ” الرفض الانفعالي للحال التي وصلنا إليها، والتهييج والعنف، لن تؤدي إلى بناء حالة ترضي. العنف يهدم. وقد يخر البناء الهرم كله على رأس الكل في فتنة عارمة غاضبة قاتلة مبيدة”[6].
وفي هذا البحث سيعرض الباحث لمنهج الأستاذ عبد السلام ياسين، ومبدأه في الدعوة بالرفق واللين ونبذ العنف بكل أشكاله، لأن المجتمع الذي عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن بأحسن حالاً من المجتمعات العالميَّة الآن؛ فمن أشهر القوانين المهمة التي كان لها دور طائل في تقدم المسلمين ونجاحهم في مختلف الميادين هو قانون: اللين واللاّعنف، والذي أكّدت عليه الآيات المباركة فضلاً عن الأحاديث النبوية الشريفة.
لا يخفى أنّ الآيات الداعية إلى العفو وعدم ردّ الإساءة بمثلها هي في الوقت نفسه تدعو إلى اللاّعنف، فليس العفو إلاّ ضرب من ضروب اللاّعنف، وقال سبحانه: “إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوء فَإِنَّ اللهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً“(النساء: 149).
وقال تعالى مخاطباً رسوله الأكرم بأن يعفو عن المسلمين: “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الاَْمْرِ“(آل عمران:159).
وهناك مصداق آخر لنبذ العنف الذي يؤكّد عليه الإسلام وهو السلم والسلام، حيث إنّ الإسلام هو دين السلم وشعاره السلام، فبعد أن كان الجاهليون مولعين في العنف والحروب وسفك الدماء؛ جاء الإسلام وأخذ يدعوهم إلى السلم والوئام ونبذ العنف والحروب التي لا ينجم عنها سوى الدمار والفساد.
على هذا الأثر فإنّ آيات الذكر جاءت لتؤكّد على مسألة السلم والسلام، فقد قال عزّ من قائل مخاطباً عباده المؤمنين: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً“( البقرة:208).
وقد دُعي الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الجنح للسلم إذا جنح إليه المشركون، فقال عزّ من قائل: “وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ“( الأنفال:61).
إلى جانب ما ذكر من الآيات المؤكّدة على نبذ العنف والبطش، فإنّ هناك آيات أخرى صريحة تحثّ المسلمين على الصفح وغضّ النظر عن إساءة الآخرين، فمن هذه الآيات الداعية إلى الصفح الجميل هو قوله تعالى: “وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ“( التغابن:14).
وقال سبحانه وتعالى: “وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلاَ تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللهُ لَكُمْ“(النور: 22).
وكما أشاد القرآن الحكيم بأهميّة اللاّعنف ومدى تأثيره في نشر الإسلام، كذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يحثّ الناس باستمرار على العفو واللين وعدم ردّ الإساءة بمثلها.
فمشكلة العنف والقسوة والغلظة كانت متجذِّرة فيه بشكل رهيب، وتُمَارَسُ كأنها حقٌّ من الحقوق، فها هو ذا جعفر بن أبي طالب يصف للنجاشي حال المجتمع غير المسلم في قريش قائلاً: “أيها الملك، كُنَّا قومًا على الشرك؛ نعبد الأوثان، ونأكل الميتة، ونُسِيءُ الجوار، يستحلُّ المحارم بعضُنا من بعض في سفك الدماء وغيرها، لا نُحِلُّ شيئًا ولا نُحَرِّمه…”[7] كما يتجلى ظاهرة العنف في وَأْدِ البنات التي كانت منتشرة آنذاك.
وقد كتب الباحث دراسته بعد هذه المقدمة في مبحثين وخاتمة على الشكل التالي:
المبحث الأول: مركزية القرآن في فكر الأستاذ عبد السلام ياسين.
المبحث الثاني: الأساس القرآني لثقافة اللاعنف عند الأستاذ ياسين.
الخاتمة وتشتمل على النتائج.
والله أسأل أن يجعله خالصاً لوجهه الكريم إنه سميع مجيب.
المبحث الأول: مركزية القرآن في فكر الأستاذ عبد السلام ياسين
إنّ القرآن الكريم بلا شك كلام الله، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، عجز عن أن يأتي بمثله المتكلمون فصيحهم وبليغهم، والقرآن الكريم حمل في طياته العبر والعظات، والأخلاق والفوائد، والأوامر والنواهي، والبشائر والنذائر، فكان دستوراً لا يضاهيه أي دستور على وجه الأرض.
ولقد احتوى القرآن على علم جم، وفقه واسع، استخرجه العلماء، وفهمه البلغاء، واستنبطه الفقهاء، فساروا على نهجه وأوامره، لأن السير على خطاه تسكِّن النفس وتُطمْئِن القلب في الحياة أمماً وشعوباً وأفراداً وجماعات.
كيف لا والله عز وجل يقول: “إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا“(الإسراء:9) ففيه الهداية والأجر العظيم، وفيه البشارة المسعدة للناس ليسكنوا ويطمئنوا بسعادة الدارين.
بل هو شفاء في الدنيا ورحمة في الآخرة: “وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا“(الإسراء: 82).
لذلك نجد أن القرآن الكريم هو أساس العلم والحضارة الإسلامية التي أنقذت العالم من الويلات ودفعته إلى التقدم الهائل في أبعاد الحياة وعلى جميع المستويات بعد أن كان الناس يعيشون تحت حكم الإمبراطوريات المستبدة التي كانت تبطش بهم جميعاً.
ولقد كانت مركزية القرآن في فكر الأستاذ عبد السلام ياسين هي البوصلة في التعامل مع التراث، أي التعامل مع القرآن كأصل أو بتعبير آخر ” القرآن منشئ الأحكام” وهذا يقود إلى محاولة وزن التراث بميزانه، ورد كل المعارف النقلية التي أنتجها العقل الإسلامي على مر العصور إليه، وذلك للوصول إلى حالة من ضبط تلك العلوم بالبوصلة القرآنية.
قال الأستاذ عبد السلام ياسين: “كان القرآن مصدر العلم للجيل القرآني، يعلمون أنه العروة الوثقى، به يستمسكون، والهدى منه يلتمسون “[8].
