إصدار كتاب: مراجعات في التراث المقاصدي والأصولي والفقهي عند الإمام عبد السلام ياسين
دأبا على مسلكها في التشجيع على البحث العلمي في الفكر الإسلامي التجديدي عموما، وفكر الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله خصوصا، أعلنت مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين للأبحاث والدراسات عن النسخة الأولى من جائزة:”المنهاج النبوي” للكتابة في فكر الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله تعالى، خلال مطلع سنة 2019م، وتضمنت هذه الجائزة الدولية فرعيين أساسيين:
الفرع الأول: خاص بالبحوث الجامعية (ماجستير ودكتوراه) المناقشة ما بين 2006 و2018.
الفرع الثاني: خاص بمشاريع الكتب التي تبسط القضايا التصورية للمنهاج النبوي كما أثلها الإمام ياسين، وفق المنهجين الآتيين:
– الأول: بيان، وتفسير، وتفصيل قضية كبرى من القضايا التي تناولها المنهاج النبوي.
– الثاني: مقارنة فكر الرجل ومنهجه في تفكيك تلك القضايا الجوهرية مع بعض رواد الفكر الإنساني، أو أحد أعلام الفكر الإسلامي الحديث.
وقد رامت المؤسسة من خلال هذه المبادرة تحقيق الأهداف الآتية:
- التشجيع على دراسة، وكشف مكنونات فكر الإمام ياسين ودرره، في شتى المجالات: التربوية، والسياسية، والمعرفية، والمنهجية، والاجتماعية، وغيرها.
- بحث سبل الاستفادة العملية من مقترحات الإمام في واقعنا المعيش، وتوظيف منهجه في دراسة تاريخ المسلمين وحاضرهم، فكرهم وسلوكهم، والمسؤوليات المنوطة بهم أفرادا ومجتمعا.
- استثمار التراث الفكري للإمام المجدد كرأسمال لإصلاح الفرد، والنهوض بالأمة الإسلامية من كبوتها، خاصة وقد انصبت جل اهتماماته على ثنائية الفرد والجماعة؛ سواء في تشخيصه للداء، أو في دلالته على سبل العلاج.
- مقارنة مدرسة الإمام الفكرية – محتوى، وسلوكا فرديا، وبناء جماعيا – بباقي مدارس الفكر الإسلامي الحديث، وإبراز القواسم المشتركة بينها.
وبعد انقضاء الأجل المحدد، انكبت اللجنة العلمية للجائزة على تقويم الأعمال المتوَصل بها، وأسفرت نتائجها المعلنة خلال شهر أبريل 2020م، عن ثلاثة فائزين، كالآتي:
– الفرع الأول (الرسائل والأطاريح): الباحث وسيم عوني صلاح أبو الحسن من فلسطين عن رسالته بعنوان: عبد السلام ياسين وأثره على علم المقاصد في العصر الحديث.
– الفرع الثاني (الكتب): في المرتبة الأولى: الأستاذ الدكتور محماد رفيع (المغرب) عن كتابه: مراجعات في التراث المقاصدي والأصولي والفقهي عند الإمام عبد السلام ياسين، وفي المرتبة الثانية الدكتور مصطفى شكري (المغرب) عن كتابه: الأدب الإسلامي بلاغ وبيان: عرض تحليلي للرؤية التنظيرية لمفهوم الأدب عند الإمام عبد السلام ياسين.
وتسعد مؤسسة الإمام عبد السلام ياسين للأبحاث والدراسات اليوم بالتقديم للمصنَّف الفائز بجائزة الكتب، ووضعه بين يدي القراء، شاكرة لصاحبه ما سطرت أنامله، وراجية من العلي الوهاب أن يكون من العلم المنتفع به الذي لا ينقطع أثره وأجره.
إن كتاب “مراجعات في التراث المقاصدي والأصولي والفقهي عند الإمام عبد السلام ياسين” هذا، الحائز على الرتبة الأولى في النسخة الأولى من جائزة المنهاج النبوي (2019) / فرع: الكتب، سفر جليل في موضوعه، ثري بقضاياه وأسئلته، عظيم الفائدة في استنتاجاته وخلاصاته.
