أصل ثابت يؤتي أكله كل حين

0 353

✍🏽⁩ خالد العسري

– تحتفي جماعة العدل والإحسان بذكرى اكتمال عقدها الرابع على وجودها، وهو وجود مدينة فيه بعد الله عز وجل لمؤسسها الأستاذ المرشد عبد السلام ياسين رحمه الله الذي سبقت تنظيراتُه الجماعةَ بعقد من الزمن، ويستحيل في أي حين التأريخ للجماعة دون التوقف عند هذه الشخصية الفذة التي نبتت في التراب المغربي.

– تميز الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله بخصائص قل ما تجتمع في شخص واحد، وعلة تميزه، أنه:

:: من أولياء الله عز وجل الكُمَّل، رجل ربانية وعلم وحلم وحكمة وهمة. وعن تجربة شخصية أحكي، فقد زرته في مجالس كثيرة، فما خلا مجلس واحد بتذكير الحضور بالله، باليوم الآخر، بالعمل الصالح، بالتوبة، بحفظ القرآن… ولم تكن تذكرته عرضا، بل كانت الأصل وغيرها من الهموم الدنيوية عرض. وقد كانت أهم مكتوباته في هذا الباب، مؤلفه الذي لن تبليه السنون مهما تطاولت: “الإحسان” بجزايه.

:: مجتهد مطلق، بالاصطلاح الفقهي، حصَّن بناءه العلمي بترسانة من المفاهيم التي لا يمكن أن تبلى، وكيف تبلى وهي تمتح من المصطلح القرآني أو النبوي؟ وهو ما شكله في “المنهاج النبوي”. المنهاج بمعنى: كمال التصور، وكمال النظر، وكمال العلم. والمنهاج: بمعنى المنهجية، والآلية، والمفتاح. و كل مجتهد مقيد في مدرسته، تقيده تصورات الإمام، وآليات الفهم والتنزيل التي أثلها الإمام.

:: مفكر ألمعي من العيار الثقيل، أصل وأبدع بناء نظريا عابرا للتخصصات، ومكتوبات الإمام يتداخل فيها: الفقهي، المقاصدي، الأصولي، التاريخي، العلومي، الاقتصادي، الاجتماعي، السياسي… وكل ذلك امتزج ليمنح لتصوراته فرادتها التي تمنح للمطلع عليها القدرة على تحليل التاريخ من داخل منطقها، ونقد الواقع، واستشراف تحديات المستقبل.

:: رجل جهاد ميداني، وجهاده لم يظل حبيس مقولة: “قل كلمتك وامش”، بل أتبعها ببناء جماعة “العدل والإحسان” التي أصبح شعار تسميتها دالا على مهماتها الكبرى التي خطها الإمام رحمه الله. ولا يمكن لمؤرخ لمرحلة الإمام رحمه الله أن يقفز على رسالتيه “الإسلام أو الطوفان”، و”مذكرة إلى من يهمه الأمر”، وقد أدى الثمن سنوات من عمره في المعتقل أو تحت الإقامة الجبرية.

– لا شك أن غياب رجل من الأهرامات العملاقة في التنظير والتربية والجهاد يترك ثغرة في الأمة بله في تنظيم العدل والإحسان، لكن ما يحسب للرجل أنه اشتغل ليترك من بعده جماعة تكمل مشواره بعقلية ونفسية “رجولة المسؤولية” لا “الصبيانية الباكية”.

– وإن كان يصعب أن تجد من داخل صف الجماعة من يدعي مقامه فإن مجموع التنظيم يقوم ذاك المقام، وهو ما يفسر حرص الإمام على ثلاث:

1- مأسسة الجماعة لا شخصنتها؛
2- دعم شعار الصحبة والجماعة بالصحبة في الجماعة؛
3- غاية الحفاظ على وحدة الصحبة والجماعة أن لا ينفرط ما بينهما من وصل.

– من المؤكد أن هذه الثلاثية تدور جميعها على الحرص على وحدة الجماعة. أما ترجمته فبترسيخ وفاء كل أبناء وبنات الجماعة لمشروع “العدل والإحسان”، وعدم الفصل بين “الصحبة والجماعة” و”الصحبة في الجماعة”، والحرص على الجمع لا التفرقة، والبناء لا الهدم.

– أما بالنسبة لقيادة الجماعة فالنصح والتحذير في حقها آكد. وهو ما استجابت له بتدبير أمر خلافته بناظمتي: الشورى والمحبة، والطاعة تالية. أما الوصية بالنص فمتن شيعي أو عرف صوفي لم يقره الإمام في حياته أو مكتوباته.

– وعلى ضوء كل ذلك تفهم مقالة الإمام رحمه الله في “المنهاج النبوي”: “نعتبر شيخا ومربيا صالحا للجهاد من آتاه الله من فضله، زيادة على ما يؤتي أحياءه من سر، وفتح، وكشف، ومعرفة بربه، وتقوى، واتباع لسنة رسول صلى الله عليه وسلم، مزية لا تعدلها – بالنسبة لمستقبل الأمة – مزية، خصلة من خصال الإيمان لا تعدلها خصلة بالنسبة لمستقبل الأمة، ألا وهي جمع الجماعة والحفاظ على وحدتها”.

– رحم الله الإمام عبد السلام ياسين بما ربى، وعلم، وبنى.