فالقرآن الكريم هو مصدر الخلاص من الأزمة الإنسانية، ويمكن في ضوء نور القرآن أمام الأمة فَهْم الكون بأسره، “إنما يحتكم إلى القرآن، ويرقى فهمه إلى التلقي عن القرآن، ويحفظ حرمة القرآن، من كان القرآن ربيع قلبه، والنظر فيه قرة عينه، والامتثال له راحة روحه، لا يضيره مع هذا أن يستفيد من علوم الأئمة، وما من علم تناولوه إلا وهو في خدمة القرآن، راجع إلى القرآن، صادر عن القرآن، والسنة مبينة منيرة” [9].
وفي ضوء مركزية القرآن الكريم يريد الأستاذ عبد السلام أن يتميز المسلم حتى في بعض المصطلحات، فيحيي المصطلح القرآني المهجور، وينبذ المصطلح الدخيل، ومنها مصطلحا القومة والثورة، فيقول:
“قال الله تعالى : “وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا” (الجن:19). وفي القرآن: “وَأَن تَقُومُواْ لِلْيَتَامَى بِالْقِسْطِ“(النساء:127)، “كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ“(المائدة:8)، “كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ“(النساء:135).
المادة في القرآن كثيرة تقترن بالدعوة، والقسط وهو العدل، وتدل على القوة والإتقان،مثل”وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ” (الأنعام: 72)، وعلى الاستقامة، وهي بهذا اللفظ ومشتقاته كثير.
كان المسلمون في العهد الأول يميزون بين كلمة “القائم” وبين كلمة “الثائر“. فيطلقون الأول على من قام بالحق ضد حكام الجور، ويطلقون كلمة “ثائر” عل كل مسلح يحارب السلطان.
وفي الحديث النبوي كثيراً ما تقترن مادة “ثار” بالسلاح والاضطراب والحركة العنيفة. والثورة تغيير بالعنف للبيئة الاجتماعية، والقومة تغيير دوافع الإنسان وشخصيته وأفكاره، تغيير نفسه وعقله وسلوكه، تغيير يسبق ويصاحب التغيير السياسي الاجتماعي.
نفضل أن نتميز في التعبير، ونعيد لكلمة “قومة” مدلولها الإسلامي. ذلك أن “ثورة” تحتل اليوم على لسان كل متكلم، وفي خيال كل تواق لصرع الظالمين، مكانة محترمة. وتحمل في طيها معاني وأساليب وأهدافاً ليست منا ولم تنبت في أرضنا”[10]
وفي ضوء مركزية القرآن الكريم ينبثق مطالب قرآنية أخرى واضحة كالاجتهاد والحكم بما انزل الله من شورى وغيره يقول الأستاذ عبد السلام: “المنهاج والاجتهاد والحكم بما أنزل الله من شورى وعدل وإحسان هذه مطالب قرآنية لا نحتاج لإثباتها وإيجابها على أنفسنا بما أوجبها الله لسلوك طرائق المتقدمين في الاستدلال، ولن يثنينا عنها إن شاء الله التواء من يحاول أن يستر الشمس بكفه”[11].
إذن المركزية للقرآن الكريم، والسنة مبينة لأنها المنهاج، “قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: ” المنهاج ما جاءت به السنة” والذي جاءت به السنة، تطبيقاً للقرآن وتحكيماً له، الحكم بالشورى والعدل والإحسان، بها أُمِرَ رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه، وبها أُمرْنا معهم، وخصصت أجيالنا الصالحة ـ إن شاء الله ـ ببشرى الخلافة الثانية على منهاج النبوة “[12].
“فالمنهاج النبوي بشَّر بخلافة على منهاج النبوة بعد عصور العض والجبر[13]، ومنهاج النبوة عالمية الدعوة وقوتها وهداية الله للخلق” [14].
كما أن المنهاج النبوي ليست عقيدة سياسية أو فكرية فقط، بل هي منهاج تربوي وفطري قال الأستاذ عبد السلام ياسين:“المنهاج التربوي النبوي منهاج فطرة، لا منهاج إيديولوجية، هو منهاج عمل، لا منهاج جدل”[15].
لكن الذين يتيهون ويضلون تسمعهم “يتحدثون عن القرآن بصفته” كتاب حضارة” و”كتاب تاريخ” و”كتاب ثورة” انقطع في أذهانهم الكليلة وصل الإيمان بالله واليوم الآخر، فعاد عندهم القرآن من أساطير الأولين، لا من كلام رب العالمين، وهذا ما يمنع هؤلاء أن يتخذوا القرآن حاكماً يمنعهم الكفر”[16].
ولكي نبني الأمة على منهاج القرآن والسنة لا بد من الصبر الطويل، قال الأستاذ عبد السلام: “لكن القرآن والسنة يدلاّنِنا قبل كل شيء على الصبر الطويل لبناء الأمة، لإعادة بنائها على المنهاج النبوي وإقامة الخلافة الموعودة”[17].
ولكن ما السبب في أن هذا الطريق الطويل رغم أنه دين الفطرة؟ فهل هناك معوقات وعقبات؟ نعم، هناك عصر ساد فيه حديث الفلسفة والثقافة والفن واللذة والمنفعة و”السعادة” والمتعة والمردودية وتوابعها لذلك فالتحدث بلغة القرآن الكريم والسنة النبوية مَدخل صعب.
المبحث الثاني: الأساس القرآني لثقافة اللاعنف عند الأستاذ ياسين
وفي ضوء المركزية القرآنية اتخذ الأستاذ عبد السلام ياسين مبدأ الرفق واللين ونبذ العنف أساساً في الدعوة إلى الإسلام، فكتبه مليئة بحديثه عن اللاعنف والتغيير السلمي والتعامل مع الآخرين بالرفق واللين، وعدم تنفير المخالفين بالعنف والقسوة.
وذلك لأن القرآن الكريم حثَّ على اعتماد الرفق خياراً مبدئياً في نهج الدعوة إلى الاِسلام، واعتبره ركناً مهماً يقوم عليه صرح الهدى الرسالي للفكر والعقيدة الحقّة التي دعا إليها جميع الأنبياء والمرسلين، لذلك تعددت لغة الخطاب القرآني لتمتلئ بها كلّ الآفاق التي يمتد إليها الرفق في معانيه الواسعة وغاياته البعيدة.
الرفق في اللغة: قال ابن منظور: “الرفق: ضد العنف. رفق بالأمر وله وعليه يرفق رفقاً ورفق يرفق، ورفق: لطف… وفي حديث المزارعة: نهانا عن أمر كان بنا رافقاً أي: ذا رفق، والرفق: لين الجانب خلاف العنف”[18].