وقد جال فيه صاحبه الدكتور محماد رفيع حفظه الله بين عدة قضايا شائكة في تاريخ وحاضر الفكر الإسلامي، يعتبر حسمها مفتاحا لحقبة جديدة في مسار الأمة وطريق نهضتها من كبوتها العلمية والقيمية والحضارية. وانضوى هذا العمل على أربعة فصول، مثلت أركانه وعماده الأساسية، وخصص الأول منها لمراجعات في التراث العلمي عند الإمام ياسين عند الإمام ياسين مقصدا ومنهجا، وتناوله من زاويتين: زاوية مقاصد مراجعات التراث العلمي عند الإمام عبد السلام ياسين، وزاوية الأصول المنهجية لتلك المراجعات. وانبرى في الفصل الثاني لمعالجة قضايا المراجعة في التراث المقاصدي انطلاقا من المراجعة النظرية للدرس المقاصدي، وصولا إلى المراجعة التطبيقية لهذا الدرس. فيما أفرد الفصل الثالث لقضايا المراجعة في التراث الأصولي، من خلال داعي القول بمراجعة الدرس الأصولي أولا، ومراجعة في تثمين الدرس الأصولي أصالة ومنهجا ثانيا، ثم مراجعة مبحث الاجتهاد ثالثا. لينتهي في الفصل الرابع إلى مناقشة قضايا المراجعة في التراث الفقهي في شقيها المنهجي والمعرفي.
فضلا عن مقدمة خصصها لبسط إشكال ومنهج هذه الدراسة وأهدافها وخطوطها العريضة، ثم مدخل منهجي تناول فيه بالتدقيق والإيضاح أبرز المفاهيم المستعملة فيها، وخاصة منها المتدخلة في تركيب العنوان بوصفه صيغة مركزة لإشكالية الكتاب وقضاياه الكبرى، وأخيرا خاتمة، ضمنها أهم نتائج وتوصيات الدراسة. وأنهى عمله بلائحة ثرية من المصادر والمراجع التي كان عليها مدار التحليل والمناقشة.
وقد كان صاحب الكتاب موفقا إلى حد بعيد في الكشف عن دقائق الرؤية المنهاجية في التراث الفقهي والأصولي والمقاصدي، وما يتصل بها من مباحث في غاية الأهمية، من قبيل: السياق التاريخي للتراث الفقهي والأصولي الإسلامي، ومراجعة الدرس الأصولي، وتفكيك مسألة الاجتهاد، والدعوة إلى الفصل بين قضية الحفظ والطلب في المقاصد، والتمييز بين الفقه الجزئي والكلي، والثابت والمتغير في الأحكام الشرعية، وتناول قضايا من الفقه السياسي وفقه المرأة المسلمة برؤية تجديدية، وغيرها، وفق مقاربة لا تنفك فيها مصالح الأمة، ومقاصد وحدتها وما تقتضيه من اقتحام جهادي جماعي، وضروراته المادية والتنظيمية، عن هم الآخرة الفردي، والسعي لمرضاة الله عز وجل، والترقي في مدارج القرب منه وطلب وجهه الكريم، “وإنما ينفع علم الفقيه الأمة يوم يتكامل نظرة شاملة عن الكون وخالقه، والإنسان ومصيره، والتاريخ وسنة الله فيه، والإسلام وحركته في الزمان والمكان، وواقع المسلمين وأسباب تخلفهم، وضرورة تجديد دين الأمة ومنهاجه، والعقبات الخارجية والداخلية، النفسية والاقتصادية والاجتماعية أمام هذا التجديد، والزحف الذي يوصل جند الله إلى الغلبة والنصرة وتنظيم الدولة الإسلامية وتوحيد المسلمين، وتأهيل الأمة لقيادة العالم وحمل الرسالة.”. [المنهاج النبوي – ص 211].
وكل ذلك ليس بغريب على الأستاذ الدكتور محماد رفيع والذي له من اسمه نصيب الرفعة والسمو في الهمة وطلب العلم وبذله، والمرافعة عن الحق والذود عن حياضه، ذي التصانيف الغزيرة، المتبحر في علمي الأصول والمقاصد، والمتقن لفني الجدل والمناظرة، والمحصل للعلوم الشرعية عن أهلها في “المحاضر” التقليدية، والمؤسسات الأكاديمية على السواء. كما أنه شب في حضن مدرسة “المنهاج النبوي”، مما أهله للتعرف عن كثب على كتابات الإمام المجدد، والانكباب على دراسة معانيها ومبانيها حتى صار واحدا من خبرائها، الملم بمقاصدها العلمية والعملية، والعقلية والسلوكية، وأبعادها الفردية والمجتمعية والتنظيمية…
فإن تكلم في الموضوع فعن جدارة واستحقاق، وإن خاض في علوم الفقه والأصول والمقاصد فهو ابن بجدتها، الماسك بأعنتها. نرجو له التوفيق والسداد والمزيد من الريادة والعطاء والرفعة والارتقاء. إن هذا الكتاب، بوصفة إحدى ثمار النسخة الأولى من جائزة المنهاج النبوي، نعتبره فاتحة لكتب وتصانيف متعددة، نأمل أن تغطي جوانب أخرى من أضلاع الفكر المنهاجي، وتبرز قيمتها وأهميتها، وتفصل مجملها، وتبسط أهدافها وجدواها، والله من وراء القصد، وهو يهدي إلى سواء السبيل، “وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون” [التوبة / 105].