والرفيق: اسم من أسماء الله الحسنى، وهو مأخوذ من الرِّفق، الذي هو التأني في الأمور والتدرج فيها، وضده العنف، الذي هو الأخذ فيها بشدة واستعجال.
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه»[19].
أي إن الله تعالى لطيف بعباده يريد بهم اليسر ولا يريد بهم العسر، فلا يكلفهم فوق طاقتهم بل يسامحهم ويلطف بهم، (ويعطي على الرفق) في الدنيا: من الثناء الجميل ونيل المطالب وتسهيل المقاصد، وفي العقبى: من الثواب الجزيل (مالا يعطي على العنف) أي الشدة والمشقة، ووصف اللّه سبحانه وتعالى نفسه بالرفق إرشاداً وحثاً لنا على تحري الرفق واللين والبعد عن العنف في كل أمر.
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: إن الرفق هو المنهاج الإسلامي، “فليكن الرفقُ سِمَتُنا الواضحة، وشارتنا البائحة”[20] “ولنمارس وظيفتنا الدعوية بالرفق والحكمة والموعظة الحسنة والجدال بالتي هي أحسن”[21].
وما أعظم خطاب الله عز وجل لكليمه موسى وأخيه هارون عليهما السلام في قوله سبحانه وتعالى: “اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى “(طه: 43-44).
أي اذهبا إلى فرعون الطاغية الذي جاوز الحد في كفره وطغيانه وظلمه وعدوانه “َقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا “أي: سهلاً لطيفاً برفق ولين وأدب في اللفظ، من دون فحش ولا صلف، ولا غلظة في المقال، أو فظاظة في الأفعال “لَعَلَّهُ” بسبب القول اللين ” َتَذَكَّرُ” ما ينفعه فيأتيه “أَوْ يَخْشَى” ما يضره فيتركه، فإن القول اللين داع لذلك، والقول الغليظ منفر عن صاحبه، وقد فسر القول اللين في قوله تعالى : “فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى. وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى“(النازعات: 18-19).
ففي هذا الكلام من لطف القول وسهولته مالا يخفى على المتأمل فإنه أتى بـ “هَلْ” الدالة على العرض والمشاورة والتي لا يشمئز منها أحد، ودعاه إلى التزكي والتطهر من الأدناس التي أصلها التطهر عن الشرك، الذي يقبله كل عاقل سليم ولم يقل “أزكيك” بل قال “تَزَكَّى” أنت بنفسك، ثم دعاه إلى سبيل ربه الذي رباه وأنعم عليه بالنعم الظاهرة والباطنة التي ينبغي مقابلتها بشكرها وذكرها فقال: “وَأَهْدِيَكَ إِلَى رَبِّكَ فَتَخْشَى“.
يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: “خطاب الله تعالى في القرآن، وتعليم الله إيانا كيف نحاج ونخاطب؟ يتراوح بين الترغيب والزجر، بين اللين والقوة “يَا يَحْيَىٰ خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ“(مريم: 12).
“وَكَتَبْنَا لَهُ (موسى) فِي الْأَلْوَاحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْعِظَةً وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ“( الأعراف: 145).
يجب أن يكون خطابنا بالقرآن قوياً. فلا نسكت عن بعض ما تسيغه عقول الجاهلية المريضة.
لا نخاف في الله لومة لائم، أن نقول كلمة الحق. نجهر ولا نهمس.
ولموسى قال الله تعالى ولأخيه: “اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى. فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًاً“(طه: 44).
لكن ما العمل إذا كان فراعنتنا منافقين!؟
إن التعامل مع الكافر الصريح كفرعون واضح سبيله. ولين الكلمة من رجل أو رجلين أعزلين هو الدين.
لكن الفراعنة المنافقين بم يخاطبون؟
قال الله تعالى: “أُولَـَئِكَ الّذِينَ (أي المنافقون) يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لّهُمْ فِيَ أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً “(النساء: 63). هذا هو المنهاج للجهاد السياسي”[22].
ومن الآيات الواردة في الرفق واللين خطاب الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم قائلاً :
” فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ “(آل عمران:159).
واللين في المعاملة: هو الرفق، أي أنَّ لينك لهم مما يوجب دخولهم في الدين، لأنك تأتيهم مع سماحة أخلاقك وكرم سجيتك بالحجج والبراهين.
فلولا هذا الرفق الذي اعتمده الرسول مع من أُرسل اليهم؛ لما تمكن من استقطاب الناس حول رسالته، إذ إن الفظاظة والغلظة والعنف المناقضة للرفق واللين إذا ما اعتُمدت خياراً منهجياً في التبليغ والدعوة إلى الحق فإنَّ مردودها سيكون عكسياً، لذلك يقول الأستاذ عبد السلام ياسين: “قومة الداعي تبتدِئ بقومة الرسول في قومه، يخاطبهم بلسـانهم على الرفق لا على العنف. وكل داع بعد الرسول لم يبدأ ميسراً لا معسراً، مبشراً لا منفراً، جامعاً لجهد الصادقين لا مشتتاً فما هو من القوة في شيء”[23].
ويقول الأستاذ مخاطباً أتباعه:
“علِّموهم بسلوككم ووجهكم الطلق وكلمتكم الطيبة وهديتكم الأخوية في مجلس تدعونهم إليه برفق أن الإسلام هو الآدمية، وهو التقدمية، وهو المذهب الراسخ في التاريخ المتفوق في المضمار الحضاري…. كونوا إخوة متحابين رفقاء بينكم رحماء”[24].
ذلك لأن الغلظة والفظاظة والعنف لا تثمر استقطاب الناس حول ذلك الحق وإن كان أبلجاً، بل على العكس من ذلك، سيعمل على التنفير وانفضاض الناس من ساحة ذلك القطب الهادي والمنار الواضح.
ولهذا نصح الأستاذ عبد السلام ياسين طلبته أن يكون خطابهم للناس بالرفق والمحبة؛ وبالتي هي أحسن كي يصلوا إلى غايتهم وهي سماع كلامهم وتلبية دعوتهم فقال: ” ثم يكون خطابكم للناس تفسيراً وتعليماً ورفقاً محباً وحسناً، كونوا حسني الطوية، حسني الأخلاق، حسني الطلب للعلم، حسني الرتبة بين الأقران، ثم قولوا للناس حسناً يسمع قولكم وتلبّ دعوتكم”[25].
فالناس في حاجة إلى كنف رحيم، وإلى رعاية فائقة، وإلى بشاشة سمحة، وإلى ودٍّ يسعهم، وحلم لا يضيق بجهلهم وضعفهم ونقصهم، إنهم في حاجة إلى قلبٍ كبير يعطيهم ولا يحتاج منهم إلى عطاء، ويحمل همومهم ولا يثقلهم بهمّه، ويجدون عنده دائماً الاهتمام والرعاية والعطف والسماحة والودّ والرضا.
وتعميقاً لروح الرفق واللين واللاعنف التي يريدها الله عز وجل في الدعوة إلى الحق، جاء التأكيد في الآية المباركة على ما يجسد هذه الحالة عملياً بين يدي المؤمنين، فهي تأمر بالعفو لمن يُسيء، والغفران لمن يخطىء، ليتجلى الرفق ويظهر اللين في حركة التغيير والاصلاح على منهجية المبلغ الرسالي: “فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ” (آل عمران: 159).
والمقصود باللين هنا السهولة من غير ذلة ولا مهانة، يقول الأستاذ عبد السلام: ” أهل الجنة اللينون الذين يحبهم الله. اللينون لا عن مهانة وذلة نعوذ بالله، فإن الله عز وجل أخبرنا بأنه ضرب الذلة والمسكنة على بني إسرائيل، ورسوله صلى الله عليه وسلم كان يستعيذ بالله من الذلة والقلة[26]. لكن الموطأون أكنافاً الذين قال الله تعالى عنهم: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ“(المائدة:56).
لاحظ قوله تعالى: “أذلة على المؤمنين“. (على) حرف استعلاء، فالمؤمن حين يلين لإخوانه ويتواضع لهم؛ يعطي من ذات نفسه عن طوع لا عن إكراه ولا عن خوف.
وإن الجمع في شخصية المؤمن بين طرفي الذلة على المؤمنين، والعزة على الكافرين، لَمِن أهم بواطن التربية وأدقها، لأن المؤمن الضعيف يميل به ضَعفه إلى طبع الاستكانة والسكون، بينما يصول المستكبر ويَجول. رحم الله عمر بن الخطاب حين خفق بالدرة رجلاً رآه منكوس الرأس مُتماوِتاً، قال له: “أماتك الله! أَمَتَّ علينا ديننا!”[27].
ومن التحاب في الله واللين للمؤمنين تتألف عناصر القوة الجهادية، وعناصر الدفع في وجه العدو قال تعالى: “مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ “(الفتح:29). فما قدروا على تلك الشدة إلا بوجود هذه الرحمة.
ولذلك ما أنزل الله آيات الرفق واللين إلا لنتخلق بالجميل ونتطهر من القبيح، وهذا ما استنتجه الأستاذ عبدالسلام ياسين من الآية الكريمة ونصح به أتباعه فقال: “كلا والله ما أنزل الله علينا آيات الرأفة والرحمة واللين، وما قبّح لنا الفظاظة وغِلظَ القلب إلا لنتخلَّق بالجميل ونتحلى، ولنتطهر من القبيح ونتخلى، والأمر بذلك والترغيب فيه مؤكد في السنة النبوية”[28].
وروح هذا الكلام من مشكاة النبوة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّ هذا الدين متين فأوغلوا فيه برفق، ولا تُكرِّهوا عبادة الله إلى عباد الله فتكونوا كالراكب المُنْبَتِّ الذي لا سفراً قطع ولا ظهراً أبقى»[29].
إنّ هذا الدين متين، لاَنّه دين لكلِّ زمان ومكان، وكتابه تبيان لكلِّ شيء، فمن لم يدخل إلى حَرَمه برفق، وفق منهجية حكيمة، ينبهر بجماله، أو يصطدم بجلاله، ومن يتكلّف العبادة دفعة واحدة دون التدرج المرحلي المناسب للداخل في هذا الدين؛ يصعب عليه تحمل هذا الدين، وربما تركه، وبتركه يتخلى عن سعادته الدنيوية والأخروية، فعلى المبلِّغ أن يتصرف بحكمة متناهية في الدقة مع من يكسبه إلى الإسلام، ولا يحمله ما لا يطيق.
قال المناوي في شرح هذا الحديث: “إن هذا الدين متين” أي: صلب شديد، فأوغلوا: أي سيروا فيه برفق، ولا تحملوا على أنفسكم ما لا تطيقونه، فتعجزوا وتتركوا العمل … وقال الإمام الغزالي: أراد بذلك أن لا يكلف نفسه في أعماله الدينية ما يخالف العادة، بل يكون بتلطف وتدريج، فلا ينتقل دفعة واحدة إلى الطريق الأقصى في التبدل، فإن الطبع نفور، ولا يمكن نقله عن أخلاقه الرديئة إلا شيئاً فشيئاً حتى تنفصم الأخلاق المذمومة الراسخة فيه، ومن لم يراعِ التدريج وتوغل دفعة واحدة، ترقى إلى حالة تشق عليه، فتنعكس أموره، فيصير ما كان محبوباً عنده ممقوتاً، وما كان مكروهاً عنده مَشْرباً هنيئاً لا ينفر عنه”[30].
والمنبتُّ هو الذي انقطع به السير في السفر وعطلت راحلته ولم يقض وطره، فلا هو قطع الأرض التي أراد، ولا هو أبقى ظهره؛ أي دابته التي يركبها لينتفع بها فيما بعد، وهكذا من تكلف من العبادة ما لا يطيق، ربما يملُّ ويسأم، فينقطع عما كان يعمله.
ومن الآيات الواردة في الرفق واللين قوله تعالى: “واخفِضْ جَنَاحَكَ للمُؤمنِينَ” (الحجر:88) وخفض الجناح كناية عن الرفق واللين والتواضع ونبذ العنف.
قال القرطبي: “أي ألِن جانبك لمن آمن بك وتواضع لهم، وأصله أن الطائر إذا ضم فرخه إلى نفسه بسط جناحه ثم قبضه على الفرخ، فجعل ذلك وصفاً لتقريب الإنسان أتباعه”[31].
والتعبير عن تلك المعاني بخفض الجناح تعبير تصويري رائع يمثّل قمة اللطف والرعاية وحسن المعاملة ورقّة الجانب في صورة محسوسة سامقة على الطريقة الفنية في تعبير القرآن الكريم، تتدفق بالمودة والرأفة والتسامح ونظائر ذلك من مكارم الأخلاق التي لو وجدت طريقها في نفوس المؤمنين وغرست في قلوبهم لمارسوا عملية الانفتاح على الآخرين بأتم وجه، واقتطفوا ثمار سعيهم في إعلاء كلمة الحق، بردِّ الفعل المناسب من الانفتاح عليهم وقبول طرحهم.
ومن آيات الرفق واللين قوله تبارك وتعالى: ” وَعِبادُ الرَحمنِ الَّذينَ يَمشُونَ على الاَرضِ هَوناً وإذا خَاطَبهُم الجَاهِلُونَ قَالوا سَلامَاً “(الفرقان:63) فالله الرحمن الرحيم سبحانه وتعالى يعرّف عباده بجملة من الآيات المباركات في نهاية سورة الفرقان، ويبتدىء ذلك بهاتين الصفتين المذكورتين في الآية المتقدمة.
الصفة الأولى: هي السير على الأرض هوناً أي بسكينة ووقار بلا استعلاء وخيلاء، والهون: مصدر هان عليه الشيء يهون، أي: خفَّ، وهذا يعني أنّ مشيهم على الأرض مشية رفقٍ بها بحيث لا يثير غبارها، لسهولة التعامل معها واللين في تماسها، وخفّة الروح عليها، ومن كانت هذه صفته مع الأرض التي يطؤها فهو مع ساكنيها -من بني جنسه- أهون في تعامله، وأرقّ في معاشرته، وأخفّ في روحه.
وليس معنى “يَمشُونَ على الأرضِ هَوناً” أنّهم يمشون منكّسي الرؤوس متداعي الأركان، كما يدَّعي بعض الناس ممن يريدون إظهار التقوى والصلاح، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم «كان إذا مشى تكفّأ»[32] وهي مشية أُولي العزم والهمّة والشجاعة.
قال الإمام النووي: ” قوله: إذا مشى تكفأ هو بالهمز، وقد يترك همزه، وزعم كثيرون أن أكثر ما يروى بلا همز، وليس كما قالوا. قال شمر: أي مال يميناً وشمالاً كما تكفأ السفينة. قال الأزهري: هذا خطأ، لأن هذا صفة المختال، وإنما معناه أن يميل إلى سمته وقصد مشيه؛ كما قال في الرواية الأخرى: كأنما ينحط في صبب، قال القاضي: لا بعد فيما قاله شمر إذا كان خِلْقة وجِبِلَّة، والمذموم منه ما كان مستعملاً مقصوداً “[33].
وأما الصفة الثانية: فهي “وإذا خَاطَبهُم الجَاهِلُونَ قَالوا سَلامَاً” فهم لا يمارون الجاهل ولا يقارعونه بالحجة تلو الحجة التي لا يستطيع فهمها، بل يرفقون به ويقدّرون مبلغ علمه ومستوى جهله ويرأفون بحاله، وهذا يعني : أن الجاهل يبلغ به عُجْبُه بنفسه، وغروره بعلمه، بأن يرى الآخرين -وإن كانوا علماء- هم دونه في المستوى، وعند ذلك تسمح له تصوراته هذه في تنصيب نفسه خطيباً عليهم، له أن يتكلّم وعليهم أن يسمعوا.
ولذلك أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بالصبر على ما يسمعه من الأقوال البذيئة التي لا تليق ومقام النبوة، صبراً لا عتاب فيه على أحد، بل تركهم إلى الله سبحانه، مع الهجر الجميل الذي لا يترك في نفوسهم شيئاً من وخز الضمير ما داموا لم يقابَلوا بالمثل، بل بالهجر الجميل الذي لم يترك في نفوسهم اشمئزازاً من النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يزرع فيهم ما يحول بينهم وبينه مستقبلاً فلا يُقبِلوا عليه ولا يسمعوا هديه، بل كان هجراً جميلاً لم يقطع خيوط المودة، ولم يهدم جسور التواصل التي تمر من خلالها رسالة السماء.
والملاحظ في هذه الآية المباركة أن الله سبحانه وتعالى استخدم لفظة “الهجر” ولم يستخدم مكانها لفظة “الترك” مثلاً، ولعل الأمر يعود إلى أن (الترك) يعني التخلي تماماً عنهم، بينما (الهجر) يحمل معه معنى إمكانية الرجوع إليهم والتبليغ فيهم مرة ثانية، ولأجل هذه الاحتمالية يلزم أن يكون الهجر جميلاً؛ لأنهم في حاجة إلى المعاودة والنصح والإرشاد الذي لا يتحقق مع تواصل الهجر المستمر بلا انقطاع.
وهذا ما كان يحث عليه الأستاذ عبد السلام تلاميذه في معاملة أولئك القوم الذين بهرتهم تلك الحضارة الغربية المادية الضارة، فيقول لهم: ” علموهم برفق أن الحضارة الغربية في أزمتها القصوى، وأن الفلسفات المادية قد طلقها عقلاء العالم إلا تلامذة الفكر الجاهلي البلداء من أبناء جلدتنا. علِّموهم برفق وبمثال خلقكم وتماسك شخصيتكم وبدعوتكم وإرادتكم أن من كان الأصلح بموازين الاستقامة الإسلامية والإرادة الجهادية والأخوة المتضامنة هو الوارث. بالمثال علِّموا. بالرفق معه القوة لابرد الفعل العنيف”[34].
ومن آيات الرفق واللين في القرآن الكريم قوله سبحانه وتعالى: “وَلا تَستَوي الحَسنَةُ وَلا السّيّئةُ ادفَعْ بالَّتي هِي أحسَنُ فإذا الذِي بَينَكَ وَبينَهُ عَداوةٌ كأنَّهُ وَليٌ حَمِيمٌ“(فصلت:34) في هذه الآية المباركة يتبين لنا حكم الله جلّ جلاله في المجالين: التكويني والتشريعي، عند التفريق بين الحسن والحسنة من جهة، والسيء والسيئة من جهة اُخرى؛ إذ إنّ إرادته سبحانه شاءت أن تكون الطبيعة والعقل شاهديْن على التفاوت بين الاثنين، وإلاّ كان الحسن والقبيح على حدٍ سواء، والمحسن والمسيء بمنزلة واحدة، وواقع الحال ليس كذلك؛ إذ عدم التساوي بين الحسنة والسيئة مسلّم عند سائر العقلاء، ومقرر في جميع الشرائع دون خلاف.
ولا يخفى بأن الإساءة للآخرين لها آثارها السلبية في تحقيق التعاون والبر، وإثارة البغضاء والعداوة؛ لذا كان الأمر بدفعها من أقصر الطرق وأوضحها، وذلك بأن تقابل الإساءة بالإحسان؛ إذ الانسان مجبول على حب وتقدير من أحسن إليه.
وقد حملت لنا هذه الآية التوجيه الذي يمكن من خلاله الوصول إلى هذه الغاية السامية، وذلك بعقد مبدأ الرفق واللطف واللين في عملية التدافع بين الحسن والأحسن، فلا يُقدم الحسن على الأحسن، ولا الفاضل على الأفضل، أو المهم على الأهم، وهذه قاعدة عقلانية ترضاها النفوس والطبائع، وتدعو إليها الفطرة، وأمر بها الشرع الحنيف بقوله: “ادفَعْ بِالتي هِيَ أحسَنُ” إن الدفع بالتي هي أحسن والتحلي بالرفق واللين ونبذ العنف ليست قضية تخص البعد التبليغي فحسب بل تشمل جميع المجالات الحياتية الأخرى أيضاً.
وكان الأستاذ عبد السلام ياسين يدفع بالتي هي أحسن إذ يتخذ الإعجاب الذي يبديه المضللون بالإسلام قنطرة لوعيهم بالإسلام، وكان يحث أتباعه على فعل ذلك فيقول: ” ثم اتخذوا هذا الإعجاب الذي يبديه الطلبة المضللون وأساتذتهم وصحفهم بالإسلام وقوته المنبعثة قنطرة لتفهيم الإسلام، بالرفق والزورة والجلسة والبسمة والخدمة والكلمة الطيبة”[35].
ويبشر طلبته بأنهم إن فعلوا ذلك فسيقطفون ثمار عملهم الحسن، حينما يدفعون بالتي هي أحسن وذلك بالرفق واللين في دعوتهم للشباب الضائع فيقول الأستاذ عبد السلام: “اعلموا أحبتي الطلبة أنكم إن أعطيتم مثال الطهر والاستقامة والجد والحرص على العلم، والتقوى في الدراسة، مع الوجه الطلق، واليد المفتوحة، ستغلبون دواعي الحقد والعنف، والانتحار الخلقي، والإغراق في السلوك الدوابي لدى الشباب الضائع البئيس”[36].
ثم إن الآية الكريمة أسست بناءً مهذباً للنفوس يقوم على هذه الحقيقة المتينة في حكمتها، اللطيفة في رقتها، فقالت: “فَإذا الَّذي بَينَكَ وَبَينهُ عَدَاوةٌ كأنَّهُ وَليٌّ حَمِيمٌ” (فصلت:34) أي اصبر على الأذى، واكظم الغيظ، واحلم عمن أساء إليك، وتعامل معهم برفق ولين، ولطف يمسُّ قلوبهم القاسية فيحولها من قسوتها وجفوتها إلى التعاطف والتجاذب إليك، ومن غفوتها التي هي عليها، إلى اليقظة التي أنت فيها، فبالرفق واللين يعود “كَأنهُ وَليٌّ حَميمٌ” تستقطب مجامع قلوبهم إليك؛ حتى تصير آذان صاغية لهديك وارشادك، فتخرجهم من الظلمات والجهل؛ إلى النور والفكر الذي تدعو إليه.
ولما كان الأستاذ عبد السلام ياسين جعل مبدأه ومنهجه مركزية القرآن الكريم؛ كان يتخلق بأخلاق القرآن، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كان رحيماً ولطيفاً ورفيقاً بمن حوله، ينبذ العنف لأنه من خصال الجاهلية، فيقول: “لا نحب العنف ولا نقول به. ونعوذ بالله العلي العظيم من خصلة العنف، وهي ملمح من ملامح الجاهلية، ولازمة من لوازمها، ومعنى من معانيها”[37].
بل يأمر الأستاذ عبد السلام أتباعه بأن يكونوا رحمة في عملهم ودعوتهم فيقول لهم: ” لا تجعلوا أساس عملكم “الحوار العضلي” كونوا رحمة”[38].
ولما تحدث الاستاذ عبد السلام عن “تدريب الدعاة” وما ينبغي أن يتحلوا به قال: “تقتضي الاستقامة، ويقتضي الاتباع للهدي النبوي، أن يكون الرباط في حضن التربية مرحلة تهييئية لتدريب الدعاة على بسط الوجه ومادة الرفق وكلمة الخير وبشارة الفرح على المجتمع قاطبة”[39].
وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم حينما قال: «إنما أنا رحمة مهداة»[40]، قال: أنا رحمة، ولم يقل: أرسلت رحمة، حتى لا يتوهم بعضهم بغير برهان أن الرحمة في الرسالة وحدها، حينما يقرأ الآية الكريمة “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ” (الأنبياء: 107) فالرحمة في الرسالة والرسول صلى الله عليه وسلم معاً.
ثم تعلن الآية الكريمة أن مبدأ الرفق واللين والبلوغ من خلاله إلى درجة نبذ العنف، والدفع بالتي هي أحسن حتى يصير كأنه وليٌّ حميم؛ أمر يليق بأهل الدعوة السائرين في درب الهدى، إذ هم من زمرة الذين صبروا، وهذه الزمرة هي من ذوات “الحظ العظيم” أي من ذوات الرأي السديد، والعقل الراجح الرشيد “وَمَا يُلَقَّاهَا إلاّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّـهَا إلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ “(فصلت: 35).
الخاتمة (نسأل الله حسنها)
في نهاية هذه الدراسة يرى الباحث أن من حقوق علمائنا علينا -الذين منحونا عصارة فكرهم، وزبدة تجاربهم، وبذلوا كثيراً من جهدهم ووقتهم وصحتهم خدمة للأجيال، وقدموا أرواحهم رخيصة في سبيل الذود عن دينهم وكرامة أمتهم- أن نعنى بتراثهم خدمة وجمعاً وإخراجاً، وأن نبذل الجهد والوقت والمال كي ينتفع بها الناس.
وقد توصل الباحث من خلال هذه الرحلة في فكر الأستاذ عبد السلام إلى نتائج، ولعل من أهمها:
1- أن البوصلة في فكر الأستاذ عبد السلام كانت مركزية القرآن الكريم في التعامل، والسنة مبينة وموضحة لأنها المنهاج، والمنهاج النبوي يبشَّر بخلافة على منهاج النبوة بعد عصور العض والجبر.
2- أن الأستاذ عبد السلام وفي ضوء المركزية القرآنية اتخذ مبدأ الرفق واللين ونبذ العنف أساساً في الدعوة إلى الإسلام، لأن الإسلام يدعو إلى خفض الجناح للمؤمنين رفقاً بهم وتواضعاً لهم، ولأن الرفق واللين من أهم عوامل استقطاب الناس في درب الحق.
3- أن الأستاذ عبد السلام كان يكره العنف، بل يتعوذ بالله من خصلة العنف، ويقول: بأنها ملمح من ملامح الجاهلية، وكان يحث أتباعه على الرفق واللين والدفع بالتي هي أحسن حتى يصير كأنه وليٌّ حميم، وكان ينشر ثقافة اللاعنف وخاصة مع أولئك الشباب المعاندين والتائهين من أجل خيرهم في الدنيا وصلاحهم في الآخرة.
التوصيات:
بعد هذه السياحة الماتعة في فكر الأستاذ عبد السلام ياسين، أوصي نفسي وعموم المسلمين بلزوم تقوى الله عز وجل في السر والعلانية، لأن التقوى هي السلاح الأمضى والأقوى في مواجهة كيد الأعداء والمتربصين والحاقدين على الإسلام وأهله.
كما أوصي بالاعتماد على القواعد الأصيلة، والأسس الثابتة، والضوابط التي وضعها الأئمة الصالحون الصادقون المخلصون أمثال الأستاذ عبد السلام ياسين ليكون ذلك الالتزام بهذا المنهاج مأمناً من الانحراف والانجراف في تلك المتاهات المظلمة، وإن لم يفعل المسلمون ذلك فليعلموا أن الله تبارك وتعالى قال: “وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ“(سورة محمد:38).
كما أوصي بما يلي:
1- بضرورة عقد مثل هذه المؤتمرات -شكر الله القائمين عليها- بين الحين والآخر لتذكير الأمة في هذا العصر بجهود العلماء المخلصين الأبرار، وتعزيز ثقة الأمة بعلمائها، وأن تعمم خلاصة أعمال المؤتمر على المؤسسات العلمية.
2- الحث على العناية بتراث الأستاذ عبد السلام ياسين لأهميتها، قراءة ودراسة وشرحاً وبياناً، وإبراز أفكاره النيرة وتوضيحها، ومن ثم إيصالها لجميع الناس.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.
المصادر والمراجع
القرآن الكريم.
أولاً: الكتب:
1- أحمد بن الحسين البيهقي (458هـ)، سنن البيهقي: (السنن الكبرى) دار المعرفة، بيروت (د.ت).
2- أحمد بن حنبل (204 هـ)، المسند، طبعة مؤسسة قرطبة، مصر (د.ت).
3- ياسين، عبد السلام، الإحسان، الجزء الأول. الدار البيضاء: دار الآفاق، الطبعة الأولى، 1998م.
4- ياسين، عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ، دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية، الطبعة الثانية 1415هـ /1995م.
5- ياسين، عبد السلام، محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى، دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية، الطبعة الثانية 1415 هـ /1995م.
6- ياسين، عبد السلام، القرآن والنبوة، دار لبنان للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1430/2010م.
7- ياسين، عبد السلام، رسالة إلى كل طالب وطالبة، دار البشير بمصر، الطبعة الأولى 1416هـ/ 1996م.
8- ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، دار البشير، الطبعة الثالثة، 2001م.
9- ياسين، عبد السلام، رجال القومة والإصلاح، الطبعة الأولى 2001م.
10- ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيماً وزحفاً، الطبعة الثالثة، 1994م.
11- ياسين، عبد السلام، الإسلام والحداثة، الطبعة الأولى، 2000م.
12- ياسين، عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم، دار الآفاق، الطبعة الثانية، 2000م.
13- عبد الملك بن هشام، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، دار الصحابة للتراث بطنطا، الطبعة الأولى، 1416هـ /1995م.
14- عبد الله بن عبد الرحمن التميمي الدارمي السمرقندي (255هـ) سنن الدارمي، نشر دار إحياء السنة النبوية (د.ت).
15- عبد الوهاب بن علي بن عبد الكافي السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، تحقيق: محمود محمد الطناحي، عبد الفتاح الحلو، نشر: فيصل عيسى البابي الحلبي 1383هـ/ 1964م.
16- عمر بن مسعود الحدوشي، الجهل والإجرام في حزب العدل والإحسان، طبعة طنجة 1413هـ.
17- محمد بن أحمد الأنصاري القرطبي (ت 671 هـ)، الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمن من السنة وأحكام الفرقان، تحقيق: هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب، الرياض، 1423 هـ/ 2003م.
18- محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي (748 هـ)، سير أعلام النبلاء، تحقيق: حسان عبد المنان، بيت الأفكار الدولية (د.ت).
19- محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين المشهور بالمناوي(ت 1031 هـ)، فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1415 هـ/ 1994م.
20- محمد بن مكرم الشهير بابن منظور، لسان العرب، دار صادر، 2003م.
21- مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري (261 هـ)، صحيح الإمام مسلم، تحقيق وترقيم: محمد فؤاد عبدالباقي، دار الفكر، بيروت 1398هـ.
22- يحيى بن شرف النووي (676هـ)، شرح صحيح الإمام مسلم، الطبعة الثانية، دار إحياء التراث العربي، بيروت، 1392هـ/ 1972م.
ثانياً: الجرائد:
23- جريدة التجديد، حوار مع الدكتور عبد العالي مجدوب يحكي فيه تفاصيل المسار الدعوي للأستاذ عبد السلام ياسين، تاريخ النشر: السبت 6 أكتوبر/تشرين الأول 2007م.
ثالثاً: المواقع الإلكترونية:
24- موقع الأستاذ عبد السلام ياسين:
http://www.yassine.net/ar/index/index.shtml
25- موقع الجزيرة نت، الأخبار:
http://www.aljazeera.net/news?GoogleStatID=33
26- موقع جماعة العدل والإحسان:
http://www.aljamaa.net/ar/index/index.shtml
27- موقع قصة الإسلام بإشراف د. راغب السرجاني:
28- موقع “مؤتمرات في نظرية المنهاج النبوي” صفحة (معالم في سيرة الأستاذ عبد السلام ياسين):
http://yassineconferences.net/ar/index/
[1] ياسين، عبد السلام، القرآن والنبوة، دار لبنان للطباعة والنشر، الطبعة الأولى، 1430/ 2010م: 18.
[2] ياسين، عبد السلام، رسالة إلى كل طالب وطالبة، دار البشير بمصر، الطبعة الأولى 1416هـ 1996م، ص28 ـ 29.
[3] رواه الإمام أحمد في مسند العشرة المبشرين بالجنة، رقم الحديث: 13271.
[4] ياسين، عبد السلام، الإسلام والحداثة، الطبعة الأولى، 2000م، ص217.
[5] ياسين، عبد السلام، رسالة إلى كل طالب وطالبة، ص19.
[6] ياسين، عبد السلام، رسالة إلى كل طالب وطالبة، ص20.
[7] ابن هشام، عبدالملك، سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، دار الصحابة للتراث بطنطا، الطبعة الأولى، 1416هـ 1995م: 1/423.
[8] ياسين، عبد السلام، القرآن والنبوة، ص14.
[9] ياسين، عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ، دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية، مصر، الطبعة الثانية 1415هـ 1995م، ص24.
[10] ياسين، عبد السلام، رجال القومة والإصلاح، الطبعة الأولى، 2001م، ص7.
[11] ياسين، عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ، 2001م، ص23.
[12] ياسين، عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ، ص23.
[13] في هذا إشارة إلى حديث النبي صلى الله عليه وسلم: “تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فيكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم يكون ملكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على منهاج النبوة، ثم سكت” رواه أحمد في المسند رقم الحديث: 18406. وهذا الحديث خبر منه – صلى الله عليه وسلم – عن أمر أمته وأنها تمر بخمس أحوال:
الحالة الأولى: حال النبوة وهو أكمل أحوالها حيث يوجد نبيها -عليه السلام- ويتنزل الوحي إليه، ويرشد الأمة إلى الحق والخير.
والحالة الثانية: خلافة على منهاج النبوة، وهي تلك الفترة الذهبية من عمر هذه الأمة.
الحالة الثالثة: الملك العضوض وهو الذي يصيب الرعية فيه عسف وظلم، كأنه معضوض فيه عضاً، ويقال عضوض بضم العين وأعضاد جمع عض وهو الخبيث الشرس.
الحالة الرابعة: الملك الجبري وهو الذي يكون فيه عتو وقهر.
الحالة الخامسة: خلافة على منهاج النبوة.
وواضح أن الدورين الأول والثاني: (النبوة والخلافة الراشدة) انتهيا بزوال الخلافة الراشدة، وأن الدور الثالث: ( الملك العاض) استمر حتى زوال الدولة العثمانية، وأن الدور الرابع: (الملك الجبري) هو الذي نحن فيه الآن، وأن الدور الخامس: (الخلافة على منهاج النبوة) قادم قريباً بإذن الله تعالى.
[14] ياسين، عبد السلام، محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى، دار البشير للثقافة والعلوم الإسلامية، مصر، الطبعة الثانية 1415 هـ 1995م، ص52.
[15] ياسين، عبد السلام، محنة العقل المسلم، ص52، والإيديولوجية: هي العقيدة السياسية أو الفكرية.
[16] ياسين، عبد السلام، نظرات في الفقه والتاريخ، ص25.
[17] ياسين، عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم، دار الآفاق، الطبعة الثانية، 2000م، ص614.
[18] ابن منظور، محمد بن مكرم الشهير، لسان العرب، دار صادر، 2003، مادة (رفق).
[19] رواه مسلم في كتاب البر والصلة، باب فضل الرفق، رقم الحديث:2593.
[20] ياسين، عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم، ص429.
[21] ياسين، عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم، ص561.
[22] ياسين، عبد السلام، المنهاج النبوي تربية وتنظيماً وزحفاً، الطبعة الثالثة، 1994م، ص401.
[23] ياسين، عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم، ص262.
[24] ياسين، عبد السلام، رسالة إلى كل طالب وطالبة، ص40.
[25] ياسين، عبد السلام، رسالة إلى كل طالب وطالبة، ص53.
[26] عن أبي هريرة رضي الله عنه، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْفَقْرِ وَالْقِلَّةِ وَالذِّلَّةِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ أَظْلِمَ أَوْ أُظْلَمَ» رواه البيهقي في الدعوات الكبير برقم: 285.
[27] ياسين، عبد السلام، الإحسان:1/486.
[28] ياسين، عبد السلام، تنوير المؤمنات، دار البشير، الطبعة الثالثة، 2001م:1/71.
[29] أخرجه البيهقي وضعفه العجلوني في كشف الخفاء، وقد روى الإمام أحمد في المسند الجملة الأولى منه وهي قوله: “إن هذا الدين متين، فأوغلوا فيه برفق”.
[30] المناوي، محمد عبد الرؤوف بن تاج العارفين (ت1031 هـ)، فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير، دار الكتب العلمية، بيروت، الطبعة الأولى 1415 هـ 1994 م: 2/690.
[31] القرطبي، محمد بن أحمد الأنصاري (ت 671 هـ)، الجامع لأحكام القرآن، والمبين لما تضمن من السنة وأحكام الفرقان، تحقيق: هشام سمير البخاري، دار عالم الكتب، الرياض، 1423 هـ/ 2003م: 10/57.
[32] رواه مسلم، كتاب الفضائل، باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم ولين مسه والتبرك بمسحه، رقم الحديث: 2330.
[33] النووي، يحيى بن شرف، شرح صحيح مسلم، كتاب الفضائل، باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم ولين مسه والتبرك بمسحه، رقم الحديث: 2330.
[34] ياسين، عبد السلام، رسالة إلى كل طالب وطالبة، ص45 ـ 46.
[35] ياسين، عبد السلام، رسالة إلى كل طالب وطالبة، ص49.
[36] ياسين، عبد السلام، رسالة إلى كل طالب وطالبة، ص38 ـ 39.
[37] ياسين، عبد السلام، العدل: الإسلاميون والحكم، ص628.
[38] ياسين، عبد السلام، رسالة إلى كل طالب وطالبة، ص39.
[39] ياسين، عبد السلام، محنة العقل المسلم بين سيادة الوحي وسيطرة الهوى، ص72.
[40] رواه الدارمي في سننه، باب كيف كان أول شأن النبي صلى الله عليه وسلم، رقم الحديث:15، والحاكم وصححه على شرطهما ووافقه الذهبي.